دلالات انتفاضة الخبز في مصر

انطلقت المظاهرات الغاضبة بعد إعلان وزارة التموين تخفيض كمية الخبز المدعم المسموح للمخابز ببيعها لغير حاملي البطاقات التموينية الذكية، وقد أمتدت المظاهرات لتشمل القاهرة والإسكندرية وكفر الشيخ والمنيا وأسيوط[1]. ويعتبر البعض أن الأزمة تعود في جزء منها إلى توقف وزارة الإنتاج الحربي عن إصدار بطاقات ذكية جديدة منذ بدئها عملية التنقية، كما أنها توقفت عن إضافة أي مواليد جديدة على البطاقات القديمة، وذلك حتى الانتهاء من مهمتها[2]. وكانت الحكومة قد أعلنت بشكل رسمي في نوفمبر 2016، تولي وزارة الإنتاج الحربي إدارة منظومة البطاقات الذكية الخاصة بوزارة التموين بدلاً من وزارة التخطيط؛ بغرض استخراج البطاقات التموينية الجديدة –البطاقات الذكية- وبدل الفاقد والتالف وبطاقات الفصل الاجتماعي، وتجويد العمل بالمنظومة ورفع كفاءتها، وتوفير الماكينات الخاصة بالمخابز والبقالين الجدد[3]. وبطاقات التموين الذكية، يحصل بموجبها المواطن المصري على دعم عيني من السلع الغذائية بقيمة 21 جنيها (نحو 1.2 دولار) شهرياً من محلات البقالة، كما يتحصل من خلال بطاقة الخبز على خمسة أرغفة يومياً مدعومة بسعر خمسة قروش للرغيف مقابل تكلفته البالغة 30 قرشاً[4].

ونتيجة إمتناع وزارة الإنتاج الحربي عن إصدار أية بطاقات حتى الإنتهاء بشكل كامل من عملها، فقد قررت وزارة التموين منح مديريات التموين أصحاب المخابز التابعين لها بطاقات إلكترونية “الكارت الذهبي” يصرفون بها أرغفة الخبز للمواطنين الذين لا يحملون بطاقات تموين إلكترونية، أو يحملون بطاقات متوقفة، بكميات تتراوح من 1000 إلى 3000 رغيف في اليوم لكل مخبز. وهو الرقم الذي تم تخفيضه في التعديلات الأخيرة إلى 500 رغيف فقط في اليوم لكل مخبز[5]. وفي تبرير قرارها الأخير قالت الحكومة أنه عندما تم تحليل البيانات من الشركات المختصة لعام 2016، أظهرت النتائج أرقامًا خيالية في خانة الكروت الذهبية؛ حيث وصل معدل الاستهلاك المحلي إلى 20%، حيث اكتشف أن هناك مخابز تحصل على حصص بمعدل 6000 رغيف يوميا، ما دفعنا إلى تقليص حصص الخبز في الكارت الذهبي إلى 500 رغيف يوميا[6]. ويكشف السبب الذي ذكرته الحكومة لتبرير قراراها بتقليص حصص الخبز التي يحصل عليها المواطنون عن وجود أسباب غير معلنة وراء القرار الأخير؛ لأنه من المنطقي أن نقول أن حصول غير مستحقين على الخبز المدعم من الحكومة يستدعي مراجعة قوائم المستفيدين من الدعم بغرض تنقية هذه القوائم، وليس أن يتم حرمان المستحقين عقوبة لغير المستحقين.

 

مواقف القوى السياسية من حالة الغضب الأخيرة:

القوى الثورية: اعتبر الإشتراكيون الثوريون أن قرار الحكومة الأخيرة يأتي كخطوة جديدة على طريق إلغاء الدعم، وأن القرار جاء إستناداً على قوة القبضة الأمنية للنظام الحاكم، وثقة النظام الكاملة في أجهزته الأمنية. وأن الجهود الكبيرة التي تبذلها قوى الثورة المضادة في ترسيخ حاجز الخوف لدى المصريين هو السبب في عدم إتساع رقعة الإحتجاج بشكل أكبر، وأن احتجاجاتُ اليومِ ما هي إلا مجرد لمحةٍ بسيطةٍ من الغضب الجماهيري الذي تراكَمَ نتيجة سياسات القهر والقمع والإفقار والاستبداد، وأن مواجهة سياسات النظام الحالي ليست سهلة لكنها ممكنة، وتبدأ بتنظيم الصفوف وتشبيك الاحتجاجات[7]. بينما رأت حركة السادس من أبريل جبهة أحمد ماهر أن ما يحدث هو المسمار الأول في نعش النظام الحاكم، وأن قرارات النظام تودي بالبلاد للهاوية، وأن العقلية الأمنية هي المسيطرة على رؤية النظام في تعامله مع المجتمع ومشكلاته[8]. بينما لم تعلق جماعة الإخوان المسلمين بشكل رسمي على الأحداث.

قوى المعارضة: قال حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق أن مظاهرات الخبز إعلان قاطع أن صبر الشعب على نظام الفقر والفساد قد نفد، وأن حبل عشم الناس فيه قد إنقطع وأن العد التنازلي لنهايته قد بدأ، لا بقاء لسلطة تجوع شعبها[9]. على ىالعكس من ذلك صرح الناشط السياسي ممدوح حمزة أنه لا ينبغي أن نعول على التظاهرات التي إندلعت للتنديد بقرار وزارة التموين، مضيفاً “لا تتوقعوا الوهم، الجوعى يحدثون فوضى لا ثورة، وفي أول شبع بيروحوا”[10]. فيما اعتبر حزب المصري الديمقراطي أن مظاهرات الخبز ناقوس خطر يدق، مضيفاً أن الاحتجاجات تعد أول احتجاج فيه طابع اجتماعي منذ ثورة 25 يناير، وأول احتجاج رسمي على القرارات الاقتصادية الصعبة، منتقداً غلبة العقلية الأمنية على تعاطي صانع القرار مع مشكلات المجتمع[11]. فيما لما تتبدى بشكل واضح وبصورة كاملة مواقف قوى المعارضة السياسية من مظاهرات الخبز.

موقف البرلمان: يعد موقف البرلمان وقواه من الأحداث الأخيرة بمثابة مرآة عاكسة لرؤية القوى السياسية والحزبية التي تعمل في إطار شرعية النظام القائم. ويكشف تتبع أراء نواب البرلمان، أن مواقفهم غير واضحة المعالم، وتتنوع بين رفض وتأييد وتصريح بعدم الفهم[12]، إلا أن إئتلاف الأغلبية “دعم مصر” أعرب عن تأييده قرار وزير التموين، مشدداً على أنه لم ولن يسمح باستمرار الفساد، وأنه يدعم أى خطوات إصلاحية من شأنها محاربة إرهاب الفاسدين من أجل التأكد من وصول الدعم لمستحقيه من الشعب[13].

 

الخاتمة: المسارات المتوقعة للإحداث:

يكشف ما تم رصده من بيانات حول التظاهرات التي اندلعت في عدد من المحافظات خلال اليومين الماضيين معارضة لقرار وزارة التموين وتعبيراً عن درجة الاستياء المتزايدة من التردي المضطرد في مختلف نواحي الحياة في مصر أن هناك إتجاهات ثلاث تقدم تصوراً مقارباً للواقع السياسي الراهن؛ الأول: المجتمع والإتجاه للتصعيد: القول بأن الأيام التالية ستشهد تصعيد مستمر من قبل الشرائح المجتمعية المتضررة من القرارات الحكومية المتعلقة بتخفيض الدعم أمر يشوبه الغموض، ولا يمكن البت فيه بقول حاسم، خاصة أن المعارضة المجتمعية لا تتغيا أكثر من الحصول على ما يجعل الحياة ممكنة، ولا تحركها أية طموحات في إحداث تغييرات كبيرة في النظام القائم، كما أنها عاجزة عن نحت مسارات محددة للتصعيد، وعن تحديد أهداف واضحة للحراك، وعن تشكيل بنى سياسية قادرة على إستيعاب الغضب والاستياء الموجود مع عقلنته وتوجيهه. وبالتالي يظل هذا الغضب مشتتاً وضعيفاً وأكثر قابلية للترويض. الثاني: قوى المعارضة بين التحيز للمجتمع والخوف من المخاطرة: قوى المعارضة الطموحة والقوى الثورية تراقب الاحداث عن كسب، تحجم عن الانخراط المباشر فيها تخوفاً من بطش النظام، إضافة إلى عدم ثقتها في قوى المجتمع الغاضبة، ومع ذلك لا تخفي رفضها للإجراءات الاقتصادية للنظام، ولا تخفي تأييدها للسخط المجتمعي المتنامي، كامنة تنتظر أية فرصة تمثل خطر حقيقي على النظام القائم، تراقب من بعيد، تعرب عن موقفها مما يحدث، دون إنخراط حقيقي وبصيغة أخرى دون تورط واعي فيما يجري. الثالث: النظام والإصرار على الاستمرار: النظام يناور لكنه لن يتراجع. يكشف تتبع سياسات النظام وتصريحات مسؤوليه أن النظام ماضٍ في سياساته الحتمية، مكره على المواصلة، إلتزاماً بشروط صندوق النقد الدولي من جهة، وعجزاً عن دفع تكلفة دولة الرفاه من جهة أخرى، خاصة في ظل إرتفاع تكلفة الفساد المستشري في جسد الدولة. معتمداً في ذلك على قوة القبضة الأمنية، ونجاح سياسة التأميم التي يتبعها في إبعاد أية قوة تمثل خطر حقيقي على بقاء النظام.

[1] مظاهرات الخبز تمتد إلى القاهرة والإسكندرية بعد قرار «التموين» تقليل كميات الخبز المدعوم، مدى مصر، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/79BllR

[2] مصر: فشل “عسكرة الخبز” ينذر بانتفاضة جديدة، العربي الجديد، 8 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/5XPzUq

[3] نقل مسئولية بطاقات التموين «الذكية» إلى «الإنتاج الحربى»، الأهرام الزراعي، الرابط:

[4] رسمياً.. مصر تنقل مسؤولية منظومة بطاقات التموين والخبز إلى الجيش، هاف بوست، 9 نوفمبر 2016، الرابط: https://is.gd/Tyfp5a

[5] التموين: لا تراجع عن تخفيض حصة الكارت الذهبى.. وما حدش هيلوي دراعنا، المال، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/LRf9iy

[6] وزير التموين: «الحمد لله إن الناس ملقوش العيش علشان أوضح قراري»، بوابة الشروق، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/kscVhV

[7] احتجاجات ضد قرارات الخبز: خطوة في طريق مواجهة سياسات النهب والإفقار، بوابة الإشتراكي، 7 مارس 2017، الرابط: http://revsoc.me/statements/37282/

[8] موقع الحركة على الفيس بوك: https://is.gd/yEsGL3

[9] حمدين صباحي: صبر الشعب نفذ وبدأ العد التنازلي لنهاية النظام، مصر العربية، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/0mTwwc

[10] ممدوح حمزة عن انتفاضة التموين: “الجوعى” في أول شبع بيروحوا، مصر العربية، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/aYMfeS

[11] المصري الديمقراطي: «مظاهرات الخبز» ناقوس خطر.. والسلطة تدير بطريقة أمنية، التحرير، 8 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/Ydmx4M

[12] أزمة الخبز تضع وزير التموين في مرمى البرلمان، مصر العربية، 7 مارس 2017، الرابط: https://is.gd/LUA7Sh

[13] دعم مصر: نساند وزير التموين في أزمة “الكارت الذهبي”، مصر العربية، 8 مارس 2016، الرابط: https://is.gd/WY51VB 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022