الانتخابات التشريعية التونسية.. مكاسب وتحديات

بقلم: حازم عبد الرحمن

سطر الشعب التونسي إنجازا جديدا في طريق الانتقال الديمقراطي بإجراء الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر 2019 , والتي تجاوزت نسبة المشاركة فيها 41%, وأسفرت نتائجها عن تصدر حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي بـ52 مقعدا، تلاه حزب “قلب تونس” الذي يتزعمه مرشح الرئاسة المفرج عنه من السجن نبيل القروي بـ38 مقعدا, وأظهرت النتائج حصول حزب التيار الديمقراطي على 22 مقعدا، يليه ائتلاف الكرامة بـ21 مقعدا، فالحزب الحر الدستوري (17)، وبعده حركة الشعب (16)، ثم حزب “تحيا تونس” الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد (14), وقد أشادت بعثة “مركز كارتر” لمراقبة الانتخابات التونسية بما وصفتها بـ”الإدارة الجيدة للانتخابات البرلمانية”.

ورغم تصدر “النهضة” لنتائج الانتخابات, إلا أنه من الملاحظ تراجع شعبية الحزب الذي حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 على 89 مقعدا داخل المجلس. وفي أول انتخابات تشريعية تجري بعد إقرار دستور 2014، حصل على 69 مقعدا داخل مجلس النواب المنتهية ولايته. ولكن على الرغم من أن “النهضة” ظل الأكبر في مجلس النواب، إلا أنه خسر 20 مقعدا بالمقارنة بنتائج انتخابات 2011؛ فكيف حدث هذا التراجع؟

الواقع أن التراجع لم يكن من نصيب “النهضة” فقط, وإنما شمل جميع الأحزاب التي شاركت في السلطة, وكان أداؤها غير مرض للشارع الذي يعاني أزمة اقتصادية متفاقمة, صنعت شعورا جمعيا بفشل الحكومات والأحزاب السياسية؛ ما دعا بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية إلى رفع شعارات “مناش حزب” أي أنه لا ينتمي إلى حزب سياسي؛ بسبب ما طال الأحزاب من انتقادات لمشاركتها في حكومات ما بعد الثورة منذ 2011 وحتى الآن, وقد أسقطت الانتخابات حزب “نداء تونس” تماما, الذي أسسه الرئيس الراحل قائد السبسي, وتفكك الحزب وأصبح أثرا بعد عين, ولم يحصل حزب “تحيا تونس” الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلا على 14مقعدا؛ وأعلن رئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم استقالته من رئاسة الحزب على خلفية الفشل الذريع للحزب في الانتخابات التشريعية؛ لذلك يمكن القول إن تراجع “النهضة” هو نصيبها من دفع فاتورة التوافق مع حزب “نداء تونس” لترسيخ التحول الديمقراطي والحيلولة دون تعطيل مسيرة البلاد في نجاح تجربتها الجديدة, التي يترصد لها محور الثورة المضادة المعادي للربيع العربي وحريات الشعوب, وقد تعرضت “النهضة” لحملات تشويه, واتهامات باطلة, وهذا ليس بعيدا عن مؤامرات أنصار الثورات المضادة الذين يرهبون الشعوب بـ “فزاعة” الإسلام السياسي لمصادرة حقوقها وحرياتها، وفي الوقت نفسه تفتقد “النهضة” الذراع الإعلامي القوي الذي يدافع عنها ويروج لبرنامجها وأفكارها, مثلما حدث مع المرشح الرئاسي نبيل القروي وحزبه “قلب تونس”, بسبب حجم الدعاية الضخم الذي تم تسخيره له في الانتخابات البرلمانية, ولرئيسه كمرشح للرئاسة.

* أثر الثورة المضادة

بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في 3 يوليو 2013 أعرب أنصار الربيع العربي عن خشيتهم من تكرار التجربة في تونس, وكان محور الثورة المضادة يجهز بالفعل مؤامراته للانقضاض على التجربة الوليدة في الأرض التي شهدت ميلاد ثورات الربيع العربي, وكان من أبرز تجلياتها ما خطط له وزير الداخلية السابق لطفي براهم، بالتعاون مع الإمارات؛ لنسف التجربة الديمقراطية بالبلاد, والعودة بها إلى الدكتاتورية, ورغم فشل هذه المحاولة وغيرها, إلا أنه بات من المؤكد استمرار محور الثورة المضادة في العمل ضد تونس, ومحاولة إفشال تجربتها الديمقراطية,  خاصة مع بقاء موالين للنظام البائد في دوائر الأحزاب ووسائل الإعلام ومراكز المال والنفوذ، وهم مرتبطون بالرعاة الإقليميين للثورة المضادة الذين يسعون إلى إسقاط التجربة التونسية الرائدة, وقد أدلت قيادات حزبية بتصريحات, تؤكد أن هدفها هو إقصاء حركة النهضة, وعزلها, وهذا السلوك مؤشر خطير على فعل الثورة المضادة وخلاياها السياسية النائمة, فهي لا تهتم بالوصول إلى السلطة الآن, وإنما بإقصاء “النهضة” حتى يضعف الصف الثوري ويعود نظام بن علي البائد من بوابة الديمقراطية, وهذا ما دفعها, مع غيرها إلى الحفاظ على استمرار التوافق بعد نجاح الثورة ثم طوال فترة رئاسة السبسي, الذي كان من نتائج رحيله صعوبة إجراء التوافق السابق الذي كان من نتائجه أيضا تضحية الحركة بجزء كبير من قاعدتها الانتخابية لتفكيك المنظومة القديمة من جهة أولى، ولضمان الشروط الضرورية لاستمرار الانتقال الديمقراطي, وهو ما جعلها الآن في وضعية حرجة لا تسمح لها بهامش مناورة كبير .

وقد اتهم وزير الخارجية التونسية الأسبق، القيادي في حركة “النهضة” رفيق عبد السلام دولة الإمارات العربية المتحدة، بأنها عراب الثورات المضادة ومشاريع الخراب في المنطقة العربية، وقال إنها تكفلت بدفع مليون دولار لشركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورة المرشح للرئاسيات التونسية نبيل القروي مؤكدا أن مشروع القروي لا يزيد عن كونه حلقة جديدة في مسار تدمير الديمقراطية وضرب الثورة التونسية في مقتل, وأن الجهة التي تكفلت بدفع هذا المبلغ (مليون دولار أمريكي) هي أبو ظبي.

* تحدي تشكيل الحكومة

إذا كان نجاح إجراء الانتخابات التشريعية ترسيخا للديمقراطية, فإن تشكيل الحكومة التونسية يمثل تحديا تجلت مظاهره في تصريحات قيادات الأحزاب الفائزة في الانتخابات؛ ففي حين أعلنت حركة “النهضة” وضع شروط تحدد ملامح تحالفاتها المقبلة بادرت قوى سياسية أخرى مثل حزب “قلب تونس” إلى تأكيد أنها ستختار المعارضة ولن تتحالف مع النهضة التي أكدت أنها ستعمل على التفاوض مع الأحزاب والمستقلين القريبين منها من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة تستجيب لطلبات التونسيين في العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد, ومثل حزب “قلب تونس” يأتي “الحزب الدستوري الحر” سليل الحزب الحاكم السابق لنظام بن علي, وتقوده عبير موسى المعادية للثورة التونسية, وقد أعلنت “النهضة” أنه لا مجال لإجراء مشاورات مع الأحزاب المتورطة بشبهات فساد مالي، أو أحزاب لا تعترف بالثورة وما زالت مشدودة إلى منظومة الاستبداد، في إشارة إلى حزب “قلب تونس” و”الحزب الدستوري الحر”, ولذلك لن تكون هناك خيارات مريحة أمام “النهضة” في مشاورات تشكيل الحكومة, وإذا لم تنجح المشاورات, واستحضار روح التوافق التي رسخت التجربة الديمقراطية, فإن البديل لن يكون في صالح أي من الأحزاب, وسيكون الجميع أمام انتخابات تشريعية جديدة, تترك آثارا على ثقة الشارع التونسي في الأحزاب جميعا, وتفاقم من الأزمات التي تعيشها البلاد.

لذلك فإنه ليس أمام الأحزاب والمستقلين الذين تم انتخابهم إلا تنحية خلافاتهم جانبا، واتخاذ خطوات سريعة لتعزيز المؤسسات الديمقراطية الجديدة في تونس، وتحسين الوضع الاقتصادي، وتجديد ثقة المواطنين في قدرة البلاد على استكمال الانتقال الديمقراطي.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022