استبعاد الحل العسكري مع إثيوبيا.. ماذا عن الخيارات البديلة؟

بقلم: حازم عبد الرحمن

في الخامس من أكتوبر2019 , وكما كان متوقعا, أعلنت حكومة الانقلاب في مصر أن المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي وصلت إلى طريق مسدود, وطالبت بوسيط دولي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية, وهي إثيوبيا، والسودان, ومصر, وقد كانت نتيجة هذه المطالبة صدور بيان أمريكي هزيل يزعم أنه يدعم المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق تعاوني ومستدام ومتبادل المنفعة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي, وهو بيان معدوم القيمة والتأثير, جرت صياغته ليرضي جميع الأطراف، ولم ينص على احترام اتّفاقيّات توزيع المِياه الدولية التي تحصل مصر بمقتضاها على حصتها, خاصة أن إثيوبيا أعلنت أنها ترفض التدخل والوساطة من أي جهة .  

وليس صحيحا ما حاول عبد الفتاح السيسي أن يرهب به الشعب بالزعم بأن ثورة 25 يناير هي المسئولة عن بناء السد , فإذا كانت إثيوبيا قد وضعت حجر الأساس عام 2011،  في عهد حكم المجلس العسكري الذي كلفه المخلوع مبارك بإدارة شئون البلاد, فإنها ـ حسب خرائط جوجل إيرث ـ لم تشرع في بناء السد فعليا إلا بعد الانقلاب العسكري, وتوقيع قائد الانقلاب على  وثيقة تنازل يوم 23 مارس 2015, تسمح ببناء سد النهضة على نهر النيل لتوليد الكهرباء، وهو ما يعني اعترافًا مصريا بشرعية بناء السد الكارثي؛ فقدم بذلك حلا لأزمة تمويل السد المتعطل؛ حيث كانت الشركات الأوروبية ترفض تمويل المشروع قبل موافقة بقية الدول المُتضررة، وهي نقطة القوة, وأكبر ورقة ضغط  فقدتها مصر بتوقيع السيسي, الذي استمر بعد ذلك في تخدير المصريين بقوله: ” أنا ما ضيعتكمش قبل كده عشان أضيعكم تاني” وإعلانه إنشاء أكبر محطة لتنقية مياه الصرف الصحي,  وهو ما كان يستوجب عزله ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى .

*سياسة مصر الثابتة

في تصريح تاريخي هدد  وزير الدفاع المصري المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة بتدمير أي سدود على نهر النيل, مؤكدا أن مصر ستستخدم القوة الشاملة ضد ما يهدد حصتها من مياه نهر النيل (  https://www.youtube.com/watch?v=NAVckLEV82I ), ولم يكن تهديد أبو غزالة جديدا على السياسة المصرية تجاه أطماع إثيوبيا في الاستئثار بمياه النيل دون غيرها؛ فعندما اعتزمت إنشاء سد كبير على النيل  لتوليد الكهرباء، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بعث بخطاب إلى الإمبراطور هيلا سيلاسي، جاء فيه: «نطالبكم بوقف أعمال بناء السد، لأننا نعتبره تهديدًا لحياتنا؛ مما يستدعي تحركًا مصريًا غير مسبوق»، فامتثلت إثيوبيا بعد نصيحة الرئيس الأمريكي أيزنهاور، وقللت ارتفاعه من 112 مترًا إلى 11 مترًا فقط, وعندما عادت إلى هذه المحاولات في عهد الرئيس السادات أرسلت القاهرة رسالة رسمية عبر وزير خارجيتها: «إذا قامت إثيوبيا بعمل أي شيء يعوق وصول حقنا في الماء كاملًا، فلا سبيل إلا استخدام القوة», وقد تكرر التهديد بإعلان الحرب على إثيوبيا في عهد المخلوع حسني مبارك عندما تأزمت العلاقات وشرعت إثيوبيا في استئناف خططها التنموية لمواردها من مياه النيل، وإقامة السدود لتوليد الكهرباء,  وهو ما قوبل بتهديد مصر بإعلان الحرب، عبر تسريبٍ صوتي منسوب لمبارك, قال فيه إنه مستعد لضرب السد بطائرة «توبوليف» – قاذفة قنابل سوفيتية تسبق سرعة الصوت – في حال أقدمت على تنفيذ تهديدها. وحسب وثيقة سربها موقع «ويكيليكس» عام 2013 جاء فيها أن مبارك طلب في أواخر حكمه من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية تستخدمها القوات الخاصة المصرية إذا أصرت إثيوبيا على بناء سد, وفي عهد الرئيس محمد مرسي قال على الهواء مهددا: “إذا نقصت قطرة واحدة من ماء النيل فإن دماءنا هي البديل”.

لذلك فإن سياسة مصر الثابتة لحماية حصتها من مياه نهر النيل كانت الخيار العسكري, الذي كان ناجحا في كل مرة يتم التلويح به فيها, لكن الحكم العسكري الذي جاء بعد انقلاب 3 يوليو 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي كان أول خروج على سياسة مصر الثابتة لحماية حقوقها في مياه النيل, وهي تستند في ذلك إلى حقوق تاريخية بموجب اتفاقيتي 1929 و1959 اللتين تمنحانها 87% من مياه النيل وهو ما يقدر بـ 55 مليار متر مكعب سنويا, وبموجب هاتين الاتفاقيتين أيضا تمتلك مصر حقّ الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع, لكن إثيوبيا تجرأت اليوم لتعلن إنها ترفض الاعتراف المباشر أو غير المباشر بأي معاهدة سابقة لتحديد حصص المياه, ولم يكن ذلك ليحدث إلا بتخطيط ورعاية صهيونية للضغط على مصر وإضعافها, وتواطؤ من قائد الانقلاب الذي وقع على وثيقة تنازل مصر عن حقها في مياه النيل, ومنع بناء أي سدود تؤثر على حصتها فيها.

*استبعاد الخيار العسكري

مما راج في الفترة الأخيرة عبر وسائل الإعلام سواء المؤيدة أو الرافضة للانقلاب استبعاد الخيار العسكري في أزمة سد النهضة الذي يهدد الحياة في مصر, ويجعلها عرضة للغرق إذا ما أقدمت على ضرب السد الإثيوبي, مع إغفال أن الخيار العسكري يمكن أن يكون هو أحد الحلول,  إذا ما تم التفكير فيه جيدا من كل الزوايا بحيث تقل أو تنعدم الأخطار المحتملة من العمليات الموجهة نحو السد؛ فهناك طوفان المياه على الوادي والدلتا, وهو خيار مدمر, لكن من قال إن خطط الحروب لا تضع في اعتبارها المخاطر, والاستعداد للوقاية منها, وإذا كان هناك من يحذرون من ضرب سد النهضة عسكريا بسبب ما ينتج عنه من مخاطر؛ فما هي نصائحهم إذا انهار هذا السد ذاتيا كما يقول خبراء آخرون؟, وهم يؤكدون أن هذا سيحدث, وأن طبقات الطمي ونوع التربة من العوامل التي تجعل العمر الافتراضي لأي سد في إثيوبيا يتراوح ما بين 5 سنوات و 20 عاما على الأكثر، بسبب النحت للأراضي.

إحدى الدراسات حول “أخطار انهيار السد العالي” اقترحت عدة فتحات علوية كمفايض علي جانبي بحيرة ناصر  وذلك بخفض ارتفاعات بعض المناطق بحافتي البحيرة من الشرق والغرب  وفق مقاييس هندسية  تسمح باستقبال  أي زيادة في الماء عن المنسوب الذي يهدد سلامة السد ، ودون أن تسحب من المخزون المائي بالبحيرة  علي أن يكون تصريف هذه المياه في المنخفضات غير المأهولة بالسكان والخالية من الأنشطة الاقتصادية, وتقترح كذلك عمل عدة مفايض بعد السد العالي تسمح بتصريف الماء في الصحراء بحيث تكون الفتحات الجانبية قادرة علي استيعاب 91 مليار متر مكعب من الماء   حتى ينتهي تأثير اندفاع الماء إلي الشمال وذلك في مسافة لا تتجاوز 100 كيلوا متر علي أقصي تقدير ، وذلك وفق  نظام يسمح بإعادة استخدام المياه من جديد ، مع وضع خطط وخطوط سير آمنة لإنقاذ المدنيين في هذه المنطقة  .

واقترحت الدراسة أيضا تقسيم تخزين الماء بين  السد العالي ومناطق آخري، وذلك بأن توزع كميات المياه علي خمس خزانات  أو بحيرة صناعية جديدة  منخفضة  عن سطح البحر ، أو في أماكن لا يؤثر  فيها القصف علي المدنيين،  وتعد  توشكي أحدى هذه المناطق المقترحة ،   واستحداث بحيرة ثانية  لتغذية وسط الصعيد بالماء ، وبحيرة  ثالثة بالفيوم ، ورابعة بالصحراء الغربية قبل مدينة 6 أكتوبر لتغذية مخططات التنمية بمحيطها ، وخامسة بمنطقة الإسماعيلية لتغذية  مدن القناة وسيناء ، وتطوير القناطر بمنطقة الدلتا ، وإنشاء قناطر كخزانات  علي فرعي رشيد ودمياط .

وهذا مجرد نموذج من أساليب التفكير في مواجهة الأزمة؛ فماذا سيكون عند الخبراء العسكريين والاستراتيجيين, لا بد أنه أكثر بكثير, وهناك خيارات مثل احتلال السد عسكريا  وتخريبه وتعطيله دون التدمير الكامل له, بحيث لا يعمل, وتضيع على إثيوبيا المليارات الخمسة من الدولارات التي استخدمتها في تمويله, وتسقط أحلامها غير المشروعة, ومعها المؤامرة الصهيونية ضد مصر, وهناك فرص كثيرة  لتفكيك إثيوبيا وتفتيتها إلي دويلات صغيرة انطلاقًا من المتناقضات  والصراعات العرقية والإيديولوجية بدعم الحركات الانفصالية،  وهذا الخيار من أسهل الخيارات المتاحة ولكن المشكلة في الإرادة السياسية التي يحتكرها عسكري جاهل ثبتت عليه اتهامات بالعمالة والخيانة.

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022