إثيوبيا تتمدد عسكريا.. تهديد جديد لمصر

بقلم: حازم عبد الرحمن

بناء سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق, وضع مصر تحت خطرين غير مسبوقين في تاريخها.. الأول هو ضياع حصتها التاريخية في مياه نهر النيل, والآخر إغراق مصر (مع السودان) حال انهيار السد لأي سبب, ويبدو التخطيط عدوانيا بامتياز؛ لصناعة خطر دائم يهدد مصر, وقد لقي رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتانياهو ترحيبا كبيرا في زيارته أديس أبابا, ونصح الإثيوبيين بنشر صواريخ حول منطقة السد لحمايته من أي هجوم محتمل؛ حيث تؤكد الخبرة التاريخية أن مصر لم تكن تسمح ببناء سدود على نهر النيل, وتعتبر ذلك مساسا بأمنها القومي, وكانت إثيوبيا في كل مرة تحاول فيها بناء سدود تواجهها مصر بالتهديد العسكري؛ فتتراجع إثيوبيا, حتى جاء الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي, ووافق على بناء سد النهضة, وتعامل معه كواقع يمكن التعايش معه, برغم تحذيرات تقارير المخابرات والأمن القومي والخارجية والدفاع, وهي التي لم يكترث لها السيسي؛ فقدم بذلك حلا لأزمة تمويل السد المتعطل؛ لأن الشركات الأوروبية كانت ترفض تمويل المشروع قبل موافقة بقية الدول المُتضررة، وهي نقطة القوة وأكبر ورقة ضغط فقدتها مصر بتوقيع السيسي, الذي استمر بعد ذلك في تخدير المصريين بقوله: ” أنا ما ضيعتكمش قبل كده عشان أضيعكم تاني” وإعلانه إنشاء أكبر محطة لتنقية مياه المجاري, وهو ما كان يستوجب عزله ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى؛ بسبب رفضه توجيه ضربة عسكرية للسد؛ لحماية البلاد من الجوع والعطش؛ ما وضعها تحت رحمة إثيوبيا والكيان الصهيوني, واستجداء الوسيط الأمريكي للتدخل.

*تهديد مصر عسكريا

بعد ما أنجزت إثيوبيا الجزء الأكبر من السد, وحصل رئيس وزرائها آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام, بدأت في التنمر والتخلي عن لغتها الهادئة والتشدد في خطابها, وازدراء المطالب المصرية, وترديد أنها صاحبة المياه, ولها الحق في استخدامها كيفما تشاء, ولم يكن لها أن تفعل ذلك إلا بعد النصائح والإمدادات الصهيونية بالصواريخ والخطط العسكرية لحماية السد, وقد تم ذلك تحت سمع وبصر عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب, مع تلقي إثيوبيا استثمارات خليجية بالمليارات, ما صنع تجمعا للعدوان على مصر بتعطيشها وتجويعها, وهو أمر لم يكن يصلح معه إلا العودة إلى سياسات رؤساء مصر السابقين, وهو إعلان الحرب, لكن ما حدث هو العكس, حيث هدد رئيس الوزراء الإثيوبي مصر بحشد الملايين حال إعلان الحرب, ولم يكن رد السيسي ونظامه سوى الإعراب عن الصدمة من هذه التصريحات؛ مما وضع مصر في مكانة أدنى بكثير من قدراتها الحقيقية؛ فهي الدولة الأقوى عسكريا في إفريقيا كلها, وتتفوق على إثيوبيا أضعافا مضاعفة, لكن خنوع قائد الانقلاب وفقدانه الشرف العسكري هو وعصابته من جنرالات نهب الاقتصاد جعلهم يرضون الدنية, ويبتلعون الإهانة بدلا من استدعاء تهديد المشير الراحل عبد الحليم أبو غزالة بتوجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا إذا أصرت على بناء سدود على نهر النيل.

ونشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية طلب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المساعدة في تقوية سلاح الطيران الإثيوبي, ويتضمن الطلب 12 طائرة حربية من بينها رافال وميراج, و18 هليكوبتر مقاتلة وطائرتا نقل جنود, و10 طائرات مسيرة, ونظام تعتيم الرادار, وتزويده بصواريخ بعيدة المدى ( 30 صاروخا من طراز M51 بمدى 6 آلاف كيلومتر وقادرة على حمل رءوس نووية), وبعد ذلك بفترة قصيرة أعلنت مصادر إعلامية إثيوبية استعداد القوات البحرية الإثيوبية البدء في إنشاء وتنفيذ قاعدة عسكرية تعتبر الأولى لها على سواحل جيبوتي, خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يحمل الكثير من الدلالات والرسائل الداخلية والخارجية في الوقت نفسه, وتخطط إثيوبيا لأن تتمركز قواتها البحرية على سواحل جيبوتي على خليج عدن، حسب نتائج الزيارة التي قام بها وفد عسكري إثيوبي للسواحل الجيبوتية، ما يعكس خطط آبي أحمد للقيام بدور طموح بمنطقة القرن الإفريقي، بعدما فقدت إثيوبيا ساحلها المهم على البحر الأحمر باستقلال إريتريا عنها .

ويمثل الطموح العسكري الإثيوبي المدعوم صهيونيا وفرنسيا وأمريكيا خطرا على مصر التي ترى في البحر الأحمر بحيرة عربية لها اليد الطولى فيه, ويدخل حده الجنوبي في الأمن القومي العربي, وتتصارع قوى دولية وإقليمية للوجود في القرن الإفريقي, وتستعد إثيوبيا ليكون لها موطئ قدم هناك؛ ليكون لها التأثير الكبير سياسيا واستراتيجيا في المنطقة, وإذا تم وضع علاقتها المتصاعدة مع العدو الصهيوني في الاعتبار؛ فإن المخاطر تبدو واضحة, خاصة بعد زيارة آبي أحمد إلى تل أبيب في سبتمبر 2019 والتي أكد خلالها  تعاون بلاده مع الصهاينة في الري والمياه والطاقة والملاحة والزراعة وأن التعاون بينهما يتعدى العلاقة الثنائية ليصل إلى القضايا الإقليمية والدولية، كما سوف تعمل إثيوبيا من خلال شراكة ديناميكية للنهوض بالسلام والأمن الإقليمي والدولي.

ولا يمكن إغفال أن ثقل إثيوبيا الإفريقي بدأ يتزايد عاما بعد آخر خاصة مع خلو الساحة تمامًا من المنافسين، وهو ما أهل أديس أبابا لتتصدر المشهد في كثير من الملفات الساخنة والتي كان منها الثورة السودانية، ما انعكس بشكل كبير على مكانتها وقادتها لدى دول إفريقيا, وسوف تزداد هذه المكانة بإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي بهدف السيطرة على مدخل البحر الأحمر أو منع أي أحد آخر من السيطرة عليه، وهذا ما يشغلها الآن، فبرغم أن البحر الأحمر بحيرة عربية عملاقة، ترسل أثيوبيا رسالة مفادها : “إذا كان العرب يسيطرون على البحر الأحمر والضفة الشرقية، فالضفة الغربية إفريقية إثيوبية”, ولا تخفى نغمة العداء التي تروج لها إثيوبيا ضد العرب في مواجهة الأفارقة, مع أن شمال إفريقيا حتى وسطها وشرقيها كله عرب, بينما يردد قائد الانقلاب مقولته الممجوجة “أشقاءنا في إثيوبيا” ويروج إعلامه للعلاقات الأخوية التي ليس لها الآن وجود لدى الحكومة الإثيوبية الحالية وأنصارها من المتعصبين.

*رد قائد الانقلاب على التهديد الإثيوبي

بعد تهديد رئيس وزراء إثيوبيا لمصر بالحرب, اكتفى نظام الانقلاب وإعلامه بالتعبير عن الصدمة, وتجاهل السيسي الإهانة صاغرا حين التقى آبي أحمد في روسيا, وبدت لغة جسد الأخير غير مكترثة بالسيسي الذي يعاني من فقدان شرعيته أمام رئيس حكومة منتخب, ومن هنا يبرز السؤال المهم: إذا كان السيسي عاجزا كسيحا أمام تهديد إثيوبيا للأمن القومي لمصر فأين الجيش؟ فمصر تتعرض الآن لخطر يهدد وجودها بينما جيشها يحتل المركز الأول بين جيوش القارة الإفريقية, ويمتلك ترسانة عسكرية لا تتوفر لدى أي دولة إفريقية أخرى؛ فما جدواها إن لم تستخدم اليوم دفاعا عن حياة الشعب؟, ولدى مصر أوراق أخرى خطيرة تخيف القيادات الإثيوبية الجامحة ( ورقة الأقليات), كما أن لدى مصر ما تستند إليه في وقف جموح قادة أديس أبابا حسب القانون الدولي؛ إذ أن إثيوبيا اعتدت عليها, وهددت أمنها وسلامة شعبها, وانتهكت حقوقها التاريخية في نهر النيل المصدر الأساسي للمياه والحياة, ولا اعتبار لأي تنازل قدمه عبد الفتاح السيسي عن حقوق مصر في مياه النيل؛ ولا بد من إقالته ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمى.

وتتمثل خيانة السيسي في تجاهله التمدد العسكري الإثيوبي الذي يهدد مصر, واتجاهه لمكايدة تركيا مجانا لصالح خصمها اللدود اليونان بعد اتفاق الأولى مع الحكومة الشرعية الليبية في ليبيا على ترسيم الحدود البحرية بينهما, بما يعيد إلى مصر أكثر من 40 ألف كيلو متر مربع من مياهها الاقتصادية في البحر المتوسط , التي كانت قد تنازلت عنها لليونان خلال اتفاقية وقعها السيسي،  ونشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع المصرية، فيديو يوضح فعاليات الأنشطة القتالية في مسرح عمليات البحر المتوسط، والتي تهدف إلى فرض السيطرة البحرية على المناطق الاقتصادية بالبحر، وتأمين الأهداف الحيوية في المياه العميقة, وظهرت حاملة المروحيات (ميسترال) ومجموعتها القتالية في عدد من الأنشطة القتالية والتدريبية, تضمنت قيام إحدى الغواصات المصرية بإطلاق صاروخ مكبسل عمق سطح مضاد للسفن ويصل مداه إلى أكثر من 130 كم .

ولا تخفى الرسالة من وراء هذا الاستعراض العسكري, برغم تراجع وزير خارجية الانقلاب عن رفض ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا, وقال إنه لا يضر مصر, لكن الأذرع الإعلامية للانقلاب ظلت ترددت أسطوانة واحدة هي أن مصر تحمي ثرواتها في المتوسط من أطماع إردوغان, والحقيقة أن مصر ليست مقصودة من الاتفاق التركي الليبي, وأن من سيتضرر من هذا الاتفاق هما اليونان والعدو الصهيوني, لكن السيسي يسخر قوات البحرية المصرية نيابة عنهما , وكان الأولى به أن تتجه الطائرات الحربية جنوبا لتدمير سد النهضة قبل أن يصل إلى مرحلة التشغيل الكامل, لكن الأوامر جاءت له من أبو ظبي وتل أبيب بمضايقة تركيا في البحر المتوسط؛ فكان الاستعراض العسكري في الشمال هروبا من المواجهة الحتمية في الجنوب .

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022