اتفاق “الحرية والتغيير” وعسكر السودان.. تأجيل نجاح الثورة

 اتفاق "الحرية والتغيير" وعسكر السودان.. تأجيل نجاح الثورة

 

بقلم: حازم عبد الرحمن

 

منذ خلع الرئيس السوداني السابق عمر البشير في 11 إبريل 2019 استولى المجلس العسكري على السلطة, وتعمد إطالة أمد التفاوض مع قوى" الحرية والتغيير", وراح يضغط في اتجاه زيادة المتاعب المعيشية للشعب؛ حتى تخلو الميادين وتتوقف الثورة التي خلعت رأس النظام العسكري الحاكم, وقد تحقق هذا الهدف؛ مما عجل بالاتفاق الذي جرى بين قوى "الحرية والتغيير" والمجلس العسكري.

من هنا كانت حالة الفرحة والتفاؤل المبالغ فيهما لدى مؤيدي الثورة الذين أجهدهم العسكر بالمماطلة والتعنت, بل بممارسة القتل والتعذيب في فض الاعتصام الذي قتل خلاله أكثر من 130 معتصما وإلقاء عدد من الجثث في نهر النيل؛ لذلك من المهم تسجيل عدد من الملاحظات على هذا الاتفاق أهمها:

ـ بقاء المجلس العسكري عامين في السلطة ليستمر القرار السوداني مرتهنا لدى ولي عهد أبو ظبي  محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان, وهو أمر لا يستقيم مع القول بنجاح الثورة السودانية.

ـ التنازلات التي قدمتها "قوى الحرية والتغيير" تمت مجانا مثل تسليم رئاسة المجلس السيادي للعسكر لمدة عامين متتاليين، وإسقاطها مطلبها بغلبة المدنيين على «العسكر» في تشكيلة المجلس، والتراجع عن شرط محاسبة المسئولين عن القتل الجماعي في شوارع الخرطوم.

ـ إعطاء فرصة للمجلس العسكري, خاصة حميدتي نائب رئيس المجلس وميليشيات "الدعم السريع" للإفلات من المحاسبة في جريمة فض الاعتصام, وقتل الأبرياء وتعذيب المعتصمين؛ فالدولة العميقة كفيلة بإطالة زمن التحقيق حتى تموت القضية, وتتم تبرئة الجناة.

ـ فشلت "قوى الحرية والتغيير" في استثمار التأييد الشعبي لها, والذي تجلى في الاستجابة الكبيرة للعصيان المدني, وكذلك المليونية الحاشدة في 30 يونيو2019, وقد كان ممكنا أن تحذو حذو الجزائر ـ الناجحة  حتى الآن ـ  باستمرار التظاهر للضغط على العسكر لتحقيق مطالب الثورة والوصول إلى حكم مدني.

ـ عدم توسيع المشاركة في الاتفاق؛ ما يجعله يقصي قوى وأحزابا سياسية أخرى, وبذلك تكون قد ضاعت فرصة أكيدة للتوافق الوطني في مواجهة المجلس العسكري, والأخطر أن ذلك قد يثير اعتراض هذه القوى والأحزاب في احتجاجات مستقبلية, تنذر بعرقلة التحرك إلى الأمام.

ـ عدم تعامل "قوى الحرية والتغيير" بالجدية اللازمة مع تشكيل المجلس السيادي؛ حيث انحصر تصورها له في أنه هيئة شرَفية فقط، بينما أعلن قائد المجلس العسكري أنه سوف يمارس حق النقض إزاء التعيينات الحكومية بوصفه رئيساً للمجلس السيادي خلال مدّة السنة والنصف الأولى.

ـ غياب ضمان عدم انقلاب العسكر على أهداف الثورة؛ إذ أن بقاءهم الطويل في السلطة (بغطاء مدني) يعطيهم الفرصة كاملة للالتفاف على الثورة, والعمل على تفكيك وحدتها، وخلق النزاعات داخلها، وتقريب بعضها وإقصاء بعضها الآخر، واختلاق المبررات والذرائع لتصفية قوى الثورة الواحدة تلو الأخرى, وعندما يهدأ الشارع السوداني, ويعود الناس إلى حياتهم اليومية العادية, ويتراجع اهتمام العالم بالمسألة السودانية، سيخلو الجو للعسكر، ويبدءون في تنفيذ خطتهم.

 

*إمكانية انقلاب العسكر على الاتفاق

ليس من المستبعد أن ينقلب عسكر السودان على الاتفاق, كما سبق أن انقلب زملاؤهم عسكر مصر على كل التعهدات التي قطعوها على أنفسهم, بأنهم لا يطمعون في الحكم, وكانت النتيجة صادمة فيما بعد لمن صدقهم, ولذلك فإنه رغم وعود المجلس العسكري السوداني إلا أنه لم يثبت حتى الآن إمكانية الوفاء بهذه الوعود, أو أنهم سائرون على خطى فريد عصره الراحل «سوار الذهب»، بل إن قدوتهم في ذلك عسكر مصر, وبنفس الراعي الإقليمي للثورات المضادة السعودية والإمارات ومعهما العدو الصهيوني.

وقد وقع الجنرال غير المتعلم حميدتي الطامع في رئاسة السودان اتفاقية مع آري بن ميناشي مدير شركة ديكنز وماديسون الكندية للاستشارات لتقديم المشورة للمجلس العسكري في كيفية إدارة السودان، علما بأن  آري بن ميناشي هذا هو ضابط مخابرات صهيوني سابق في الموساد ، وهذا مما يعطي صورة عما يخطط له العسكر مستقبلا في السودان.

 أما المتفائلون الذين استعجلوا في إعلان الفرحة بالاتفاق, وقالوا إنهم جاهزون للخروج ضد العسكر حال انقلابهم على الاتفاق, فقد أحسنوا الظن كثيرا, دون داع, إذ غاب عنهم أن المدة الطويلة للعسكر في السلطة ستجعل هناك عقبات كثيرة يصنعها الجنرالات؛ لتحول دون خروج الشعب في ثورة جديدة , وقد جرب السودانيون أخلاق العسكر في القتل والتعذيب والاغتصاب, ولن ينسى حميدتي والبرهان ورفاقهما أن الثورة أجبرتهم على العودة إلى التفاوض, وأنها تعاملت معهم الند للند, وأجبرتهم كذلك على التناوب على رئاسة المجلس السيادي التي كانوا يريدونها خالصة لهم, وكل ذلك يجعل العسكر يخفون أكثر مما يعلنون, وستكشف الأيام عن كثير مما يخفونه, وهو ما ظهرت مؤشراته في فض الاعتصام الذي كان جريمة كاملة في رقبة الجنرالات؛ لذلك فإن اتفاق قوى "الحرية والتغيير" مع العسكر لا يعدو كونه تأجيلا لنجاح الثورة التي اقتربت من تحقيق أهدافها, لولا إحسان الظن بمن ليسوا أهلا للثقة. 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022