استراتيجية تغيير النظم الدمى: إيجاز لتاريخ تكتيك عالمي يستهدف إسقاط حكومات الدول الأخرى

 استراتيجية تغيير النظم الدمى: إيجاز لتاريخ تكتيك عالمي يستهدف إسقاط حكومات الدول الأخرى[1]

تنتشر مؤخرا أطروحات تناقش فكرة تغيير النظام الإيراني خاصة عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وأن هناك ضرورة للسعي من أجل تغيير النظام الإيراني تجنبا لحالة توجه النظام لامتلاك أسلحة نووية، المقال القادم الذي كتبه ستيفن والت في فورين بوليسي يضع عددا من الأمثلة التي حدث فيها تدخل من الخارج لتغيير النظم من أجل الإتيان بنظم أفضل، وأن النتائج لم تكن جيدة، بل أدت للعديد من الكوارث، وهذا نص المقال:

في مقال لي،[2] أقمت حجة بأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني كان الخطوة الأولى في جولة جديدة من تغيير النظام في الشرق الأوسط. فإذا كان هدفه هو وقف محاولات إنتاج إيران للقنبلة النووية، ومنع سباق تسلح إقليمي، فإن الاتفاقية تقوم بهذه المهمة، وكان ينبغي عليه أن يحاول جعلها دائمة بدلاً من الانسحاب منها. وإذا كان هدفه هو وقف "الأنشطة الإقليمية" لإيران، لكانت الإستراتيجية الذكية هي إبقاءها بعيدا عن أن تتحول لدولة نووية عن طريق العمل مع الآخرين من أجل الضغط على إيران، لكن بدلا من ذلك، يرى ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو بأن الانسحاب من  الاتفاق الإيراني سيؤدي إلى إعادة فرض العقوبات على إيران، ويأملون أن يؤدي هذا الضغط إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية، أو قيادة المتشددين الإيرانيين لاستئناف برنامج التخصيب النووي واتخاذها ذريعة لحرب وقائية، والتي طالما دافع عنها بولتون.

ربما كان الخبراء الاستراتيجيون الأكثر عقلانية قد درسوا أولاً ما إذا كان هذا الهدف منطقيًا، ماذا يعلمنا التاريخ؟ هل أدت الجهود السابقة لتغيير النظام (من قبل الولايات المتحدة وآخرين) إلى تحقيق الفوائد المتوقعة، أم أنها أدت في النهاية إلى جعل الأمور أسوأ؟ هل ينتج عن تغيير النظام فوائد حقيقية بتكلفة منخفضة نسبيًا، أم أن الثمن عادة أعلى من المتوقع، في حين أن الفوائد تميل إلى أن تكون مخيبة للآمال؟

في الواقع، الأجوبة واضحة تمامًا، كما يتضح من التاريخ القصير التالي لتغيير النظام، إنها دائمًا فكرة سيئة للغاية.

الانقلاب الإيراني 1953: في الشرق الأوسط، كان هناك ما يسمى "عملية أجاكس" من أجل تغيير النظام بعد الحرب العالمية الثانية، وهي عبرة عن جهود أمريكية وبريطانية مشتركة للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب محمد مصدق في 1953 وإعادة الشاه محمد بهلوي إلى العرش. كانت المؤامرة بمثابة نجاح تكتيكي باهر، وقد يرى البعض أن الشاه كان حليفا قيما للولايات المتحدة حتى عام 1979. لكن الشاه كان عبارة عن جعبة مختلطة كحليف (من بين أمور أخرى، بدأ برنامج الأسلحة النووية الإيراني)، ويعد دور الولايات المتحدة في إعادته للعرش ودعمه من الأسباب الرئيسية التي جعلت الخميني وأتباعه السياسيين معاديين للولايات المتحدة. الدرس: حتى النجاح في المدى القصير والمتوسط ​​يؤدي أحيانًا إلى مشاكل أكبر بكثير لاحقًا.

كارثة السويس (العدوان الثلاثي): بعد أن قامت الحكومة المصرية بتأميم شركة قناة السويس في عام 1956 (وهي مناورة قانونية تماما)، تواطأ قادة كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في مخطط هجومي للإطاحة بالزعيم المصري جمال عبد الناصر. وافقت إسرائيل على غزو شبه جزيرة سيناء، متذرعة بتدخل بريطانيا وفرنسا "لحماية القناة". افترض المهاجمون أن الهزيمة ستؤثر على هيبة عبد الناصر وتؤدي إلى الإطاحة به. كانت النتيجة فشلا مهينا: على الرغم من نجاح الهجوم الإسرائيلي، إلا أن المخطط لم يُنفذ بالضبط، وقد أجبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها. لم يستمر ناصر في السلطة فحسب، بل إن تحديه لقوتين استعماريتين سابقتين وإسرائيل قد أدى أيضا إلى ارتفاع مكانته.

في النهاية، نجحت حرب السويس في إثبات أن بريطانيا وفرنسا لم تعد قوى عظمى حقيقية.

مغامرة اليمن في مصر: لسوء حظ مصر، تعاظمت هيبة ناصر، وفي أوائل الستينيات قرر أن يتدخل إلى جانب القوى التي يفترض أنها تقدمية في الحرب الأهلية اليمنية. في نهاية المطاف، أرسلت مصر أكثر من 50 ألف جندي هناك، وأنفقت الأموال، وانتهى بها الأمر إلى الانسحاب بعد خمس سنوات دون نتيجة.

مخطط آرييل شارون الكبير: في عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان، ظاهريًا رداً على محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، ولكن في الواقع كجزء من مخطط كبير لوزير الدفاع آنذاك أرييل شارون. في محاولة لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية وتثبيت حكومة موالية لإسرائيل في لبنان، غزت القوات الإسرائيلية جارتها، وأسقطت مجموعة من الطائرات السورية، وطاردت ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية وصولًا إلى بيروت. لكن الخطة برمتها سرعان ما تكشفت، وانتهت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان حتى عام 2000، وكانت النتيجة النهائية هي إنشاء حزب الله.

صدام حسين في مواجهة العالم: غارق في الديون في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية، في عام 1990 غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت وحاول ضمه. هذه المحاولة الفاضحة لحل مشاكله الاقتصادية والداخلية العديدة فشلت بالكامل، لأن ائتلافا من القوى الغربية والعربية بقيادة الولايات المتحدة سرعان ما تجمع لإخراج العراق عن الكويت، وتدمير الكثير من قوته العسكرية، ثم تفكيك أسلحته المختلفة من برامج الدمار الشامل. نجح صدام في التشبث بالسلطة، لكن جهوده في "تغيير النظام" في الكويت فشلت فشلاً ذريعًا.

الإطاحة بطالبان: عندما رفض نظام طالبان في أفغانستان تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر، انضمت الولايات المتحدة إلى تحالف الشمال الأفغاني وتدخلت لطرد طالبان من السلطة. بعد ذلك ساعدت واشنطن في تنسيق تشكيل حكومة أفغانية جديدة تحت قيادة حامد كرزاي. ثم ماذا؟ أكثر من 15 عامًا وتريليون دولار، ولا تزال الولايات المتحدة غارقة في حرب لا يمكن أن تفوز بها ولا يبدو أنها ستخرج منها. من الواضح أن إسقاط الحكومات أمر سهل؛ لكن من الصعب جدا إقامة واحدة أخرى جديدة. الاتحاد السوفييتي كان لديه تجربة مماثلة عندما حاول هندسة تغيير النظام في كابول وانتهى به الأمر في حرب طويلة الأمد لم يستطع كسبها.

الولايات المتحدة في مواجهة صدام حسين، 2003: في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، تبنت إدارة جورج دبليو بوش خطة المحافظين الجدد "للتحول الإقليمي" في الشرق الأوسط، بدءا بغزو العراق والإطاحة بصدام حسين. لقد سقط الشعب الأمريكي وكثير من الصقور الليبراليين والرئيس بوش ونائبه ديك تشيني في مخطط روج له القادة الإسرائيليون مثل شمعون بيرس، بنيامين نتنياهو، وإيهود باراك. لم تواجه الولايات المتحدة صعوبة كبيرة  في هزيمة جيش الدرجة الرابعة في عهد صدام، لكن النتيجة النهائية كانت تمرد مريع، وتوسيع كبير للنفوذ الإيراني، وفي نهاية المطاف، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية. كما أودت الحرب بحياة أكثر من 7000 جندي ومقاول أمريكيين وخلفت أكثر من 50.000 جريح، وتسببت في تكبد دافع الضرائب الأمريكي عدة تريليونات من المحافظين الجدد – بمن فيهم جون بولتون- الذين يدافعون عن القرار حتى يومنا هذا، لكن لا الثمن ولا النتيجة هي ما تنبأوا به بثقة عندما قادوا البلاد للحرب.

إزاحة القذافي: مثّل الزعيم الليبي معمر القذافي عقبة أمام الولايات المتحدة منذ أن استولى على السلطة لأول مرة في عام 1969، واستطاعت حملة موسعة من العقوبات بإقناعه في نهاية المطاف بالتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل الليبية، التي لم تكن متقدمة. وفي المقابل، وافقت إدارة جورج دبليو بوش على تركه في السلطة والامتناع عن تغيير النظام. عندما بدأت انتفاضة ضد القذافي كجزء من الربيع العربي، قام الرئيس باراك أوباما على الفور بالتراجع عن تعهدات بوش وتوحيد القوى مع بريطانيا وفرنسا وعُمان وبعض الدول العربية الأخرى للتخلص منه. النتيجة النهائية لم تظهر ليبيا جديدة مزدهرة وهادئة، فسرعان ما انحدرت البلاد إلى الفوضى، وخلقت فرصاً جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية وسمحت بتدفق الكثير من الأسلحة غير المؤمَّنة إلى مناطق حرب أخرى.

"الأسد يجب أن يرحل" (أو ربما لا): كما هو الحال مع ليبيا، لا تستطيع القوى الخارجية مقاومة محاولة التدخل في الانتفاضة ضد الدكتاتور السوري بشار الأسد. وأعلنت إدارة أوباما أن "الأسد يجب أن يرحل"، وحاولت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتركيا وعدد من القوى الأخرى مساعدة قوات معادية للأسد، رغم المخاوف بأن يؤدي هذا لتوسع دور الجهاديين، لكن ساعد التدخل الروسي والإيراني على بقاء الأسد في السلطة، وكانت النتيجة النهائية أكثر من نصف مليون قتيل، واستمرار السلطة في التصعيد.

يمكنني أيضا ذكر المساعي الفاشلة للولايات المتحدة في إدارة التحولات السياسية في أماكن مثل اليمن أو الصومال، لكن أصبح الهدف من الحديث واضح. فإن الدراسات الأكثر شمولاً عما يسمى "تغييرات النظام المفروضة من الخارج" أظهرت أنه نادراً ما ينتج عنها النتائج المفيدة المتوقعة. والأسباب الأسباب ليست صعبة الفهم.

أولاً: يؤدي إسقاط نظام أجنبي إلى تحذير أنظمة أخرى، ويبدأون في اتخاذ إجراء لتجنب مصير مماثل. على سبيل المثال، ليس من المستغرب أن تدخلت كلا من إيران وسوريا لإحباط الجهود الأميركية في العراق، لأنهما عرفا أنهما كانا التاليان في قائمة الولايات المتحدة إذا نجحت مغامرة العراق. ومن غير المستغرب أيضاً أن تضحي كوريا الشمالية بالكثير للحصول على أسلحة نووية، أو أن إيران قد فكرت جدياً في القيام بذلك، نظراً لأن الولايات المتحدة دعت مراراً وتكراراً إلى زوالها. فكلما جعلت الولايات المتحدة من تغيير النظام أداة أساسية في سياستها الخارجية، كلما زادت المقاومة التي قد تواجهها.

ثانيًا: إن إسقاط حكومة أجنبية ليس نهاية المهمة، فهي مرحلة بدء العمل الجاد. إن إزالة نظام قائم يخلق الرابحين والخاسرين، وعادة ما يكون هؤلاء الخاسرين راغبين في حمل السلاح أو القيام بأشياء أخرى غير سارة لمحاولة استعادة مواقعهم السابقة. فبدلاً من حدوث ديمقراطية مزدهرة ومستقرة، في ظل منافسة سياسية تنظمها مؤسسات ومعايير راسخة ومشروعة، فإن النتيجة المرجحة هي الدولة الفاشلة والحرب الأهلية.

ثالثًا: بمجرد حصولها على السلطة، نادرا ما تكون الحكومة الجديدة هي الأداة المناسبة التي يتوقعها مغيرو النظام. فقد تم الترحيب بحميد كرزاي كزعيم مثالي لأفغانستان بعد طالبان، لكنه أثبت أنه سياسي متمرد وسياسي غير متعاون رفض اتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد أو أخذ نصيحة الأمريكيين الذين تعتمد حكومتهم عليهم. لم يكن قادة العراق في فترة ما بعد صدام من عملاء الولايات المتحدة الموثوق بهم، مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كانوا أكثر تعاطفاً مع إيران منذ البداية. حتى عندما تساعد في جلب شخص ما إلى السلطة، فتتحكم فيهم مصالحهم الخاصة وقناعاتهم السياسية، وهذا يعني أنه في الغالب ستحدث أشياء لا يفضلها الأمريكيون، هذا يحدث بكثرة في الشرق الأوسط.

ومما يضاعف من هذه المشكلة هو الجهل: فالقوى الأجنبية التي تتدخل للإطاحة بحكومة محلية نادراً ما تعرف ما يكفي عن المجتمع الذي تدخل فيه لاتخاذ قرارات بشأن النظام الجديد الذي يجب إقامته. لن يعرفوا أي قادة محليين موثوق بهم، أو لديهم فهم ثقافي كافٍ لوضع المؤسسات التي يعتبرها السكان المحليون شرعية. ومهما كانت الأمور سيئة قبل الإطاحة بالنظام القديم، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءًا بعد انهياره.

وأخيراً ، لا يحب أي شعب تلقي الأوامر من المحتلين الأجانب المدججين بالسلاح، مهما كان حسن نواياهم. فقد تؤدي الإجراءات المتشددة مع المقاومة إلى إثارة المشاعر القومية وتوليد مصادر جديدة للمعارضة. هذه هي القصة في كل مكان تقريباً تدخّلت فيه الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

السؤال هو لماذا تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن تعلم هذا الدرس الواضح. أحد الأسباب التي لا تتعلمها هي أن الدول التي تتدخل فيها تتحمل معظم تكاليف حماقاتها الإمبريالية. ولأن الولايات المتحدة تمول الحروب الآن عن طريق الاقتراض، فإن الأجيال القادمة ستتحمل التكاليف الاقتصادية، وليس من يتخذ القرارات اليوم. أضف إلى هذا مراكز الفكر والبحث والتمويل المتشددة، ومجموعات الضغط، والمساهمين في الحملات الانتخابية الذين يشترون الساسة ويزودون بولتون وأمثاله بظروف عمل مريحة يمكن العمل من خلالها.

تقييم : مقال ستيفن والت الثاني في استراتيجية تغيير النظم متميز بالتحليلات والمعلومات والتي تثبت أن استراتيجية تغيير النظم لا تفلح كثيراً في تحقيق الأهداف المباشرة للإدارة الامريكية او القوي التي تتبناها وذلك من خلال قراءة وتحليل عشرات الحالات الناجحة والفاشلة في هذا المزمار. يبقي أن معيار النجاح والفشل نسبياً وما يراه والت فشلاً في الحالة العراقية او الأفغانية قد يعتبره اصحاب تلك السياسة نجاحاً كبيراً في وقته، ولكن عملية عملية تغيير النظم تطلق ديناميات كبيرة للتغيير في المنطقة المستهدفة لا يمكن التحكم بنتئاجها والنتائج قد تكون ايجابية اوسلبية علي مصالح الادارة الامريكية وليست جميعها سلبية كما توحي قراءة المقال.

 



[1] Stephen M. Walt, "Regime change for dummies", Foreign Policy, 14/5/2018, available through: http://foreignpolicy.com/2018/05/14/regime-change-for-dummies/

[2] يمكن الاطلاع على المقال الأول للكاتب الذي تحدث فيه عن تغيير النظام الإيراني:
Stephen M. Walt, "The art of regime change", Foreign Policy, 8/5/2018, available through: http://foreignpolicy.com/2018/05/08/the-art-of-the-regime-change/

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022