قرار أمريكي جديد بالذهاب إلى الحرب في سوريا

 قرار أمريكي جديد بالذهاب إلى الحرب في سوريا:

في أواخر العام 2017، ذكر "جون ماكين" السيناتور الأمريكي في مقال له أنه ليس على الولايات المتحدة أن تترك الساحة السورية، حتى لا يصبح مستقبل سوريا بعيدا عن سيطرة أمريكية، إذ رأى أن إيران تتوغل بشكل كبير في المنطقة، مما يهدد الاستقرار وحرية املاحة وأراضي حلفاء أمريكا بالمنطقة في المستقبل، ذلك بالإضافة إلى سعي روسيا لتأسيس نفسها كوسيط في نزاعات المنطقة.

اتضح ذلك في خطاب "ريكس تيلرسون" وزير الخارجية الأمريكي الذي أذيع قبل أيام بجامعة ستانفورد، بما يشير لاستراتيجية ترامب الجديدة في سوريا، ويعيد تعريف مهمة الجيش الأمريكي في سوريا، بعد أن كان يستهدف مكافحة داعش، إذ أكد "تيلرسون" أن الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري في سوريا يركز على ضمان عدم عودة ظهور داعش، وفي نفس الوقت أكد على أن ابتعاد الولايات المتحدة عن سوريا سيتيح لإيران الفرصة لتعزيز موقفها هناك.[1]

وفي تحليل لهذه التصريحات، ذكر مقال[2] أن تيلرسون قدم لمهمة أمريكية موسعة انطلاقا من حديثه عن أن الولايات المتحدة قامت بإخلاء مبكر لقواتها في العراق قبل عدة سنوات، لكنه لم يذكر أن المجموعة التي أصبحت داعش لم تكن موجودة قبل دخول القوات الأمريكية للعراق، أو أنها ظهرت كنتيجة مباشرة للغزو الأمريكي، ولم يتطرق أيضا إلى أن وجود قوات أمريكية قليلة كان يمكنها فعل ما لم يفعله الوجود العسكري الأمريكي السابق في العراق والبالغ 160 ألف جندي، ولم يتطرق إلى أن إدارة جورج دبليو بوش التي تفاوضت على اتفاق سحب القوات كان بإمكانها فعل شئ مختلف لتوسيع الوجود العسكري.

في سوريا، لم يكن وجود الجيش الأمريكي هناك بناء على موافقة من الحكومة الحالية، وهذا ما يجعله مختلفا عن الوجود الروسي والإيراني.

حاول تيلرسون أن يستند على داعش لتوسيع الوجود الأمريكي، وذلك عبر ربط النظام السوري بالمجموعة التي تحاربه، حتى وإن كان النظام السوري في بداية الحرب السورية يقاتل ضد داعش بشكل أقل مما كان يقاتل فيه الجماعات السورية المعارضة، لكن اختلف الوضع حاليا، وأصبح نظام الأسد وداعش على طرفي نقيض لأي طيف سياسي أو ديني يمكن تخيله.

 استمرار تهديد داعش في سوريا سيكون أقل من استمرار نظام الأسد على الحرب الأهلية السورية، ويعد مسار السياسة الأمريكية – كما وصفه تيلرسون – لا يتضمن فقط الوجود العسكري الأمريكي المباشر، ولكن أيضا السعي لبناء ميليشيا عميلة من أجل استمرار الحرب.

تهدف الحملة العسكرية الأمريكية الآن في سوريا – وفقا لتيلرسون – إلى ثلاثة أهداف أخرى غير محاربة داعش والإرهاب، الأول تغيير فكرة استمرار نظام الأسد، حين قال أن الاستقرار في سوريا يتطلب قيادة ما بعد الأسد، وأن الولايات المتحدة ستثني كل دولة أخرى عن إقامة أي علاقة اقتصادية مع سوريا التي مزقتها الحروب حتى يذهب الأسد. لم يفسر الوزير لماذا أصبح نظام الأسد الذي استمر فيه حافظ وبشار لمدة 48 عاما هدفا أمريكيا، ولم يوضح أيضا كيفية صعود موقف نظام الأسد بمساعدة مؤيديه الروس والإيرانيين. فما يصفه تيلرسون يعني أي شئ آخر بخلاف عدم الاستقرار والمواجهة في سوريا.

ثانيا، كلما تحدثت إدارة ترامب عن الشرق الأوسط، يجب أن تُذكر إيران، إذ يتم وصفها بشكل عام بالازدواجية، ووصفها تيلرسون في خطابه بـ"الخبيثة"، حين ذكر أن موقف إيران في سوريا يهدد أي مصالح أمريكية، هنا يظهر عدم الاتساق في تبرير التدخل العسكري الأمريكي الذي من المفترض يهاجم داعش، والحديث عن خباثة قوة إقليمية كانت أساسا تعارض في العراق وسوريا.

ثالثا، عندما تذكر الولايات المتحدة إيران، فلا يمكن استبعاد إسرائيل عن الأمر، فقد قال "تيلرسون" أن إيران تسعى للهيمنة في الشرق الأوسط وتدمير إسرائيل حليف الولايات المتحدة، وتتيح سوريا الفرصة لإيران لتهديد إسرائيل. من ناحية، لا توجد معاهدة أمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ناحية أخرى لم يقترح تيلرسون عما ستخرج به الولايات المتحدة من القيام بما تريده إسرائيل في سوريا. ولم يشر إلى امتلاك إسرائيل لأقوى العسكريين في الشرق الأوسط، أو إلى أن أي تفكير إيراني بتدمير إسرائيل عبر سوريا أو عبر أي مكان آخر هو شئ يجمع بين الحماقة والخيال.

إلى جانب المساعدة على إطالة أمد الحرب وعدم الاستقرار في سوريا، فإن المسار الذي وصفه تيلرسون سيزيد الصعوبات أمام التحالفات الحقيقية، إذ قال أن يجب أن يكون هناك تعاون بين الولايات المتحدة وتركيا لتحقيق مستقبل جديد لسوريا، لكنه لم يشر إلى مخطط تسليح العملاء في شمال سوريا بما يهدد الأتراك، بما يعني أن سوريا ستصبح مسرحا لحرب بالوكالة بين عضوين من الناتو.

تقوم سياسة الإدارة الجديدة على تجاهل دور الكونجرس في السماح باستخدام القوة العسكرية في الخارج، فخلال العقد ونصف العقد الماضيين، عززت السياسة الأمريكية من قرارات الكونجرس لمكافحة الإرهاب. التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط يستهدف تغيير نظام، ومواجهة ثاني، ومقايضة ثالث، فلا يشمل أي منها مكافحة الإرهاب، ولم يأذن الكونجرس بأي منها.

من غير الواضح كيف تطور الأمر بخصوص سوريا ومن كان له دور أساسي فيه، لكنها بعيدة عن تفكير ترامب الذي عبر عن تفضيله المهمات العسكرية في الخارج بدلا من توسيع التواجد العسكري بالخارج.

يتضح أن الخلاف الدائر بين المؤسسات الأمريكية – البيت الأبيض، الكونجرس، الخارجية – مستمر في تأثيره على تخبط قرارات الدولة، فقد طالبت آراء بعدم التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، بل ورأت أن عدم تواجدها بهذا الشكل المباشر سيعود عليها بالنفع عندما تزداد تكلفة الحرب على كل من روسيا وإيران بدعمهما لنظام الأسد، لكن من الواضح أن الرأي الذي انتصر في النهاية هو أن نظام الأسد مستمر في تواجده بهذا الدعم، وأن روسيا وإيران مستمران في جهودهما للتوغل في المنطقة، وبالتالي هذا يهدد المصالح الأمريكية وعلاقتها بحلفائها، مما يجعل التواجد العسكري المباشر هو الخيار الذي يجب تنفيذه، ويؤكد في نفس الوقت التوجه الجديدة للاستراتيجية الأمريكية لمواجهة إيران ونفوذها في المنطقة.  



[1] "أمريكا تلمح إلى وجود عسكري لأجل غير مسمى في سوريا"، الجزيرة. نت، 18/1/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/F3RJd

[2] Paul Pillar. "A new decision to go to war in Syria". 20/1/2018. National Interest. Available at: http://nationalinterest.org/blog/paul-pillar/new-decision-go-war-syria-24161

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022