إدارة إيران للأزمة الخليجية : تعظيم المصالح والاستفادة من الخلافات

إدارة إيران للأزمة الخليجية مع قطر: تعظيم المصالح والاستفادة من الخلافات

كانت إيران من أوائل الدول التي سارعت في إعلان تأييدها لقطر بعدما تم قطع العلاقات معها من كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فقد أعلنت استعدادها لتزويد قطر بكل ما تحتاجه، إذ اعتبر رئيس اتحاد الصادرات الإيرانية "محمد لاهوتي" أن قطع علاقات دول الخليج مع قطر يشكل فرصة استثنائية للاقتصاد الإيراني، مؤكداً أن حجم السوق المتوقعة أمام إيران يقدر بما يتراوح بين 4 إلى 5 مليارات دولار، وصرح مسئول آخر في شركة المطارات الإيرانية للوكالة ذاتها، أن جميع رحلات الخطوط الجوية القطرية ستعبر من الأجواء الإيرانية نحو أوروبا وأفريقيا،[1] فقد أعلن "فرهاد برورش" المدير العام لشركة الطيران الإيرانية أن المجال الجوي الإيراني يستقبل يوميا 100 رحلة إضافية.[2]

وفي نفس الأيام التي أعقبت قطع العلاقات مع قطر، أرسلت إيران خمس طائرات محملة بمنتجات غذائية لقطر،[3] وفي شهر يوليو الجاري، وصلت 216 شاحنة إيرانية ضمن قافلة المساعدات الإيرانية إلى مدينة الدوحة، وقد أعلنت شركة "فالفجر الإيرانية" عن خطتها لإنشاء خط بحري مباشر من ميناء بوشهر الإيراني لقطر،[4] لإرسال المواد الغذائية واحتياجات السوق المحلي القطري.

إذ أعلن المدير العام لمؤسسة الموانئ في محافظة بوشهر أن أكثر من 1100 طن من المواد الغذائية التي تشمل الفواكه والخضروات، يتم تصديرها يوميا من موانئ المحافظة باتجاه قطر، وقال أن هناك 3 موانئ إيرانية يتم استعمالها لتصدير المواد الغذائية لقطر، وقد توقع نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية "حسين سلاح ورزي" أن ترتفع قيمة صادرات إيران إلى قطر من مائة مليون دولار إلى مليار دولار سنوياً.[5]

هل تسير التصريحات الإيرانية الرسمية على نفس الخط لدعم لقطر؟

جاء الموقف الرسمي الإيراني تجاه الأزمة بين قطر وعدد من دول الخليج قائمًا على عدد من النقاط التي ذكرها بيان وزارة الخارجية الإيرانية، ووصفها المتحدث الرسمي "بهرام قاسمي" بأنها تعد من الثوابت الإيرانية، وهي:[6]

        التوتر في العلاقات بين دول الجوار في الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة والعالم لا يصب في صالح أي بلد أو شعب في المنطقة.

        تطالب الجمهورية الإسلامية الإيرانية دول الجوار بأخذ العبرة من التجارب المرة التي مرَّت على المنطقة، وذلك بالابتعاد عن العواطف وتحكيم العقلانية والمنطق.

        سبيل حلِّ الاختلافات بين بلدان المنطقة، ومن بينها الاختلافات الراهنة بين البلدان الـثلاثة وقطر، لا تتأتَّى إلا عبر الطرق السياسية والسلمية والحوار الشفاف والصريح.

        أن استخدام العقوبات كأداة في عالم اليوم، رغم عدم جدواها، مذموم ومنبوذ وغير مقبول.

        أن السيادة الوطنية ووحدة أراضي الحكومات المستقلة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام الحدود المعترف بها دوليًّا، تعد أصولًا أساسية وجوهرية في الحقوق والعلاقات الدولية وعلى جميع الأطراف احترامها.

وقبل أيام، عُقد اجتماع مشترك في محافظة فارس الإيرانية بعنوان "ندوة الصادرات إلى قطر"، شارك فيه عدد من رجال الأعمال الإيرانيين، أكد خلاله مسئول شئون التنسيق الخاص بالمعارض الدولية القطرية "جابر المنصوري" على استعداد بلاده لاستيراد بضائع بجودة عالية من كافة أنحاء العالم، داعيا لتحسين عمليات التعليب بالنسبة للبضائع والمنتجات الإيرانية، مشيرا إلى المجالات الواسعة للتعاون بين البلدين والمعارض التي أقيمت الأعوام الماضية بجهود مشتركة بينهما، وقد وجه الدعوة لإقامة معرض إيراني لعرض قريبا لعرض البضائع الإيرانية في السوق القطرية وتعميق العلاقات بين رجال الأعمال في البلدين.

وفي نفس الحدث أعلن عضو المجلس الإداري الخاص بأعضاء غرفة التجارة والمناجم والزراعة في مدينة شيراز الإيرانية "خسرو فروغان" أن إيران ستقيم معرضين للمنتجات الغذائية خلال سبتمبر القادم في قطر، ومن المتوقع أن يوفرا ظروفا لتعزيز التعاون بين رجال أعمال البلدين والتعريف بالمنتجات الايرانية عالية الجودة وتحسين الظروف الاقتصادية والصادرات في إيران.[7]

ثم خرج وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" في حديث له مع قناة سي إن إن الأمريكية ينتقد خلاله الجهود الأمريكية لعزل إيران وجهود دول المقاطعة لعزل قطر بسبب علاقتها مع إيران، ملقيا الضوء على وجود دول بالمنطقة حليفة للولايات المتحدة وتعمل على تمويل الإرهاب وتغذيه فكريا.[8]

رغم أن كل ما سبق يُظهر التأييد الإيراني لقطر، لكن في تصريح آخر ذو دلالة، ويلقي الضوء على احتمالية وجود تذبذب أو تقاسم أدوار في الموقف الإيراني تجاه قطر بالأزمة، ما قاله السفير الإيراني بالكويت "علي رضا عنايتي" بأن طهران تقف موقف المحايد من الأزمة الخليجية مع قطر، وأن إيران لن تكون مع أي جهة في هذا النزاع، مؤكدا أن إيران ومنذ بداية الأزمة تعلن أنها ليست طرفا في النزاع ولن تتدخل لصالح أحد على حساب الآخر، وأن إيران تقف مع الشعب القطري وليس مع النظام.[9]

خلفية تنسيقية مهدت لدعم إيران لقطر:

لم تبدأ طهران بالإعلان عن دعمها لقطر إلا بناء على خلفية من التعاون والتنسيق المسبق، فعلى سبيل المثال نما التبادل التجاري بينهما حتى وصل إلى ما يزيد عن 500 مليون دولار في 2010، ووصل في 2013 إلى 300 مليون دولار، وفي 2014 كان 58 مليون دولار، وفي 2015 وصل إلى 108.5 مليون دولار،[10] مع توقعات برفع هذه القيمة خاصة بعد رفع العقوبات عن طهران.

بالإضافة إلى الاستثمار المشترك للثروة الغازية في الجرف القاري حيث أنهما يشتركان في عدد من الحقول الغازية الضخمة، ومن أهمها حقل غاز الشمال، الذي تصفه تقارير الوكالة الدولية للطاقة بأكبر حقل غاز في العالم. [11]

وفي 2014، أعلنت قطر عن إنشاء منطقة مشتركة للتجارة الحرة داخل إيران، وتم اختيار مدينة "بوشهر" لتكون موقع تلك المنطقة، واتفق البلدان على إقامة مشاريع صناعية واستثمارية مشتركة، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين رجال الأعمال في البلدين مما يقود إلى تعزيز التبادل التجاري، وتم بحث في الفرص الاستثمارية المتاحة في كل منهما وإمكانية إقامة تحالفات بين رجال الأعمال القطريين.[12]

أما على المستوى السياسي فقد ساهم الخلاف الحدودي الذي وقع بين السعودية وقطر في 1992 حول منطقة الخفوس في تطبيع العلاقات بين قطر وإيران، حين أعلنت الأخيرة مساندتها لقطر، وفي عام 2000 قام أمير قطر السابق "حمد بن خليفة" بزيارة لطهران، كانت الأولى من حاكم دولة خليجية لطهران منذ 1979، بالإضافة إلى أن قطر قد صوتت في 2006 ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 والذي طالب إيران بوقف العمل في برنامجها النووي، وكذلك كان الرئيس الأيراني "أحمدي نجاد" أول رئيس أجنبي يحضر قمة عربية مصغرة في قطر في 2009، وفي 2015 وقع البلدان اتفاقية ثنائية لمكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة.

وبالنظر للطريقة التى غطت بها قناة الجزيرة القطرية الانتخابات الإيرانية الأخيرة، فقد أظهرت التوجه القطرى نحو إظهار إيران كدولة ديمقراطية تتجاوز ديمقراطية الغرب، وتجاهلها ما يفعله نظام الملالى وقمعه للشعوب وتدخلاته فى المنطقة.[13]

المصلحة الإيرانية من تواجدها في الأزمة والعوامل المؤثرة على استمرار دعمها:

من المكاسب التي تحاول إيران تحقيقها من خلال الأزمة مع قطر أن تحاول إثبات فشل السياسة السعودية في الحصول على تجاوب من دول المنطقة معها في قطع العلاقات مع قطر، التي كان أحد أسبابها علاقتها مع إيران، بالإضافة إلى أن الانقسام الحاصل في الموقف الخليجي سينهي عهد سياساته الموحدة تجاه إيران ويقلل حجم التحديات التي يفرضها عليها.

ومن ناحية أخرى، نجحت تلك الأزمة في صرف نظر الإعلام الدولي المهاجم لإيران، ولم تعد تتصدر الإعلام العربي كما كان في السابق، مما ترك أثر على سياسة "إيرانوفوبيا" التي تم خلقها ضد إيران.[14]

من جانب آخر، كلما طال أمد الأزمة وخاصة من حيث استمرار غلق الحدود أمام قطر، فذلك يجعل هناك دافع لتقوية علاقتها الاقتصادية مع إيران، وتقوية العلاقات السياسية أيضا، حتى وإن لم تصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي[15] تحسبا لأي ظروف إقليمية ودولية قد تؤدي فيما بعد لتحسن العلاقات الخليجية،[16] لذا فمن مصلحة إيران أن يتم توسيع نطاق الأزمة وعرقلة الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية تقضي باستجابة الدوحة لمطالب الدول التي قطعت علاقتها معها، فسيساعدها ذلك أيضا على دعم دورها الإقليمي في بعض دول الصراعات مثلما يحدث في سوريا، حيث تسعى إيران لتأسيس ممر استراتيجي يربطها بسوريا عن طريق العراق بما يساعدها في خلق نفوذ لها على البحر المتوسط وتأسيس موطئ قدم لها بالقرب من إسرائيل.[17]

فدخول إيران على خط دعم قطر واستثمار الأزمة لصالحها سيساعدها على توفير مصدر جديد للعملة الصعبة من خلال تصدير ما تحتاجه قطر من مواد غذائية ومياه وسلع، بما يساعد حكومة الرئيس روحاني في التغلب على المشكلات الاقتصادية التي تواجهها.

لكن يظل الموقف الإيراني الداعم لقطر محدود بسقف وشروط، منها ما له علاقة بالتوازنات الداخلية التي تحكم التفاعلات بين القوى والمؤسسات النافذة في النظام الإيراني خاصة مع بدء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس "حسن روحاني" خشية أن يمنح دعمه لقطر فرصه للحرس الثوري وتيار المحافظين للمناورة من أجل رفع مستوى التصعيد مع السعودية، وكذلك هناك بعض الانتقادات من المرشد الأعلى "خامنئي" بما يدفعه للعزوف عن التورط بشكل كبير في تأييد قطر.

بالإضافة إلى رؤية إيران للدور الإقليمي الذي تقوم به قطر سواء في علاقتها بدول أو تنظيمات مسلحة، فلا يجب نسيان أنه كان هناك خلاف قطري إيران بشأن الأزمة السورية.[18]  

كذلك؛ تدرك إيران أن تفاعل قطر معها ربما يكون خياراً مؤقتا للتعامل مع الأزمة الحالية، لأن كل من قطر وإيران يتبنى سياسة اللعب على المتناقضات في التعامل مع الأزمات التي تواجهها.

وهناك عامل يرتبط بمدى التفاعل الإيراني مع الإدارة الأمريكية في عهد ترامب والتي تأخذ التصعيد مسارا لها سواء بسبب الرغبة في رفع مستوى العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية، أو بسبب التركيز على فكرة دعم إيران للإرهاب ومواجهتها في الأزمات الإقليمية وفي مقدمتها الأزمة السورية.[19]

ختاما، سيترك موقف إيران من الأزمة التي تواجهها قطر أثره على علاقتها بإيران بما قد يدفعها مستقبلا للأمام، حتى لو تحسنت الأوضاع الخليجية وعادت قطر للصف الخليجي مرة أخرى، فسيكون الموقف الإيراني حاضرا في الحسابات القطرية، خاصة إذا ما واجهت قطر مستقبلا أزمات أخرى لأنها أصبحت في دائرة الضوء من المجتمع الدولي والإقليمي، فستصبح هي وإيران في نفس الخندق الذي قد يؤسس لمصالح مشتركة بينهما.



[1] "قطر توسع علاقاتها الاقتصادية وتوقعات بشركاء جدد"، العربي الجديد، 7/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/Dz1g  

[2] "إيران: خصصنا ميناء بوشهر للتبادل الاقتصادي مع قطر.. ونستقبل 100 رحلة طيران إضافية يوميا"، CNN بالعربية، 10/6/2017، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/business/2017/06/10/iran-ports-airspace-qatar

[3] "بعد تركيا.. إيران تدخل على خط كسر الحصار الاقتصادي عن قطر"، عربي 21، 11/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/ZYaq5  

[4] "فيديوجراف: تفاصيل العلاقات القطرية الإيرانية"، دوت تي في، 14/7/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/rZyn9  

[5] "التبادل التجاري القطري الإيراني في ارتفاع"، صحيفة الوقت، 7/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/M2vCv  

[6] فاطمة الصمادي، "كيف قرأت إيران الأزمة مع قطر؟ الوحدة الخليجية أصبحت من الماضي"، مركز الجزيرة للدراسات، 17/6/2017، متاح على الرابط: http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/06/170608095441455.html

[7] "دعوة لإقامة معرض إيراني في قطر وتعميق العلاقات بين رجال أعمال البلدين"، الوفاق أون لاين، 15/7/2017، متاح على الرابط: http://www.al-vefagh.com/News/198048.html

[8] "ظريف ينتقد سعي أميركا ودول الحصار لعزل إيران وقطر"، الجزيرة. نت، 16/7/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/hYNBT  

[9] "سفير إيران بالكويت: نقف موقف المحايد من أزمة قطر ولن نتدخل"، دوت مصر، 17/7/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/ZGw1q  

[10] "طبيعة التقارب القطري الإيراني"، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 7/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/bFrzC  

[11] محمد يسري، "العلاقات الإيرانية القطرية: تاريخ من المصالح المشتركة"، 9/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/RnZ84  

[12] "قطر تهرع لمساعدة إيران بإنشاء منطقة اقتصادية حرة في بوشهر"، العرب اللندنية، 7/7/2014، متاح على الرابط: http://www.alarab.co.uk/?id=27261

[13] بسام صلاح، "العلاقات القطرية- الإيرانية.. خطيئة الارتماء في أحضان طهران"، البوابة نيوز، 2/7/2017، متاح على الرابط: http://www.albawabhnews.com/2592422

[14] "إيران والأزمة الخليجية"، الجزيرة. نت، 11/7/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/DJpuQ  

[15] فعلى سبيل المثال خرجت قناة العالم الإيرانية تعلن عن اختراق حسابها على موقع تويتر، إذ نُشر فيه خبرا كاذبا عن إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس "روحاني" والأمير "تميم" بشأن الحديث عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في قطر، ما قد يشير لتخوف إيران من تطور التعاون مع قطر إلى حد الوصول لهذا المستوى، على الأقل في الوقت الراهن، والاكتفاء بمستوى التعاون في جانبه الاقتصادي والسياسي في بعض القضايا.

[16] "إيران والأزمة الخليجية"، مرجع سبق ذكره.

[17] محمد عباس ناجي، "تسهيلات الملاحة والدعم الغذائي.. تعلق قطري بقشة إيرانية"، العرب اللندنية، 17/6/2017، متاح على الرابط: http://cutt.us/dKRRl  

[18] المرجع السابق.

[19] المرجع السابق.

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022