التحالف الأمريكي لحماية ناقلات نفط الخليج: الفرص والقيود

التحالف الأمريكي لحماية ناقلات نفط الخليج: الفرص والقيود

يناقش التقرير التالي الذي نشره موقع استراتفور دوافع وقدرات حلفاء الولايات المتحدة للمشاركة في التحالف الذي تسعي الإدارة الأمريكية لتشكيله لحماية ناقلات النفط في الخليج ومواجهة ايران. ولا تنبع أهمية التقرير فقط من تحليل دواقع الدول للمشاركة أو الاحجام ولكن من كونه مفيداً في تحليل الصعوبات التي تواجه الولايات المتحدة في تشكيل تحالف فاعل في مواجهة ايران في الوقت الراهن. عنون التقرير لماذا ستكافح الولايات المتحدة من أجل تقليص التزاماتها العسكرية في الخارج؟1

حاولت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا إعادة توجيه اهتمامها ومواردها نحو المنافسة مع روسيا والصين، لكن التزامات واشنطن الأخرى حول العالم تُفشل هذه المحاولات. ومنذ توليه منصبه، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى معالجة هذه المشكلة عن طريق الضغط على الحلفاء للالتزام بمزيد من الدعم العسكري في أماكن مثل سوريا (حيث تحاول الولايات المتحدة تقليل مستويات وجودها العسكرى)، ومؤخراً فى الخليج الفارسي (حيث تواجه الآن زيادة خطر حدوث صدام عسكري مع إيران).

لكن المخاوف بشأن توجهات القيادة الأمريكية جعلت حتى أقوى شركاء واشنطن في أوروبا يتحفظون على نشر المزيد من قواتهم في هذه المناطق الساخنة. ومن المرجح أن يترك عدم الثقة هذا إلى جانب حقيقة أن العديد من الحلفاء لديهم بالفعل إلتزامات أمنية الولايات المتحدة أمام خيارات ضئيلة تتمثل فى ضرورة تقديم مزيد من الدعم من قبل حلفائها أو إنهاء التزاماتها في الشرق الأوسط.

أوروبا الغربية: قادرة ولكن غير راغبة

تعد المملكة المتحدة وفرنسا من أقوى حلفاء الولايات المتحدة فى أوروبا وأهمهم من الناحية الاستراتيجية. فقد شارك البلدان بنشاط في المهمة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية. وكانت المملكة المتحدة، على وجه الخصوص، مشاركاً رئيسياً في القوات الأمريكية بأفغانستان، وضاعفت قواتها تقريباً في البلاد خلال العام الماضي بناءً على طلب الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، سحبت فرنسا قواتها القتالية من أفغانستان في أواخر عام 2012. لكن باريس ظلت نشطة في عملياتها في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، وفي كثير من الأحيان إلى جانب القوات الأمريكية. وفى شهر مايو، توفي اثنان من قوات العمليات الخاصة الفرنسية أثناء عملية إطلاق سراح رهينة أمريكي في شمال بوركينا فاسو. وفي أكتوبر 2017، جاءت القوات الفرنسية لإنقاذ القوات الأمريكية التي تعرضت لكمين في النيجر.

ولكن على الرغم من هذه المساهمات، فقد طالبت الولايات المتحدة لندن وباريس بتقديم المزيد من الدعم في العديد من المجالات التي سعت فيها واشنطن لمزيد من التعزيزات من حلفائها خاصة في سوريا والخليج الفارسي.

ومنذ أن أعلن ترامب فى إبريل بشكل غير متوقع عن خطة سحب القوات الأمريكية من سوريا، حاول البيت الأبيض الحصول على دعم حلفائه عبر زيادة تواجدهم العسكرى فى سوريا من أجل تسهيل عملية الخروج الأمريكى. إلا أن المملكة المتحدة وفرنسا وجميع حلفاء الولايات المتحدة ترددوا في الإبقاء على القوات في سوريا؛ خوفًا من تركهم دون دعم فى ظل غياب التواجد الأمريكى، وإمكانية أن تتصادم قواتهم مع القوات الروسية والتركية والإيرانية. وكتنازل بسيط، تعهدت باريس وبرلين مؤخرًا بزيادة مساهمتهما بقوات في سوريا بنسبة 10 في المائة. ولكن هذا، بالطبع، لا يزال بعيدًا عن الالتزام الذي يحتاجه ترامب للوفاء بتعهده بسحب جميع القوات الأمريكية من البلاد.

ينطبق الأمر نفسه على الخليج الفارسي. ففي أعقاب سلسلة من الهجمات المرتبطة بإيران على سفن نقل النفط في يوليو الماضى، حاولت واشنطن تشكيل تحالف من الحلفاء الإقليميين والدوليين من أجل تأمين حركة مرور ناقلات النفط بشكل أفضل، والعمل كرادع ضد أى عدوان إيراني مستقبلي في المنطقة.

ومع ذلك، فمنذ أن قرر ترامب العام الماضي التخلي عن صفقة إيران النووية لعام 2015 – المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) – أصبح معظم شركاء واشنطن الدوليين يشككون بشدة في مقاربة واشنطن للتعامل مع طهران. ونتيجة لذلك، فقد رفض حتى أقوى حلفاء الولايات المتحدة مبادرة واشنطن الأمنية والمراقبة المقترحة في الخليج الفارسي، والمعروفة باسم برنامج الحارس؛ خوفًا من الانجرار إلى صراع كامل مع إيران.

وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة متورطة بشكل مباشر مع إيران في الخليج الفارسي، حيث استولت طهران على سفينة بريطانية في 20 يوليو ردًا على مصادرة لندن سابقًا لناقلة إيرانية في مضيق جبل طارق. وبالتالي، على عكس البلدان الأخرى، أدركت لندن علناً الحاجة إلى فرقة عمل مرافقة بحرية في المنطقة. ولكن بدلاً من دعم برنامج الحارس الأمريكي، سعت بريطانيا في البداية إلى إطلاق مبادرة أمنية ومراقبة في الخليج الفارسي من جانبها، والتي اكتسبت حتى الآن الدعم المبدئي من فرنسا وإيطاليا والدنمارك. لكن هذا بدأ يتغير بعد التعيين الأخير لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي لديه علاقة أوثق مع ترامب، والذى يدرك صعوبة تنفيذ برنامج أمني في الخليج الفارسي دون دعم من الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى فرنسا والمملكة المتحدة، فقد كانت ألمانيا أيضًا شريكًا عسكريًا مخلصًا لأمريكا لفترة طويلة. فألمانيا، التي تضم أكبر اقتصاد في أوروبا، تقدم حاليًا تسهيلات عسكرية ممتازة للقوات الأمريكية، وتساهم بثاني أكبر وحدة من القوات في أفغانستان (بعد الولايات المتحدة). ولكن مثل نظرائها الأوروبيين، تظل برلين تشعر بالقلق تجاه سياسات القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط. وذلك إلى جانب الدعم الشعبي المحدود للمشاركة العسكرية في الخارج هو السبب في أن ألمانيا سرعان ما رفضت طلبات الولايات المتحدة بإرسال قوات إلى سوريا و الانضمام إلى عملية الحارس في الخليج الفارسي.

أوروبا الشرقية: مستعدة لكن غير قادرة

لا يزال عدد من الدول الأوروبية الأصغر حجماً وهي بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وجورجيا أكثر استعدادًا للمساهمة في الجهود العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم. هذه الدول، من قبيل المصادفة، تشعر بالقلق من خطر التصادم المحتمل مع روسيا. وبالتالي، فإنهم يبذلون قصارى جهودهم بالموارد التي لديهم لمساعدة الولايات المتحدة في مهامها في الخارج، مع توقع أن تقوم واشنطن بالمثل إذا احتاجت هذه الدول لمساعدتها ضد موسكو. ولكن على عكس فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، فإن المشكلة التي تواجهها هذه البلدان ليست مشكلة التحفظ أو التردد، بل مشكلة القدرة.

فدولة مثل جورجيا تساهم بالفعل بشكل غير متناسب مع حجمها في الجهود الأمريكية في أفغانستان. حيث أن عدد الأفراد الجورجيين المنتشرين حاليًا هناك يتطابق تقريبًا مع عدد المشاركين من المملكة المتحدة وألمانيا. هذا على الرغم من عدد سكانهم الصغير (يبلغ عدد سكان جورجيا 4 ملايين نسمة، مقارنة بـ 83 مليونًا في ألمانيا و 66 مليونًا في المملكة المتحدة). ولكن العوامل نفسها التي تجبر دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق على المشاركة في العمليات العسكرية الأمريكية هي أيضًا ما تقيد قدرتها على المشاركة بشكل أكبر. بمعنى آخر، فإن عدم مشاركتهم بصورة كبيرة فى مساعدة الولايات المتحدة بالخارج ترجع إلى ضرورة تواجد هذه القوات في الداخل للدفاع ضد روسيا.

آسيا والمحيط الهادئ: حقيبة مختلطة

تمتد قائمة شركاء الولايات المتحدة، بالطبع، إلى ما هو أبعد من الغرب. فلدى واشنطن العديد من الحلفاء الأقوياء في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. وستكون البحرية اليابانية القوية، على سبيل المثال، ذات فائدة كبيرة في مواجهة إيران في الخليج الفارسي. ولكن مثل حلفاء واشنطن الأوروبيين، لا تزال اليابان حذرة من نوايا الولايات المتحدة، ورفضت حتى الآن تقديم دعمها لبرنامج الحارس. ومع ذلك، حتى لو كانت طوكيو أكثر استعدادًا للمساعدة، فإن القيود الداخلية المتمثلة فى الرفض الشعبى للحرب والقيود الدستورية ما زالت تقيد قدرتها على القيام بمهام عسكرية أجنبية واسعة النطاق.

وفي الوقت نفسه، فإن قدرات كوريا الجنوبية المتزايدة، تجعلها شريكًا جذابًا على نحو متزايد لمهام الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه. لكن في الوقت الحالي، لا تزال سيول مركزة بشكل أساسي على تهديدات كوريا الشمالية، وبالتالي من المرجح أن ترسل قوات رمزية، ولن تخاطر بإرسال قوات عسكرية مهمة إلى الخارج.

وأخيراً، فقد تعزز التحالف العسكري الأسترالي مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، حيث ساهمت كانبيرا بشكل كبير في العديد من المهام الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن الجيش الأسترالي الصغير نسبياً يحد من قدرته فى المشاركة العسكرية الواسعة لمهام واشنطن العالمية. والأهم من ذلك، فإن أستراليا مثلها مثل العديد من شركاء واشنطن الأكثر استعدادًا تركز بصورة أكبر على مواجهة التهديدات التي تريد الولايات المتحدة التركيز عليها. فالجيش الصيني المتزايد القوة، إلى جانب نفوذها الاقتصادي المتزايد في المحيط الهادئ، يدفع كلاً من أستراليا واليابان على إبقاء غالبية قواتهم داخل أراضيهم.

وبالمثل، فإن الأنشطة الإقليمية العدوانية الروسية والخطط التوسعية ستجبر دول أوروبا الشرقية على الاستمرار في التركيز على أراضيها. لذلك، في حين أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبات في الحصول على دعم إضافي من قبل حلفائها لتقليل التزاماتها في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تجد شركاء على استعداد للعمل معها ضد موسكو وبكين.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022