عودة الصراع فى منطقة الهلال النفطى الليبى

 عودة الصراع فى منطقة الهلال النفطى الليبى

مقدمة

شهدت منطقة الهلال النفطى فى الأيام الاخيرة صراعاً بين قوات حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى بقيادة إبراهيم جضران وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وذلك بعد استيلاء الجضران على هذه المنطقة، وهى التى سبق وأن قام حفتر بإخراجه منها فى عام 2016، بعد التحالف مع قبيلة المغاربة، الداعم الاساسى لقوات الجضران. إلا أن الجضران عاد مرة أخرى، ونجح فى السيطرة على منطقة الهلال النفطى بعدما تمكن من الحصول على الدعم الداخلى من قبيلة المغاربة كما أنه من المؤكد أنه حصل أيضاً على دعم خارجى مكنته من السيطرة على مينائى السدرة ورأس لانوف، ليقوم بعدها حفتر بحشد قواته لاسترجاع هذه المنطقة بدعم الطيران المصري والاماراتي. وعليه تحاول هذه الورقة التعرف على أهمية منطقة الهلال النفطى، والموقف الداخلى والدولى من الصراع فى هذه المنطقة.

الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الهلال النفطى

تشير التقديرات إلى أن منطقة الهلال النفطي تحتضن أكثر من 60 بالمائة من الاحتياطي النفطي بالبلاد، كما أنها تضم أربعة موانئ نفطية رئيسية (تتكوّن منطقة الهلال النفطي من أربعة موانئ هي السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة) بالإضافة إلى ميناء الحريقة في طبرق، وموانئ أقل أهمية في بنغازي (شرقاً) والزاوية (غرباً) ومليتة (غرباً)، وميناء حقل البوري النفطي (غرباً) بالبحر المتوسط.

ويعتبر "السدرة" و"راس لانوف" أكبر ميناءين لتصدير النفط في ليبيا (400 ألف و220 ألف برميل يومياً على التوالي)، وصادراتهما مجتمعين تبلغ قرابة ثلاثة أرباع صادرات البلاد البترولية، التي تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا[1].

وهو ما دفع العديد من القوى الليبية إلى السعى للسيطرة على هذا الهلال لما يمثله من ورقة ضغط هامة. فقد قام المؤتمر الوطني السابق مطلع عام 2015 بإطلاق عملية "الشروق" ، لتعزيز موقعه قبل جلسات الحوار السياسي، لكن تلك الحملة التي لم تدم أكثر من أسابيع واجهتها قوات قبلية مؤلفة من أبناء الشرق الليبي، وقادها رئيس حرس المنشآت النفطية وقتها، إبراهيم الجضران، وكان حفتر يومها منشغلاً في حروبه في بنغازي.

ثاني القوى الليبية التي سعت لاستثمار ورقة النفط، كانت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، التي تمكّنت من دخول طرابلس في مارس/ آذار 2016، وشرعنت قوات الجضران واعتبرته آمراً شرعياً لحرس منشآت النفط، وطالبته بإعادة فتح الموانئ أمام حركة التصدير. جنوح الجضران لحكومة الوفاق واعترافه بها كحكومة شرعية، دفع حفتر، الذي كان حينها قد فرغ من السيطرة على أغلب بنغازي وكامل أجدابيا الواقعة على تخوم منطقة الهلال النفطي والمركز الرئيس لقبيلة المغاربة التي ينتمي إليها الجضران، للاتجاه إلى منطقة الهلال والسيطرة عليها في سبتمبر/ أيلول 2016 بعدما عقد صفقة مع شيوخ القبيلة للتخلي عن رئيس حرس المنشآت والخضوع لسلطة حفتر. وعلى الرغم من معارضة حكومة الوفاق لسيطرته، إلا أن تفاهمات جرت بينهما انتهت بالقبول ببقائه في منشآت النفط مقابل عودة عائداتها المالية للبنك المركزي في طرابلس.

بعد مضي ستة أشهر، وتحديداً في مارس 2017، حاولت "سرايا الدفاع عن بنغازي" بقيادة العميد مصطفى الشركسي، السيطرة على منطقة الهلال، لكن تقدّمها توقف عند منشأتي السدرة ورأس لانوف، معلنة أنها لا تنوي السيطرة على المنطقة، لكنها كانت في طريق عودتها برفقة مهجري بنغازي إلى مدينتهم. واعتبر مراقبون وقتها أن الحملة كانت تهدف لتخفيف الضغط الذي كان يعانيه مسلحو "شورى بنغازي" في الأجزاء الأخيرة من المدينة. لكن حفتر وبعد أسبوعين من دخول قوات السرايا، تمكّن بمعاونة جوية مصرية وفرنسية من إعادة بسط سيطرته مجدداً على كامل الهلال[2].

وفى 14/6/2018، أعلن آمر حرس المنشآت النفطية السابق بليبيا إبراهيم الجضران إن قواته أحكمت سيطرتها على ميناءي السدرة وراس لانوف بمنطقة الهلال النفطى وسط ليبيا اللذين يعدان من أهم موانئ تصدير النفط في ليبيا.

لتشهد المنطقة بعد ذلك اشتباكات عنيفة بين قوات حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر[3]. وبعد ذلك أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، يوم الخميس 21 يونيو الحالى، عن سيطرة قوات الجيش الليبي على منطقة رأس لانوف والسدرة بالكامل[4].

 

تأثيرات الصراع على الهلال النفطى

إثبات ضعف قوات حفتر، أثبتت سرعة وسهولة سيطرة قوات الجضران على مينائى السدرة ورأس لانوف ضعف قوات حفتر، التى لم تستطع تأمين الهلال النفطي، الذى يعتبر من أهم المناطق الحيوية، والتى تكون مؤمنة بصورة قوية. كما أنه يثير تساؤلاً هاماً، وهو لماذا جازفت قيادة الجيش باتخاذ قرار مهاجمة درنة وهي تدرك تمام الإدراك أن جبهة أخرى قد تفتح في أي لحظة ؟[5].

الإنقلاب القبلى على حفتر، فبعد هجوم قوات إبراهيم الجضران على الموانئ النفطية، والمدعوم من قبيلة المغاربة، أطلقت أجهزة أمنية تابعة لقوات حفتر حملة اعتقالات واسعة في شرق ووسط البلاد. وطالت هذه الاعتقالات عدداً من أبناء قبيلة المغاربة في أجدابيا والبريقة التي ينتمي إليها الجضران، وعدداً من أبناء قبيلة البراغثة شرق بنغازي التي ينتمي إليها المهدي البرغثي، وزير الدفاع المقال من حكومة الوفاق، الذي يعتبر الجضران مقرّباً منه.

كما أن وصف وسائل الإعلام القريبة من حفتر لقوات الجضران بالإرهاب قد زاد من غضب قبيلة المغاربة، حيث أكد المجلس الاجتماعي لقبيلة المغاربة أن غالبية مقاتلي حرس المنشآت النفطية هم من أبناء قبيلة المغاربة، مستنكراً وصف وسائل الإعلام القريبة من حفتر لأبناء القبيلة بالإرهابين، مؤكداً فى الوقت نفسه على أن لهؤلاء المقاتلين دوراً مشهوداً في مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش الذي كان موجوداً في مناطق النوفلية وبن جواد، وفي المنطقة الوسطى على وجه العموم.

وفى نفس الإتجاه، الذى قد يؤدى إلى مزيد من تفكك تحالفات حفتر الداخلية، فقد تم الحديث عن رفض وحدات من قوات الصاعقة في بنغازي أوامر حفتر بالذهاب إلى منطقة الهلال للمشاركة في عمليات استردادها، وهو ما قد يؤدى إلى مزيد من انفلات الأمور من يد حفتر وتزايد الغضب القبلى ضده[6].

تدهور الإقتصاد الليبى، مثل الهجوم علي الموانئ النفطية ضربة قاسية للاقتصاد الليبي الذي يعتبر القطاع النفطي عماده الرئيسي. وكان مدير المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله قال: "إن هجوم إبراهيم الجضران على الموانئ النفطية أدى إلى فقدان 450 ألف برميل نفط من مينائي السدرة ورأس لانوف بالإضافة إلى الخسائر الجسيمة بالخزانات، فهناك خزانين بالكامل تعرضوا للاحتراق هما خزان رقم 2 و12 في ميناء رأس لانوف"[7].

المواقف الداخلية

توالت بيانات الشجب والاستنكار المحلية، لا سيما من قبل مجلس نواب وحكومة شرق البلاد الموالية لحفتر، التي اتهمت الجضران بالإستعانة بمرتزقة من المعارضة التشادية في هجومه على المنطقة ووقوف قوى خارجية وراء الهجوم، مقابل صمت رسمي من قبل المجلس الأعلى للدولة، وبيان بدت عليه لهجة الحياد لحكومة الوفاق طالبت فيه بوقف التصعيد في منطقة الهلال، وتجنيب البلاد حرباً أهلية، مؤكدة أنها لم تُصدر أمراً لأي قوة بالتوجّه نحو منطقة الهلال، في إشارة لعدم تبعية الجضران وقواته لها.

أما حفتر، فقد أعلن المتحدث العسكري باسم قواته، العميد أحمد المسماري، عن بدء حملة جوية لـطرد المليشيات الإرهابية من منطقة الهلال. وذكرت وسائل إعلام في اليوم التالي أن عدد غارات تلك الحملة وصل إلى 19 غارة، دُمرت فيها آليات وقُتل جنود من قوات الجضران[8]. تبعها حشد لقواته البرية، التى تمكنت من إعادة السيطرة على هذه الموانئ، حيث أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، يوم الخميس 21 يونيو الحالى، عن سيطرة قوات الجيش الليبي على منطقة رأس لانوف والسدرة بالكامل[9].

الموقف الدولى

 استنكر عدد من الدول الكبرى الهجوم على منطقة الهلال، فبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، دانت عبر سفاراتها في ليبيا الهجوم وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار وإخلاء المنطقة من السلاح لتجنبيها ويلات الحرب. فيما اعتبرت البعثة الأممية أن هذا التصعيد الخطير في منطقة الهلال النفطي يعرّض اقتصاد ليبيا للخطر، ويهدد بإشعال مواجهة واسعة النطاق في البلاد[10].

فى حين وجه بعض النشطاء السياسيين من اقليم برقة أصابع الإتهام إلى إيطاليا ودول إقليمية أخرى داعمة لتيار الإسلام السياسي بالوقوف وراء الهجوم على الهلال النفطي، وذلك من أجل إفشال المبادرة الفرنسية الأخيرة، وخلط أوراق الأزمة الليبية من جديد، و فتح جبهة قتالية للجيش الليبى بهدف إضعاف موقفه في درنة، وإعطاء فرصة لمجلس شورى مجاهدي درنة لتدارك الموقف وإعادة تنظيم صفوفه، وبالتالي منع سقوط المدينة في أيدي الجيش[11].

كما أتهم العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني التابع لحفتر قطر بأنها هى التى تقف خلف الهجوم على الموانئ النفطية، وقال المسمارى إن قطر «داعمة للإرهاب في ليبيا. فهي داعمة لـ(الإخوان) عن طريق علي الصلابي وأخيه أسامة وهما من قادة الهجوم على الهلال النفطي، وبقايا تنظيم القاعدة، وقادة الجماعة الإسلامية المقاتلة يوجدون في قطر وتركيا». وتابع المسماري مبرزا أن «الجضران زعيم الميليشيات الإرهابية عنصر من الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وقد كلف بهذه المهمة لتوريط قبيلته في الهجوم، ولكن من دعم هذا الهجوم بهذه الآليات والأسلحة والذخائر والدعم؟ أموال قطر تقف خلفه»[12].

 

 

 



[2] أسامة على، " الهلال النفطي في أتون الصراع الليبي"، العربى الجديد، 20/6/2018، الرابط التالى:

https://www.alaraby.co.uk/politics/2018/6/19/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%AA%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A

[4] سبوتينك عربى، " الجيش الليبي يعلن سيطرته على الموانئ النفطية"، العالم العربى، 21/6/2018، الرابط التالى:

https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201806211033236848-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A-%D8%AD%D9%81%D8%AA%D8%B1/

[7] أخبار ليبيا الأن، "هجوم الهلال النفطي.."اخوان ليبيا" يغردون خارج السرب"، 20/6/2018، الرابط التالى:

https://www.libyaakhbar.com/libya-news/683335.html

[8] موقع ليبيا المختار الإخبارى، " هذه أسباب الصراع المحتدم الدائم على قلب الطاقة بين الشركاء الرئيسيين في صناعة النفط والغاز بليبيا"، 20/6/2018، الرابط التالى:

http://libyaalmokhtar.com/libya/%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%84/

[9] سبوتينك عربى، مرجع سابق.

[10]   موقع ليبيا المختار الإخبارى، مرجع سابق.

[11] مصطفى الجرئ، مرجع سابق.

[12] خالد محمود، "مخاوف من اقتتال ميليشيات طرابلس… وعملية وشيكة في الهلال النفطي"، الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، 20/6/2018، الرابط التالى:

https://aawsat.com/home/article/1305966/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D9%88%D9%81-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%84%D8%B3-%D9%88%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B4%D9%8A%D9%83%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7%D9%8A

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022