أبعاد العملية العسكرية في سيناء.. الأهداف والتداعيات والمآلات

 أبعاد العملية العسكرية في سيناء.. الأهداف والتداعيات والمآلات

تختلف الحملة العسكرية التي أطلقها الجنرال عبدالفتاح السيسي أمس الجمعة 9 فبراير 2018م، تحت مسمى «سيناء 2018» عن الحملات السابقة التي استهدف من خلالها الحرب على ما يسمى بالتنظيمات الإرهابية في سيناء مثل تنظيم داعش وولاية سيناء،  تختلف في شمولها وتوسعها كما تختلف في سياقها وأهدافها وبالطبع في تداعياتها ومآلاتها.

فالعملية العسكرية الجديدة تأتي في سياق محلي وإقليمي ملتهب، ولا يمكن الفصل بين السياقين كما لا تخفى دلالة التوقيت الذي دفع الجنرال السيسي إلى القيام بهذه الحملة قبل انتخابات الرئاسة بشهر واحد، في ظل اتهامات لنظام الجنرال السيسي بالعمل على تهجير أهالي سيناء كجزء من صفقة القرن الذي يمنح شمال سيناء للفلسطيين لتكون وطنا بديلا مع منح القدس للصهاينة، وهو الثمن الذي يتوجب على السيسي دفعه حتى يحصل على قدر من الدعم والامتيازات وحتى يبقى رئيسا لفترة ثانية.

 كما تتزامن مع مناورات موسعة تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من الحدود مع غزة ما دفع حركة حماس إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى وتفريغ مقار تدريب كتائب القسام باعتبارها الهدف الأبرز لأي عدوان إسرائيلي مرتقب.

 

حملات متعددة والحصيلة صفر

والراصد لتطورات الأحداث في مصر وحملات المؤسسة العسكرية على سيناء،  يدرك على الفور أنها ليست المرة الأولى التي يطلق فيه الجنرال السيسي مثل هذه الحملة  الموسعة تجاه سيناء، فقد فعلها من قبل بذريعة محاربة الإرهاب والتوسع المتنامي للحركات المسلحة مثل تنظيم داعش وولاية سيناء.

ففي 31 يناير 2015م، وأمام حشود من قيادات المؤسسة العسكرية قرر الجنرال إنشاء قيادة موحدة لقوات شرق القناة وكلف الفريق أسامة عسكر بقيادة هذه القوات ودحر المنظمات المسلحة.

وفي 8 سبتمبر 2015 أطلق الجنرال السيسي عملية حق الشهيد لملاحقة ما وصفها بالعناصر الإرهابية والتكفيرية.  وأصدرت القوات المسلحة بيانا قالت فيه إنها بدأت فجر الإثنين 8 سبتمبر 2015 عملية عسكرية شاملة باسم "حق الشهيد" في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش بشمال سيناء ، وانتهت المرحلة الرئيسية منها فى 22 سبتمبر 2015م.

وأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة، مساء الثلاثاء الموافق 22-09-2015، بيانا قالت فيه إنه تم تحقيق الأهداف الرئيسية من المرحلة الأولى من العملية «حق الشهيد» بسيناء وتؤكد القوات المسلحة على استمرارها في تنفيذ المرحلة الثانية تمهيدا لبدء عمليات التنمية الشاملة بسيناء. وذكر البيان بعض هذه الأهداف التي تحققت ومنها: القضاء على البؤر الارهابية فى شبه جزيرة سيناء بالكامل. وإحكام وفرض السيطرة الأمنية الكاملة على مدن؛ رفح، والشيخ زويد، والعريش!

 

تمكين الإرهاب

سياسات الجنرال السيسي وحملاته ضد ما يسمى بالإرهاب فشلت فشلا ذريعا على مستوى تحقيق الأهداف المعلنة، فمنذ خطابه الشهير يوم 26 يوليو 2013  والذي طلب فيه تفويضا بمواجهة الإرهاب المحتمل، تواصلت حملاته الموسعة وقتل الآلاف من أبناء سيناء وعناصر المؤسسة العسكرية والأمنية، ولكن الإرهاب تحول من «إرهاب محتمل» إلى واقع يستعصي على الحل.

ومنذ إعلان تنظيم "جماعة بيت المقدس" تغيير اسم التنظيم إلى "ولاية سيناء" في 10 نوفمبر عام 2014، وإعلان بيعتهم لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغداي، زادت حدة المواجهات بين المسلحين والقوات التابعة للجنرال السيسي. وقدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الخميس الماضي 8 فبراير 2018م، تقريرا لمجلس الأمن عن تنظيم الدولة، واصفا جناح التنظيم بمصر بـ"الأكثر رسوخا"، مؤكدا أن "ولاية سيناء" مسؤول عن سلسلة هجمات ضد الأقباط، وله متعاطفون بالبلاد، وأن هناك حركة تبادل بين فرعي التنظيم بمصر وليبيا عبر الحدود.

ومنذ الحادث الدموي الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 300 مصل بمسجد الروضة بشمال سيناء، تمكن المسلحون في أواخر يناير الماضي، بحسب وكالة الأنباء الألمانية من إيقاع عدد من القتلى والجرحى من الجيش المصري في قصف طائرة مسيرة (بدون طيار) لموقع أمني بالقرب من قرية خريزة بوسط سيناء.

وفي ديسمبر وقعت محاولة اغتيال وزيري الدفاع الفريق صدقي صبحي والداخلية مجدي عبدالغفار في تفجير مروحية بمطار العريش. بعدها بأيام، قُتل 10 عسكريين، بينهم الحاكم العسكري لمدينة بئر العبد، ومدني وأُصيب آخرون في مجموعة متزامنة من الهجمات المسلحة التي استهدفت مدرعة شرطة وقوة عسكرية ووحدة في مناطق متفرقة من محافظة شمال سيناء.

 

«العملية الشاملة» والأهداف المعلنة

وأعلن المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، صباح الجمعة، بدء خطة مجابهة شاملة ضد ما وصفها بالعناصر الإرهابية في عدة مناطق بينها شمال ووسط سيناء.

وقال المتحدث باسم الجيش، تامر الرفاعي، في بيان: "رفعت القوات المسلحة والشرطة حالة التأهب القصوى لتنفيذ عملية شاملة على الاتجاهات الاستراتيجية فى إطار مهمة القضاء على العناصر الإرهابية".

وفي بيان ثان، قال: "بدأت صباح يومنا هذا بتكليف رئاسي قوات إنفاذ القانون تنفيذ خطة المجابهة الشاملة بشمال ووسط سيناء ومناطق أخرى بدلتا دولة مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، إلى جانب تنفيذ مهام عملية وتدرييبة آخرى على كافة الاتجاهات الاستراتيجية".

وأوضح المتحدث باسم الجيش، أن خطة المجابهة الشاملة لها 4 أهداف هي: "إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية وضمان تحقيق الأهداف لتطهير المناطق من البؤر الإرهابية وتحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف بالتوازي مع مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير".

ولا شك أن الفقرة الأخيرة من البيان الثاني جاءت فضفاضة لتفتح أبوابا واسعة وذرايع لممارسات قمعية وانتهاكات كبيرة تحت لافتة "مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير"!

 

صفقة القرن  وتهجير أهالي سيناء

لكن محللين وخبراء في الإستراتيجية يؤكدون أن حملات السيسي العسكرية وخصوصا الحملة الأخيرة "العملية الشاملة" تستهدف بالأساس قيام السيسي يما يتوجب عليه في إطار «صفقة القرن» التي يرعاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك بوضع أهالي شمال سيناء باستمرار تحت قصف النيران سواء من الجيش أو الصهاينة أو المسلحين بهدف دفعهم نحو الهجرة والتخلي عن بيوتهم تمهيدها لإبرام «صفقة القرن» ومنح شمال سيناء للفلسطيين لتكون امتدادا لغزة وطنا بديلا مع منح القدس للصهاينة وفق صفقة القرن الأمريكية التي بدأت باعتراف الإدارة الأمريكية المنتمية لليمين المتطرف بالقدس عاصمة للصهاينة.

فالبدء بإخلاء سيناء تمهيدا لتنفيذ صفقة القرن" هو أحد أهم أهداف الحملة، خاصة بعدما أعلن المبعوث الأمريكي للسلام جرين بلات، الأسبوع الماضي، أن الصفقة أصبحت "وشيكة التنفيذ". فالسيسي بدأ في تنفيذ الجزء الخاص به لأن "الصفقة" تعتبر المسوغ الرئيس لدعم أمريكا وإسرائيل لإبقائه على عرش مصر".

ويعزز هذا الرأي ما وثقتها منظمة سيناء لحقوق الإنسان، حيث أفادت بأن ما لايقل عن 30 مدنيا بينهم 7 أطفال و3 نساء قتلوا، وأصيب نحو 28 آخرين، جراء انتهاكات واعتداءات نفذتها قوات الجيش والشرطة في أبريل الماضي فقط 2017م، في حين قتل إجمالا خلال النصف الأول من العام 2017نحو 203 مدنيين، وأصيب 195 آخرين، ووقع ما لا يقل عن 435 انتهاكا.

إذا السيسي بهذه الإجراءات يدفع أهالي سيناء دفعا نحو الهجرة وترك بيوتهم وهو ما تأكد من خلال تسريبات صحيفة نيويورك تايمز وبثتها قناة "مكملين" للضابط أشرف الخولي الذي كان يعطي التوجيهات لأحد المذيعين لافتا إلى أن وجود أهالي سيناء يمثل عقبة وخطرا وهي التسريبات التي فضحت توجهات نظام السيسي نحو تهجير أهالي سيناء وتفريغ شمالها لإبرام صفقة القرن الأمريكية.

 

التمهيد لحرب على غزة

كما تستهدف الحملة بالأساس فرض مزيد من الحصار على قطاع غزة خصوصا بعد عمليات التهجير التي تمت لأهالي رفح والشيخ زويد وتوسيع المنطقة العازلة مع غزة والتي بدأت بعمق "500" متر بطول 14 كم هي مسافة الحدود المصرية مع غزة.

وهي الإجراءات التي تأتي بعد تدمير معظم الأنفاق من جانب المؤسسة العسكرية المصرية والتي كانت تمثل الرئة التي يتنفس منها أهالي غزة عبر تهريب كثير من المواد والأغذية والوقود، وهو ما يمثل مزيدا من الحصار والتضييق على غزة ودعما لحرب إسرائيلية وشيكة على القطاع للقضاء على سيطرة حماس وإضاف نفوذها بالقطاع.

يتزامن مع ذلك قيام "إسرائيل" بعمل مناورات موسعة على الحدود مع قطاع غزة، الأمر الذي دفع حركة حماس إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى وإخلاء مقار كتائب القسام والمقار التدريبة استعدادا لشن "إسرائيل" حرب مفاجئة على القطاع.

ويمكن في هذا السياق الإقليمي أن نفهم الأهداف الخفية لإجراءات السيسي مع قطاع غزة منذ سنوات، حيث يستهدف هو وحلفائه في تل أبيب إضعاف حركة حماس والقضاء على سيطرتها على القطاع من خلال هدم الأنفاق وتنفيذ شريط حدودي عازل مع القطاع. وفي الوقت ذاته قللت "إسرائيل" من حجم شاحنات الغذاء التي تدخل يوميا إلى القطاع من 1200 إلى 300 شاحنة ما دفع المزيد من الغزاويين للتظاهر على بوابات المعابر.

 

وللحملة مآرب أخرى

ولا تتوقف الأهداف الخفية للحملة الشاملة للسيسي على سيناء وباقي المحافظات المصرية خصوصا في الدلتا والظهير الصحراوي، بل يمكن اعتبارها قفزة فوق الأزمات المفاقمة ومحاولة للهروب منها وإلهاء الشعب بشيء مختلف ووضعه في إطار الحرب لا سيما بعد فشل السيسي في حماية حقوق مصر المائية وعجزه أمام أثيوبيا حتى اعترف في تصريحات بلهاء أنه لا توجد أزمة مع أثيوبيا من الأساس. إضافة إلى فشل مشروع تفريعة قناة السويس والمشروعات القومية وعدم انعكاس ذلك على الشعب الذي يعاني من أزمات طاحنة.

السيسي يستهدف بالحملة القفز فوق ذلك كله، وربما يكون الهدف أيضا هو محاولة للتغطية على فشل انتخابات الرئاسة التي تحولت إلى مسرحية لا تغري أحدا بالمتابعة وتحولت إلى نكتة سخيفة في الداخل والخارج.

إذا السيسي يستهدف بالحملة تنفيذ ما يتوجب عليه في صفقة القرن من ناحية وإلهاء الشعب من ناحية أخرى، ومحاولة اكتساب قدر من التعاطف الشعبي وترميم شعبيته التي تأكلت بفعل الفشل المتواصل في كل الملفات من خلال شن هذه الحرب على تنظيم داعش وولاية سيناء. والحركات المسلحة عموما.

ويمكن اعتبار الحملة كذلك  تستهدف استنزاف الجيش خوفا من انقلاب عليه لا سيما بعد إهانة قيادات كبرى سابقة بالمؤسسة مثل الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق والمعتقل حاليا بالسجن الحربي والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق وأحد جنرالات سلاح الطيران.

كما يحاول السيسي من خلال هذه الحملة الزعم بأنه يسيطر على سيناء وليس تنظيم داعش أو ولاية سيناء، كما تأتي ردا على تقارير نيويورك تايمز وواشنطن بوست مؤخرا التي فضحت تنفيذ الطيران الإسرائيلي لمئات الطلعات على أهداف في سيناء. فالسيسي بهذه الحملة يريد أن يحقق عدة عصافير بحملة واحدة حتى يبقى رئيسا مرضيا عليه من أمريكا وإسرائيل!.

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022