تداعيات تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة علي إيران وانعكاساتها الإقليمية

 تداعيات تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة علي إيران وانعكاساتها الإقليمية

 

دخلت العقوبات الأمريكية ضد النفط الإيراني والقطاع المالي بطهران حيز التنفيذ 5 نوفمبر الجاري 2018، وسط محاولات أمريكية لتقويض نظام طهران في سياق صراع النفوذ والاشتباك بين اللوبي الامريكي الصهيوني، وإيران في عدة نقاط ساخنة بالعالم أبرزها سوريا ولبنان واليمن وأفريقيا، ما يجعل نتائج العقوبات مؤشرا لمن يفوز ومن يخسر، وتداعيات ذلك على المنطقة العربية التي باتت طرفا مفعولا به لا فاعلا.

فاذا نجحت العقوبات الامريكية في اسقاط النظام الحاكم في إيران، كما يتصور الامريكان وتل ابيب، فستكون بمثابة رسالة أخرى الى كل بلدان العالم، بانه "اياكم وتحدى الولايات المتحدة الامريكية او الخروج عن طوعها والا فإنكم ستلقون ذات المصير، أما لو فشلت، فستكون رسالة مضادة على انتهاء عصر النفوذ الامريكي في العالم، خاصة مع تمرد نماذج اخري قوية على هذا النفوذ مثل تركيا، والاتحاد الاوروبي، ناهيك عن الاتحاد الروسي الذي عاد ندا أقوي مما كان في عصر الحرب الباردة.

فلم يستفد الايرانيون من رفع العقوبات الاقتصادية في تصدير النفط الايراني فقط، ولكنهم استفادوا علي المستوي السياسي، بزيادة تدخلاتهم في القضايا الاقليمية، وتمويل حلفائهم ايضا في اليمن وسورية ولبنان، الامر الذي قد غير موازين القوى الميدانية، اي جبهات القتال لصالحهم، كما حدث في سوريا ولبنان.

وقد أشارت لهذا صحيفة "وول ستريت جورنال" حينئذ في تقرير تتنبأ فيه بأن "إيران ستسعى لتشكيل شرق أوسط جديدا بعد رفع العقوبات عنها"، رغم قولها إن “المشهد السياسي والاقتصادي لا يمكن التنبؤ بها في الشرق الأوسط وخارجه".

كما أن المستفيد الاكبر من رفع العقوبات كان "الحرس الثوري"، المتورط في معارك النفوذ الايرانية بالخارج، والذي حصد 90 مليار دولار من عائدات نفط إيران بعد رفع العقوبات.

وفي هذا يقول الدكتور «أحمد رمضان» عضو الائتلاف الوطني السوري أن 60% من عائدات إيران بعد رفع العقوبات ستذهب للحرس الثوري.

ويؤكد في تغريده عبر حسابه على موقع «تويتر» أن: «60% من إجمالي عائدات إيران بعد رفع العقوبات (150 مليار $) ستذهب للحرس الثوري، (أي 90 مليارا) منها 25 مليار دولار لمهمات أمنية في سوريا والعراق ولبنان والخليج".

https://twitter.com/RamadanSyria/status/634688691110215680

ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق لكن تقديرات غربية تقدرها بـ 12 مليار دولار سنويا، من مجمل أنشطته التجارية، تمثل نحو سدس الناتج المحلي الإجمالي الإيراني المعلن بأسعار الصرف الحالية، حيث يسيطرون على شركات كبرى وقطاعات في إيران مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت.

ويقول الكاتب الإيراني "علي نوري زاده" أن الحرس الثوري  يسيطر على 40% من مقدرات البلاد ومفاصل الدولة، كما أنه يحظى بـ 43% من ميزانية وزارة الدفاع، في حين أن عدد أفراده أقلّ ثلاث مرات من الجيش الرسمي، هذا علاوة على الإمبراطورية الاقتصادية التي يرعاها.

ويبدو أن ما اقلق المحافظين من اليمين المسيحي المتطرف في إدارة ترامب أيضا، بالتزامن مع القلق الصهيوني هو تأكيد تقارير استراتيجية أن رفع العقوبات عن إيران بدأ يحولها تدريجيا لقوة عظمي في الشرق الاوسط، وأن الامر ليس له علاقة كبيرة بالبرنامج النووي الايراني الذي تراقبه المنظمات الدولية.

فقد ذكر تقرير سابق لمركز ابحاث "جلوبال ريسك" – المخاطر الدولية – أن هناك احتمال أن تصبح إيران القوة العظمى المقبلة في الشرق الأوسط بحلول عام 2025، بعدما رفع الغرب عنها العقوبات الدولية 16 يناير 2015، خاصة أنها واحدة من الاقتصاديات الأكثر تقدما وتنوعا في منطقة الشرق الأوسط.

وأشار التقرير البحثي إلى ان توقيع الاتفاق النووي الإيراني أدي إلى "تحول جذري" في ميزان القوي بالشرق الأوسط، وسمح لإيران بالعودة بثقة لساحة النزال الدولي، وهو ما أقلق السعودية ودفعها الي تشكيل تحالف سني تشارك فيه اسرائيل بشكل غير مباشر وسعيها الي تشكيل حلف على غرار الناتو لمواجهة النفوذ الايراني.

وبحسب التقرير، من المرجح أن تصبح إيران قوة اقتصادية إقليمية على مدى السنوات الـ 10 المقبلة، في ظل معدل نمو كبير وتخفيف العقوبات الدولية، ما سيضع إيران كثاني أسرع اقتصاد نام مقارنة باقتصادات الشرق الأوسط، بحسب صندوق النقد الدولي، فمنذ عام 2011، محت العقوبات من بين 15-20٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني.

أيضا أدي الاتفاق النووي (الذي الغاه ترامب)، لإنهاء تجميد نحو 100 مليار دولار من أصول إيران في الخارج (تتراوح التقديرات ما بين 50 مليار و150 مليار)، لضخ سيولة في الاقتصاد الإيراني، وادي ضخ إيران أكثر من 1.5 مليون برميل من النفط يوميا إلى الأسواق العالمية لحصولها على عوائد مالية ضخمة.

فقد ارتفعت عائدات النفط المقدرة بـ 25 مليار دولار في موازنة 2015، إلى نحو 100 مليار دولار في 2017، مقارنة بنحو 120 مليار عائدات العام 2011.

قصة العقوبات الامريكية

يعود أصل هذه العقوبات المفروض على إيران، إلى نشاطاتها النووية، حين عمدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية عليها، لإجبارها على وقف تخصيب اليورانيوم، ووضع برنامجها النووي تحت السيطرة، وكلفت هذه العقوبات طهران أكثر من 160 مليار دولار من عائدات النفط من عام 2012 إلى عام 2016 وحده.

وفي سبيل التخلص من هذه العقوبات لجأت إيران في 2015 إلى توقيع اتفاق ضخم وصف بـ«التاريخي» مع مجموعة من الدول الكبرى، ضم الدول الدائمين في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، لتسوية البرنامج النووي الإيراني، بحيث يتم تقليص النشاطات الإيرانية في هذا الشأن، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها دوليًا.

وبسبب تقارب المصالح الصهيونية الامريكية، خاصة مع تولي الرئيس اليميني المتطرف دونالد ترامب وإدارته التي تشكلت من اليمين المسيحي المتشدد من المعادين للعالم الاسلامي، والقريبين من دولة الاحتلال، أعلن ترامب رسميًا عن إلغاء الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه أوباما مع إيران، بدعوي أنه "لا يمكننا عبر هذا الاتفاق منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية".

ودعم هذا إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو عن وثائق زعم انه تم الاستيلاء عليها من مواقع نووية ايرانية في عملية استخبارية، تؤكد أن إيران مستمرة في تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامجها النووي وصولا الي انتاج قنبلة نووية، بحسب زعمه.

فور إعلان ترامب عن نيته، أعلنت الخمس دول الأخرى التي أبرمت الاتفاق النووي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، عن تمسكها بالاتفاق مع طهران، مؤكدين سعيهم لوضع نظامًا ماليا جديدًا مع طهران لتجاوز العقوبات الأمريكية التي تهدد بنوك ومؤسسات مالية اوروبية لو تعاملت مع إيران.

تفاصيل العقوبات

وتستهدف حزمة العقوبات الامريكية الجديدة على إيران، العديد من القطاعات الحيوية هناك، تزامنًا مع أوضاع اقتصادية صعبة، تمر بها طهران، بعد حوالي 3 أشهر فقط من فرض الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية، بعد الإعلان الإدارة الأمريكية عن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.

حيث تطال العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والمالية التي قدر عددها بـ 700 شخص ومؤسسة وبنك وسفينة، مثل تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة، إلى جانب معادن الجرافيت والألومنيوم والفحم والحديد، وقطاعات النقل البحري وبناء السفن، بالإضافة إلى التحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، فضلًا عن قطاع السيارات.

وتقوم استراتيجية الرئيس ترامب للضغط على إيران على فرضية مهمّة، هي وجود ما يكفي من طاقة إنتاج النفط الاحتياطية في أماكن أخرى من العالم للتعويض عن خسارة الإمدادات الإيرانية دون التسبب بزيادة غير مرغوب فيها وهي ارتفاع الأسعار، لهذا امر السعودية بزيادة إنتاجها لتغطية معظم النقص، واعتمد على الانتاج الروسي ايضا.

وفي حين تبدو هذه التوقعات منطقية، إلا أن كثرة العوامل المعنية تجعل التنبؤ بالحصيلة الدقيقة، وعدم إيذاء الحليف الاوروبي، أمراً صعباً، وقد اشار مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن إلى هذه التعقيدات خلال فعالية أقيمت في 31 أكتوبر 2018، بمقر جمعية "ألكسندر هاملتون سوسايتي"، حيث أشار إلى أن هدف الإدارة الأمريكية كان التأثير على طهران، وليس على الدول التي تعتمد على النفط الإيراني.

لهذا جاءت فكرة استثناء 8 دول من العقوبات الامريكية وحصولها على استثناء أمريكي لمواصلة شراء النفط الإيراني مؤقتا هي: الصين، والهند، واليونان، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وتايوان، لعدم التصادم بينها وبين واشنطن ولضمان تفعيل العقوبات.

وزعم وزير الخارجية الأمريكي، في مؤتمر صحفي مع وزير الخزانة، أن الخطة نجحت، وأن أكثر من 20 دولة توقفت نهائيا عن استيراد النفط الإيراني، مما أدى لخسارة طهران مليون برميل يوميا من صادراتها، بقيمة 2.5 مليار دولار من إيراداتها النفطية خلال أكتوبر 2018.

بيد ان التقديرات الاستراتيجية تشير الي أن المعضلة هي في الحفاظ على هذه العقوبات وان تؤتي ثمارها دون ان ترفع اسعار النفط، فيضطر من أحجموا عن شراء النفط الايراني لشرائه وخرق العقوبات الامريكية.

فالنفط واسعاره سيكون هو محور التفاوض بشأن القضايا النووية والصاروخية والإقليمية مع إيران، وهو ما يعتمد على الضغوط المستمرة الامريكية، وحال افلات اسعاره ستؤدي إلى عواقب غير مقصودة في أماكن أخرى متضررة من العقوبات.

الرد الايراني والقدرة على تحمل العقوبات

تبدو العقوبات هذه المرة مختلفة عن المرة السابقة التي فرضت فيها ما يجعل مواجهة إيران لها أفضل، والقدرة على التملص منها ايضا اعلي.

إذ أن الغرب اليوم منقسِم حول إيران، فسابقاً كانت هناك عقوبات اُممية موقّعة من مجلِس الأمن الدولي وكانت قاسية جداً على إيران، ولكن الان العقوبات امريكية فقط وباق الدول التي وقعت الاتفاق النووي ليست عضو فيه بل وتسعي لخرق هذه العقوبات وهي خطوة في صالح إيران.

ربما لهذا وصف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الإجراءات الأمريكية تجاه بلاده بـ «الحرب النفسية»، ودعا إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية في طهران، لمواجهة تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد، مضيفًا: «أعلم أن أوضاعنا وظروفنا ليست سهلة وهناك قوى كبرى تقف ضدنا، لكن نحن شعب عظيم وسنتجاوز ذلك».

ولذلك يقول "عماد أبشناس" رئيس تحرير مجلة إيران ديبلوماتيك، لـ DW عربية أنه اذا كانت إيران استطاعت التأقلم مع العقوبات السابقة المستمرة منذ عقود، فهي قادرة علي التأقلم مع نفس العقوبات خاصة ان عدد الملتزمين بها اقل من السابقة.

ويشير لأنه في ظل العقوبات السابقة حدث تنامي لقوة إيران التكنولوجية ونفوذها الإقليمي، ما يعني أنها لن تتأثر كثيرا هذه المرة.

أيضا تشير معادلة السلطة في إيران لأنه في حالة ازدياد الضغط على طهران، فالجناح المتشدد داخل البلاد يتقوى أكثر، وهو ما يعني أن التصعيد سيزداد في المنطقة وليس العكس كما تتصور امريكا، خاصة وأن المتشددين قي السلطة يعتبرون أن السبيل الوحيد لدفع واشنطن إلى التراجع عن سياساتها هو رفع التصعيد في المنطقة.

تأثير إعادة العقوبات على المنطقة العربية

يمكن رصد عدد من التأثيرات على النحو التالي:

1-      إعادة العقوبات الامريكية علي إيران يعني اعفاء الدول الخليجية من جزء من فاتورة الحشد ضد إيران، ويفيد السعودية التي ستستفيد من زيادة إنتاج النفط ورفع سقف الإنتاج والعوائد، لتعويض النفط الإيراني بكامله، ولكن بالمقابل سيكون هناك ثمن تدفعه دول الخليج مقابل ذلك، وإذا اضيف له ثمن التغطية او التخفيف من أزمة تورط ولي العهد السعودي في قتل خاشقجي، فسيكون على السعودية تحمل أغلب فاتورة هذا الدعم الامريكي لها في مواجهة إيران ونفوذها في المنطقة عبر إعادة فرض العقوبات علي إيران.

2-      العقوبات معناها ضمنا أن التحالف العسكري أو "الناتو العربي" الذي تقوم السعودية بتشكيله، ليس له ضرورة في ظل العقوبات وتحجيم النفوذ الايراني في المنطقة كأحد النتائج المترتبة على العقوبات.

3-      أحد اسباب التقارب والتطبيع الخليجي الصهيوني هو اتفاق عدد من الدول الخليجية مع إسرائيل في اعتبار إيران العدو الأوّل بالمنطقة، والعقوبات يفترض انها ستحجم النفوذ الايراني في المنطقة وتهدئ المخاوف الخليجية ما يعني عدم الحاجة لهذا التقارب طالما تنتفي الحاجة له نسبيا، ومع هذا تسير تقارير اسرائيلية لأن إسرائيل قد تستغل العقوبات الأمريكية لأجل تقوية حلف غير معلن عنه يضمها إلى جانب الإمارات والسعودية.

4-      أحد أثمان الفاتورة التي سيدفعها الخليج للأمريكان ربما تكون في اليمن في ظل السعي الامريكي لإيقاف الحرب هناك بعدما بلغت مخاطرها تهديد الامن في منطقة البحر الاحمر ومسارات النفط المتجه للغرب، خاصة أن أحد التوقعات الامريكية من نتائج العقوبات أن يتقلص النفوذ الايراني جزئيا في الخارج ومنه اليمن ودعمهم للحوثيين بالصواريخ التي يضربون بها السعودية والامارات. 

5-      الامارات قد تتضرر جزائيا من العقوبات لأنها تستضيف العديد من المصارف الإيرانية ومن الطبيعي أن يكون للعقوبات الأمريكية على إيران أثرا كبيرا على الاقتصاد الإماراتي.

6-      هناك استفادة سعودية من العقوبات، تتعلق بتحويل الانتباه من قضية مقتل خاشقجي إلى الملف الإيراني.

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022