حراك الجزائر.. وضرورة صمت الخارج

  

حراك الجزائر.. وضرورة صمت الخارج

 

بقلم: حازم عبد الرحمن

 

منذ بدايته في 22 فبراير الماضي, نجح حراك الشارع الجزائري في لفت الأنظار إليه وإحياء الأمل من جديد في الربيع العربي, بسبب انضباطه الشديد, وتحديد أولوياته, ووضوح رؤيته التي تستوعب العديد من التجارب السابقة.

 

ذلك لأنه منذ رحيل الاحتلال الأجنبي في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين, وصعود العسكر إلى الحكم تحت لافتة التحرير والاستقلال, ظلت الشعوب العربية تنشد حريتها من العسكر دون إجابة إلا بالقمع والقهر, حتى انقضى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, وبدأت الموجة الأولى للربيع العربي, وسقطت رءوس الدكتاتوريات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن.     

 

وحين نجحت ثورة 25 يناير في خلع مبارك عام 2011 , كانت النصيحة الأغلى للمصريين:" لا تظنوا أن الغرب سيظل بعيدا طويلا عن ثورتكم".

والمعنى واضح في التحذير من تدخل غربي مقبل في الطريق لتخريب الثورة, والحيلولة دون أن يحكم الشعب, والعودة إلى المربع الأول, أي حكم العسكر, الذي يحقق مصالح الغرب دون مناقشة.     

وكان التوجس حقيقيا, بسبب ما يحمله التدخل الخارجي من مخاطر تحاصر مطالب التغيير, وتسعى لإفشالها.

 

ولم يصبر الغرب كثيرا على ثورة مصر, فكان الانقلاب العسكري بعد عام واحد من انتخاب أول رئيس مدني في تاريخ البلاد, وتجري محاولات شبيهة في تونس, ولن تكون الحالة الجزائرية ومثيلاتها المقبلة استثناء من ذلك, فقد ظهرت مؤشرات لمحاولات تطويق مطالب الحراك الجزائري مثل ظهور الأخضر الإبراهيمي وتصريحات قائد الجيش الذي يوجه تحذيرات وتهديدات ثم يعود فيسحبها, ما يعيد التذكير بخطابات المجلس العسكري في مصر إبان ثورة 25 يناير, وفي أثناء التجهيز للانقلاب, وكذلك قرارات الرئيس بوتفليقة المنتهية ولايته للاستمرار في الحكم دون سند دستوري, والذهاب إلى طلب دعم خارجي.

 

من هنا كانت أهمية رد فعل الشارع الجزائري الواضح على تعليق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, عندما طرح تصوراته عن "فترة حكم انتقالية معقولة بالجزائر", حيث انهالت الرسائل على قصر الإليزيه تحذر: "لا تتدخلوا في شئوننا", "الأولى بكم أن تحلوا مشكلات السترات الصفراء في بلادكم", ما يعكس فهما عميقا للدور الذي تلعبه مثل هذه التدخلات التي لا ترى في الوطن العربي إلا سوقا رائجة للتجارة, وفي حكامه مجرد أدوات لتنفيذ المصالح الغربية.       

 

كما يعكس وعيا بردود أفعال المتوجسين من التغيير سواء من الأطراف الخارجية ذات المصالح مع النظام المهترئ, أو مكونات هذا النظام والطبقة المستفيدة من بقائه, أو المؤسسة العسكرية التي تضع نفسها فوق الشعب, وتمنح نفسها الوصاية على الوطن, والتحكم في مسار أي تغيير يمكن أن يتم, ولا تنظر بعين الرضا إلى جرأة الشعب على الجهر بمطالبه.     

وأدرك الشعب الجزائري بعمق شديد ارتباط مصالح هذه الأطراف في الالتفاف حول مطالب الجماهير, والحيلولة دون تحقيقها؛ فلم يغتر بالنجاح الأولي في إجبار بوتفليقة على الانسحاب من الترشح للانتخابات الرئاسية, وإنما واصل رفضه بقاء بوتفليقة في السلطة بعد نهاية فترته الرئاسية, وكذلك رفض وصايته على المرحلة الانتقالية التي يجب أن يحددها الشعب الجزائري بكل حرية,  بعيدا عن سلطة نظام بوتفليقة منتهية الصلاحية.   

 

ويسند هذا الوعي العميق خبرة الشعب الجزائري في التعامل مع النظام الذي لم يكن وفيا لتعهداته السابقة بإصلاحات حقيقية, وبقي النظام كما هو, ما يجعل أي وعود له حاليا لا تعدو كونها تكرارا لما سبق من خداع واستخفاف بمطالب الشعب, فالنظام لم يعد محلا للثقة, وقد قفز كثيرون من سفينته التي بدا أنها أوشكت على الغرق, مثل معاذ بوشارب، رئيس البرلمان الجزائري والمنسق العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، الذي أعلن انشقاقه عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ودعم الحراك الشعبي وكذلك صديق شهاب، الرجل الثاني في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي يقوده رئيس الحكومة المقال أحمد أويحيى، الذي أعلن أن ترشيح الحزب لبوتفليقة "كان فقداناً للبصيرة ومغامرة بالبلاد.

 

وبرغم ذلك لا يمكن القول بأن الطريق إلى تحقيق التغيير المنشود في الجزائر بات سهلا ميسورا؛ فمناورات النظام وأساليبه الملتوية أو حتى تغيير جلده لتطويق الحراك الكبير من أجل البقاء والاستمرار تحتاج إلى صبر وتجلد يحافظ على السلمية, ويتمسك بالمطالب العادلة, مما قد تكون معه الجزائر رائدة لشقيقاتها العربيات في التغيير السلمي في السلطة وإزاحة حكم العسكر الذي جثم على الأوطان بعد تحريرها واستقلالها.     

 

وساعتها لن تجدي مخططات داعمي الثورة المضادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأستاذه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في الانقلاب على إرادة الشعوب, وسيفشل مشعلو المعارك الجانبية التي تمزق وحدة الشارع الجزائري لتصرفه بعيدا عن مطلب التغيير الشامل الكفيل بتصحيح الأوضاع الخاطئة منذ رحيل الاحتلال الفرنسي الذي ما زال يراقب مستعمرته السابقة ويترصد لأي تغيير فيها.

 

ويبشر الحراك الجزائري بوعي دروس المؤامرة على الثورات في مصر وسورية واليمن, وما جلبه التدخل الخارجي من كوارث على الشعوب لإرهابها وتخويفها من المضي في طريق المطالبة بحقوقها المشروعة, حتى تظل في بيت الطاعة العسكري الموالي للخارج, ولا يقيم وزنا لمصالح الشعوب.          

ومما يشجع على ذلك أن محاولات التدخل من الخارج تجري مثل عمليات السرقة فهي تتم في الظلام, وتستخدم أساليب الرشوة, وزرع الفتن والفوضى, لذلك فهي تخشى فضحها مبكرا وحسنا ما بادر به الجزائريون في إظهار رفضهم أي محاولة تقتحم عليهم خصوصية حراكهم وأهدافه, فمهما يحقق الجزائريون من نجاح فإن الخارج لن يبقى بعيدا طويلا.  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 .

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022