آفاق التصعيد العسكري بين الهند وباكستان خول “كشمير”

 


آفاق التصعيد العسكري بين الهند وباكستان خول "كشمير"

 

جاء التوتر الاخير بين الهند وباكستان، وتبادل القصف المدفعي وإسقاط متبادل لمقاتلات حربية من كلا الجانبين، واسر طيارين بعد قصف في العمق، والمخاوف من اندلاع حرب بين القوتين النوويتين، ليطرح تساؤلات حول الدافع من وراء تصعيد المناوشات .. هل هي استعراض عضلات بها تُحقق مصالح شخصية مثل الانتخابات بالهند أو أن هناك أيادي خارجية تريد أن تشعل الحرب في القارة الهندية في ضوء الدعم الصيني للهند والدعم الامريكي لباكستان.

وانتشرت تكهنات عديدة حول الحرب الهندية الباكستانية، مثل علاقة زيارة "محمد بن سلمان" لباكستان باندلاع الحرب؟، وهل ثمة من يحاول إشعال فتيل الحرب بين البلدين النوويين للقضاء على القوة الإسلامية النووية الوحيدة (باكستان)؟.

وبدأت الازمة التي اندلعت عقبها الاشتباكات في 14 فبراير حين استهدفت مجموعة اسلامية مسلحة (جيش محمد) تستهدف تحرير الشق المحتل من كشمير الهندية، قافلة أمنية هندية في "جامو وكشمير" وتسببت بمقتل 44 جنديا هنديا، وإصابة 20 آخرين بجروح، لتوجه نيودلهي أصابع الاتهام باتجاه إسلام أباد، المتهمة بإيواء ودعم هذه المجموعات الكشميرية.

وأعلنت جماعة "جيش محمد" المسلحة مسؤوليتها عن الهجوم الذي تسبب في مقتل أكثر من أربعين عسكريا هنديا من القوات الاحتياطية المركزية.

وجاء الرد الهندي في 26 فبراير بقصف مقاتلات تابعة لنيودلهي ما وصفته بـ "معسكر إرهابي" في الشطر الباكستاني من إقليم كشمير، ووصول القصف الي داخل الاراض الباكستانية ومقتل 4 مدنيين، لترد باكستان وتسقط طائرات إف-16 الباكستانية، مقاتلتين هنديتين وأسر طيارين، ردا على اختراق الأخيرة لأجوائها، وتتحدث وسائل إعلام هندية اعتراض الهند لثلاث طائرات حربية باكستانية دخلت الأجواء الهندية واسقاط طائرة.

وبعد الإسقاط المتبادل للطائرات وبلوغ التوتر بين البلدين مستويات خطيرة، أغلقت كل من باكستان والهند عدة مطارات أمام الرحلات الداخلية والدولية، استعدادا لحرب طويلة بين الجارتين النوويتين.

جذور الازمة والحروب السابقة

جذور الخلاف بين البلدين عميقة وقديمة، ففي 1947-1948، اندلعت أولى الحروب الهندية الباكستانية بسبب كشمير وخلّفت آلاف القتلى من الجانبين، وفي 1965 اندلعت الحرب الهندية الباكستانية الثانية واستمرت لما يقارب الشهر وخلّفت آلاف القتلى من الجانبين، وفي 1971 اندلعت حرب ثالثة هي حرب "الأسبوعين" أو الحرب "الخاطفة" بين البلدين التي أدت إلى فصل باكستان الشرقية عن الغربية وقيام جمهورية بنغلاديش.

وشهدت اعوام 2008 وما قبلها وبعدها، اشتباكات اخري، وتصاعد الحديث عن حرب تقليدية ثم نووية بسبب امتلاك كلا الدولتين للسلاح النووي، بيد أنه سرعان ما كان "التوازن النووي" ينجح في إطفاء نار الحرب سريعا ويقتصر الامر على مناوشات عسكرية سريعة تنتهي بعد يومين أو اسبوع على أقصى تقدير.

واقتسم البلدان إقليم "كشمير" ذا الأغلبية المسلمة، بعد نيلهما الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، وخاضا في إطار النزاع عليه اثنتين من الحروب الثلاث التي اندلعت بينهما أعوام 1948 و1965 و1971، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الجانبين.

ويستبعد الخبراء من كلا البدين أن تندلع حرب رابعة بين الهند وباكستان لأن الحرب ستتحول لنووية وستؤدي لمقتل 4 ملايين شخص على الأقل وإصابة 10 ملايين آخرين ونشر أمراض فتاكة في المنطقة، ويؤكدون أنه مهما قامت حرب فستكون تقليدية بين القوات الجوية للبلدين وهو ما حدث في الاشتباكات الاخيرة.

ورغم أن الهند تتفوق جويا وبريا على باكستان، إلا أن باكستان تمتلك طائرات حربية أمريكية حديثة، كما تمتلك الهند 60 قنبلة نووية مقابل 35 باكستانية فقط، ولكن قنبلة واحدة من كلا البلدين كافية بتدمير البلد الاخر حال انفلات الصراع، وهو ما تحرص الدولتان على عدم الانزلاق الي هذه المرحلة.

ويستند أصحاب نظرية رفض واستبعاد حرب طويلة وشاملة بين البلدين إلى أن المواجهة المسلحة المباشرة بينهما ستكون من الامور المستحيلة لان ذلك سيؤدي الى لجوء الدولتين الى السلاح النووي ويعرف الجميع ما مدى الدمار الذي سيلحقه بالمنطقة اذ انه سيؤدي الى مقتل 4 ملايين هندي وباكستاني على الاقل.

والاعتقاد الأرجح هنا أنه حتى لو قامت حرب، فان أكثر ما ستلجأ اليه الدولتان هو حربا محدودة لا تتجاوز نطاق منطقة كشمير او مناطق متنازع عليها من باب امتحان قدرات الخصم، وهو ما أكدته باكستان حين بررت اسقاطها الطائرات الهندية بأنها أرادت إثبات أن لديها قوة ردع قوية.

يقول المارشال "أصغر خان" رئيس القوات الجوية السابق في تصريح لوكالة "ميديا لينك" الباكستانية، ان لدى باكستان قدرات جوية عالية يمكنها افشال اي محاولة لاستهداف باكستان جوا ومواجهتها، ويؤكد أن القدرة الدفاعية لسلاح الجو الباكستاني يمكنها افشال اي محاولة لاستهداف باكستان جوا وإلحاق الهزيمة بها.

فيما يقول الجنرال أسلم بيك انه في حالة انفجار المنطقة فان السيناريو المتوقع هو شن القوات الجوية الهندية غارات على اهداف معينة داخل التراب الباكستاني ولكن ستدفع القوات الجوية الهندية ثمنا باهظا اذ انها ستتعرض لخسائر فادحة في سلاحها الجوي، وهو ما حدث في المواجهة الاخيرة.

ولكن الجنرال طلعت مسعود يري ان باكستان لن تمتنع عن استخدام السلاح النووي ان شعرت انها ستفشل في الاحتفاظ بسيطرتها على الوضع وفشلها في مواجهة القوات الهندية التي تتفوق عليها عددا وعدة.

ومعروف ان القوات الهندية تزيد عن مليون ونصف مليون جندي بينما لا تزيد القوات الباكستانية عن نصف مليون جندي، كما ان لدى الهند سربا هائلا من الطائرات الحربية تزيد بثلاث اضعاف عما هو متوفر لدى القوات الباكستانية.

كما ان عدد دبابات الهند تزيد بخمس اضعاف ما هو لدى باكستان اليوم، اي ان الهند تتفوق على باكستان في مختلف القطاعات بما فيها السلاح النووي حيث تقدر الإحصاءات انه لدى الهنود 60 رأسا نوويا بينما لا يزيد لدى باكستان عن 25-35 رأسا نوويا.

هل الانتخابات الهندية السبب؟

برغم أن الهند اعتادت الرد على أي عمل عسكري يقوم بها مقاتلو حركات التحرر في كشمير، بالقيام بعمليات دهم واعتقال وقصف جوي، إلا أن سقوط 44 جندي هندي قتيل في الهجوم الاخير شكل تحديا للحكومة التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الذي يحمل أنصاره عداءا كبيرا للمسلمين في الهند وباكستان وكشمير.

ومع هذا يري مراقبون أن الرد الهندي كان مبالغا فيه بعدما اخترقت الطائرات الهندية الاجواء الباكستانية وهددت مطارات وقصف مدنيين، وأن هذا يرجع لرغبة الحزب الحاكم المتطرف في جذب انتباه الهنود له ودعمهم له في الانتخابات الهندية العامة القادمة، إذ يسعي رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» من الحزب المتطرف لإعادة انتخابه والاحتفاظ بالسلطة لخمس سنوات أخرى.

ولا شك في أن انتخابات عام 2019 لن تكون سهلة بالنسبة للحزب الحاكم كما كانت قبل خمسة أعوام مضت في 2014، عندما فاز بأغلبية كاسحة، لاسيما أن الأحزاب الإقليمية زادت قوة منذ ذلك الحين، خاصة أن حزب "جاناتا" خسر في الانتخابات التشريعية للمجالس الإقليمية الاخيرة التي أجريت الانتخابات التشريعية في خمس ولايات هندية تعد ضمن الحزام الهندوسي الشمالي لصالح حزب المؤتمر الوطني الذي سجّل أول فوز له في ثلاث ولايات رئيسية تحت زعامة راهول غاندي ابن سلالة غاندي الذي تسلم زعامة حزب المؤتمر الوطني.

كما أن أحزاب المعارضة سعت لتوحيد نفسها مؤخرا تحت شعار «وحدوا الهند» والتقسيم المتساوٍ لعدد المقاعد بهدف منافسة الحزب الحاكم، مثل أحزاب: «باهوجان سماج»، و«سماج وادي»، أو الحزب الاشتراكي وقد أزعج هذا التنسيق حزب «بهاراتيا جاناتا» بشدة، وبما يكون رده العنيف في كشمير وتصعيده ضد باكستان محاولة لاستعادة الشعبية المفقودة.

وفي انتخابات عام 2014، فاز حزب «بهاراتيا جاناتا» بأغلبية ساحقة، حاصداً 71 من 80 مقعداً.

هل الاصابع الاجنبية وراء الحرب؟

وجاء تبادل القصف الجوي واسقاط الطائرات كأخطر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين الذي جرى توقيعه عام 2003، مما أدى الى اغلاق الأجواء وعدد كبير من المطارات في البلدين.

ورغم ان كلا البلدان لا يريدان الحرب خاصة أنها قد تنزلق لحرب نووية، إلا أن هناك جهات خارجية بينها الولايات المتحدة لا تريد الاستقرار في المنطقة، وتمارس ضغوطا غير مسبوقة على باكستان، بما في ذلك إيقاف حوالي ملياري دولار سنويا من المساعدات بحجة انها لا تقوم بما هو مطلوب منها لمحاربة الإرهاب في أفغانستان، أي الدخول في حرب ضد حركة طالبان.

وما يزيد الصراع اشتعالا هو التدخلات الدولية بين البلدين، فالمعروف ان امريكا تدعم باكستان والصين وروسيا تدعمان الهند، ولكن الخلافات ضجت مؤخرا بين إدارة الرئيس ترامب وباكستان، وجري تجميد معونات وصفقات سلاح امريكية لباكستان، وطالب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وحكومة فرنسا، إسلام آباد بالتحرك ضد من وصفها بالجماعات الإرهابية على أراضيها.

بجانب وقوف باريس إلى جانب نيودلهي في مواجهتها "للإرهاب"، وأنها مستعدة لتحريك المجتمع الدولي في هذا الصدد.

والاغرب أنه لم تتحرك أي من الدول العظمى لبذل أي جهود وساطة تلبية لوقف التصعيد وخاصة الولايات المتحدة، بل على العكس صعدوا الهجوم على باكستان ودعموا الهند ما حدا بالمتطرفين الهندوس للاحتفال في الشوارع ومطالبة حزبه بتوجيه ضربات أعنف لباكستان، ومطالبة باكستانيون بالمقابل على مواقع التواصل لرئيس وزراءهم بالرد بعنف.

ويري مراقبون أن الهدف من الموقف الدولي المتخاذل هو الضغط على باكستان خاصة أن هذا التوتر سينعكس سلبا على خطط رئيس الوزراء عمران خان لجذب الاستثمارات الخارجية لإنقاذ اقتصاد بلاده من الازمات التي يعاني منها، وربما ستزداد هذه الاخطار تفاقما إذا ما لجأت الهند الى قطع مياه الأنهار (ستلج، بياس، ورافي) الامر الذي سيفاقم من ازمة البلاد المائية الخانقة، ويشعل حربا نووية.

لذلك لا يستبعد المراقبون وجود أصابع أمريكية استخبارية خلف هذا التصعيد، للضغط على باكستان ومؤسستها العسكرية الحاكم الفعلي للبلاد تحديدا، ثأرا وانتقاما من هزيمة أمريكا في أفغانستان، ومن قبل حركة طالبان التي باتت تملك اليد العليا في الميدان بما يؤهلها لفرض شروطها في محادثات السلام الجارية حاليا في الدوحة، وأبرزها انسحاب امريكي غير مشروط من كل أفغانستان وفي غضون أشهر، خاصة ان المخابرات العسكرية الباكستانية هي التي أسست طالبان.

احتمالات مفتوحة

جاء اجتماع قيادة الأسلحة النووية الباكستانية الأربعاء 27 فبراير 2019 في اجتماع حاسم برئاسة رئيس الوزراء عمران خان، كرسالة باكستانية واضحة للهند انها ستلجأ للسلاح النووي لو تطورت المعارك بما لا يمكن الجيش الباكستاني الاقل عددا من الصمود في حرب تقليدية.

ففرص الحرب بين الدولتين الآن عالية جدا لأن باكستان سترد بقوة وقدر استطاعتها إذا وجدت أن كرامتها قد أهينت، ولن تظل حكومتها مكتوفة الأيدي حتى يدمر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قدراتها العسكرية خدمة لأهداف انتخابية تتعلق بحزيه الحاكم بهاراتيا جاناتا.

لذلك ردت وزيرة الخارجية الهندية شوشما سواراج خلال زيارة إلى الصين في نفس اليوم (الأربعاء) بقولها إن بلادها لا تريد "مزيدا من التصعيد" مع باكستان بعد الغارات الجوية التي شنّتها مقاتلات هندية في الأراضي الباكستانية.

وقالت الوزيرة إن بلادها "لا تريد تصعيدا" و"ستواصل التصرّف بمسؤولية وبضبط النفس".

ولكن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زعيم الحزب الهندوسي المتطرف قال إن بلاده لن تسمح لأي جهة بتهديدها، وإنها ستواصل ملاحقة منفذي تفجير كشمير الدامي واستهدافهم في أي مكان، ما يجعل فرص الحرب مستمرة.

فهل يستمر التصعيد ويصل الي الحرب النووية خاصة مع تولي الحزب الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جاناتا" الحكم؟ أم تختار حكومتا الهند وباكستان التهدئة كما فعلوا من قبل عشرات المرات خشية الانزلاق لحرب نووية؟

 

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022