المسجد الأقصي وانتفاضة تلوح في الافق: فهل تنجح النظم في اجهاضها

المسجد الأقصي وانتفاضة تلوح في الافق: فهل تنجح النظم في اجهاضها

المقدمة:

مازلت القضية الفلسطينية عصية على الركود والتجاوز، مازلت رمز وسبيل وحدة القضية العربية، رغم أن النظام الاقليمي العربي بدوله ومؤسساته قد رسخت من فكرة الانقسام والتشرذم العروبي، الا أن اولى القبلتين المسجد الاقصى مازال بوصلة توحد العرب، ورغم خفوت قضية الصراع العربي-الاسرائيلي منذ مرحلة ما بعد الربيع العربي، وتصدر قضايا وازمات اخرى للمشهد، إلا أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلدات القديمة المتاخمة لبيت المقدس وبواباته، قد أعادت الاهتمام مجددا بما يتعرض له المسجد الاقصى من محاولات اسرائيلية مستمرة لتهويده، تنفيذاً لمخطط التقسيم الزماني والمكاني له.

 تصاعدت الأحداث بعد رفض المقدسيين خاصة والفلسطينين عامة، لقرارات حكومة الاحتلال الأخيرة التي قامت بوضع بوابات اليكترونية على مداخل المسجد من أجل احكام القبضة الأمنية على ما كل ما يدخل المسجد، وذلك عقب عملية استهداف شرطيين اسرائيلين داخل باحات المسجد، رغم أن الشرطة قامت بتصفية الثلاثة الاستشهدايين المنفذين للعملية. وعلى اثر ذلك اندلعت المواجهات الشعبية بين قوات الاحتلال وبين الفلسطينين.

كما أعلنت أوقاف القدس انها فقدت السيطرة على الأقصى كلياً، حيث قالت الهيئة الإسلامية المسيحية في القدس المحتلة، يوم السبت، 15 يوليو/تموز إنها فقدت السيطرة على المسجد الأقصى بشكل كامل؛ بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وإغلاقه. كما أكدت ضرورة المحافظة على الوضع التاريخي في المسجد قبل عام 1967، والذي اعترفت به الهيئات الدولية كافة.[1]

 تطور الامر لكى يصل الى المستوى الرسمي المتمثل في قرار رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن بتجميد المفاوضات مع الجانب الصهيوني، حتى يتم الرجوع عن قرارات الحكومة الأخيرة، وعلى رأسها ازالة البوابات الاليكترونية، على الجانب الثاني خرجت تصريحات وبيانات من الفصائل الفلسطينية، تدين اجراءات الاحتلال القمعية ضد المصلين، داعين لاندلاع انتفاضة ثالثة جديدة، ونفير عام نحو تحرير المسجد الاقصى من دنس الصهيانة.

في هذه التقرير، سيتم بحث تسلسل الاحداث ومحاولة ربطها، تمهيدا لتأمل امكانية اندلاع انتفاضة جديدة من جهة، او حدوث حرب على غزة من جهة أخرى، في محاولة لدراسة تعقد المشهد وتأزمه على كلا الجانبيين الصهيوني والفلسطيني.

بداية تطور الأحداث:

قام ثلاثة شبان فلسطينين من عائلة "جبارين" القاطنة في البلدة القديمة للقدس المحتلة، بشن عملية استهدفت قتل جنديين صهيونيين داخل باحات المسجد الاقصى، ثم اندلعت بعدها اشتباكات مباشرة اسفرت عن استشهاد الثلاثة.

تعرضت المؤسسات الأمنية والعسكرية الاسرائيلية، لحالة هجوم ضاري واعتراضات كبيرة من المستوطنين، نتيجة فشل الأجهزة الاستخباراتية عن جمع معلومات قبل وقوع الحادث، وهو ما حاولت الحكومة الاسرائيلية تجاوزه بالاشارة الى حجم التحديات الارهابية التى تواجهها، واشتعال المنطقة بأزمات وحروب عديدة، ومن جانبه، " صرَّح مسؤول كبير في الجيش الإسرائيلى بأن تحديد مثل هذه التهديدات "يمثل تحديًا كبيرًا عندما لا يكون الإرهابى عضوًا فى أى منظمة (إرهابية)".[2] ولذلك يرجح أن تكون العملية عشوائية شعبية، وغير مخططة أو منظم لما سيأتي بعدها، وهو ما يجعل كافة الاحتمالات مفتوحة أمام استمرار التصعيد الاسرائيلي أو انحساره.

وقد أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية حماس على لسان متحدث العسكري أبو عبيدة في تدوينة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن عملية الاقصى تأكيد أن خيار الشعب الفلسطينيى الأوحد هو "المقاومة". كما دعت لمسيرة ليلية حاشدة لمباركة العملية والدعوة الى عمليات مماثلة لها.

قررت الحكومة الاسرائيلية بعدها غلق المسجد الاقصى في قرار لم يحدث منذ اكثر من خمسون عاما، ثم بعدها تم وضع البوابات الإليكترونية، وهو الأمر الذي صاحبه صعود للدور الذي ستمثلة القيادة الدينية الفلسطينية حيث دعت المرجعيات الإسلامية في القدس، ممثلة برئيس مجلس الأوقاف، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، ومفتي القدس والديار الفلسطينية، والقائم بأعمال قاضي القضاة في القدس، إلى رفض ومقاطعة كافة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي الجائرة، والمتمثلة في تغيير الوضع التاريخي القائم، ومنها فرض البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، وحثت على عدم التعامل معها مطلقا، وعدم الدخول من خلالها إلى المسجد الأقصى بشكل قاطع. بل وافتى الشيخ محمد حسين مفتي القدس، أن الوقوف ضد اجراءات الاحتلال ورفضها مقدم على الصلاة والتعبد داخل المسجد، لمقاومة محاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني للقدس. "أعادت إسرائيل فتح الحرم القدسي بعد يومين من إغلاقه عقب الهجوم ".[3]، ولكن القيادات الدينية وأهل القدس أضروا علي ضرورة ازالتها وعدم المرور من خلالها علي الإطلاق.

"تشكل البوابات الإلكترونية التي أقامتها سلطات الاحتلال بالمسجد الأقصى مدخلا جديدا للسيادة على ساحات الحرم القدسي الشريف؛ إذ يسعى الاحتلال إلى التفرد بالأقصى لتهويده وحصاره لفرض التقسيم المكاني، وذلك بعد أن ثبت مخطط التقسيم الزماني بساحاته.

ويأتي هذا الإجراء ضمن سلسلة القوانين التي شرعها الكنيست الإسرائيلي، وآخرها قانون "القدس الموحدة"، الذي يتزامن مع الإجراءات الأمنية بالقدس القديمة وحصار وعزل الأقصى عن محيطه وبيئته العربية والفلسطينية، في محاولة لفرض السيادة الاحتلالية وتفريغ القدس من الفلسطينيين الذين أكدوا رفضهم وتصديهم لهذه الممارسات وصمودهم.

ولم تخف إسرائيل أطماعها، ولم تكتف باعتداءاتها على ساحات الحرم؛ فقد أعلن عام 2014 إقامة تجمع (لوبي) صهيوني بالكنيست لنزع الوصاية الأردنية عن القدس، والتسريع ببناء الهيكل وإقامة مديرية يهودية توازي دائرة الأوقاف الإسلامية".[4]

وقد دعت مختلف فصائل فلسطين جموع الشعب للخروج في مسيرات غضب من أجل الاقصى، نتج عنها مواجهات بين قوات الاحتلال والمصلين، أسفرت عن استشهاد ثلاثة فلسطينين.

على الجانب الأخر، " كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد إردان النقاب عن أن سلطات الاحتلال نسقت مع دول عربية وإسلامية لنصب البوابات الإلكترونية قبالة المسجد الأقصى، لافتا إلى أن ذلك كان عبر اتصال مباشر مع بعضها أو عن طريق طرف ثالث مع الأخرى.

ولم يوضح الوزير الإسرائيلي هوية الدول المعنية، لكن تصريحاته ترافقت مع ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر إعلامية أجنبية، حول وجود تفاهمات سعودية إسرائيلية حيال الإجراءات الأمنية ونصب البوابات الإلكترونية في الأقصى، وتفهم الرياض لمزاعم تل أبيب بأن ذلك يندرج ضمن ما يسمى مكافحة «الإرهاب»".[5]

والجدير بالذكر، أن هناك خطة قد أعدت لنصب البوابات الإلكترونية، وتم تصديقها بالمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينيت) مع اندلاع الهبة الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2015. والحقيقة أن " البوابات الإلكترونية بمثابة مقدمة تليها إجراءات أخرى، مثل نصب كاميرات في ساحات الحرم وداخل المساجد ومصادرة مفاتيح الأبواب الخارجية لتكون مدخلا لفرض الاحتلال سيادته المطلقة على الأقصى وإدارته وتفريغه من المسلمين وتوفير البيئة الحاضنة لليهود، على غرار المخطط الذي تم تنفيذه بالحرم الإبراهيمي بالخليل.

وهذه الإجراءات والظروف لا تتوافق مع أي قالب قانوني، وأهدافها تهويدية ودينية بامتياز، وبذلك تمس إسرائيل الرعاية والوصاية الأردنية وتجاوز الواقع القانوني للوضع القائم، بذريعة مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن والأمان للمصلين سعيا لتضليل المجتمع الدولي تجاه انتهاكات الاحتلال لأبسط حقوق السكان الأصليين، وهي بمثابة جرائم ترتقي لمستوى العقوبات الدولية، كونها مخالفة للوضعية التاريخية للمسجد قبيل حرب 1967".[6]

القدس وحالة التحالفات الاقليمية:

سعت الاردن لتوحيد الجهود العربية لمواجهة المحاولات الصهيونية السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى. وقد كان موقف وزير الخارجية القطري أكثر الموقف العربية رفضاً للسياسات الصهيونية، كما أعلن رئيس الوزراء التركي رفضه للاجراءات الاسرائيلية، نظرا لحساسية الشعور الاسلامي نحو المسجد الاقصى.

على الجانب الاخر، كان موقف النظام المصري باهتاً، بل أعلن وزير الخارجية رفضه للعنف والعنف المضاد، مساوياً بين الاحتلال والمقاومة المشروعة، وهى أمر منطقي نظرا للعلاقة التي أضحت تربط بين القاهرة وتل أبيب، كما أن موقف الرياض لم يكن مفاجئاً، فلقد أشارت تقارير اخبارية، عن تفهم الرياض للاجراءات الاخيرة التي اتخذتها تل ابيب في ضوء مكافحتها للارهاب. ولذلك ربما تمثل القضية الفلسطينية ترسيخ للمحاور والتحالفات الاخذه في التشكل منذ مدة، خاصة أن التغطية الاعلامية الحادة والرافضة بشدة لممارسات الاحتلال تصب في هذا الاتجاه، وهو ما قد يعزز من رفض دول الحصار لسياسات المحور القطري –التركي، ولم تتخلف ايران عن المشهد هى الاخرى، والتي تتخذ من القضية الفلسطينية رمزا لمشروعية أهدافها وقضاياها ومحركاتها، لذلك تعد قضية تشكل التحالفات الاقليمية أحد أهم نتائج التصعيد الاخير على المسجد الاقصى على مستواه الخارجي، الا أن المؤشرات توضح بصورة سائدة، أن الاجراءات الاسرائيلية الاخيرة ستمكن من سيطرة الاحتلال بصورة كاملة على القدس، وهو البداية الفعلية لتهويد العاصمة المنتظرة، رغم تصاعد حدة الغضب الشعبي الرافض لممارسات الاحتلال وسياساته، الا أنه لن يصمد في الغالب ضد الاحتلال، خاصة مع تناقص حدة اهتمام الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية، وشعور الفلسطينين بالاغتراب في اقليمهم العربي، رغم اندلاع مظاهرات في عواصم عدة لدعم المقدسيين، الا انها ليست كما كان الوضع قبل الربيع العربي.

الخاتمة:

رغم توحد الفصائل الفلسطينية مع السلطة والقيادة الدينية في رفض الممارسات الصهيونية، ودعوة الرئيس عباس لحماس بالعودة الى البيت الفلسطيني وحل لجنة ادارة القطاع، الا ان الواقع يشير الى حدة الاختلاف في الأجندة والأهداف بين حماس والفصائل العسكرية وبين فتح والسلطة الفلسطينية، مما يشير إلى تجذر الخلاف والانقسام الفلسطيني، ومع ذلك لقد جسدت قضية تهويد القدس رمزية لامكانية توحد البيت الفلسطيني شريطة التوافق على الاهداف والاستراتيجيات.

ورغم تطور وتصاعد الأحداث، وحديث تقارير عدة عن امكانية اشتعال انتفاضة جديدة، الا ان العلاقات العربية –الاسرائيلية الأخيرة واتجاه معظمها وعلى رأسهم السعودية للتطبيع من جهة، وانشغال الشعوب العربية بقضاياها الداخلية من جهة اخرى، يشيران إلى صعوبة احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة.

وخارجيا، تشير القراءات إلي امكانية عودة القدس لكي تمثل معيار تشكل التحالفات، خاصة مع اقتراب الأزمات المشتعلة في المنطقة إلى الحل، أو على الأقل مع دخول أقطاب دولية كبرى على خط المواجهة، لاسيما بعد دخول الولايات المتحدة الامريكية إلى سوريا، وهو ما دفع عواصم عربية عدة إلى التراجع وترك المجال امام ابناء العم سام للتحرك بحرية، ولذلك ربما تستعيد القضية الفلسطينية بريقها نظرا لكونها القضية الاكثر قابلية على الاستمرار لعقود قادمة، وهو الأمر الذي يمكن للفلسطينين الاعتماد عليه في المستقبل القريب من أجل نشر الوعى بقضية تهويد الاقصى، وحث مشاعر المسلمين نحو الزود عنه.

 

 



[1] من أجل الأقصى: فلسطين تغضب

http://ida2at.com/the-palestinian-cause-in-a-week-july-21/

 

[2] هكذا فشل الشين بيت والجيش الإسرائيلي في إحباط عمليتي القدس وحلميش

http://alkessa.com/artical-17512

.

[3] ماذا يحدث في القدس؟

http://www.bbc.com/arabic/media-40624585

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022