تركيا ومواجهة التواطؤ الدولي في ليبيا.. الثورة المضادة تتراجع

بقلم: حازم عبد الرحمن

تعيش ليبيا على وقع حرب تشنها ميليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية لبلاده, مدعوما من عدة دول, ويحدث ذلك بالرغم من مخالفته القانون وتوصيات الأمم المتحدة والأعراف الدولية؛ فالإمارات وفرنسا والسعودية وقائد الانقلاب في مصر يقدمون كل ما يمكن من الدعم لحفتر؛ لكي يهاجم العاصمة طرابلس, وهو يفشل في كل مرة, ويتواصل دعمه من باريس وأبو ظبي والرياض والقاهرة وموسكو, ويأتي المرتزقة من السودان وتشاد وروسيا لقتال الحكومة الشرعية, في محاولة للاستيلاء على العاصمة طرابلس, ويحدث ذلك على مرأى ومسمع من العالم كله, وبالرغم من أن الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا تقاتل متمردا عليها, خارجا على القانون إلا أن التواصل والدعم من محور الثورة المضادة والدول الأوروبية مستمر إلى الجنرال الذي يسعى للانقلاب على الشرعية, ودون مواربة اتصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنا بحفتر, واستقبلته روسيا وغيرها, ومؤخرا ضاعفت الإمارات ومصر وجودهما وتأثيرهما في الساحة الليبية، وأكدتا المزيد من الاصطفاف إلى جانب حفتر، بمستويات متعددة من الدعم السياسي والتأثير في القرار الدولي، حيث بات الوسطاء الدوليون جزءا من أجندة الإمارات توظفها لصالح حفتر، يضاف إلى ذلك الدعم العسكري بالطيران والاستخبارات والتخطيط والتنفيذ الميداني, في استهانة واضحة بشرعية الحكومة الليبية, والدماء التي تسيل بسبب هذه الحرب.

والتفسير الوحيد لصمت المجتمع الدولي وتواطئه هو الرغبة في إبقاء الحكم الدكتاتوري مهيمنا على السلطة بيد الجنرالات؛ فهم أكثر طاعة من غيرهم في تلبية أطماع الدول الغربية, بالإضافة إلى رغبة محور الثورة المضادة في قطع الطريق على الشعوب العربية في التحرر من الدكتاتورية؛ حتى لا تنتقل إليها عدوى الحرية, ولذلك  فإن جرائم عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر, وبشار الأسد في سورية, وخليفة حفتر في ليبيا, ومحمد بن زايد في اليمن… هذه الجرائم تتم دون إدانة واضحة من المجتمع الدولي الذي يرى مصلحته في بقاء الأنظمة المستبدة.

لكن تركيا كانت على النقيض من التواطؤ الدولي مع الدكتاتوريات العربية؛ فقد أدانت منذ اللحظة الأولى الانقلاب العسكري في مصر  3 يوليو 2013 , وأيدت الثورة السورية ضد بشار الأسد, وهي الآن تمد يد العون للحكومة الشرعية في ليبيا في مواجهة انقلاب يقوده جنرال متقاعد مدعوم من محور الثورة المضادة, والدول الغربية, ومع أن الدعم التركي يأتي في إطار قانوني, بعد اتفاقيات بين البلدين إلا أن المجتمع الدولي المتواطئ أزعجه التحرك التركي المنفرد لدعم حكومة شرعية, بمعنى أنه لا يدعمها, ولا يريد لتركيا أن تدعمها؛ حتى تسقط الحكومة في قبضة انقلاب عسكري بيد جنرال متعطش للسلطة لا يسعى لتحقيق مصالح بلاده بقدر ما يكون وكيلا لتنفيذ مصالح الدول الغربية, ويسلم اقتصاد الدولة إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد, كما يفعل السيسي في مصر الآن.

*جدية الدعم التركي

في ظل حكومات حزب العدالة والتنمية ( وصل الحزب إلى الحكم عام 2002 ), حققت تركيا قفزات كبرى على الصعيدين الاقتصادي والعسكري, وهما من أهم عناصر القوة المؤثرة في الساحة الدولية, وقد حققت في عهد إردوغان نجاحات كبيرة في مجالات التصنيع والسياحة وغيرها؛ ما جعلها قوة اقتصادية كبرى ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم, كما أصبحت قوة عسكرية كبيرة تتقدم على ألمانيا في ترتيب ميزان القوى العسكرية؛ وهي تتمتع بمصداقية في دعم الحريات, ورفض أنظمة الاستبداد وإدانتها بقوة؛ لذلك فهي عندما تتحرك على الساحة تزعج أصحاب المخططات السوداء في امتصاص دم الشعوب المغلوبة على أمرها, ومن ثم كان تحركها لدعم الشرعية في ليبيا مقلقا؛ فهي كقوة عسكرية كبيرة عضو في “الناتو” تنشر قوات خارج حدودها في 13 بلدا مثل سورية وقطر وأفغانستان وغيرها, وقد بات مشهورا عن رئيسها إردوغان تحدي التواطؤ الدولي ضد إرادة الشعوب الإسلامية, وكان من أبرز المشاركين في قمة كوالالمبور دفاعا عن حقوق المسلمين, وفي ليبيا يبدو التحرك التركي قويا مدعوما من البرلمان الذي قرر عقد جلسة طارئة للموافقة على نشر قوات عسكرية في ليبيا, وقد أعلنت أحزاب سياسية تركية تأييدها لدعم حكومة طرابلس.

*هلع في مصر والإمارات

 تسبب التحرك التركي في حالة من الهلع لدي قائد الانقلاب في مصر وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد؛ فالأول أجرى اتصالات مكثفة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والروسي بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي, بشأن عزم تركيا إرسال قوات عسكرية لدعم حكومة الوفاق الليبية, أما محمد بن زايد فقد أوعز إلى أذرعه الإعلامية بالترويج لضرورة التصدي العربي للتدخل التركي في ليبيا, وهو نفس ما فعلته هذه الأذرع عندما دخل الجيش التركي شمال سورية لمطاردة القوات الكردية الانفصالية, وهو ما كان يستحق الإشادة والتأييد؛ لكونه يحافظ على وحدة الأراضي السورية, لكن ابن زايد اعتبره عدوانا على دولة عربية, وتجاهل أن سورية تمرح على أراضيها قوات إيرانية وأمريكية وفرنسية وروسية, واختار فقط إدانة التدخل التركي الذي يحارب مخططا كرديا للانفصال عن سورية.

ومما يزيد من قلق السيسي وابن زايد رفض الحكومة الشرعية في طرابلس مشاركة حفتر في أي تسوية سياسية في المستقبل، وقد أعلنت أيضا أنها حافظت على المكاسب الميدانية التي حققتها مطلع هذا الأسبوع, وأكدت أنها لا تعلق آمالا كبيرة على مؤتمر برلين، ولا على المجتمع الدولي، لحل الأزمة في ليبيا.

*ما بعد الدعم التركي

بعد وصول الدعم العسكري التركي إلى طرابلس سيكون وجود القوات الأجنبية الداعمة لحفتر عديم الجدوى ؛ فقوات المرتزقة القادمة من السودان وتشاد وروسيا لن تفلح في مهاجمة طرابلس, كما أن الدعم التركي سيحرم حفتر من عنصر التفوق النوعي الوحيد الذي كان يمتلكه، وهو الطيران، فوجود الدفاعات التركية الجوية في مصراتة وطرابلس سيمثل رادعا قويا للإمارات ومصر من المجازفة بإرسال طيرانهما لقصف المدينتين.

ويحمل الوجود العسكري التركي في ليبيا معه خبرة طويلة في التعامل مع المقاتلين شبه النظاميين (مثل ميليشيات حفتر) في جنوب تركيا، وشمال العراق، وشمال سوريا خلال السنوات الماضية, وسيقدم تسليحا  نوعيا يقابل أو يفوق التسليح الذي توفره الإمارات، خاصة من حيث النوعية، والخبرة في الاستخدام, وسوف يتوارى الدعم المصري والإماراتي والفرنسي لكونه ليس مشروعا بل هو مرفوض من جانب الحكومة الشرعية في طرابلس, وهو يجري من خلف ستار, بل إن هذه الدول الثلاث تنكر دعمها حفتر من الأساس, ويزيد على ذلك إصرار تركيا على حماية الحكومة الشرعية لضمان الاتفاقية البحرية التي عقدتها مع ليبيا في 27 نوفمبر الماضي، والتي يلزمها بقاء حكومة السراج صامدة, بل إن تركيا ترى أنها إذا لم تتمكن من ذلك فلن تستطيع حماية حدودها الوطنية، خاصة بعد الاتفاقية التي جعلت ليبيا جارا بحريا لها، ولا يمكن أيضا إغفال الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين.

وسيكون نجاح الدعم التركي سابقة خطيرة في كشف التواطؤ الدولي الداعم للدكتاتوريات العربية, بل مواجهة هذا التواطؤ, والانتصار لإرادة الشعوب, بفرضه حلا سياسيا عادلا, يغير من موازين القوى وليس عسكريا بعكس ما كان يخطط له السيسي وابن زايد من فرض حل عسكري ظالم يقضي على حكومة الوفاق الشرعية, كما يعني هذا النجاح إفشال المؤامرة الخليجية على الثورة الليبية، ووقف مخططات محمد بن زايد والسيسي وعدد من الدول الغربية للاستيلاء على الغاز والبترول الليبي, وسيكون إفشال حفتر وداعميه في المنطقة خطوة للأمام في طريق إسقاط السيسي وهزيمة الثورة المضادة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022