المعارضة السورية والخداع الروسي لصالح النظام

 المعارضة السورية والخداع الروسي لصالح النظام

كما هو متوقع نجح الروس في الوصول إلي ما كانوا يصبوا إليه منذ بدء الحملة العسكرية علي درعا، حيث اضطرت قوات المعارضة في النهاية إلي القبول بالاتفاق الروسي الذي يقضي بتسليم المعبر الحدودي مع الأردن إلي قوات النظام، وتسليم الأسلحة الثقيلة للمعارضة مقابل انتشار الشرطة العسكرية في مدن وبلدات درعا وانسحاب النظام من البلدات التى دخلها عنوة، إلا أن ذلك الاتفاق لم يطبق منه حتى الآن سوى الأجزاء الخاصة بالمعارضة أما ما يتعلق بالنظام أو روسيا فيتم التملص منه لتجد المعارضة نفسها محاصرة في نهاية المطاف داخل المناطق المتواجدة بها.

ويعكس ذلك عدة أمور في غاية الخطورة يأتي في مقدمها ما يلي:

        تخلي المجتمع الدولي وعلي رأسه الولايات المتحدة عن مناطق النفوذ المحدودة التى لا تزال تسيطر عليها المعارضة السورية المعتدلة، وتركهم فريسه لضربات الروس والنظام اللذين يتبعان سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع المعارضة، وهو أمر مثير للدهشة والتساؤل، إذ يعني ذلك أن هناك توافق أمريكي وغربي علي ترك سورية للروس وهو ما قد يؤثر علي مصالحهم في المستقبل، إلا إذا كان الاتفاق علي تقسيم سورية إلي قسمين فقط، الأول يسيطر عليه الروس ويقيم عليه قواعده وهو الأرجح، والثاني تسيطر عليه الولايات المتحدة بالتعاون مع الأكراد، وهو ما يعني في الغالب أن الدور المستقبلي سيكون علي إدلب أخر معاقل المعارضة السورية والجزء الأخير المتبقي للثورة السورية.

        رغبة المجتمع الدولي في القضاء التام على الثورة السورية وتوجيه رسائل حاسمة للشعوب العربية بأن هذا سيكون مصير كل من يحاول الخروج علي الأنظمة الحالية الموالية للغرب، ما يعني أن الغرب يمهد السبيل للسيطرة علي المنطقة والشعوب العربية لأجيال قادمة والحكم من خلال تلك الأنظمة التى تدين له بالولاء، وتستمد شرعيتها من قوة الغرب ودعمه لها.

        أن العقبة الوحيدة الآن التى لا تزال تعرقل مخططات التقسيم الصهيو أمريكية بالتعاون مع الروس إنما تتمثل في الوجود الإيراني وممانعة النظام الإيراني الذي يسعى بكل قوة من أجل البقاء فوق الأراضي السورية، لأن الخروج منها يعني خسارة كل التضحيات التى قدمتها إيران من أجل بقاء النظام السوري، وتيقنها من أن الخروج من سورية كذلك يعني تقوقعها في الداخل الإيراني ووقوعها فريسة الحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة، وانهيار مشروعها في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني.

        يعتبر الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر من تلك الترتيبات، حيث باتت حدوده الشمالية مؤمنة من قبل الروس وليس فقط النظام السوري الذي كان يزعم الممانعة في السابق، وذلك بالتزامن مع ضمانات أمريكية بعدم وجود أي شكل إيراني في منطقة الجوار مع سورية.

        قد يتم ترك إدلب تحت الوصاية التركية مع حصارها حصارا كبيرا وجعلها حمل على النظام التركي، حتى يضطر في النهاية للتخلي عنها بمفرده دون تدخل من الروس أو حتى قوات النظام السوري، وذلك بسبب عدم وجود دعم مالي أو معنوي للأعداد الكبيرة من السوريين الموجودين في إدلب والمهجرين من أغلب أراضيهم في المدن والبلدات السورية الأخرى، لنصبح أمام نموذج مشابه لنموذج قطاع غزة في فلسطين.

ويعكس النموذج السوري في الواقع صورة مصغرة لما قد يحدث في اليمن أو حتى في ليبيا وكأننا نعود إلى عصور الانتداب من جديد ولكن في وجود أنظمة عميلة تدين بالولاء للغرب بأكثر مما تدين لشعوبها وأوطانها، وهو ما يرجح لاستمرار سيناريو التقسيم الذي ترعاه الولايات المتحدة، ومن ثم الانتهاء من صفقة القرن التى تمثل نهاية السيناريو في المنطقة العربية.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022