تصريحات الدكتور الريسوني .. الرأي العام ينجح في اختبار الوعي

بقلم: حازم عبد الرحمن

الدكتور أحمد الريسوني عالم كبير في الفقه, وصاحب تاريخ طويل في العمل الإسلامي بالمغرب, ويترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين, وجاء خلفا لفقيه العصر الدكتور يوسف القرضاوي, والاتحاد تجمع لعلماء الإسلام من مختلف الدول, بعيدا عن سلطة الحكام ونفوذ الأنظمة التي لا ترى في العلماء إلا “أدوات” تستخدمها في تحقيق أهدافها بغطاء ديني.

ويعمل الاتحاد لخدمة القضايا الإسلامية، ويستمد منهجه من الإسلام؛ وهو يمثل المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم. وهو ليس محليا ولا إقليميًا، بل هو يمثل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.

لذلك فإن ما يصدر عن الاتحاد وعلمائه الأجلاء يجد صداه لدى جماهير المسلمين في كل أنحاء العالم بالقبول والثقة اللائقين, لكن رئيس الاتحاد الدكتور الريسوني صدرت عنه ثلاثة مواقف أثارت جدلا بسبب طريقة تعبيره عن أفكاره, وعدم التريث فيما يمكن أن تفضي إليه التأويلات والتفسيرات اللاحقة لتصريحاته. فضلا عن الاحتياط والحذر من استغلال خصوم الإسلام لما يصدر عنه كفقيه كبير يترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

*الموقف من الانقلاب العسكري في مصر

عندما وقع الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو 2013 كانت ردود الأفعال وقتها تستنكر وتدين, وجاءت فتاوى العلماء المسلمين غير الخاضعين لأنظمة الاستبداد لتندد بالجريمة وترى ضرورة عودة الأمور إلى نصابها في مصر؛ غير أن الدكتور الريسوني في عام 2016 ـ وكان وقتها نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ  فاجأ الرأي العام بإعلانه الارتياح للانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي؛ حيث أدلى الريسوني بحديث لصحيفة “الأيام الأسبوعية” المغربية قال فيه: “لقد كنت مرتاحا جدا لإزاحة مرسي من الرئاسة وفرحت لذلك، لأنها كانت رئاسة في غير محلها”.

وقد كانت صدمة للجماهير المؤيدة للشرعية أن يصل إلى مسامعها مثل هذا التصريح, الذي يخذل الأبطال في محنتهم, وهم الصابرون المحتسبون الذين يستحقون الإجلال والتقدير, وليس النقد والتقريع؛ بما يؤثر سلبا في الروح المعنوية لملايين المؤيدين, ويصب في الوقت نفسه في مصلحة الانقلابيين ومن وراءهم من أعداء البلاد من الصهاينة وداعميهم.

وإزاء ذلك كان لا بد من مراجعة الريسوني؛ فانتقده الدكتور عزام التميمي، متسائلا: “هل يكون الارتياح لإزاحة مرسي من السلطة ارتياحا بسبب أن جريمة من أكبر الجرائم في زمننا المعاصر قد ارتكبت؟”، في إشارة إلى فض اعتصام ميدان رابعة، التي أكد التميمي أنها “جريمة سلبت من خلالها إرادة الأمة، وأحرق فيها الآلاف من العزل، وكل هذا لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم خرجوا يدافعون عن حقهم المغتصب ويطالبون بإطلاق سراح رئيسهم المختطف؟”.

وتابع: “هل ارتاح الريسوني لجرائم الانقلابيين في مصر، وما ارتكبوه من فظائع في سيناء وفي غيرها؟ هل سره تدميرهم لمدينة رفح، وإحكامهم الحصار على قطاع غزة، وتسليم مصر على طبق من فضة للصهاينة، وإرسال القوات المصرية لتنصر مجرم الحرب الآخر سفاح دمشق بشار الأسد؟”, وقال التميمي أنه “محزن ومؤسف أن يرتاح مثل الريسوني لانتصار الثورة المضادة في الحفاظ على عروش الظلمة والطغاة وفي تأمين الكيان الصهيوني من خطر ثورات الشعوب التي كانت تتطلع بلهف إلى تحرير الأقصى الأسير بعد أن تتحرر من استعباد المستبدين الفاسدين الذين حرسوا الحدود مع فلسطين المحتلة حماية للغاصبين عقودا طويلة”.

وكتب المؤرخ الدكتور محمد الجوادي ردا بليغا على الدكتور الريسوني أوضح فيه مكامن الخطورة في التصريح سبب المشكلة والذي ما كان لمثله كعالم جليل وفقيه كبير أن يمسها. 

وبتاريخ  الإثنين، 28 نوفمبر 2016 ، نشر “عربي21 ” حديثا أدلى به الدكتور الريسوني كشف فيه عن الأسباب التي جعلته يصرح بـ”ارتياحه” لإزاحة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي من الرئاسة، موضحا أن موقفه كان حول الإزاحة وليس تبريرا للانقلاب, والسؤال: ماذا لو تريث الفقيه الكبير واحتاط في تعبيراته؛ حتى لا يثور جدل بشأنه وشأنها؛ فالأمة لا تحتاج إلى ما يصرفها عن قضاياها الأساسية, خاصة أنه عاد ليقول: “حين الحديث عن الارتياح كان لعدة أيام قبل أن تتخذ الأمور اتجاها آخر، هو ارتياح قدري لإزاحة مرسي ولو أن الطريقة من الناحية التشريعية جريمة بلا شك وبلا تردد”.

*الفنون والفتوى في تركيا

وفي إحدى المناسبات الفنية في تركيا أشاد الدكتور الريسوني بتقدم الفنون, وهذا بالطبع أمر محمود ومقدر أن يثني فقيه كبير على الفنون الراقية وتقدمها بما يعطي صورة حقيقية لمفهوم الفن في الإسلام؛ غير أن الريسوني أعقب إشادته بالثناء على عدم وجود وظيفة “المفتي” ـ حسب تغطية قناة “مكملين”ـ خوفا على الفنون من الفتاوى(!) أي حتى لا يحظرها المفتي, وهي لقطة فيها شبهة تستدعي هجوم بعض الفنانين والنقاد على العلماء الذين يرفضون الانحطاط بالفنون وابتذالها, وهذه فرصتهم إذ قالها فقيه مسلم له وزن معتبر, وما كان أغناه عن ذلك, لو تريث قليلا وأفاد الحضور بنبذة عن موقف الإسلام من الفنون الجميلة, وتاريخ الأعمال الفنية الرائدة في المسرح وغيره الذي شهدته مصر إلى فترة ما قبل الحكم العسكري في خمسينيات القرن العشرين.

*الموقف من التطبيع

الرأي العام العربي والإسلامي يرفض التطبيع مع العدو الصهيوني الغاصب, وأصبح حظر التعامل مع الصهاينة معلوما من الدين والسياسة بالضرورة, وهناك فتاوى شرعية وقرارات لنقابات مهنية, وتجمعات ثقافية وسياسية عديدة ترفض تماما الاعتراف بالكيان الغاصب وتحظر التعامل معه بأي سبيل, وترى من يفعل ذلك آثما تقع عليه العقوبة المنصوص عليها في قرارات هذه الهيئات والتجمعات.

ولكن الدكتور الريسوني دعا المسلمين في كافة أنحاء العالم لزيارة القدس ودعم المقدسيين والمرابطين ماديا ومعنويا، مشددا على أنه “ليس كل من زار القدس مطبّعا أو داعيا للتطبيع”، وموضحا أن “الغرض والمقصد من الزيارة كفيل بمعرفة الموقف الشرعي والسياسي منها”, وأضاف: “أما من تستدعيه المخابرات وقنوات الاحتلال، فحتما نرفضه ونحاربه ونعتبرها خيانة وطعنة من الخلف”.

وفي الموضوع نفسه أكد الريسوني دعمه لموقف الفلسطينيين في الداخل (الأراضي المحتلة عام 48) للانتخابات التي من المقرر إجراؤها”، مؤكدا: “لا أفضّل شخصيا سياسة المقعد الفارغ، ويمكن استعمال المشاركة في الانتخابات كورقة للضغط على الاحتلال”.

وجاءت الردود سريعة ترفض ما دعا إليه الريسوني الذي قال إنه يعبر عن رأيه الشخصي فقط؛ ذلك لأنه خالف إجماع المجامع الفقهية, والمؤسسات الإسلامية بما فيها الاتحاد الذي يترأسه, وما استقرت عليه الأمة من عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وهو ما يتطلب مقاطعته وعدم زيارة الأراضي المحتلة بتأشيرته, وتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لدعم الشعب الفلسطيني في صموده وتحرير أرضه, وتجاهل الدكتور الريسوني مخاطر الدعوة إلى المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني؛ وهي التي تسببت من قبل في انشقاق الحركة الإسلامية بالأراضي المحتلة عام 1948 , وهل يعتبر فضيلته الصهاينة أهلا للعدل والإنصاف ليشارك الفلسطينيون في انتخابات العدو ويعطوه اعترافا بشرعية الاحتلال؟ إن هذا يفتح باب الخلاف مجددا, بينما قضية مواجهة الاحتلال أهم وأولى.

وقد يعتبر البعض أراء الدكتور الريسوني تساوقا مع موجات التطبيع التي تعم دول الخليج حاليا, وهو غير صحيح, لكن قد يستغله المغرضون في الترويج لدعاواهم؛ نظرا لمكانة الشيخ الريسوني والاتحاد الذي يترأسه, وهو ما حدث في تغطية قناة “العربية” لما صدر عنه، حيث تعاملت معه بوصفه موقفا للاتحاد، وليس موقفا شخصيا؛ لذلك من الأهمية بمكان مراجعة هذه التصريحات مع توضيح دقيق للمعاني المقصودة, والتراجع عند اللزوم, خاصة أن هذا الموضوع أصبح جزءا من ثقافة الأمة ووعيها, وهذه الدعوة إلى المراجعة مطلوبة لخطورتها, ومكانة الشيخ الريسوني الكبيرة لا تقف حائلا دون ذلك, فليس في الإسلام كهانة, وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم, وهذه التصريحات لا تطعن في علم الشيخ أو مكانته؛ فالخلافات الفقهية معروفة, وهناك الكثير من الآراء المرجوحة لكنها لم تجد الذيوع والانتشار, أما في القرن الحادي والعشرين فإن مثل هذه الآراء قد تجد الكثير من النوافذ لنشرها بما يثير الغبار حول قضايا, تحتاج فيها الأمة إلى وحدة الصف والهدف؛ حتى لا تتبدد جهود المخلصين في إنقاذها.   

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022