“جمعة الخلاص”.. خطوة على طريق الثورة الكاملة

بقلم: حازم عبد الرحمن

عندما وجه المقاول محمد علي الدعوة إلى التظاهر مساء الجمعة 20 سبتمبر, تجاوز الشباب الثائر حدود الدعوة التي طلبت منهم الخروج أمام منازلهم وفي غير الشوارع والميادين, وانطلق الشباب إلى ميدان التحرير مباشرة؛ ما لفت الأنظار, وأكد أن بركان الثورة ما زال يغلي, وقد أن له أن ينفجر في وجه السيسي وعصابة الحكم العسكري.  

وفي استجابة للدعوة إلى “جمعة الخلاص” 27 سبتمبر خرجت المظاهرات في كثير من المحافظات يهتفون: “ارحل يا سيسي”, وكانت البداية من قنا والأقصر وأسوان وسوهاج والمنيا والجيزة خاصة الصف والوراق, وهو أمر لافت؛ إذ المعتاد أن تزحف جموع المتظاهرين في القاهرة الكبرى إلى ميدان التحرير لتسبق الجميع, ومثلها مظاهرات الإسكندرية, التي تتسابق إلى الكورنيش وأماكن التظاهر المعروفة.. فما الذي حدث؟

لقد نشرت قوات الأمن بالقاهرة “عصابات” من الملثمين المسلحين وشرطة مكافحة الشغب وأغلقت الشوارع العشرة المؤدية إلى ميدان التحرير؛ فظهرت الشوارع خالية إلا من قوات الأمن فقط،؛ ما جعل المنطقة ثكنة عسكرية لا يمكن اختراقها, كما تم إغلاق محطات المترو في وسط القاهرة (الأوبرا والسادات وجمال عبد الناصر) للحيلولة دون الوصول إلى ميدان التحرير تماما, وجرى إغلاق كوبري 6 أكتوبر بزعم الصيانة. وعند نقاط التفتيش، قام ضباط الشرطة بإيقاف المارة بشكل عشوائي، مطالبين بإبراز هوياتهم وتفتيش محتويات هواتفهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي, وحدث الأمر نفسه في الإسكندرية ؛ حيث سيطرت قوات الأمن على الشوارع الرئيسية, ومنعت أي حراك للمظاهرات من المنبع, وتم إغلاق مواقف النقل الرئيسية بين القاهرة والمحافظات لعزل العاصمة تماما.

ومنذ دخول المتظاهرين إلى ميدان التحرير مساء 20 سبتمبر, تواصل أجهزة الأمن حملاتها لإرهاب المواطنين, واعتقلت حتى الآن أكثر من ألفي مواطن, مع أعداد غير مسبوقة من الكمائن على الشوارع والطرق الرئيسية.

* تغير الموقف الدولي

بعد ست سنوات من الانقلاب العسكري في مصر, وما شهدته من قمع وجرائم ارتكبها السيسي وعصابته؛ أدت إلى يقين لدى الغرب (وهو الداعم)  أن الوضع في مصر لا يمكن أن يستمر على هذه الحال؛ فألغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقاء لها مع السيسي على هامش قمة الأمم المتحدة, وقالت وزارة الخارجية الألمانية إن اعتقال المتظاهرين بمصر لن يسهم في استقرار البلاد, و إن ألمانيا أوضحت بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن تنامي قمع المجتمع المدني والصحافة الحرة لن يسهم في استقرار مصر, بل إنه سيؤدي إلى تشدد وتطرف عنيفَين.

وأعرب ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى عن دعم واشنطن حق الشعب المصري في التظاهر, مضيفا أن الإدارة الأمريكية تراقب تطورات الأوضاع على الأرض في مصر، كما دعا نواب ومشروعون أمريكيون السلطات المصرية إلى احترام حق مواطنيها في التظاهر، وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي إن الكونجرس يراقب تطورات الأحداث في مصر وأن الكونجرس سيحاسب النظام إذا استخدم القوة ضد المتظاهرين, أو قام باعتقالات عشوائية.

وقالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه إنها قلقة إزاء عمليات الاعتقال الواسعة على خلفية المظاهرات في مصر, وأشارت إلى أن منظمات المجتمع المدني المصرية وثقت اعتقال أكثر من ألفي شخص، بينهم محامون وحقوقيون وناشطون سياسيون وأساتذة جامعيون وصحفيون.

وتزايدت ضغوط المنظمات الحقوقية على داعمي الانقلاب في مصر, وهاجمت إشادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وانتقدت منظمة العفو الدولية الإجراءات الأمنية المشددة بالقاهرة، وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير وإغلاق محطات المترو بوسط القاهرة؛ مما منع الناس من ممارسة حقهم في حرية التنقل والتجمع السلمي, وطالبت بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير، والسماح للاحتجاجات بالمضي قدما.

ومثلت هذه المواقف رسائل إلى قائد الانقلاب وعصابته جعلتهم يسيرون على خطى المخلوع مبارك في اصطناع تأييد جماهيري باستدعاء أعداد من الموظفين الحكوميين والعاملين لدى القطاع الخاص في حفل راقص, وتقديم وجبات طعام ورشاوى مالية, وتوفير أتوبيسات لنقلهم ذهابا وعودة, ولأن الجميع يعلم أن ما يحدث مجرد تمثيلية سبق أن شاهدها أيام ثورة 25 يناير وأعقبها سقوط مبارك وخلعه من الحكم؛ فقد فزع السيسي إلى نجدة صهيونية, وأرسل وفدا أمنيا من جهاز المخابرات العامة الخميس بصورة سرية، تتزامن مع اندلاع المظاهرات في عدد من المدن والمحافظات في مصر، فيما عبرت أوساط صهيونية عن قلقها من تأثير هذه المظاهرات على استقرار نظام السيسي.

*مؤشرات “جمعة الخلاص”

قدمت مظاهرات جمعة الخلاص عددا من المؤشرات المهمة يجب التوقف عندها والاستفادة منها, من أهمها:

ـ أن روح الثورة باقية, لن تنطفئ مهما مارس السيسي وعصابته من أساليب القمع والإرهاب ضد الشعب المصري.

ـ أن الاصطفاف الشعبي لإسقاط حكم العسكر يتحقق في الميدان قبل أن يلتقي رجال السياسة.

ـ تحقق مزيد من الوعي لدى الشعب بضرورة إسقاط السيسي الذي خدعه بمعسول الوعود, بينما هو يبني القصور لأسرته بالمليارات, ويرفع الأسعار التي أفقرت نصف عدد السكان.

ـ أن هناك تغيرا في الموقف الدولي بعدم الممانعة في إسقاط السيسي الذي بات يشكل عبئا على داعميه في الغرب, ويصنع حالة من عدم الاستقرار في مصر والمنطقة.

ـ أن هناك رعبا وقلقا كبيرا لدى قائد الانقلاب وعصابته.

ـ أن هناك حاجة إلى إعادة النظر في أساليب التظاهر لمواجهة خطط انتشار الأمن.

ـ أن الجيش سيلقي البيان رقم واحد إذا نجحت المظاهرات في احتلال الميادين.

ـ الاحتمال الأكبر أن الشرطة لن تكرر جرائم القتل التي ارتكبتها في 25 يناير وقاربت على الألف شهيد؛ خشية المحاكمات, كما حدث لحبيب العادلي وزير داخلية المخلوع مبارك.

ـ تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي بما يجعلها غرفة عمليات للثورة.

ـ ظهور خصوم وأعداء جدد للسيسي من غير أنصار ثورة 25 يناير.

ـ أن نجاح الثورة المصرية سرعان ما ينعكس على المنطقة كلها؛ فبعد مظاهرة التحرير في 20 سبتمبر, سارع الجنرال الليبي المنقلب خليفة حفتر إلى طلب المصالحة من فايز السراج رئيس الحكومة الشرعية.

ـ أن هناك تضامنا كبيرا من الشعوب العربية مع الشعب المصري في ثورته.

ـ أن الانقلاب العسكري الدموي على إرادة الشعب المصري قد فشل, وهو في طريقه إلى السقوط , برغم مرور ست سنوات على اغتصابه السلطة, ومليارات الدولارات من السعودية والإمارات.

ـ غياب رموز 30 يونيو عن مظاهرات جمعة الخلاص, مثل البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى, ما يعني أنهم لم يكونوا أنصارا حقيقيين لثورة 25 يناير, وإنما اندفعوا لتأييدها من أجل أسباب انتهازية, كشفها بعد ذلك تأييدهم للانقلاب العسكري على إرادة الشعب المصري.     

  *نحو خطة جديدة للتظاهر

مثلت فعاليات “جمعة الخلاص” نجاحا للخطوة الأولى في طريق إكمال الثورة, ولم يكن شرطا للخطوة الأولى أن تكون إلى ميدان التحرير, لكن هذا لا يعني التوقف طويلا أمام الانتشار الأمني لإرهاب الثوار وقطع الطريق عليهم في الوصول إلى ميدان الثورة؛ فهناك أفكار وطرق أخرى, لا بد أن يسعى إليها الثوار؛ ولا بد من مراجعة “جمعة الخلاص” وتفاصيلها؛ فمثلا لماذا تبدأ المظاهرات يوم جمعة, حيث يقل عدد المشاة في شوارع القاهرة؟, لا شك أن يوم عمل آخر من أيام وسط الأسبوع سيوفر ساترا بشريا كثيفا للثوار للتجمع في ميدان التحرير وغيره من الميادين, وقد بدأت ثورة 25 يناير في منتصف الأسبوع, وتم فض المتظاهرين, ثم عادوا في اليوم التالي, وحدث كر وفر, حتى كان الصمود والدعوة بعد ذلك إلى مليونيات لإسقاط مبارك؛ أما البدء مباشرة في يوم جمعة فهو يعطى الفرصة للشرطة لإغلاق الطرق والكباري ومحطات المترو, ونشر قوات الأمن ومنع المظاهرات من التحرك إلى الميادين, ولا يمكن في هذا الصدد إغفال دور المصريين بالخارج في التظاهر أمام السفارات المصرية والمطالبة بإسقاط السيسي لجذب أنظار العالم إلى جرائم السيسي ضد الشعب المصري.    

  وتبقى الاستفادة مستمرة من إبداع الشباب والأفكار الجديدة على وسائل إعلام الثورة ومواقع التواصل الاجتماعي التي تمد الثوار بالخبرات والنصائح حتى يأتي يوم الخلاص.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022