الصراع في الجنوب الليبي

 الصراع في الجنوب الليبي

مقدمة

يشير التاريخ الليبى إلى أن الخلاف والصراع بشتى صوره، يبدأ في الشمال بين برقة (الشرق الليبي) وطرابلس (الغرب الليبي)، ويتم حسمه في الجنوب، فالقرارات المصيرية التي أقرها البرلمان في عهد المملكة الليبية، كانت أصوات نواب الجنوب هي المرجِّحة للكفة مثل التعديلات الدستورية عام 1962، التي مهدت لقرار تحويل ليبيا من مملكة فيدرالية إلى مملكة موحدة في ربيع العام 1963، وذلك للحد من تغول سلطات حكومات الأقاليم على حساب الحكومة المركزية[1].

وفى الوقت الذي لم يستطع فيه طرفى الصراع فى الشرق والغرب من حسم الأمور لصالح أى منهما، يتجه الطرفان إلى محاولة السيطرة على الجنوب لدعم نفوذهما وترجيح كفتيهما، فقد شهدت مدينة سبها الواقعة على بعد 660 كيلومتراً جنوب العاصمة الليبية طرابلس اقتتالاً واسعاً، منذ مطلع فبراير (شباط) الماضي، بين قبيلتي أولاد سليمان والتبو، قبل أن تدخل على خط المواجهة قوات من الجيش الوطني الليبي، وأخرى تابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في اشتباكات دامية خلّفت قتلى وجرحى، ونزوحاً جماعياً قسرياً لعشرات الأسر[2]. وعليه تحاول هذه الورقة التعرف على أسباب الصراع فى الجنوب الليبى؟

أسباب الصراع فى الجنوب الليبى

تهميش الجنوب، فهناك نوع من التهميش والتميز ضد الجنوبيين من خلال الإقصاء السياسي والإداري في تولي المناصب السياسية والإدارية العليا في الدولة. فهناك تقارير تشير إلى أن مؤسسات الدولة تدار الآن بـ98 في المائة من كوادر من شرق البلاد وغربها، سواء كان ذاك في الحقائب السياسية أو التمثيل الدبلوماسي أو في المؤسسات الاستثمارية الخارجية والداخلية. بالإضافة إلى حرمان الجنوب من التنمية والخدمات على الرغم مما يمتلكه الجنوب من الموارد الاقتصادية من النفط والغاز والمعادن[3].

ثروات الجنوب، حيث  يتميز الجنوب الليبي باحتوائه على أهم الثروات الطبيعية في البلاد، والتي تتمثل في مخزون النفط والغاز والمعادن والمياه الجوفية المغذية لمنظومة النهر الصناعي[4]. وهو ما يؤدى إلى السعى إلى السيطرة على هذه الثروات من جانب الميليشيات المسلحة إلى جانب الرغبة فى السيطرة على عمليات التهريب، خاصة تهريب البشر، باعتبار ليبيا وبالأخص الجنوب البوابة الرئيسة للهجرة إلى أوروبا، وتجني عصابات التهريب أموالاً طائلة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمحروقات[5].

الإنقسامات العرقية، حيث تضم منطقة الجنوب قبائل عربية كأولاد سليمان والقذاذفة وغير عربية كالطوارق والتبو[6]، وتوجد منافسة بين هذه القبائل من أجل الحصول على ثروات الجنوب، وكانت هناك إتهامات من جانب فايز السراج للتبو بمحاولة إحداث تغيير ديمغرافى، والإستعانة بقوات من التبو من الدول المجاورة من أجل السيطرة على الجنوب، وربما لفصله عن ليبيا.

إتساع مساحة الجنوب مع وجود كثافة سكانية منخفضة، حيث تحتل المنطقة الجنوبية، بجزئيها الشرقي والغربي، أكثر من ثلث مساحة ليبيا. وتعد الكثافة السكانية بالمنطقة الأضعف في ليبيا، حيث لا تزيد نسبة سكانها عن عشر المجموع العام لسكان البلاد، حسب الإحصاءات الرسمية. وهو ما أدى إلى انتشار عصابات قطاع الطرق التي تمارس السلب والقتل والخطف على المسافرين بالطرقات الصحراوية الطويلة الرابطة بين مدن المنطقة الجنوبية، وبينها وبين المنطقتين الشرقية والغربية، حتى أضحى التنقل بين مدينة وأخرى مغامرة محفوفة بالمخاطر. كما أن إتساع المساحة وقلة السكان مكن تنظيم الدولة من اللجوء إلى الجبال والأودية الواقعة جنوب الجفرة بعد سيطرة قوات البنيان المرصوص على معقلها السابق في سرت، حيث اتخذتها تحصينات لإقامة معسكرات ومنطلقاً لشن هجمات على الطرق القريبة وممارسة السطو[7]، كما أعلن تنظيم الدولة عن تأسيس ولاية فزان، وإن كان لم يتمكن من التوطين وحيازة نطاق جغرافي بعينه كما حدث في سرت، وهو ما يرجعه البعض إلى صعوبة تقبل العامل القبلي لتوطين التنظيم جغرافياً وإن سمح له باختباء بعض عناصره.

وترجح بعض التقارير الغربية فرار عناصر وقيادات تنظيمات قاعدية باتجاه الجنوب الليبي، ومنهم مختار بلمختار، وإياد أغ غالي زعيم حركة أنصار الدين الطوارقية، في ظل صلاته مع ابن عمه الشيخ أحمد عمر الأنصاري مؤسس لواء حرس الحدود 315 في أوباري جنوب غرب ليبيا. وأخذت تلك التقارير أهمية كبيرة مع توجه إياد أغ غالي لبناء تحالف جهادي بين الحركات الإرهابية في الساحل الأفريقي في مارس 2017 تحت اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وضم المرابطون وأنصار الدين وكتائب تحرير ماسينا وإمارة منطقة الصحراء.

ومع الضغوط الأميركية والفرنسية على الإرهابيين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ربما تصبح جنوب ليبيا المنصة الأساسية لاختباء عناصر ذلك التحالف[8].

تواجد المليشيات الأجنبية، فهناك المليشيات السودانية "حركة العدل والمساواة السودانية"، التى انتقلت إلى ليبيا منذ 2011، وشاركت في العديد من النزاعات كمرتزقة. أما "حركات المعارضة المالية والنيجرية"، فقد شاركت في الكثير من الصراعات الأهلية في ليبيا، واستعان بهم النظام السابق، والميليشيات الليبية أيضًا بعد سقوط نظام القذافي. بينما يتكون "المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية" من ضباط وعساكر تشاديين منشقين عن النظام الحاكم في البلاد، ويتمركزون في عدة مواقع جنوب سبها.

في حين أن "القوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء"، ما هي إلا حركة تمرد مكونة بالكامل من التبو وموجهة ضد حكومة النيجر، وقعت اتفاقيات مع الحكومة النيجرية ثم انتقلت مع 2011 للعمل في جنوب ليبيا[9].

وتتمثل الخطورة الأكبر فى استعانة أطراف الصراع الليبي بهذه المليشيات، فقد اتهمت حكومة الخرطوم مجموعات من دارفور غربي السودان مثل حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي بالقتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي، وربما يفسر ذلك موقف الخرطوم المائل نسبياً لدعم تحالف الإسلاميين ومصراتة ووكلائه المحليين في جنوب ليبيا. بالمثل، لجأت بعض حركات المعارضة لنظام إدريس ديبي في تشاد إلى جنوب ليبيا، خاصة جبهة التغيير والوفاق التي دعمت حكومة الوفاق ومصراتة، وبدا أن الأخيرة تسعى لتوظيف المعارضة التشادية لفك تحالف حفتر – ديبي[10].

تعدد وتغير الولاءات، فهناك إنقسام داخل القبائل حول دعم أحد أطراف الصراع الليبى (قوات حفتر وقوات السراج)، فبالنسبة للطوارق، فالبعض قاتل إلى جانب الزنتان والبعض قاتل إلى جانب قوات مصراتة والبعض قاتل إلى جانب قوات حفتر. وبالنسبة للتبو، في العام 2012، وخلال الحرب الأولى بين التبو وأولاد سليمان، تحالفوا مع مصراتة بينما عارضها أولاد سليمان، وفي العام 2014، انعكست التحالفات، تعاونت المجموعات المسلحة الثلاث الرئيسية من أولاد سليمان في سبها (كتيبة الردع، أحرار فزان، وشهداء سبها) مع مصراتة في حين تلقى التبو الدعم من الجيش الوطني الليبي، وطوال الصراع بين التبو والطوارق، ظل التبو بشكل عام في معسكر الجيش الوطني الليبي، ومع نهاية العام 2016، ومع نضوج محادثات المصالحة مع الطوارق وتدهور العلاقات مع الزنتان، انهار التحالف بين التبو والجيش الوطني الليبي بسبب التصور السائد لدى التبو بانحياز حفتر إلى العرب.  وفي العام 2017، ظلت بعض وحدات التبو متحالفة مع الجيش الوطني الليبي، ووحدات أخرى دعمت مصراتة. وانطبق الأمر ذاته على أولاد سليمان[11]، وتصاعدت الخلافات الأيام الماضية حول تبعية اللواء السادس مشاة الذي ينتمي أغلب أفراده لقبيلة أولاد سليمان، حيث أكد آمر اللواء احميد العطايبي تبعيته لحكومة الوفاق، مما استدعى حفتر تكليف خليفة عبد الحفيظ آمرا للّواء نفسه[12].

الصراعات المحلية، فمنذ سقوط حكم القذافى فى 2011، شهد الجنوب الليبى مجموعة من الصراعات المحلية تتمثل فى، أولاً: صراع القذاذفة ضد أولاد سليمان: دار القتال بينهما في سبها في العام 2014 ومرة أخرى في العام 2016.

ثانياً: صراع التبو ضد الطوارق: اندلع العنف في أوباري وسبها في عامي 2014 و2015 بينهما، وتحول التبو والطوارق من كونهما حليفين وثيقين (متحدين في عامي 2012 و2013 في مسعاهما للحصول على حقوق الأقليات والحقوق اللغوية ضد ما كان كلاهما يتصوران أنه إقصاء يمارسه العرب المهيمنون) إلى خصوم. وقد دعمت حكومة شرق ليبيا التبو وحثتهم على إحكام سيطرتهم على أوباري، فى حين دعمت حكومة طرابلس الطوارق، الذين يعتبرون أوباري لهم تاريخياً. وامتد القتال بشكل متقطع إلى سبها. كما كان للصراع بعد اقتصادي حيث إن أفراد القبيلتين كانوا يتنافسون على السيطرة على طرق التهريب إلى النيجر[13].

ثالثاً: صراع التبو ضد أولاد سليمان: بدأ الصراع بين قبيلة أولاد سليمان والتبو، بحوادث فردية بين مهربين من كلا الطرفين في ربيع عام 2012، والتي تمخضت عن مقتل قائد تباوي وقائدين بارزين في اللواء السادس مشاة التابع لأولاد سليمان ( كتيبة فارس سابقًا) ومن يومها وحتى مارس الماضى، عرف الطرفان 166 اقتتالًا تراوح بين حوادث فردية إلى معارك شرسة استُخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتدوم لعدة أيام إلى أن تتدخل قبائل الجنوب وتبرم صلحًا وهدنة بين الطرفين، بيد أن هذه الهدنة لا تصمد عادة إلا لمدة أسابيع ثم يتجدد الاقتتال.

وحتى منتصف العام 2015، كانت معظم الخسائر في جانب التبو نظرًا لفارق التسليح والعدة والعتاد، إلا أنه في منتصف العام 2016، بدأت الكفة تميل لصالح التبو جرَّاء العوامل التالية:

1. تحالف التبو مع خليفة حفتر، وكان هذا الأخير سخيًّا في موضوع تسليح وتزويد كتائب التبو لكسر شوكة أولاد سليمان المتحالفين مع مصراتة وحكومة السراج والإخوان المسلمين.

2. سخط معظم قبائل الجنوب على أولاد سليمان الذين يرون في أنفسهم حكام الجنوب الجدد، وحجم المظالم والانتهاكات التي مارسوها بحق القبائل الأخرى، وحجم الإذلال والقهر الذي مارسه أولاد سليمان بحق القذاذفة تحديدًا، والذي يرقى معظمه إلى جرائم حرب، ولاسيما جرائم الشرف والعِرض، المرفوضة والمستهجنة في عرف البدو في ليبيا.

3. العودة القوية لأنصار النظام السابق في منطقة الجنوب، وذلك بعد أن التقطوا أنفاسهم ونظموا صفوفهم من جديد، وبروز قوتين عسكريتين تُحسبان على أنصار النظام السابق، وهما:

القوات المسلحة الليبية في الجنوب: حيث قام ضباط وعسكريون من الموالين للنظام السابق في صيف العام 2016 بتشكيل قيادة للقوات المسلحة الليبية في الجنوب يترأسها الفريق ركن علي سليمان كنه الذي يعد من أبرز قادة الجيش الليبي خلال مرحلة ما قبل 2011. ومنذ تأسيس هذه القوات فإنها عملت على إخراج قوات الدروع التابعة لمصراتة من الجنوب، وقد نجحت في السيطرة على "قاعدة تمنهت" أهم قاعدة عسكرية في الجنوب الليبي.

اللواء المجحفل 12، بقيادة محمد بن نائل: ويعتمد هذا اللواء على شباب المقارحة بمنطقة براك الشاطئ. وقد أعلن هذا اللواء ولاءه للمشير خليفة حفتر.

4. مذبحة قاعدة براك في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017 التي نفذها "صقور الصحراء" التي يقودها أحمد الحسناوي، وهو جهادي يُنسَب لتنظيم القاعدة، وقد راح ضحية تلك المذبحة 141 قتيلًا. وقد لوحظ تواطؤٌ من قبل القوة الثالثة التابعة لمصراتة، في هذه المجزرة، كما تشير أصابع الاتهام إلى تنسيق بين أحمد الحسناوي وحميد العطائبي قائد اللواء السادس مشاة التابع لأولاد سليمان (كتيبة فارس سابقًا في سبها).

5. دخول الإمارات الداعمة للمشير خليفة حفتر على خط التسوية في الجنوب، لكسر تفرد قطر بأوراق اللعبة بالجنوب الليبي؛ حيث يبدو أن أبوظبي لا تريد أن يتكرر من جديد اتفاق الدوحة الشهير نوفمبر/تشرين الثاني 2015 الذي أوجد هدنة دائمة بين التبو والطوارق في أوباري برعاية قَطَرية[14].

الصراع بين الشرق والغرب، فبمجرد اندلاع الاشتباكات بين قوات التبو وقوات أولاد سليمان فى مارس الماضى في مدينة سبها سارع المشير خليفة حفتر إلى إعلان حرب لاستعادة الأمن في الجنوب وبسط القانون في المنطقة، وسمى تلك الحرب بعمليات فرض القانون، وعلى الفور قام بتحريك سرب عمودي مكون من ثماني طائرات مقاتلة إلى قاعدة براك، وأمهل الأفارقة المتواجدين بليبيا مهلة تنتهي يوم 17 مارس/آذار 2018 لمغادرة الجنوب الليبي، وأعلن مكتب الإعلام بالجيش الوطني الليبى التابع للمشير حفتر عبر بيانات متتالية أن ساحة العمليات هي الجنوب بالكامل، وأن قوات الجيش الليبي تمركزت بين قواعد الجفرة وتمنهنت وبراك في الجنوب، وأن غرفة عمليات القوات الجوية تحركت بالكامل وتمركزت بالجفرة، بإمرة اللواء محمد المنفور، الذي كان في استقباله اللواء محمد بن نائل، وتم تصوير وإنزال فيديوهات بهذه العمليات عبر اليوتيوب.

بالمقابل، أتخذ السراج ثلاث خطوات علَّها تحد من جموح المشير حفتر وتعمل على عدم تمكينه من السيطرة الكاملة على الجنوب وتفرده به، وهذه الخطوات هي:

1- حملة إعلامية تصعيدية عملت على تجييش الرأي العام الليبي والعربي وأظهرت الصراع في الجنوب وكأنه صراع بين قوات ليبية وأخرى تشادية؛ حيث جعلت هذه الحملة التبو الليبيين مرتزقة تشاديين، مستندة على أن التبو الليبيين الذين يعيشون في الجنوب الليبي على تماس مع الحدود التشادية يسعون لإحداث تغيير ديمغرافي عبر جلب أعداد غفيرة من أبناء عمومتهم التبو التشاديين. وفي هذا السياق، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بطرابلس بيانًا، يوم 27 فبراير/شباط 2018، يتحدث عن قوات التبو بوصفهم مرتزقة،  كما يتحدث البيان عن تغيير ديمغرافي في الجنوب. وفي انحياز واضح لأولاد سليمان، وأمام احتجاجات التبو الليبيين، وتنديد البرلمان وشريحة عريضة من النخبة الثقافية والسياسية الليبية بصيغة البيان المنحازة والمغالطات التي وردت فيه، وشماعة المرتزقة، وبضغط من المجتمع الدولي وتحديدًا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي وصفت البيان بالمنحاز، قام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج بعد يومين، بإصدار بيان متوازن في يوم 1 مارس/آذار 2018، سمَّى فيه المتقاتلين بالإخوة وأعلن فيه أن المجلس يقف على مسافة متساوية من جميع الأطراف.

2- الإعلان عن تشكيل قوة عسكرية لتأمين وحماية الجنوب، وقد تم ذلك يوم الأحد 4 مارس/آذار 2018، من قبل فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في ليبيا، وجاء هذا الإعلان عقب اجتماع فايز السراج مع عدد من القيادات العسكرية والأمنية، أبرزهم وزير الداخلية، ورئيس الأركان العامة، وآمر الحرس الرئاسي، ورئيسا المخابرات العامة والمباحث العامة، لتدارس الأوضاع الراهنة بالمنطقة الجنوبية، ووضع الحلول لرأب الصدع بين أطراف النزاع وبسط الأمن. وبحسب البيان، فقد أصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، تعليماته بتشكيل قوة عسكرية لتأمين وحماية المنطقة الجنوبية من كافة الأخطار، إضافة إلى دعم القوة التابعة لحكومة الوفاق بالمنطقة والعمل على توفير احتياجاتها بالكامل. إلا أن الغريب في الأمر أن هذه القوات لم تصل بعد إلى الجنوب، في حين يتواصل توافد القوات التابعة للمشير خليفة حفتر إلى الجنوب تباعًا.

3- مصالحة بين الأطراف المتنازعة والعمل على جعل الجنوب خاليًا من الوجود المسلح، وتحييده، وذلك لقطع الطريق على الحشود العسكرية التابعة لقوات المشير حفتر، وفي هذا الصدد قام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني باستغلال تراخي وتراجع نفوذ المشير داخل قبة البرلمان، وابتعاد رئيسه تدريجيًّا عن دائرة المشير، فأعلن المجلس الرئاسي، لجنة مشتركة تضم أعضاء منه ومن مجلس النواب في شرقي البلاد والمجلس الأعلى للدولة (غرفة نيابية استشارية)، للوقوف على تحقيق التهدئة وإعادة الاستقرار في الجنوب. كما عمل المجلس الرئاسي على التواصل مع المجلس الاجتماعي لقبائل فزان (محسوب على أنصار النظام السابق)، والذي يحظى بقبول الطرفين (التبو وأولاد سليمان)[15].

التنافس الدولى، يبدو أن هناك تنافس دولى بين فرنسا وأمريكا وإيطاليا على الجنوب الليبيى. فقد قامت إيطاليا بالإتفاق مع حكومة الوفاق الوطني (سبتمبر 2017) على إرسال بعثة عسكرية إلى جنوب ليبيا، وقبل ذلك تدخلت روما في ديناميات الصراع المحلي بالجنوب عبر رعاية اتفاق مصالحة بين التبو وأولاد سليمان في نهاية مارس 2017.

وبالنسبة لفرنسا، فقد استهدفت باريس التي تحارب الإرهاب في الساحل الأفريقي الحد من تأثير تهديدات جنوب ليبيا على نفوذها الأمني والاقتصادي بالمنطقة، ويفسر ذلك التحركات الفرنسية المتصاعدة خلال العام الأخير على أكثر من مستوى، أولها، سعي باريس للتوسط تارة والضغط تارة أخرى على كل من السراج وحفتر لتجاوز عقبات الصخيرات. وثانيها، بناء خطوط اتصال فرنسية مع حفتر، لا سيما وأن موازين القوى تميل له في الجنوب الليبي. وثالثها، تفعيل قوة دول الساحل الأفريقي الخمس (النيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد)، وتتداخل مهام هذه القوة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مع أزمات الجنوب الليبي.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فقد تزامنت مع زيارة السراج خلال شهر ديسمبر 2017 إلى واشنطن تصريحات لإبراهيم الدباشي مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة بأن ثمة طلباً أميركياً من حكومة السراج لبناء قاعدة عسكرية في الجنوب لمكافحة التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي.

ويمكن تفهم هذا الطلب الأميركي في ضوء عدة عوامل أساسية تربط الجنوب الليبي بالساحل الأفريقي، أبرزها أولوية مكافحة الإرهاب في ليبيا لدى الإدارة الأميركية وجهود واشنطن لبناء قاعدة عسكرية في مدينة أغاديز شمال النيجر، والتي تشكل مركزاً لوجستياً للعمليات ضد الإرهابيين في الساحل الأفريقي، لا سيما وأن النيجر تعد الممر الرابط بين ليبيا وكل من نيجيريا ومالي.

وبالتالي، فأي تواجد أميركي محتمل في الجنوب الليبي يعني الربط العسكري واللوجستي مع قواتها في شمال النيجر، وفي الوقت ذاته، دعم القوة متعددة الجنسيات في بحيرة تشاد (النيجر وتشاد ونيجيريا وبنين والكاميرون)، التي تطارد جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا.

وثمة تنسيق مع قوة برخان الفرنسية في شمال النيجر وقوة دول الساحل الأفريقي الخمس، في إشارة إلى تنسيق واشنطن وباريس جهودهما في مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي.

وتسعى واشنطن إلى ملاحقة فرع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى الذي يتزعمه عدنان أبوالوليد الصحراوي، الذي تبنى هجوماً قتل فيه أربعة من القوات الأميركية، ومثلهم من جيش النيجر في أكتوبر الماضي، أثناء دورية مشتركة على الحدود بين مالي والنيجر[16].

 

 

 



[1]   الحسين الشيخ العلوى، " التصعيد في الجنوب الليبي: صراع إرادات بلبوس قبلي"، مركز الجزيرة للدراسات، 14/3/2018، الرابط التالى: http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/03/180314110832954.html

[2] جمال جوهر، " الصراع على الجنوب الليبي يفاقم أزماته"، الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، 10/3/2018، الرابط التالى:   http://cutt.us/PZRX1

[3] المرجع السابق.

[4] حسين مفتاح، " كيف تحول الجنوب الليبي إلى حلبة صراع لمعارضات دول الجوار؟"، بوابة افريقيا الإخبارية، 27/3/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/H9zt4

[5] الجزيرة، " سبها الليبية.. صراع عسكري بواجهة قبلية"، 3/3/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/1r5Pa

[6] بوابة الحركات الإسلامية، ""التبو" و"أولاد سليمان".. "صراع" "العصبية" الذي لا ينتهي في الجنوب الليبي"، 1/3/2018، الرابط التالى: http://www.islamist-movements.com/42248

[7] خليفة على الحداد، "الجنوب اللّيبي : صراع خارج التَّغطية"، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، 4/12/2018، الرابط التالى: http://www.csds-center.com/old/archives/10735

[8] خالد حنفى على، "الجنوب الليبي.. منطقة تملك مفاتيح النجاة من الفوضى"، العرب، 19/1/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/0Mh2o

[9] أمير الشعار، " الجنوب الليبي.. بوابة «الساحل الإفريقي» لتغيير خريطة التحالفات"، التحرير، 4/3/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/El4LT

[10] خالد حنفى على، مرجع سابق.

[11] مجموعة الأزمات الدولية، " كيف أصبح إقليم فزان الليبي أحد الحدود الجديدة لأوروبا"، 31/7/2017، الرابط التالى: https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/libya/179-how-libyas-fezzan-became-europes-new-border

[12] الجزيرة، مرجع سابق.

[13] مجموعة الأزمات الدولية، مرجع سابق.

[14] الحسين الشيخ العلوى، مرجع سابق.

 

[15] المرجع السابق.

[16] خالد حنفى على، مرجع سابق.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022