دلالات تقليص المساعدات الامريكية لمصر

دلالات تقليص المساعدات الأمريكية لمصر

التوظيف الأمريكي للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر كأداة ضغط سياسي

في خطوة جديدة من الإدارة الأمريكية تخص علاقتها بالنظام المصري، تقرر حجب مساعدات عن مصر (الحرمان من 95.7 ، وتأجيل صرف 195 مليون دولار)، وكان السبب المعلن بأن ذلك يرجع لعدم إحراز النظام تقدما على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وذلك إثر قانون الجمعيات الأهلية الجديد والذي دخل حيز التنفيذ في مايو الماضي وتم النظر إليه باعتباره حملة متزايدة على المعارضة وقوي المجتمع المدني بما فيها الجمعيات والمؤسسات ذات العلاقة بأمريكا وأوروبا. وأوضحت مصادر أمريكية أن الأمر يعبر عن رغبة واشنطن في مواصلة التعاون الأمني، لكنه يعكس في نفس الوقت إحباطاً من موقف القاهرة بخصوص الحريات المدنية.

وعلي الرغم من أن السبب الظاهر الظاهر مسألة حقوق الانسان، ولكن يبدو أن هناك أمورا أخرى بينها عدم الرضا الأمريكي عن أداء النظام المصري بشكل عام، وفي نفس الوقت رغبة الإدارة الامريكية في تقليل تلك الاعتمادات بشكل عام، واستخدام حقوق الانسان كذريعه لتبرير وتحسين موقفها امام الرأي العام المصري والعربي.

وقد عبر بيان لوزارة الخارجية المصرية عن الاستياء من القرار المذكور، إذ اعتبرته سوء تقدير للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وللتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه مصر، بما يعد خلطا للأوراق قد يكون له تداعيات سلبية على تحقيق المصالح المشتركة بين البلدين. وعلي الرغم من إعلان عن الغاء اجتماع بين "سامح شكري" ومستشار الرئيس الأمريكي "جاريد كوشنر" إلا أن الأخير التقي السيسي بحضور شكري علي الرغم من الإحراج البالغ الذي سببه القرار الأمريكي.

وفي أول تصريح له، بعد إلغاء جزء من المعونة الامريكية عن مصر، السيسي يقول أن مصر حريصة على تعزيز علاقتها مع واشنطن، وأضاف أن تسوية القضية الفلسطينية ستضيف واقعا جديدا في المنطقة، في محاولة منه لتذكير ترامب وإسرائيل بدوره في هذا الملف الهام وكورقة  يستغلها للضغط على الادارة الامريكية للتراجع عن قراراها الاخير.  كانت الخارجية الأمريكية قد أعلنت في بيان لها، أن مصر كانت على علم مسبق، بقرارها حول المساعدات.

 

تحليل مضمون القرار:

1-  إعادة توجيه أموال المعونة الاقتصادية لدول أخرى:

كان هناك حديث في الأشهر الماضية خلال هذا العام بأنه سيتم اتخاذ قرار يخص تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر، وهو ما جاء في سياق التوجه الأمريكي بتخفيض المساعدات لمعظم دول إفريقيا وآسيا، بما فيها الدول الحليفة لواشنطن مثل مصر والأردن، لكن كان الحديث عن أن الأمر لن يمس المساعدات العسكرية. وبحسب ما قالته مصادر أمريكية لـ «رويترز» فإن مبلغ 95.7 مليون دولار من المساعدات لمصر سيتم توجيهها إلى دول أخرى ضمن برامج المساعدات الأمريكية، بما يعني قرارًا نهائيًا بحجب تلك المعونة عن الحكومة المصرية. ينقسم هذا المبلغ إلى جزأين: 30 مليون دولار مخصصة للمساعدات الاقتصادية ضمن المعونات المقررة للسنة المالية 2016، والأهم: 65.7 مليون دولار مخصصة للمساعدات العسكرية. فيما يخص المبلغ المخصص للمساعدات الاقتصادية (30 مليون دولار)، فإن الحكومة المصرية اعتادت عدم استخدام جزء من المساعدات الاقتصادية بسبب رفضها تسليم هذه المبالغ لشركاء من منظمات المجتمع المدني الأمريكية، كما يشترط قانون المعونة. وهو النهج الذي زاد مؤخرًا بسبب الضغط على منظمات المجتمع المدني. وعلى مدار سنوات، تراكم نحو 400 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية دون استخدام من قِبل الحكومة المصرية. ولهذا مرر الكونجرس هذا العام قانونًا لإعادة توجيه هذه الأموال لبلاد أخرى، مثل تونس.

2-  أموال المساعدات العسكرية وحقوق الإنسان:

هناك عدم وضوح حول سبب إعادة توجيه المبلغ المخصص للمساعدات العسكرية (65.7 مليون دولار)، خاصة أنه كان بيد الحكومة الأمريكية الانتظار حتى 30 سبتمبر 2018 (نهاية السنة المالية الحالية) لاتخاذ قرار بشأنها. لكن تحليلاً صدر اليوم عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أوضح أن قرار الإدارة غير المسبوق بحجب هذا المبلغ من المعونات العسكرية عن الجيش المصري يعود إلى السنة المالية 2014، حين قرر الكونجرس تطبيق «قانون ليهي» الأمريكي على هذا المبلغ، وهو القانون الذي يمنع تقديم مساعدات لقوات أمن دول أجنبية في حال ثبوت «تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وقال المعهد إن الكونجرس قرر وقتها توافر شبهات حول استخدام الجيش المصري لمعدات وأسلحة أمريكية في عملياته بشبه جزيرة سيناء بشكل تسبب في وقوع خسائر بين المدنيين، وهي الشبهات التي قررت إدارة ترامب أنها لن تستطيع الرد عليها قبل الموعد المقرر لانقضاء المعونة العسكرية نهاية سبتمبر المقبل، لتتخذ قراراً بحجب ذلك المبلغ عن الجيش المصري. وتعد هذه المرة الأولى تاريخيًا التي تقتطع فيها الإدارة الأمريكية قسمًا من المساعدات العسكرية لمصر بسبب شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان.

ووفقًا للقانون الأمريكي، تلتزم حكومة الولايات المتحدة بوقف 15٪، أو ما يعادل 195 مليون دولار، من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر للعام المالي 2016، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار، إذا لم تحرز الحكومة المصرية تقدمًا في سجل حقوق الإنسان والديمقراطية الخاصة بها. وبدأ اتباع ذلك الشرط بداية من عام 2012، حيث يحدد الكونجرس الأمريكي عددًا من الاشتراطات يجب الوفاء بها قبل تسليم تلك النسبة. بل انتهاء السنة المالية في 30 سبتمبر يصبح لزامًا على الحكومة الأمريكية إما أن تصدر شهادة بإحراز مصر تقدمًا على صعيد أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية، أو يتم إلغاء نسبة الـ 15٪ من المعونة. ويمنح قانون المساعدات وزارة الخارجية الأمريكية الحق في إصدار قرار بإعفاء القاهرة من الشرط الخاص بحقوق الإنسان وإرسال المعونات العسكرية إلى مصر إذا كان ذلك لـ «مصلحة الأمن القومي الأمريكي». وتلتزم الإدارة الأمريكية وقتها بتقديم تقريرًا للكونجرس الأمريكي بأسباب ذلك الإجراء، وهو ما تم من قِبل الإدارة الأمريكية السابقة سنة 2015.

ما قامت به الحكومة الأمريكية بالضبط هو الإجراء السابق. فبحسب رويترز، وافقت «الخارجية الأمريكية» على إعفاء مصر من اشتراطات الديمقراطية، وقامت بتحويل نسبة الـ15٪ إلى حساب بنكي باسم مصر، تفاديًا لحجب ذلك المبلغ أيضًا عن مصر في حال عدم إصدار الشهادة أو الإعفاء قبل 30 سبتمبر المقبل (موعد انتهاء السنة المالية الحالية). غير أن إدارة ترامب أجلت السماح لمصر بصرف ذلك المبلغ، لحين اتخاذ القاهرة إجراءات لم يعلن عنها في ملف حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية   خصوصاً في ملف المنظمات الحقوقية ذات العلاقة بالولايات المتحدة والغرب.

أسباب خارجية:

وفي هذا الصدد يري بعض الخبراء في الشأن الأمريكي أن سبب القرار الأمريكي لا يعود فقط لأسباب داخلية مرتبطة بحقوق الانسان وإنما لأسباب لها علاقة بالسياسة الخارجية المصرية خصوصاً في الملف الكوري حيث سبق وأن طالبت الإدارة الأمريكية مصر بقطع علاقتها مع كوريا الشمالية وهي علاقة قديمة خصوصاً في المجالات العسكرية وذلك في ظل التوتر المتزايد بين أمريكا وكوريا الشمالية ولكن لا يبدو أن الإدارة المصرية قد اتخذت خطوات فعلية في هذا الصدد، ومن جهة أخري فإن مواقف السيسي الخارجية في سوريا وليبيا قد تكون محل خلاف مع السياسة الأمريكية خصوصاً لجهة التقارب المصري الروسي في هذين الملفين بشكل غير مريح للإدارة الأمريكية.

أما فيما يخص دور الإخوان والمعارضة المصرية فإن هناك من يتحدث عن نجاح لحملات حقوقية ضد النظام في الخارج ولكن هناك من يستبعد أن تكون جماعة الإخوان لها يد في مثل هذا القرار في هذا التوقيت، فإذا كان لهم تواصل مع بعض الأطراف والكونجرس الأمريكي حيث يحضرون جلسات الاستماع بالكونجرس، إلا أن هذا لا يعني قدرتهم علي التأثير في القرارات، فالجلسات يُسمح بحضورها من كافة التيارات.

يذكر أن الخلافات بين الطرفين كانت قد تجددت منذ أسابيع عندما عبرت الخارجية المصرية عن استيائها من بيان صادر من الخارجية الأمريكية ذكر تفرقة بين الجماعات الإرهابية وجماعات التطرف العنيف، بما كان يعبر عن وجود عدم توافق في الرؤية المصرية والأمريكية لجماعات العنف والإرهاب، فحتى الآن لم تصنف الولايات المتحدة جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية.

والخلاصة أن القرار الخاص بحجب المساعدات يعبر عن: إما أنه تراجع في دعم الإدارة الأمريكية للنظام المصري الحالي، بعدما كانت هناك توقعات عديدة بأن الأمر بين الجانبين يسري باتجاه ترسيخ التحالف الاستراتيجي بينهما، أو أنه يعبر عن استياء لحظي وفرض شروط جديدة علي النظام حتي تعود الأمور لسابق عهدها.

 

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022