الزيارة السابعة للسيسي لأبوظبي: استرضاء للمال الاماراتي وتلاعب ليبيا وقطر وتونس

تأتي الزيارة الرسمية السابعة لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات، والتي استغرقت يومي الأربعاء والخميس، 13، 14 نوفمبر الجاري، في وقت بالغ الأهمية على الصعيدين المصري والإقليمي..

تناولت الزيارة –حسب البيانات الرسمية المشتركة – نقاشات حول  مستجدات الأوضاع في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك في ليبيا وسورية وفلسطين فضلاً عن ملف المصالحة الخليجية والمستجدات بشأنها، بما في ذلك محاولات  تقريب وجهات النظر، التي تبذل من قبل عدة أطراف خليجية ودولية، كالكويت وعمان وواشنطن، الجارية منذ عدة أسابيع والتي لم تكن مصر طرفاً فيه، وملف الدعم المشترك لموقف قائد مليشيات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

 

وجاءت الزيارة التي لم يكن مخططا لها، رغم تصريحات الدبلوماسية المصرية بأنها كان مخطط لها، إلا أن تصريح دبلوماسي آخر كشف أنها   تسببت في تأجيل فعاليتين رئاسيتين كان مقررا للسيسي أن يشارك فيهما –جاءت- لسبب أهم ، وهو استرضاء الإمارات، لتلافي بعض المشاكل التي شغلت حكومة الإمارات في الفترة الماضية بشأن استثماراتها في مصر ومساعداتها لنظام السيسي ، حيث أبلغ الاماراتيون عدداً من الوزراء المصريين خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها عدد من رجال الأعمال الإماراتيين لمصر الشهر الماضي، بعدم رضاهم عن الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوض السيسي الجيش بالتعامل معها، حيث اكتشفوا وجود قصور بالغ ومخالفات وتجاوزات في مواعيد صرف بعض دفعات المساعدات والمدى الزمني لتحقيق الاستفادة منها وعدم توظيف بعضها في الأغراض المخصصة لها، وطلبوا من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اعتماد آلية للمراجعة المشتركة لبعض البنود المالية التي أسيء التصرف بها، وفقاً لرؤيتهم.

ولعل ما يؤكد ذلك، اجتماع الحكومة المصرية في يوم سفر السيسي ، الأربعاء، لمتابعة أعمال المشاريع الخاصة بالعاصمة الإدارية والمدن الجديدة المتعثرة.

حيث قرر مجلس الوزراء، الاسراع في إجراءات فض منازعات الاستثمار وتعويضات المتعاقدين، وتسريع إجراءت مد المرافق لعدد من المشروعات الجديدة..

بل إن كثير من الدوائر الاقتصادية، تحدثت صراحة عن

ضغوط من داخل النظام الإماراتي لوقف تدفق المنح والاستثمارات للنظام المصري لحين مراجعة ما تم إنجازه في بعض الملفات المتعثرة بعينها، منذ عام 2015 وحتى الآن، والتي تشمل مشاريع معطلة ومساعدات مالية لم توضح مصر طرق إنفاقها.

 

بل تحدثت مصادر حكومية عن أن بعض رجال الأعمال الإماراتيين الذين زاروا مصر أخيراً لمتابعة مشاريع في العاصمة الإدارية الجديدة والساحل الشمالي، أعربوا عن مخاوفهم من عدم إمكانية الاستفادة من تلك المشاريع في المواعيد المخطط لها نتيجة تأخر الهيئة الهندسية للجيش في تسليم المرافق والطرق التي كان مقرراً إنجازها نهاية العام الماضي، وذلك بسبب انشغال الهيئة في العديد من المشاريع الأخرى التي يرغب السيسي في افتتاحها بشكل مستمر، وفي الوقت نفسه اعتماد الهيئة على شركات مقاولات صغيرة وحظر دخول شركات أخرى أعلى كفاءة في بعض المشاريع.

وبحسب تلك المصادر، فإن هناك “تململاً متصاعداً في الإمارات” بسبب سوء تصرف الجيش وشركاته في العديد من المساعدات التي تلقتها الدولة وفوّض السيسي الجيش بإدارتها، خصوصاً على مستوى مشاريع المدن الجديدة. وتعدّ الإمارات حالياً الدولة صاحبة أكبر استثمارات في السوق المصرية بإجمالي استثمارات بلغت 6.8 مليارات دولار، ويبلغ عدد الشركات المستثمرة بمساهمات إماراتية في مصر نحو 1141 شركة في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 3.3 مليارات دولار في العام الماضي مقارنة بنحو 2.2 مليار دولار في عام 2015، وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى الإمارات نحو ملياري دولار في عام 2018، في حين بلغت الواردات نحو 1.3 مليار دولار.

 

استرضاء المال الاماراتي

 

وشهدت العلاقات بين مصر والإمارات برودا في العلاقات بين البلدين، على المستوى الاقتصادي، بعد العديد من المطالبات المصرية بمساعدات اقتصادية، رفضتها الإمارات بعد تعثرها السياسي والاقتصادي في اليمن وفي الخليج العربي، بعد الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في موانيها…ولكنها سمحت لمصر بتأجيل سداد مديونياتها المقررة للإمارات، عبر عقود جديدة تزيد من الفائدة على الودائع والقروض الإماراتية لدى القاهرة.

ولعل استمرار سياسة منع القروض والمنح المجانية، مكتفيا بتقديم التعهدات بالاستثمارات فقط، حيث أعلن ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، الخميس، إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مع مصر بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع مشتركة.

 

وقال “بن زايد” في تغريدة: “أطلقت مع أخي الرئيس عبدالفتاح السيسي منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع حيوية في مجالات لها جدواها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة لبلدينا وشعبينا الشقيقين“.

يشار إلى أنه في يوليو الماضي، أسند السيسي الاستثمارات الإماراتية والسعودية والكويتية، لجهاز المخابرات العامة المصرية، لتذليل الصعاب، وأنشا مدير جهاز المخابرات العامة، اللواء “عباس كامل”، وحدة جديدة داخل الجهاز للإشراف على عمل لجان فض المنازعات والمتابعة مع المستثمرين الإماراتيين والسعوديين والكويتيين.

تختص اللجنة بإنهاء المشاكل القائمة بين المستثمرين الخليجيين وبين الحكومة حول تسوية آثار الأحكام الصادرة ببطلان شرائهم لأراض أو مشاريع، وكذلك إلغاء القرارات السابق صدورها ضد بعضهم بسحب الأراضي أو المشاريع في عهدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الراحل “محمد مرسي” بين 2011 و2013.

وسط توجهات من النظام الحالي لنقل ملف الاستثمارات الخليجية بالكامل إلى هذه الوحدة الاستخباراتية الجديدة بدلاً من وزارة الاستثمار، بسبب تراكم المشاكل الشخصية بين مدير الجهاز الذي يُعتبر الشخصية الأقوى في نظام “السيسي” حتى الآن، وبين وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي “سحر نصر”، التي يعتبرها “كامل” موالية لأحد منافسيه السابقين رئيس الرقابة الإدارية السابق “محمد عرفان”، الذي سبق ونجح “كامل” في الإطاحة به“.

وأشار المصدر إلى أن هذه المشاكل التي تعرقل وعود “كامل” وشخصيات نافذة أخرى للمستثمرين الخليجيين ومجتمعات الأعمال في السعودية والإمارات، تحديداً بتسوية مشاكلهم وتحسين أوضاعهم في مصر، رغماً عن القيود القانونية، هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع المخابرات إلى الترويج لقرب رحيل “سحر نصر” عن الحكومة في أقرب تعديل وزاري، والبحث عن بديل لها.

 

 

تشريعات منبطحة

 

ومؤخرا، أصدر السيسي القانون 133 لسنة 2019 بإحالة كل القضايا التي صدرت فيها أحكام ببطلان الخصخصة والبيع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، أو اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار.

 

ويأتي ذلك في إطار محاولات النظام لاجتذاب رؤوس الأموال لشراء الكيانات التي ستُطرح للبيع قريباً ضمن برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، ومنح المستثمرين الأجانب وفي مقدمتهم الخليجيين امتيازاً تشريعياً إضافياً يحميهم من المشاكل القانونية المعقّدة ويضمن لهم إمكانية استرداد أموالهم في أي وقت بالاتفاق مع الحكومة بعيداً عن ساحات القضاء، وذلك بالتوازي مع مستجدات هيكلية تضمن إشراف دائرته مباشرة على هذا الملف وتقليص سلطة العمل الحكومي المدني.

وتراهن دائرة “السيسي” على سرعة وحسن تطبيق القانون الجديد ليكون قاطرة لجذب استثمارات خليجية للتعامل في الحصص الإضافية من أسهم الشركات الحكومية المطروحة والمقرر طرحها تباعاً في البورصة، لا سيما أن القانون يضمن اتّباع سياسة التسوية بالنسبة لكل المشاكل، سواء كانت بسبب عدم التوافق بين المستثمر والحكومة، أو عدم وفائه بالتزاماته التعاقدية، أو صدور حكم ببطلان التعاقد من المحكمة الإدارية العليا كما حدث في قضايا صفقات “المراجل البخارية، وعمر أفندي، وطنطا للكتان، وشبين الكوم للغزل والنسيج”، وغيرها من القضايا المرتبطة بكيانات اقتصادية سبقت خصخصتها.

وبحسب المصادر الاستخباراتية، التي نقلت عنها دوائر اقتصادية، فإن الوحدة الاستخباراتية الجديدة بدأت بالفعل مهامها بالتواصل مع ممثلي شركة “منا” القابضة الكويتية وباقي شركائها الكويتيين في الشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي، للتنازل عن الدعوى التي أقاموها في سبتمبر الماضي ضد مصر أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار “إكسيد” لإلغاء قرار سحب 26 ألف فدان في منطقة العياط في الجيزة، جنوب القاهرة، والصادر عام 2011 من الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية التي بادرت إلى فسخ العقد مع الشركة بعد إقامة دعاوى لبطلان العقد أمام القضاء من مواطنين متضررين، وثبوت أن الشركة لم تستغل الأرض في الأغراض الأصلية للصفقة، وهي الزراعة والإنتاج الحيواني والسمكي، وبيعها 10 آلاف متر بحوالي مليار جنيه لأغراض سكنية.

 

واتخذت الشركة الكويتية هذه الخطوة بعد صدور حكم محكمة الجنايات ببراءة وزير الري الأسبق “محمد نصر علام” من تهمة تحويل نشاط استغلال الأرض المملوكة للشركة من الزراعي إلى العمراني.

 

ويستند القانون الجديد الذي أصدره “السيسي” إلى فتوى صدرت من مجلس الدولة العام الماضي باستحالة تنفيذ حكم بطلان خصخصة شركة “طنطا للكتان” وبيعها للمستثمر السعودي “عبدالإله كعكي”، وذلك بعدما ثبت عدم إمكانية استرجاع الأصول والأراضي التي تصرف فيها المستثمر السعودي بالبيع وتغيير النشاط، ما اضطر حكومة رئيس الوزراء السابق “شريف إسماعيل” للدخول في مفاوضات معه لمنعه من إقامة دعوى تحكيم ضد مصر.

 

وسيترتب عليه تفريغ أي أحكام سابقة أو مستقبلية تصدر ببطلان بيع أصول الدولة للمستثمرين من مضمونها، وضمان عدم تنفيذها، حتى وإن كانت تشير إلى فساد مالي أو إداري، وإحالة الأحكام بعد صدورها إلى إحدى اللجنتين الوزاريتين لفض المنازعات أو تسوية منازعات العقود، لتباشر إجراءاتها ودياً، ما يمثل رسالة إيجابية لسوق الاستثمار الخليجي الذي كان مستثمروه أكثر من تضرر من قضايا الخصخصة، وترتب على ذلك رفع 16 قضية ضد مصر في آخر 7 سنوات، موزعة بين “إكسيد” ومراكز تحكيم إقليمية ودولية أخرى.

 

 

 

غموض الشق السياسي

وفي الوقت الذي تتضح فيها الجوانب الاقتصادية، يحوط الغموض الجوانب السياسية..

خاصة وأن الزيارة تأتي وسط توترات بين السعودية والإمارات، على خلفية الخلافات في اليمن، ووسط وساطات خليجية للمصالحة مع قطر، وهو ما يقلق النظام المصري بشدة، وفق مراقبين..

 

المصالحة مع قطر وقلق السيسي

وكانت مصادر سياسية تحدثت عن قلق شديد لدى نظام السيسي، بسبب توقعات استراتيجية بنجاح الجهود المبذولة لحل الأزمة بين قطر ودول الحصار التي تقودها السعودية والتي تكتسب زخما، حيث تساعد بطولة كرة قدم قريبا في الدوحة على تمهيد الطريق لتحقيق اختراق محتمل..

وبحسب “بلومبيرغ نيوز”، فإن الوساطة تركز حاليًا على إصلاح العلاقات بين قطر والسعودية، وسوف تنضم دولة الإمارات لاحقًا. وهو ما تخشاه من جانب اخر الامارات، التي تواجه تراجع علاقاتها السياسية مع السعودية، فأردت الاستعانة بالسيسي، لمواجهة السعودية وتابعتها البحرين في الملف..

وتوقع مراقبون أن تدفع بطولة “خليجي 24″، التي ستعقد في قطر ما بين 24 نوفمبر و6 ديسمبر، إلى ذوبان في جليد الأزمة التي بدأت في يونيو 2017.

 

وقد تعددت إشارات عن حدوث انفراجة في الأزمة بالفترة الأخيرة..

ففي بداية هذا العام حضر رئيس الوزراء القطري قمة الجامعة العربية في السعودية في أول زيارة لمسؤول قطري على أعلى المستويات منذ الحصار.

 

وفي الأسبوع الماضي قال مسؤول سعودي في واشنطن إن قطر بدأت باتخاذ الخطوات لإصلاح العلاقات مع جيرانها. وقال الاتحاد السعودي لكرة القدم، في تغريدة، إنه قبل المشاركة في البطولة، وكذا أعلن الاتحاد الإماراتي لكرة القدم قبوله المشاركة. وقال مسؤول خليجي إن البحرين قررت المشاركة كدليل على أن المواجهة الحالية في طريقها للحل.

 

وفي  نوفمبر الجاري، بشر الأكاديمي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية المقرب من دائرة الحكم في الإمارات، عبد الخالق عبد الله، بقرب حل الأزمة الخليجية المستمرة، قائلاً في تغريدة على حسابه بـ”تويتر”: “أبشركم بتطورات مهمة لحل الخلاف الخليجي بأقرب مما تتوقعون“.

 

وبعد 24 ساعة، عاد المستشار الإماراتي للقول عبر حسابه في “تويتر”، إن هناك قراراً آخر يتعلق بوقف الحملات الإعلامية المسيئة “التي تراجعت كثيراً مؤخراً”، مشيراً إلى أن تفعيل اللجان الوزارية الخليجية واجتماعها بزخم وبشكل دوري بما فيها اجتماع وزراء داخلية مجلس التعاون.

 

وأكد أن التحضيرات جارية على قدم وساق لاجتماع وزراء الخارجية والاستعداد لقمة خليجية خلال شهر ديسمبر، مؤكداً أن انعقادها “سيشكل منعطفاً مهماً وسيعيد الحياة والحيوية للأخوة الخليجية“.

 

وتأتي الانفراجة في الأزمة وسط مخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب، في وقت تزيد فيه الولايات المتحدة الضغط على إيران. وعملت السعودية والإمارات على تخفيف التوتر في الأشهر الماضية، وبخاصة بعد تعرض المنشآت النفطية السعودية للهجمات التي قالت واشنطن والرياض إنها من تنفيذ إيران.

وتتجه السعودية بقوة نحو المصالحة مع قطر ، في ظل تراجع ثقتها في الحانب الأمريكي لمواجهة ايران، واتجاهها نحو الاعتماد على القوى الخليجية لمواجهة التحديات الاقليمية..وهو ما يكون سببا لاسراع السيسي لزيارة الامارات، لبحث مستقبل وضعه السياسي في حال جرت المصالحة مع قطر، فيما يفسر بعض المراقبين، الزيارة بأنه جرى استدعاء السيسي للامارات ، للاستقواء به في مواجهة الموقف السعودي المتجمد مع الامارات، خاصة بعد خيانتها في اليمن والتحاور مع ايران، من خلف السعودية، وأيضا في حال لم تحقق  الامارات مستهدفاتها من التصالح مع قطر..

الكلف الليبي

 

من جانب آخر، تأتي الزيارة، على وقع فشل ذريع للحليف الليبي، خليفة حفتر،  بعد فشله في اقتحام العاصمة طرابلس، منذ أبريل الماضي.

وتعددت هزائم حفتر، الممول بدعم لوجستي وعسكري مصر اماراتي، ودعم من بعض الدول الاوروبية كفرنسا، وسط خلاف مع ايطاليا التي تدعم حكومة السراج في غرب ليبيا..

وقد نجحت حكومة طرابلس في تطوير علاقاتها مع واشنطن، التي دخلت بقوة على الملف الليبي، ووضعت فيتو استراتيجي على التحركات المصرية الاماراتية الدافعة لحفتر..
فالسعودية تسعى يائسة إلى استرداد راية القيادة التي فقدتها بالمنطقة، أما  الإمارات وان ظهر دورها كأنه يتطابق مع الدور السعودي، لها في الحقيقة مشروعها الخاص، وما ليبيا إلا حلقة من حلقات هذا المشروع.

 

مؤامرات ابوظبي بليبيا

 

المسافة بين أبو ظبي وطرابلس تزيد عن 5000 كم، لكنها جزء من الطريق الواصل بين الإمارات، وبين البوابة الشمالية للقرن الأفريقي الكبير، الممتد من مدخل البحر الأحمر جنوبا إلى شواطئ أفريقيا على البحر المتوسط شمالا. وقد أدركت الدبلوماسية الإماراتية أهمية هذه المنطقة، منذ اتسع نطاق عمليات القرصنة، قبالة مضيق باب المندب، ومنذ ازدهرت تجارة الأسلحة غير المشروعة، مع وجود الجماعات المتطرفة والميليشيات، والقلاقل السياسية في مناطق الصراع في الصومال واثيوبيا واريتريا وجنوب السودان وكردفان ودارفور وتشاد والنيجر وليبيا، ومع ما ترافق مع ذلك من الفوضى وانتشار عصابات تهريب وتجارة البشر، واتساع نطاق عمليات التنقيب عن الذهب وتهريبه بعيدا عن أعين الحكومات الضعيفة.

فيما يشير مراقبون إلى أن المشروع الرسمي للإمارات ينطلق من شعار كاذب هو: مكافحة الإرهاب. وقد اجتهدت الإمارات كي تقدم نفسها في ذلك، فشاركت الولايات المتحدة في تحالف الحرب على داعش في سوريا، وقبل ذلك في العراق وأفغانستان والبوسنة، كما تشارك السعودية في الحرب على اليمن. منطق الإمارات الحقيقي هنا هو أن الحروب تجيء معها بالفرص. ففي الحرب تقل الرقابة أو تنعدم، وتزيد فرص التربح، ويتعاظم تأثير شبكات العلاقات غير الشرعية.

 

علاقة الإمارات بالتوتر في ليبيا والحرب هناك تعود إلى ما قبل حفتر، فهي من خلال علاقاتها بالجماعات المسلحة والميليشيات في الصومال والقرن الأفريقي، استطاعت مد نفوذها عبر السودان إلى جنوب ليبيا، وأقامت علاقات مع القبائل والشخصيات التي تدير عصابات التهريب وتجارة السلاح، واستخراج الذهب وبيعه. وهي تعمل في المنطقة الممتدة من جيبوتي والصومال إلى صحراء جنوب ليبيا مع حلفاء أقوياء، منهم الشخص الذي يتولى الآن منصب نائب رئيس المجلس العسكري في السودان المعروف باسم حميدتي، وهي علاقات قديمة منذ كان ذلك الشخص يقود ميليشيات الجنجويد في دارفور، وكانت تجارة وتهريب البشر والسلاح جزءا من أنشطته هناك. كما أنها تحتفظ أيضا بعلاقات قوية مع حكام وقيادات في دويلات الصومال، وفي بعض حكومات دول المنطقة..

وبحسب الدوائر الاكاديمية الغربية، المشروع الإماراتي في ليبيا ليس مكافحة الإرهاب، وليس تحقيق الاستقرار أو إقامة دولة قوية، فوجود دولة من شأنه أن يعطل المشروع الإماراتي، الذي هو استمرار الحرب، فالحرب تعني تعطيل القانون، وغياب القانون يعني الفوضى، والفوضى تعني انتشار اللاشرعية واتساع نطاق فرص التربح. وعندما تضع الحرب أوزارها، فإن الظروف ستكون مهيأة لان تسقط الثمرة ناضجة في سلة حكام الإمارات، فيحصلون من ليبيا على ما شاءوا من الامتيازات في عمليات إعادة البناء وإصلاح الخراب الذي شاركوا هم في صنعه.

كما تلعب الإمارات دورا محوريا في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي. وقد عقدت شركات إماراتية اتفاقات مع سلطة النفط الموازية للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية للحصول على النفط الليبي بأسعار بخسة، تقل في المتوسط بأكثر من 10 دولارات في البرميل الواحد عن الأسعار العالمية، حسب تقدير المؤسسة الوطنية. هذه الاتفاقات ترافقت مع سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر على بعض حقول وموانئ تصدير النفط في ليبيا منذ عام 2016. ولأن هذه الاتفاقات انكشف أمرها، فقد صدرت التحذيرات من خطورة ما تقوم به الإمارات. وتمت اتصالات بين رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وبين رئيس شركة ادنوك الإماراتية للمطالبة بوقف هذه الصفقات.

 

الحكومة الليبية من ناحيتها أعدت قائمة رسمية بأسماء الشركات والأشخاص المتورطين في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي. القائمة تضم 48 اسما لشركات وشخصيات من الإمارات وغيرها، جميعهم متورطين في التجارة غير المشروعة للنفط الليبي وهو ما يعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن، التي تنص على أن المؤسسة الوطنية للنفط هي صاحبة الحقوق الحصرية في كل المعاملات المتعلقة بالنفط. ومع ذلك فإن عمليات سرقة النفط الليبي ما تزال مستمرة.

 

درة التاج التي تزين مكاسب الإمارات من حرب ليبيا تتمثل في تجارة السلاح. ليس فقط مع الميليشيات الليبية، وإنما أيضا مع معظم الأطراف والجماعات والميليشيات المتحاربة في المنطقة الممتدة من القرن الأفريقي إلى غرب أفريقيا وسواحل نيجيريا على المحيط الأطلنطي. الإمارات لا تقدم السلاح للجنرال حفتر مجانا، ولا لغرض مساعدته على التخلص من خصومه، وإنما هي تحصل على ثمنه أضعافا مضاعفة، عبر تهريب النفط والذهب، وتأمين عمل عصابات تهريب البشر والسلاح.

 


كما تنتهك الامارات العقود التي اشترت بمقتضاها هذه الأسلحة، والتي تنص على حظر توريدها إلى طرف ثالث بدون موافقة المنتج أو البائع الأصلي. وقد زودت حفتر بأسلحة مصنوعة في الولايات المتحدة، وروسيا والصين وغيرها، تتضمن طائرات مسيرة عن بعد بدون طيار، وصواريخ جو – أرض، وأنظمة دفاع جوي، ومدفعية، وعربات مدرعة، ومدافع ورشاشات سريعة الطلقات، وغيرها، كلها كانت قد اشترتها عن طريق شركات تابعة لها، أو من خلال عقود حكومية مباشرة
.

ما أدى لارتفاع الأصوات داخل الكونغرس الأمريكي، تطالب بتعليق صادرات السلاح إلى الإمارات، والتحقيق في إمداد قوات حفتر بصواريخ (جافلين) الأمريكية المضادة للدبابات التي عثر عليها مقاتلو حكومة الوفاق في مقر قيادة قوات حفتر في مدينة غريان بعد سقوطها. وكانت الإمارات قد اشترت هذه الصواريخ من الولايات المتحدة في عام 2008.

 

المدهش أيضا أن الإمارات حصلت من الولايات المتحدة على موافقات استثنائية باستيراد أسلحة من دول معادية لأمريكا مثل كوريا الشمالية، وهو ما يترك بصمات لا تخطئها العين، حول ارتباط الإمارات بالسوق السوداء للسلاح في العالم، وليس في ليبيا فقط.

…وأمام المصالح الاماراتية، فإن السيسي يمثل

مدخلا استراتيجيا لليبيا،  حيث تمثل مصر معبرا لمشروعها التوسعي، وهو ما قد يفسر عود الامارات للسيسي بتقديم

تهريب مليار دولار كاستثمارات

..وبجانب ما ستكشفه الأيام القادمة في ملفات ليبيا، وقد تكون تونس في المجال الاستراتيجي للسيسي وبن زايد، بعد انتخاب الشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة، رئيسا للبرلمان التونسي، مع مساعي من الحركة لتشكيل الحكومة الجديدة…وهو ما يصطدم مع  المشروع الاماراتي المصري ، حاليا، بمنع صعود التيار الاسلامي بالمنطقة العربية، ووقف تصاعد المد الديمقراطي بعد نحاح الثورة المضادة في مصر والتي أزاحت الربيع العربي في غالب دوله العربية…

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022