اعلان أمريكا شرعية المستوطنات الصهيونية وعلاقته بصفقة القرن…قراءة في التفاصيل

ضمن سلسلة  من القرارات الأمريكية الاستراتيجية لحسم التفرد الصهيوني والتصفية العنصرية للوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جاء قرار الخارجية الأمريكية الإثنين الماضي، باعتبار الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، غير مخالف للقانون، وذلك على الرغم من القرارات الأممية والدولية الثابتة بحظر أية أنشطة استيطانية وعدم الاعتراف بها أو الانصياع لإرادة المحتل مهما طال الزمن أو قصر…

حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بأن واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية مخالفة للقانون الدولي…

وأضاف “بومبيو” أن الولايات المتحدة أجرت مراجعة قانونية ولم ترغب في توجيه رسالة بشأن المستوطنات، مبيناً أن الوضع النهائي للضفة الغربية سيحدده الإسرائيليون والفلسطينيون من خلال المفاوضات، حسبما نقلت وكالة “رويترز”.

وأشار “بومبيو” إلى أنه يأمل في أن تتمكن واشنطن من نشر خطة السلام في الشرق الأوسط قريباً.

وجاء القرار بعد أيام قليلة من إقرار المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، قانونية وسم يميز البضائع التي تنتج في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة أو الجولان السوري المحتل، والتي يتم تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

غضب دولي

وفي ردود فعل سريعة على القرار الأمريكي، أدانت دول عربية وغربية والأمم المتحدة قرار الإدارة الأمريكية التخلي عن موقفها السابق باعتبار المستوطنات الصهيونية المقامة في الأراضي الفلسطينية مخالفة للقانون..

وكذلك السلطة الفلسطينية التي أعلنت عدم اعترافها بشرعية القرار الأمريكي..

كما عبَّر الاتحاد الأوروبي عن رفضه قرار واشنطن شرعنة المستوطنات، معتبرا النشاط الاستيطاني غير قانوني، ويقوض قابلية حل الدولتين، ودعت مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فريدريكا موجريني، الكيان الصهيوني إلى وضع حد لأنشطته الاستيطانية بصفتها سلطة احتلال.كما أدان مجلس الأمن القرار الأمريكي..

خلفية القرار الأمريكي

ومنذ الأيام الأولى لتولي ترامب إدارة أمريكا، بدأ بتحقيق الوعود التي أطلقها للإسرائيليين خلال حملته الانتخابية، إذ أعلن في (ديسمبر 2017) القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ولم يكتفِ ترامب بهذا القرار، فألحقه بخطوات بارزة أولها تجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات “أونروا”، ثم إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى.

وجاءت الخطوة الأمريكية بعد أشهر قليلة من حذف وزارة الخارجية الأمريكية اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط على موقعها الرسمي.. ففي نهاية شهر أغسطس الماضي، كشفت القناة العبرية السابعة، أن الخارجية الأمريكية حذفت اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط .واعتمدت الخارجية الأمريكية بالسابق تعريف “الأراضي الفلسطينية” لدولة فلسطين، ثم غيرتها إلى “أراضي السلطة الفلسطينية” قبل حذفها نهائيا، وفق القناة.

وقالت القناة السابعة إن اسم السلطة الفلسطينية بحد ذاته لم يعد موجودا على الموقع الخاص بالخارجية الأمريكية، وإنها أرسلت تعليمات إلى سفاراتها بالعالم للتقيد بأوامرها.

أهداف القرار

وللقرار الأمريكي عدة أهداف ودوافع من قبل الإدارة الأمريكية، وتشير التطورات السياسية في الداخل الأمريكي وبالمنطقة العربية، إلى أن شرعنة المستوطنات جاء لانتشال نتنياهو من المأزق الكبير الذي وقع فيه بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثانية، والتي لم يحسم فيها الأغلبية، وبات عاجزا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو تشكيل حكومة بشكل منفرد.

وبحسب مؤشرات  السياسة الأمريكية في الفترة الماضية، فإنه كلما احتاج نتنياهو لدعم في مواجهة خصومه، كانت واشنطن تتخذ مجموعة من الإجراءات لمساندة نتنياهو، مثل قرار نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وآخرها شرعنة المستوطنات.

كما  أن هناك حاجة متبادلة بين ترامب ونتنياهو؛ لأن عقلية نتنياهو المتطرفة الصهيونية تلتقي مع عقلية ترامب المتطرفة حتى في السياسة الدولية.

وأيضا مرور ترامب بأزمة داخلية جعلته يستدعي الملف الصهيوني؛ لما له من تأثير في اللوبيات الصهيونية في أمريكا والإعلام الداعم لها، في مواجهة المساءلة العلنية لترامب بالكونجرس.

الآثار القانونية للقرار

ويعد البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة خرقاً للقانون الدولي المتعلق بالقوانين والنظم المتبعة في أوقات الحرب والاحتلال، وهو ما يمثل انقلابا مع الموقف الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية الصادر عام 1978، والذي ينص على أن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية “يتعارض مع القانون الدولي”.

لكن وجهة النظر الأمريكية في الثمانينات والتسعينات بدأت تتغير؛ بزعم أن القانون الدولي ينظر للمستوطنات من منظور ضيق ويجب التوسع في بناء المستوطنات.

ومنذ عام 1967 وحتى اليوم صدرت قرارات بهذا الخصوص أهمها:

قرارات مجلس الأمن

– القرار رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي.

– القرار رقم 452 لسنة 1979 ويقضي بوقف الاستيطان حتى في القدس وبعدم الاعتراف بضمها.

– القرار رقم 465 لسنة 1980 الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات.

– القرار رقم 478 لسنة 1980.

قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة

صدرت عن الأمم المتحدة قرارات كثيرة أدانت الاستيطان الإسرائيلي، ومن أهمها:

– القرار رقم 2851 لسنة 1977

– القرار رقم 42/160 لسنة 1987

– القرار رقم 44/48 لسنة 1989

– القرار رقم 45/74 لسنة 1990

– القرار رقم 46/47 لسنة 1991

– القرار رقم 46 لسنة 1991

وهو ما يدفع خبراء القانون الدولي لاستبعاد أية قيمة قانونية للقرار الأمريكي حول المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، كون المستوطنات في عرف القانون الدولي محتلة، ومعظم دول أوروبا تقاطع منتجات المستوطنات لأنها موجود داخل أراضِ محتلة. فيما يعتبر ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب إقامة المستوطنات مناقضا لكل المبادئ الدولية.

ويمثل القرار الأمريكي قمة الانحياز الواضح لإسرائيل، ويخدمها في فرض سياسة الأمر الواقع.

وفي سياق آخر، يضع القرار الإدارة الأميركية في خانة المعادي للإجماع الدولي ومعادي للقانون والاتفاقيات الدولية، ومحاولة لإخفاء جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الجنائي والقانون الإنساني الدولي، واتفاقيات جنيف، للجرائم التي ترتكبها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال”.

مخاطر القرار

وللقرار العديد من المخاطر الاستراتيجية على القضية الفلسطينية…منها:

– القرار الأمريكي جاء بعد تأخر إعلان الولايات المتحدة الشق السياسي من صفقة القرن، وعدم النجاح في تشكيل حكومة إسرائيلية، ووجود إرهاصات بإمكانية التوجه لانتخابات ثالثة. لذا سارع ترامب لطرح جوهر صفقة القرن،  بإعلان إدارته أن المستوطنات غير مخالفة للقانون الدولي، ما يعني التمهيد لضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال، بعد إعلانه القدس عاصمة لـ”إسرائيل” في ديسمبر 2017.

  • وينهي القرار الأمريكي الرسمي مبدأ حل الدولتين ويقوضه، ويترجم ذلك فعلياً على الأرض، وينهي أي مجال للشك حول نية ترامب العمل عليه، ويهدف لتحويل الأراضي الفلسطينية إلى الدولة العبرية.

-مظلة أمريكية غير مسبوقة للتوسع الاستيطاني.

ويقدم القرار الأمريكي أول مظلة-وإن كانت أمريكية- لمخططات التوسع الاستيطاني في المرحلة المقبلة.

خطر الاستيطان الإسرائيلي

وعلى الصعيد الإسرائيلي، وفي سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن خطته لضم جميع المستوطنات العبرية في الضفة الغربية المحتلة تتماشى مع خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ”صفقة القرن”، موضحا أن “الحديث لا يدور فقط عن التكتلات الاستيطانية المقامة في الضفة، بل مناطق خارج هذه التكتلات و«مناطق أخرى تحظى بأهمية حساسة لأمننا والحفاظ على إرثنا»، على حد تعبيره.

وأشارت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إلى أنه من غير المفهوم ما إذا كانت هذه التصريحات تعني أن هذه الخطة تم إدماجها في «صفقة القرن» أو تصر إسرائيل عليها كجزء من أي اتفاق.

وسبق أن تعهد نتنياهو بفرض سيادة إسرائيل على جميع مستوطنات الضفة، وكذلك على غور الأردن وشمال البحر الميت، في حال إعادة انتخابه لمنصب رئيس الوزراء في انتخابات الكنيست الأخيرة.

وفي فبراير الماضي، كشف صحيفة “هآرتس” العبرية، أن إسرائيل تنوي شرعنة وحدات في مستوطنة “عيلي زهاف” (غرب سلفيت) بنيت على أرض فلسطينية خاصة بواسطة آلية قانونية غير مسبوقة، وهذا ما أبلغت عنه المحكمة المركزية في ديسمبر الماضي.

ونوهت أنه “بحسب هذه الآلية التي صادق عليها المستشار القانوني للحكومة أفيخاي مندلبليت، يمكن الشرعنة بأثر رجعي لبناء غير قانوني على أراض فلسطينية في حال تم تخصيصه بعد اعتباره بالخطأ أراضي دولة”.

مصادر مطلعة على التفاصيل، أكدت أن الأمر يتعلق “بتطبيق عقيدة جديدة للمرة الأولى بمصادقة كبار رجال وزارة العدل الإسرائيلية”، بحسب الصحيفة التي كشفت أن “الأراضي التي بنيت عليها الوحدات في “عيلي زهاف” إلى جانب أراض أخرى في الضفة الغربية اعتبرت أراضي دولة حسب خرائط قديمة، وحددت بصورة غير دقيقة بالاستناد لوسائل تكنولوجية قديمة.

وهكذا تبين أن “الأراضي التي بنيت عليها المباني التي يدور الحديث عنها في المستوطنة هي بالفعل أراضي فلسطينية خاصة”.

وهو ما سيؤدي إلى شرعنة 2000 مبنى في المناطق التي تعتبر غير شرعية..

والآلية القانونية (وفق رؤية الاحتلال) التي يجري الحديث عنها تستند للمادة 5 من الأمر بشأن الأملاك الحكومية (الضفة الغربية)، والأمر العسكري لعام 1967، حيث تنص الآلية على أن “كل صفقة جرت بحسن نية بين المسؤول وبين شخص آخر في كل عقار اعتقد المسؤول في زمن الصفقة أنه من أملاك الحكومة، لن يتم إلغاؤها وستبقى سارية المفعول حتى إذا ثبت أن العقار لم يكن في ذلك الوقت من أملاك الحكومة”.

وكذلك فإن تلك الآلية التي ستستخدم لشرعنة المستوطنات في الضفة، هي آلية موازية للآلية الأكثر تشددا التي تسمى “تنظيم السوق” والتي يسري العمل بها في إسرائيل.

وأوضحت “هآرتس”، أن “هذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها هذه المادة، ففي السنة الماضية صادقت المحكمة المركزية في القدس على شرعنة بؤرة “متسبيه كرميم” بواسطة هذه الآلية، زاعمة أن حالة مستوطنة “متسبيه كرميم” تختلف عن حالة “عيلي زهاف”، ضمن أمور أخرى، بسبب المشاركة “العميقة جدا” للسلطات الإسرائيلية في إقامة البؤرة الاستيطانية في موقعها الحالي.

يشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفق متابعين تعتمد الكثير من الأساليب والحيل من أجل مصادرة أملاك وأراضي الشعب الفلسطيني في كافة أراضي فلسطين المحتلة، وهي مستمرة في الاستيطان في القدس والضفة الغربية بوتيرة متسارعة.

مسار الاستيطان

وبحسب د. خليل التفكجي، وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة في منتصف عام 2000 إلى 193 ألف مستوطن، وإذا أضفنا إليهم 180 ألفا يسكنون داخل حدود بلدية القدس التي تم توسيعها عام 1967، يصبح عدد المستوطنين 393 ألفا يسكنون في 144 مستوطنة في الضفة الغربية و15 بمدينة القدس و17 بقطاع غزة، وأن  85% من المستوطنين يسكنون حول مدينة القدس وفي منطقة غرب رام الله وجنوب غرب نابلس، وأن 70% من المستوطنين يعملون داخل الخط الأخضر، و46% من مجموع العاملين في المستوطنات يعملون داخلها بالخدمات العامة، كما يعمل حوالي 34% من هؤلاء العاملين في أفرع إنتاجية (زراعية وصناعية).

ويرى الخبراء أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس استيطاناً بالمعنى السكاني، وإنما هو استيطان قائم على أساس إحلالي، إذ أقامت إسرائيل مناطق صناعية وأعطتها امتيازات كبيرة، وتطورت بدرجة كبيرة جدا في السنوات الأخيرة. فحصلت هذه المستوطنات على امتيازات ذات أفضلية من الدرجة الأولى، من أجل أن تكون هدفا لعمل المستوطنين، فأقيمت كبرى المناطق الصناعية في وسط الضفة الغربية (بركان، وكرني شمرون) وفي منطقة القدس (مشور أدوميم) و(إيرز) في قطاع غزة. كما تم نقل كثير من الاسرائيلية..

وأقيمت المستوطنات بالقرب من المدن التاريخية التي يدعي اليهود أن لهم حقا تاريخيا فيها بهدف منع التواصل الفلسطيني داخل الضفة الغربية ومع الدول المحيطة، تحقيقا لاستراتيجية التخطيط والإنجاز التي يمكن إيجازها باستراتيجية “الإحاطة ثم التغلغل” المستقاة من المفاهيم العسكرية والمترجمة للتخطيط المدن، كما يستهدف الاستيطان السيطرة على موارد الأرض والمياه، وتسعى الحكومة الإسرائيلية إلى توسيعها، وهذه الموارد هي هدف استراتيجي لإسرائيل تؤمنه من خلال وجود المستوطنات فيها.

وتنوعت مشاريع الاستيطان، عبر المراحل التاريخية، كمشروع ألون، وخطة غوش، وخطة متتياهو دروبلس، ومشروع شارون، ومشروع يوسي ألفر، ومشروع حزب الطريق الثالث، ومشروع مجموعةOzevshalom”اليهود الأرثوذكس والمستوطنون”، وخطة الخطوط الحمراء ( يهود هرئيل)..وغيرها.

وتقضي جميع المشاريع والتصورات الإسرائيلية بالبقاء على هذه الكتل الاستيطانية جزئيا أو كليا، وإبقاء مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية معزولة داخل الممرات الإسرائيلية التي تحافظ على تواصل إقليمي بين إسرائيل والكتل الاستيطانية الإسرائيلية داخل المناطق الفلسطينية..

ويبقى الاستيطان استراتيجية لاستمرار إنجاز رؤية إحياء قومي وديني وجغرافي للشعب اليهودي في فلسطين كإقليم يدعي اليهود أن لهم حقا تاريخيا موثوقا فيه. ومن أجل تأمين استمرار هذا الاستيطان وتطوره لا بد من توفير الأمن له، ولابد من استعماله آلية للأمن وللسيطرة على الموارد وللتأثير الأيدولوجي والاقتصادي والاجتماعي في الموقع المحيط به”….وهو ما يضمنه القرار الأمريكي الأخير.

-صفقة القرن

وهي أحدى المخاطر المترتبة على القرار الأمريكي الأخير، وهو ما وضح من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، فلم يشرح بومبيو في مؤتمره الصحفي، الذي أعلن خلاله القرار، يوم الإثنين الماضي، كيف لا يصطدم ذلك مع النصوص الدولية التي تُحرّم بصورة قاطعة التصرف بالأراضي المحتلة.

وكانت كل حيثياته “أننا جربنا” النقيض من غير جدوى، وأنّ الإدارة ترى أن التعامل الأفضل مع هذه المسألة هو الذي ينطلق من “الأمر الواقع” على الأرض. نفس التعليل المتهاوي الذي اعتمدته الإدارة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبارها عاصمة إسرائيل، وهو ذات التسويغ المتعسف الذي قدمته عندما اعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان، والأنكى من ذلك أن الوزير يرى في شرعنة المستوطنات خطوة “توسع المساحة” أمام حل سياسي يقوم على “التفاوض بين الفريقين.. الذي سوف يحدد الوضع النهائي” للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لذا فإن المقصود ضمناً هو التفاوض حول التسليم بالأمر الواقع الذي ترجمته الإدارة على دفعات، بدءاً من نقل السفارة وانتهاء بشرعنة المستوطنات، مروراً بوقف المساعدات الفلسطينية عموماً وعن وكالة “أونروا” بشكل خاص، وإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن.

وبهذا تكون الإدارة قد استكملت الكشف عن”صفقة القرن” قبل نهاية نوفمبر، كما وعدت، بعد تأجيل مكرر تبين أنه كان لتجريع بنودها بالتقسيط، وتقديم ذلك على أنّه “إزاحة للبنود الصعبة من الطريق”.

وكانت الخطوة متوقعة، ولمح إليها مبكراً السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، عندما قال، قبل أشهر، إنّ “من حق إسرائيل ضم بعض أجزاء الضفة”، ولم يكن كلامه نوعاً من التعبير عن رأي بقدر ما كان مقدمة لخطوة قيد الإعداد، فهو كما يتردد في واشنطن أحد مهندسي، إن لم يكن المهندس الرئيسي، للصفقة وخطواتها التي توالت منذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

يومذاك سألت الخارجية الفلسطينية عما إذا كان السفير يتحدث باسم الإدارة أو باسمه، فكان الجواب أنّ “الإدارة لم تغير سياستها”. عدم التبرؤ، أنذاك، كان بمثابة تمهيد للآتي لاحقاً. وهو ما حصل بقرار الإثنين الماضي..

وتعمل إدارة ترامب في الوقت نفسه على الدفع بخطة “صفقة القرن”، وتقوم -وفق تسريبات أميركية وإسرائيلية- على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل، خاصة بشأن وضع مدينة القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين، وحدود الدولة الفلسطينية المأمولة.

تفاعلات الداخل الفلسطيني

ودفع القرار الأمريكي الفصائل الفلسطينية لإعلان العديد من المواقف الداعمة للوحدة الفلسطينية وردم الانقسامات، ويبقى على السلطة تقوية الجبهة الداخلية، بدءاً بإصلاح منظومة القيادة الفلسطينية، وإجراء انتخابات رئاسية، ومجلس وطني يمثل الخارج و مجلس تشريعي.

ورأت الفصائل الفلسطينية أن الصمت العربي إزاء العدوان على غزة والقدس والضفة، “شجع الإدارة الأمريكية على الإمعان في الاستخفاف وإعلان هكذا قرارات عدائية”.

ويبقى الرد الأقوى المفترض على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، اتخاذه، هو إعلان عدم التقيد باتفاقية أوسلو، ووقف التنسيق الأمني، أو الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، والمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال.

خاتمة:

وأمام تلك المعطيات، فإن الإعلان الأمريكي، يقدم  ذريعة إضافية لتسويغ سياسات العدوان الصهيوني على المقدسات والثوابت الفلسطينية، والتي ابتدأها ترامب المتصهين منذوصوله سدة الحكم في أمريكا، باتخاذه خطوات متسارعة أبهرت الاسرائيليين أنفسهم،  من عينة؛ إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، تجميد 125 مليون دولار من مخصصات “أونروا” وذلك بعد شهر من إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، و إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى، بهدف  التوقف عن دفع إعانات إلى أسر الشهداء والجرحى والأسرى. كما حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، كـ”عقاب” على مواصلة عمل السلطة الفلسطينية مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وأيضا قررت الإدارة الأمريكية طرد السفير الفلسطيني لديها، حسام زملط، وعائلته، بالمخالفة للأعراف الدبلوماسية.

وإن كانت إسرائيل في مجمل سياساتها لا تحتاج لمسوغ أو مبرر، في ظل انتهاج سياسة “الأمر الواقع” في كل تحركاتها على الصعيد الفلسطيني، ما يفاقم مسلسل ابتلاع الأراضي الفلسطينية، وافراغ العنصر الفلسطيني من أراضيه التاريخية، وصولا إلى الكيان العنصري المنشود، وهو ما تكمله صقة القرن.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022