مستقبل الحكومة الاسرائيلية الجديدة وموقع الأحزاب العربية

على الرغم من انتهاء انتخابات الكنيست الاسرائيلي المعادة، منذ الثلاثاء الماضي ، إلا أن الموقف النهائي من تشكيل ائتلاف يشكل الحكومة بعيد المنال…

إذ أسفرت الانتخابات عن نتائج غير حاسمة، لأي من أطراف القوى السياسية في اسرائيل.

ولم تفضِ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، عن حكومة إسرائيلية جديدة حتى الآن، إذ أن التقارب في النتائج بين حزبي “أزرق – أبيض (كحول –لافان)” بزعامة بيني غانتس و”الليكود” بزعامة بنيامين نتنياهو- وهما أكبر حزبين في إسرائيل- حرمهما من صدارة تشكيل حكومة جديدة.

 

وتعد الانتخابات الأخيرة، ثاني انتخابات عامة في إسرائيل هذا العام. فبعد الانتخابات الأولى، التي جرت في أبريل الماضي، انهارت محادثات تشكيل ائتلاف حاكم، وتمت الدعوة لانتخابات مبكرة، جرت في 17 سبتمبر الجاري.

 

النتائج

 

واحتل حزب “أزرق أبيض” الوسطي بزعامة رئيس الأركان السابق بيني جايتس المرتبة الأولى، بحيازته 33 مقعدًا في الكنيست من أصل 120 مقعدًا، وجاء حزب “الليكود” اليميني بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في المرتبة الثانية بـ31 مقعدًا، وتوزعت باقي المقاعد الـ56 بين الأحزاب الأخرى مختلفة التوجهات.

أما القائمة العربية المشتركة بزعامة أيمن جودة، حلت في المرتبة الثالثة بـ13 مقعدًا في الكنيست، وذلك خلف الحزبين الرئيسيين أزرق أبيض والليكود.

 

 

وحصل كل من حزب “إسرائيل بيتنا” القومي العلماني برئاسة وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان وحزب “يهدوت هتوراة” (يهودية التوراة الموحدة) الديني المتشدد للأشكيناز على ثمانية مقاعد.

وحلت بعد ذلك قائمة “يمينة” اليمينية المتطرفة (7 مقاعد) وحزب العمل (6 مقاعد) وقائمة “المعسكر الديمقراطي” اليسارية (5 مقاعد).

 

 

معضلة الأغلبية

وتعاني اسرائيل من الانقسام السياسي الحاد، بسبب الخلافات الاجتماعية  والسياسية الحادة، فلم يسبق أن فاز حزب واحد في إسرائيل بأغلبية مطلقة في الكنيست، وهو ما يعكس الانقسامات السياسية والدينية والعرقية في البلاد.

 

وتقف الأحزاب الإسرائيلية التي تصدّرت الانتخابات الأخيرة وهما “أزرق – أبيض (كحول لافان)” و”الليكود” أمام مفرق طرق صعب. حيث حصل حزب “أزرق – أبيض” على 33 مقعداً في الكنيست، فيما حصل حزب الليكود على 31 مقعداً. وترأس نتنياهو كتلة يمين وحريديم وتضم 55 عضو كنيست، في حين يترأس غانتس كتلة تضم 54 عضو كنيست من الوسط واليسار والقائمة العربية المشتركة.

 

ورغم كل التحالفات الداخلية مع الأحزاب الإسرائيلية التي جمعت أصوات قليلة، والتي يحاول كسبها حزبي “غانتس” و”نتنياهو”، لم ينجح أي منهما حتى الآن في حصد التوصيات الـ 61 الضرورية، التي تخوله بموجبها تشكيل الحكومة الجديدة.

 

وفيما يقول الرئيس الإسرائيلي رؤفين ريفلين: “ندرك جميعاً أن الحكومة المستقرة بإمكانها منع انتخابات ثالثة لمدة عام على الأقل، هي حكومة ينبغي أن تضم كلا الحزبين الكبيرين”.

 

وهناك فارق وحيد، يمكن أن يُخوّل أحد الحزبين بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو حزب “إسرائيل بيتنو” بزعامة وزير الدفاع السابق، أفيغدور ليبرمان، وقد حصد في الانتخابات  8 مقاعد في الكنيست، أي العدد الكافي الذي بموجبه يمكن لـ “غانتس” أو “نتنياهو” تشكيل الحكومة.

وفي الوقت الذي تتجه فيه أنظار “غانتس” و”نتنياهو” نحو ليبرمان، ويحاول الطرفان استمالة حزب ليبرمان، بدا ليبرمان مرتاحاً في انتظار رضوخ أحد الحزبين لمطالبه، وهي: حكومة وحدة، بدون عرب – أي الأحزاب العربية في إسرائيل- وهي التي يضمها حزب “غاتتس” وبدون أحزاب يمينية متطرفة ومتدينة “الحريديم” وهي التي يتحالف معها “نتنياهو”، وأضحى ليبرمان عنصر الحسم الذي يعطي الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة، لكنه يرفض الرضوخ لمطالبه.

 

وأيضاً إلى جانب أن ليبرمان صاحب الحزب الوحيد الذي يُعطي الأغلبية  في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يقبض ليبرمان بيديه على مصير رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إذا ما فشل في تشكيل حكومة جديدة، واتجه للمحاكمة بملفات الفساد الموجهة له.

 

وفي تصريحاتٍ صحفية، قال ليبرمان: “إن حزب يسرائيل بيتنو لن يدعم قائد أزرق أبيض لأن “الأعداء” في القائمة العربية المشتركة سيوصون به كما يبدو”. مُضيفاً: أن حزبه اليميني لن يوصي بأي مرشح لرئاسة الوزراء“.

 

وتابع: ” لن أوصي بتفويض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في الكنيست هناك حزب يحاول تدميرنا من الداخل، وفي أفضل الأحوال، هم ينتمون للبرلمان في رام الله – مشيراً بذلك إلى القائمة العربية المشتركة للعرب الذين يعيشون داخل إسرائيل- ومكانهم ليس في إسرائيل“.

 

وحول الحزب الذي يتحالف معه نتنياهو، قال:  “إن الحريديم هم خصوم سياسيين، وليسوا أعداء. القائمة المشتركة هم أعداء أينما كانوا، سنكون على الجانب الآخر“.

 

والحريديم، هو حزب ديني يهودي متطرف، يتحالف معه حزب “الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو، لكن مراقبون يرون أيضاً، أنه إذا فشلت كل محاولات حشد التوصيات المطلوبة، واضطرت الأحزاب للعودة إلى انتخابات جديدة، فإن ولاء ليبرمان سيكون محتملاً لنتنياهو، وسيدعم حزبه لتشكيل الحكومة، وذلك لعدم العودة لانتخابات جديدة.

 

القائمة العربية المشتركة

 

تتكون القائمة العربية المشتركة من الأحزاب العربية داخل إسرائيل.

 

وتضم القائمة ثلاثة أحزاب عربية، هي التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الإسلامية، الحركة العربية للتغيير، مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التي تضم في صفوفها الحزب الشيوعي الإسرائيلي.

 

 وقد أوصى يوم الأحد، زعيم القائمة المشتركة أيمن عودة، لـ غانتس بتشكيل الحكومة، وزود مقاعده بـ 10 من نواب القائمة المشتركة، وأصبح غانتس يملك 54 مقعداً في الكنيست، بفارق مقعد واحد عن نتنياهو الذي يملك 55 مقعد.

 

ورغم أن دعم القائمة المشتركة لـ غانتس، يمثل خطوة جيدة، إلا أن الأخير هاجم دعم القائمة المشتركة ، لعدم خسارته شعبيته في المجتمع الاسرائيلي ، وقال: ” إنها تضرنا، ولا تنفعنا”، ورفض شروط دعمهم وهي: إلغاء قانوني “القوميّة اليهودية” و”كيمنتس“.

 

وقانون القومية اليهودية هو قانون أقره نتنياهو، ويعني يهودية دولة إسرائيل، والتعامل مع المواطنين الآخرين في إسرائيل كمواطنين درجة ثانية، وقد لاقى هذا القانون استهجاناً واسعاً، خصوصاً من العرب الدروز المنخرطين في المجتمع الإسرائيلي تماماً ويخدمون في الجهات الحكومية الإسرائيلية كالجيش.

 

أما قانون كيمنتس: فهو قانون ينص على تسريع وتيرة هدم المنازل العربية في إسرائيل عن طريق تقليص صلاحيّات المحاكم في البتّ بملفّات البناء، تحت حجج الترخيص والمناطق التي يسمح فيها البناء.

وهذه هي المرة الأولى منذ عام 1992 التي تعلن فيها مجموعة أحزاب عربية دعم مرشح لمنصب رئيس وزراء إسرائيل.

 

ولكن غانتس، رفض هذه المطالب، والسبب وفقاً لمراقبين للشأن الإسرائيلي، أنها ستضر به على المستوى الإسرائيلي الشعبي، وستُقلّص من شعبيته أمام نتنياهو.

 

ونقل الإعلام الإسرائيلي عن مسؤولين في حزب “أزرق أبيض” أن دعم المشتركة “أضرّ بهم جماهيريًا”، ويقلل من شعبية غانتس لدى الجمهور الإسرائيلي، بوصفه متساهلاً مع العرب. وقد وصف مسؤولون في حزب غانتس، دعم القائمة المشتركة بـ “عملية على الوعي الإسرائيلي استهدفتهم“.

كما أن شرط ليبرمان الأساسي، هو عدم التحالف مع القائمة العربية المشتركة.

 

وقالت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية: “إن حزب “أزرق أبيض أعلن رسمياً، أنه لن يرد على مطالب القائمة العربية المشتركة، ولن يتعاون معها، ولا تعنيه توصيتها بتكليف غانتس“.

من الأقرب لتشكيل الحكومة؟

 

 

وحصل نتنياهو على 55 توصية بتشكيل الحكومة، في المقابل حصل غانتس على 54 توصية، ما يعني أن نتنياهو هو الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

 

وقالت قناة كان: إن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، استدعى زعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو، ورئيس ائتلاف “أزرق أبيض” بيني غانتس، إلى اجتماعٍ تشاوريٍ مساء الاثنين 23 سبتمبر، لإقناعهما بتشكيل حكومة وحدة.

 

وإذا نجحت المحادثات مع الرئيس الإسرائيلي، سيمنح نتنياهو، 29 يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة، وفي حال فشله سيمنح 12 يوماً آخراً، وإذا فشل سيتم تكليف غانتس بهذه المهمة.

وفي وقتٍ سابق، قال نتنياهو: “كتلة الليكود هي الوحيدة القادرة على إيجاد حلٍ للوضع الحالي، بإقامة حكومة وحدة ولجنة مُوسّعة بمشاركة “أزرق أبيض“.

أما بخصوص فشل ذلك، فإن الرئيس الإسرائيلي يملك خياراً قد يستند إليه: “في حالة لم يحظ أي مرشح بالتوصيات الـ 61 الضرورية، قد يقرر الرئيس إجبار الأطراف على تشكيل حكومة وحدة..

وأمام هذه النتائج والمعطيات تبقى الاحتمالات الأقرب هي:

تشكيل حكومة وحدة وطنية علمانية تضم أزرق أبيض وأحزاب المركز واليسار وليبرمان بدعم من القائمة العربية المشتركة لكن دون مشاركتها في الائتلاف.

او الذهاب الى انتخابات برلمانية ثالثة إذا استمر المأزق الحالي ولم يتمكن أي من الأحزاب من تشكيل ائتلاف .

وتؤدي هذه المعطيات إلى جعل رئيس الدولة ريفلين الشخص الأكثر أهمية في إسرائيل حاليا، وقد بدأ مشاوراته مع الأحزاب في الكنيست قبل أن يكلف نتنياهو أو غانتس بتشكيل حكومة جديدة اعتمادا علي توصية الأحزاب.

هل اقتربت نهاية نتانياهو؟

 

من السابق لأوانه إعلان نهاية عهد نتانياهو، لكنها قد تكون بداية النهاية.

وعلى مدى عقد من الزمن، هيمن نتانياهو الذي يكمل عامه السبعين خلال شهر، على محطات البث ونشرات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي تعامل معه زعماء كثيرون في أنحاء العالم.

غير أن الرجل المعروف بين أنصار حزب ليكود الذي يتزعمه بلقب “الساحر” سبق له أن تمكن من الخروج من مواقف صعبة.

لمّح نتانياهو إلى اتفاق على تدوير محتمل لرئاسة الوزراء مع غانتس مستشهدا باتفاق في الثمانينيات بين رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، اليساري، وإسحق شامير سلف نتانياهو في حزب الليكود. وتناوب الاثنان على رئاسة الوزراء في الفترة بين 1984 و1988.

كان شامير، الذي توفي عام 2012، يتبنى نهجا أمنيا متشددا ودخل في ذلك الائتلاف مع بيريز بعد تنحي سلفه في ليكود مناحيم بيغن وسط انقسام شعبي بسبب غزو إسرائيل للبنان عام 1982.

ومن شأن تقاسم السلطة أن يتيح لنتانياهو الحصول على ولاية خامسة قياسية ليضمن بقاءه السياسي كما يسمح له بقول إن لديه تفويضا عاما للتصدي لتهم جنائية ربما تُوجه له قريبا.

فبعد أن أجرت الشرطة تحقيقا على مدى فترة طويلة أعلن النائب العام الإسرائيلي عزمه توجيه الاتهام لنتانياهو في ثلاث قضايا فساد.

ومن المتوقع أن يقرر ما إذا كان سيوجه الاتهامات رسميا بحلول نهاية 2019. ولكن هناك جلسة في أكتوبر قبل المحاكمة يمكن لنتانياهو خلالها أن يعارض الاتهام. وينفي نتنياهو ارتكاب أي مخالفات ويقول إنه ضحية حملة ملاحقة.

وأشار حلفاء نتانياهو إلى استعدادهم لتقديم دعم له لمنحه حصانة برلمانية. لكن من المرجح أن يسبب ذلك السيناريو استنكارا شعبيا ويبدو حاليا أنه بات بعيدا.

وإذا ظل نتانياهو رئيسا للوزراء، أو تناوب على المنصب، فإن القانون يقول إنه لا يتحتم عليه التنحي حتى إذا تم توجيه الاتهام رسميا له. ولكن إذا أرغم على تشكيل حكومة وحدة مع غانتس فقد يواجه المزيد من الضغوط السياسية والعامة لترك المنصب.

وأشار بعض المحللين إلى احتمال طرح صفقة يتنحى بمقتضاها نتانياهو عن المنصب في مقابل تقليص التهم.

 

 

مستقبل القضية الفلسطينية

 

وأمام معركة تشكيل الحكومة الاسرائيلية، تقف القضية الفلسطينية أمام معضلات مستقبلية إزاء مخطط التصفية التي وضعتها الادارة الأمريكية عبر “صفقة القرن”، حيث كان نتانياهو قد أعلن عزمه ضم غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة حيث يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة. ولكن من دون الحصول على أغلبية واضحة من داعميه من الجناح اليميني فإن اتمام هذه الخطوة ليس مرجحا. وأي حكومة سيشارك فيها غانتس ستكون منفتحة على الأرجح للتفاوض مع الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن جميع المرشحين لترؤس الحكومة الإسرائيلية يعدون بمثابة خيارات سيئة بالنسبة للفلسطينيين، فإن قطار التسوية الأحادية وضم الضفة الغربية وإبعاد القدس المحتلة من أي تسويات مستقبلية، وإنهاء حل الدولتين فعلياً، مرّ بمحطات لافتة في السنوات العشر الماضية، التي ترأس فيها نتنياهو حكومة الاحتلال. وكان أهم هذه المحطات دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب اللامحدود، وبقرارات غير مسبوقة، للمشروع الاستيطاني.

 

وتندرج خيارات الفلسطينيين بين السيئ والأسوأ، أو بين مستوطن مدني مثل نتنياهو أو مستوطن عسكري مثل الجنرال بني غانتس، إذ إنهما سينفذان المشروع الصهيوني لإسرائيل الكبرى بكل دقة..

بل ينتظر الفلسطينيون الأسوأ من صفقة القرن عبر قرارات استبعاد القدس ومحاولة إنهاء حق العودة، واعتبار الاستيطان شرعياً وقانونياً، وضم الأغوار وما يتعلق بالحدود، والأهم من ذلك ما يتعلق بحل الدولتين الذي باتجلمت بعيد المنال، في ظل التطبيع العربي المتهافت في المرحلة الأخيرة..

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022