قوة عسكرية عربية في سوريا…الأهداف والإمكانيات المتاحة

 قوة عسكرية عربية في سوريا…الأهداف والإمكانيات المتاحة

منذ أيام، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن تواصل مستشار الأمن القومي لترامب "جون بولتون" مع رئيس المخابرات المصرية "عباس كامل"، لاستطلاع مدى استعداد القاهرة للمشاركة في مبادرة لتشكيل قوة عربية مشتركة تعوض الانسحاب للقوات الأمريكية من سوريا، والذي يصل عددها إلى 2000 جندي أمريكي، وهو موقف يخالف موقف مستشاريه، بأن الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية ستملأه إيران وروسيا، بالأصالة أو بالوكالة، فضلا عن المجموعات المتطرفة الأخرى.

هناك آراء تحليلية ترى أن أي تحرك لتجميع وحدة عسكرية عربية سيتم نشرها بعد مغادرة القوات الأمريكية سوف يواجه عقبات، إذ لن تحرص الدول العربية على إرسال قوات لسوريا إذا لم يوافق الجيش الأمريكي على الاحتفاظ ببعض القوات هناك، ويجب أن تكون تلك القوة الجديدة قوية بما يكفي لمواجهة الأسد أو إيران إذا أرادت استعادة المنطقة، خاصة إذا دخل في الأمر مساعدة روسية، وستكون من مهماتها أيضا التنسيق والعمل مع المقاتلين الأكراد والعرب المحليين الذين تدعمهم الولايات المتحدة. فتعمل الولايات المتحدة على تقوية قوات سوريا الديمقراطية لتلعب دور حائط الصد أمام تركيا، وذلك لصعوبة الاعتماد على العرب وحدهم للتصدي لتركيا، بحكم تباين العلاقات العربية التركية.   

في يناير، كان يأمل العسكريون الأمريكيون إنهاء الحملة في سوريا خلال أشهر، ثم العمل على تثبيت الاستقرار في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، لكن تم تقويض تلك الخطة عندما تخلى العديد من المقاتلين الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة عن القتال ضد داعش، وذهبوا إلى عفرين لصد الهجمات التركية.

النظام المصري شريك صعب:

وبخصوص مشاركة مصر، ورأت وول ستريت أن نية مصر لم تكن واضحة، لأن الجيش المصري يقاتل بالفعل فرع داعش في سيناء على الحدود الشرقية، ويؤمن الحدود الغربية مع ليبيا من الميليشات المسلحة، وأشارت الصحيفة أيضا أن مصر نادرا ما تنشر قواتها خارج حدودها منذ حرب الخليج 1991.[1]

نشرت المونيتور مقالا،[2] يدور حول العلاقات المصرية الأمريكية في الآونة الأخيرة، وإلى أي مدى يمكن أن تستجيب مصر لفكرة قوة عربية في سوريا كبديل للقوات الأمريكية، وهذا أبرز ما جاء فيه:

أشار إعلان الرئيس دونالد ترامب عن ضربة تقودها الولايات المتحدة على مواقع أسلحة كيميائية سورية مشتبه بها في الأسبوع الماضي إلى تغيير وضع القوات في البلد الذي مزقته الحرب. فبعد أن تم ضرب ثلاث منشآت سورية بالصواريخ، قال القائد الأعلى للقوات الأمريكية إنه سيسعى إلى تسليم المزيد من المسؤوليات في الصراع المستمر منذ سنوات إلى الشركاء العرب.

في إطار الضربة التي وجهها أكثر من 100 صاروخ أمريكي وبريطاني وفرنسي بشكل دقيق، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن مستشار الأمن القومي جون بولتون تواصل مع كبار المسؤولين المصريين ليطلب من القاهرة المساهمة بالقوات والمال لدعم جهود الولايات المتحدة لدحر داعش في شمال شرق سوريا.

وقال ترامب: "لقد طلبنا من شركائنا تحمل مسئولية أكبر لتأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة بكميات كبيرة من الأموال من أجل دعم الموارد والمعدات وجميع جهود مكافحة الإرهاب"، وقال "أن المشاركة المتزايدة من أصدقائنا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وغيرهم، يمكن أن تضمن عدم لجوء إيران إلى تحقيق مكاسب بعد القضاء على داعش"

طلب البيت الأبيض من هذه الدول العربية المساهمة بأموال وقوات لإرساء الاستقرار في سوريا بعد مغادرة 2000 جندي أمريكي للبلاد. لكن لا تزال كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة متورطتان في اليمن، وقد ساهم التزام مصر الضعيف بمكافحة الإرهاب في إحباط الولايات المتحدة، على الرغم من تقديم 1.3 مليار دولار من المنح العسكرية السنوية.

وبالعودة لإدارة أوباما، فيقول خبراء، أن البنتاجون حاول كثيرا لجعل القوات المسلحة المصرية تتعامل مع التهديد الإرهابي المستمر من خلال الزيارات المتكررة رفيعة المستوى لمصر والجهود الرامية إلى إعادة تنظيم العقيدة العسكرية لمحاربة "المتمردين الإسلاميين".

وواصلت إدارة ترامب سياسة عهد أوباما لجعل مصر تركز على طرد المتمردين الإسلاميين الذين استغلوا فراغ السلطة في البلاد للحصول على موطئ قدم في صحراء سيناء من خلال الحد من المشتريات العسكرية (المرتبطة بصراعات الجيوس  وليس الارهاب) وهي باهظة الثمن. وفي سبتمبر 2017، استضاف البنتاجون نسخة مصغرة من عملية النجم الساطع، وهي مناورة عسكرية ثنائية تم تعليقها منذ عام 2013، وتم إعادة تشكيل المهمة التي تستغرق عشرة أيام للتركيز على التعامل مع الإرهاب.

وقال كينيث بولاك، وهو باحث مقيم في معهد أميركان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "ما يريد المصريون فعله هو الخروج من المشكلة"، وأوضح أن الإنسانية تأكدت مرارا أنه لا يمكن الانتهاء من مشكلة إرهابية أو تمرد (بدون حلول سياسية واقتصادية).

منذ أن رفعت إدارة أوباما القيود المفروضة على الأسلحة المفروضة على القاهرة في عام 2015، بعد أن تسلم السيسي السلطة في انقلاب، ضغط المسئولون العسكريون المصريون على نظرائهم الأمريكيين للحصول على تكنولوجيا عسكرية عالية القيمة مثل طائرات استطلاع بدون طيار. في هذه الأثناء، رفض الضباط المصريون جهوداً متكررة لتطبيق أساليب مكافحة التمرد التي كان أول من قام بتطبيقها الجنرال ديفيد بترايوس أثناء زيادة عدد القوات في العراق عام 2007، والتي ركزت على تقليل الإصابات في صفوف المدنيين وبناء المجتمعات المحلية، في ظل نقص المعدات.

وقال المسئولون الأمريكيون السابقون إن القوات المصرية أبلت بلاءاً حسناً في نزع أسلحة العبوات الناسفة، ولكنها واجهت تحديات في مهمات عسكرية أكبر مثل إطلاق الذخيرة على أهداف ثابتة والدوريات. في غضون ذلك، واصل المسؤولون المصريون اتهام الولايات المتحدة بحجب الأسلحة الفتاكة التي أصروا على أنها قد تسرع من سحق التهديد في سيناء.

قال أندرو ميلر، وهو مدير سابق لمجلس الأمن القومي، "ور": "اعتقدوا أنّ لدينا تكنولوجيا غير موجودة"، وأكد أن "بعض التكنولوجيا التي اذا ما وضعت أيديهم عليها ستغير الوضع على الارض."

على الرغم من استئناف التدريبات التي قادتها الولايات المتحدة ودعوة بولتون إلى القاهرة الأسبوع الماضي، يبدو أن العلاقات العسكرية مع مصر تحت حكم ترامب كانت متراجعة. في العام الماضي، علق وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون مبلغ 290 مليون دولار كمساعدات عسكرية بعد أن فشل السيسي في الوفاء بشروط حقوق الإنسان التي حددها الكونجرس وأصدر قانون المنظمات غير الحكومية الصارم على المعارضة الأمريكية.

في الوقت نفسه، أصبح التهديد الإرهابي في سيناء أكثر تحديًا، حيث قتل المسلحون 305 من المصلين في نوفمبر في أكثر الهجمات دموية على الأرض المصرية. منذ ذلك الحين، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في فبراير أن السيسي وافق على أكثر من 100 غارة جوية إسرائيلية في المحافظة الصحراوية.

في السنوات الأخيرة، بحث الكونغرس أيضًا في قدرة المصريين على البقاء كشركاء في أسس حقوق الإنسان، شكك السناتور باتريك ليهي في قدرة البنتاجون القانونية على تزويد الوحدات التي ارتكبت أعمال قتل خارج نطاق القانون في سيناء بالبنادق التي ستحتاجها للنجاح على الأرض في سوريا. وكان تقرير وزارة الخارجية السنوي عن حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في 20 أبريل 2017 قد أفاد بأن غارة بطائرة بدون طيار مصرية في رفح أسفرت عن مقتل 10 مدنيين في يناير وقذيفة مدفعية انفجرت في منزل مكتظ بالناس في وقت لاحق من ذلك الشهر أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص.

وقال ميلر: "منظور البنتاجون بجعل الأولوية لحقوق الإنسان جعلت المشكلة أكثر صعوبة"، وجعل المصريين شريكا صعبا.

ختاما، وعلي الرغم من هذه التحديات والشراكة الصعبة بين مصر والأمريكان، فإن من المتوقع أن يتم الاستجابة بشكل إيجابي، فإذا لم ترغب مصر في إرسال قوات، فيمكنها المساعدة بطرق أخرى مثل تدريب مقاتلين سوريين خارج بلادهم وتقديم الدعم اللوجيستي، كحد أدنى حتى لا يتم الرفض للأمر برمته. وبالنسبة للإمارات والسعودية، فسبق أن ساعدتا في دفع رواتب المقاتلين السوريين الذين تدعمهم الولايات المتحدة.

من الواضح أن الولايات المتحدة بدأت سياسة التفويضات في سوريا منذ فترة، فقد تركت روسيا لمهمة ضرب الجماعات المسلحة، وضغطت على تركيا للمساهمة في تحجيم داعش، وأعطت لإسرائيل مهمة منع إيران من تقوية حزب الله، لذا من الطبيعي أن تلجأ لأطراف كانت أدوارها غير مرغوب فيها أو مؤجلة، يكون بمثابة طرف ثالث يعمل كعازل للتوسع التركي بجانب الروسي والإيراني، هنا ظهرت الحاجة للطرف العربي.

يصب كل هذا في صالح فكرة سوريا جديدة، يبقى فيها بشار بحصانة روسية ورضا أمريكي، وشرق أوسط جديد، تزاد فيه حصانة إسرائيل ضد إيران وتركيا والجماعات المسلحة.[3]

  



[1] "الولايات المتحدة تبحث عن قوة عربية وتمويل من أجل سورية"، حرية، 19/4/2018، متاح على الرابط: http://horrya.net/archives/58626

[2] Jack Detsch, "US Syria effort hinges on unreliable Egypt", Al-Monitor, 20/4/2018, available through: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/04/us-syria-effort-partner-egypt-unreliable.html

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022