التهديدات البيئة تضع مستقبل مصر على المحك

 التهديدات البيئة تضع مستقبل مصر  على المحك

 

تواجه مصر عددا من التحديات البيئية التي تهدد مستقبلها في ظل عجز النظام العسكري الذي يحكم البلاد منذ أكثر من ستة عقود؛ حيث تمثل التغيرات المناخية وارتفاع مستوى منسوب ماء البحر  وزيادة معدلات التصحر وانخفاض القدرة الإنتاجية للأراضى الزراعية، وسرعة تدهور الآبار  نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، تهديدات تسهم  في خلق تغيرات جوهرية ربما تفضي بحسب دراسات علمية من كبرى الجامعات ومراكز البحث في العالم إلى غرق الدلتا وفقدان نصف أراضيها الزراعية التي تعد الأكثر خصوبة، بخلاف ما ينتج من جفاف متوقع بناء على الإصرار الإثيوبي لبناء سد النهضة؛ ما يهدد بفقدان مصر كثيرا من حصتها المائية البالغة 55 مليار م مكعب سنويا. سوف ينتج عن ذلك بلا شك تقليص المساحة الزراعية بناء على هذه التغيرات الكبرى بخلاف ما يسهم فيه الزحف العمراني والبناء على أخصب الأراضي الزراعية من تقليص هذه المساحات؛ وذلك يفضي تلقائيا إلى تزايد مستوى الفجوة الغذائية بين ما يتم إنتاجه وما تم استهلاكه.

وإذا كانت مصر تستورد حوالي 70% من غذائها فإن هذه التهديدات البيئية سوف تدفع هذه النسبة إلى التزايد المخيف وربما تصل بها إلى أكثر من 90%  على ما يترتب على ذلك من  تراجع معدلات الغذاء ورفع الأسعار والحاجة إلى العملة الأجنبية لتلبية احتياجات الاستيراد وهو ما يرفع تلقائيا من معدلات الاستدانة والغلاء الفاحش بما ينعكس أيضا على مستوى الجريمة وتفشي مظاهر العنف في ظل هيمنة فئة قليلة على ثروات البلاد وتفشي مظاهر الطبقية المستفزة بين قلة تتمتع بمظهر الثراء الفاحش وأغلبية تعاني من الجوع الحرمان.

إضافة إلى ذلك فإن ثمة تداعيات مخيفة من ارتفاع درجة حرارة الأرض ما يفضي إلى إذابة الجليد في القطب الشمالي، وهو  ما يفتح طريقا جديدا أكثر اختصارا للتجارة بين الشرق والغرب؛ وهو ما يهدد قناة السويس ويفضي إلى تراجع الإيراد المحلي ما يدفع نظم الحكم المتعاقبة نحو ضرورة خلق بدائل ووضع سيناريوهات تعمل على وضع حلول خلاقة من أجل التصدي لهذه التهديدات أو على الأقل التخفيف من حدتها وانعكاساتها المخيفة على مستقبل البلاد والعمل على تفادي مجاعة تبدو مؤشراتها واضحة في الطريق ما لم يتم تدارك ذلك والعمل على تفاديه.

فخلال السنوات القادمة سوف نشهد ارتفاعا فى درجات الحرارة ونقصا فى معدلات سقوط الأمطار، وليس أمامنا سوى تعويض هذا النقص من مياه السيول، فوفقاً لتقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغت التقديرات الكمية لغازات الاحتباس الحرارى فى مصر 197 مليون طن عام 2013 وزادت إلى 197.1 مليون طن عام 2014 وهى تمثل 0.56% من إجمالى انبعاثات العالم فى نفس العام، ويعتبر قطاع الكهرباء المصدر الرئيسى لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث بلغت نسبته 40.8% من إجمالى الانبعاثات، يليه قطاع النقل بنسبة 17.6% ثم قطاع الصناعة بنسبة 16.7%، ما يعني وقوع تأثيرات على مصر تصل إلى 15% ولا يزال تعاملنا مع الاعتبارات المناخية ضعيفا للغاية.[1]

هذه المخاوف والتهديدات تمثل أرقا للنظام العسكري الحاكم؛ ما دفعه إلى تحديد جلسة خاصة في "منتدى شباب العالم" الذي انعقد من 3 حتى 6 نوفمبر الجاري بمدينة شرم الشيخ، لمناقشة هذه التهديدات تحت عنوان:«الأمن المائى فى ظل التغيرات المناخية وتأثيراتها على العديد من بلدان العالم ومصر»، وخلال الجلسة حذَّر  وزير الري الدكتور محمد عبدالعاطي من عدة عوامل منها:

أولا،  التأثيرات الضارة للتغيرات المناخية التي تتسبب فيها الانبعاثات والاحتباس الحرارى وارتفاع درجات الحرارة التى تؤدى بدورها إلى ارتفاع منسوب المياه بالبحار والمحيطات، ما قد يؤدى إلى غرق الأراضى المنخفضة التى تواجه تلك البحار والمحيطات ومنها منطقة الدلتا بمصر المعرضة لهذا الخطر. مؤكدا وجود  أزمة تتعلق بنقص البيانات والمعلومات وضرورة التخطيط الاستراتيجى لمواجهة الندرة المائية بتحقيق أقصى استفادة من المياه.[2]

ثانيا، التحذير من مشكلات الزيادة السكانية المطردة والصحة والفقر باعتبارها  تعد من أهم التحديات التى تواجه العديد من دول العالم، ومنها مصر ما يضع ضغوطا على الموارد المائية للأخيرة لأن 97% من الموارد المائية تأتى من خارج الحدود خاصة فى ظل زيادة الطلب على المياه مع ثبات الموارد.

ثالثا، التأكيد على وجود فجوة بين الموارد والاحتياجات تقدر بنحو 21 مليار متر مكعب سنوياً، فضلاً عن كميات المياه المطلوبة لتوفير الأمن الغذائى من خلال الواردات الغذائية فى صورة مياه افتراضية، والتى تقدر بنحو 34 مليار متر مكعب. مع التأكيد على أن التغير فى نمط المناخ قد يلعب دوراً أساسياً فى منظومة الموارد المائية فى أحواض الأنهار، الأمر الذى يجب أن تتنبه له جميع الدول المتشاطئة فى أحواض الأنهار بالعمل.

 

"الاحتباس الحراري" وذوبان الجليد

التغير الأكثر خطورة على مصر والعالم هو  ارتفاع درجة حرارة الأرض، نتيجة ظاهرة "الاحتباس الحراري"؛ وهو ما سيؤدي إلى إذابة الجليد في القارة القطبية وارتفاع مناسيب مياه البحار، وغرق أجزاء كبيرة من الدلتا، وبحسب دراسات علمية فإن ذلك سوف يؤدي إلى نتيجتين في غاية الخطورة على مستقبل مصر:

أولا، غرق الدلتا وفقدان معظم الأراضي الصالحة للزراعة، ولذلك نظمت وزارة الري بحكومة الانقلاب بعد الانتهاء من فعاليات منتدى الشباب مباشرة مؤتمرا لمناقشة تداعيات ذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحر مما يهدد باختفاء جزر مأهولة بالسكان في العالم، وتأتي مصر في مرمى الآثار السلبية المتوقعة.[3] ويحذر كثير من الخبراء من عدة مخاوف:

1)    مصر تعتمد بشكل رئيسي على مياه نهر النيل؛ حيث يمد مصر بما يعادل نحو 97% من إجمالي احتياجاتها المائية الحالية، كما تواجه مصر شحًا وفقرًا في مواردها المائية منذ التسعينات نتيجة انخفاض حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة عن 1000 متر مكعب سنويا، وهو خط الفقر المائي وفقا للتعريفات الدولية.  والفجوة المائية الحالية تقدر بين الاحتياجات الفعلية والموارد المائية المتاحة بما يقرب من 20 مليار متر مكعب. وهناك توقعات بزيادة الاحتياجات المائية بنسبة 20% بحلول 2020 نتيجة لزيادة الطلب على المياه بسبب الزيادة السكانية، فضلا عن التغيرات المناخية التي تشير كافة الدراسات إلى أنها ستؤثر بشكل كبير على الموارد المائية في المستقبل، وكذلك الأمن الغذائي واستخدامات الأراضي في مصر.

2)    التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية طبقًا للتقارير الدولية تتوقع سيناريوهات محاكاة التغير المناخي عالميًا إلى ارتفاع مناسيب سطح البحار والمحيطات بسبب ارتفاع درجات الحرارة، كما أن الباحثين استعانوا بعمليات حسابية معدلة ونماذج رياضية للتنبؤ بمدى ارتفاع منسوب المياه، وتوصلوا إلى أنه من المتوقع ارتفاع منسوب المياه في المحيطات على مستوى العالم بما يتراوح بين 50 و130 سنتيمترًا عن المستوى الحالي بنهاية هذا القرن بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 3 درجات مئوية. إذا لم تقل انبعاث الغازات الدفيئة بشكل سريع؛ سيرتفع منسوب البحار بواقع 50 إلى 100 سنتيمتر بحلول عام 2100، بحسب تنبؤات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.

3)    هذه النتائج المتوقعة لارتفاع مناسيب المياه في البحار والمحيطات فإنه من المحتمل غرق ما يقرب من 15% من أراضي شمال الدلتا، بينما توقعت بعض الدراسات أيضا أنه بحلول عام 2100 سوف يتم تهجير 3 مليون من السكان، وخسارة مساحة من الأرض الزراعية تبلغ 4100 كيلو متر مربع. وأسوأ سيناريو تنتظره كل من محافظتي الإسكندرية وبورسعيد حال ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر فقط؛ سوف تفقد محافظة بورسعيد، وحدها نحو 850 كيلو متربع من أراضيها ستتبعها خسائر في الوظائف.

4)    وعن آثار ارتفاع منسوب سطح البحر بالسواحل الشمالية لمصر، فإنه سيؤدي إلى زيادة درجة ملوحة المياه الجوفية بالأراضي الساحلية حتى عمق 7 كيلومترات من تلك السواحل طبقا لدراسة لمعهد بحوث المياه الجوفية بالمركز القومي لبحوث المياه بمصر، في عام 2011، وتم تحديثها في عام 2015، وعلى الرغم من أن بعض السيناريوهات تتنبأ بحدوث زيادة في معدلات الأمطار بدول المنبع مما ينتج عنه زيادة الجريان السطحي لنهر النيل إلا أن ارتفاع معدلات البحر سيؤدي في المجمل لخسارة لا تقل عن 15% من تصرفات نهر النيل". وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض تدفقات نهر النيل تصل إلى أسوان وانخفاض في إنتاج الطاقة الكهرومائية التي تمثل 12% من إجمالي الكهرباء المولدة في مصر من السد العالي.

5)    كشف "تقرير الإبلاغ الوطنى الثانى عن تغير المناخ فى مصر، والذى قدم 2015، يرصد مخاطر نقص الانتاجية الزراعية فى بعض المحاصيل نتيجة الارتفاع المتوقع فى درجات الحرارة وتغير مواعيد الاجهاد المائى للمحاصيل وبحلول 2050، وتتوقع الدراسات حدوث انخفاض فى انتاجية عدد من المحاصيل الرئيسية فى مصر  ، ومن بين هذه المحاصيل القمح بنسبة 51٪ والذرة بنسبة 91٪ والأرز بنسبة 11 % وفول الصويا بنسبة 82 % والشعير بنسبة 02 %، وزيادة معدلات غرق وتملح الأراضى الزراعية الساحلية وهى تتراوح ما بين 21 – 51 % من الأراضى الخصبة الصالحة للزراعة فى الدلتا".[4] فالمنظومة الزراعية لدينا فقيرة ومعقدة ومتشابكة، وبنيتها التحتية ضعيفة جدا، والتكنولوجيا المستخدمة قديمة جدا وبدائية، يقابلها إنفاق ضعيف وميزانية محدودة لا تلبى التطور المطلوب لمواجهة هذه التغيرات والتقلبات، والنتيجة أن القطاع سيزداد هشاشة وضعفا، وسيتأثر كثيرا بالتغيرات سواء الموجودة الآن أو القادمة،  أضف إلى ذلك أن أراضى الدلتا، لأنها فى معظمها فقيرة، سواء القديمة أو الجديدة، وسواء طينية أو رملية، سوف يحتاج الفلاح لشراء كميات كبيرة من السماد الآزوتى لعلاج التربة، وبسبب التقلبات المناخية الأخيرة حدثت خسائر كبيرة وأرقام صادمة جدا للفلاح فى الدلتا، وهناك نقص كبير فى الإنتاجية لمعظم المحاصيل الزراعية وصل فى بعضها إلى 50% مثلما حدث فى محصول المانجو على سبيل المثال. ولا تتوقف مشكلة الزراعة عند تلف بعض المحاصيل بل تمتد  مشكلة إمدادات المياه، فمصر تتبع نظام الرى بالغمر فى أكثر من 85 % من زراعتها، وهذا الأسلوب كفاءة الاستخدام فيه لا تتجاوز الـ 50%، وهذا الفقد لا نستفيد منه كثيرا، وكان من المفترض أن يتم رسم خريطة مناخية زراعية لمصر تراعى التوزيع المناخى من حرارة ورطوبة وأمطار ورياح وكل من له تأثير مباشر على نمو وإيجابية النبات. هذه الخريطة تكون مطروحة الآن ومستقبلا ومعها خريطة التراكيب المحصولية، بناء على احتياجاتها من المناخ أو مدى تحملها للتقلبات الجوية، ولكن للأسف لم يتم رسم هذه الخريطة، أو تم رسمها ولم يتم تنفيذها، فنحن لا نعلم على وجه التحديد ما الذى تم؟.

6)    كما تؤثر التغيرات على الإنتاج الحيوانى وتؤدى لاختفاء سلالات ذات أهمية نتيجة الارتفاع المتوقع فى درجات الحرارة، وستظهر بعض الأمراض الحيوانية الجديدة فى مصر مثل مرض اللسان الأزرق وحمى الوادى المتصدع، وسيتأثر الإنتاج السمكى، ويتغير توزيع الأسماك باتجاه الشمال وانتقالها للعيش فى المياه العميقة، وزيادة ملوحة المياه فى البحيرات الساحلية يمكن أن يؤثر على أغلب أنواع الأسماك فى تلك البحيرات، ما يزيد من الآثار الضارة على الإنتاج السمكى.

7)    وحول أثر التغيرات المناخية على الأوضاع الصحية فى مصر، تقول الدكتورة مديحة خطاب، فى بحث لها قدم إلى مؤتمر التغيرات المناخية وآثارها على مصر: "عند ارتفاع درجات الحرارة تنشط القواقع ويزيد إنتاج البيض ويزيد عدد القواقع، ما يزيد من فرصة الاصابة بالبلهارسيا، والملاريا، ومرض حمى الوادى المتصدع الذى ينقله البعوض من الأغنام والماشية إلى الإنسان، والكوليرا، وتطاير الجراثيم الفيروسية التى تزيد من معدلات التهابات الجهاز التنفسى الحادة والدرن الرئوى والحمى الروماتيزمية وانتشار الأمراض الصدرية، والربو القصبى الموسمى".

8)    بالنسبة إلى مزارع الاستزراع السمكى فالمتوقع أن تكون الأكثر تأثراً  بتغير المناخ وما يتخلله من تقلبات جوية حادة، فبالنسبة للمزارع السمكية (والتى ينتج عنها نحو مليون و300 ألف طن سنوياً ما يعادل بين 85ـ ـ 90% من الإنتاج السمكي، فزيادة الحرارة سوف تؤدى إلى زيادة نشاط الميكروبات المحبة للحرارة مما يؤدى لزيادة احتمالية حدوث أمراض، فضلاً عن ازدهار الطحالب وما ينتج عنها من أضرار، إضافة إلى النقص المتوقع فى مياه الصرف الزراعى الناتجة عن تقليص مساحات زراعة الأرز هذا العام سوف تؤدى إلى مشكلة كبيرة، حيث إن رصيد المياه فى المصارف الزراعية التى تغذى مساحات المزارع السمكية سوف ينخفض بدرجة كبيرة فى خلال أشهر قليلة من (يوليو وأغسطس وسبتمبر) جراء تخفيض مساحات الأرز، الأمر الذى يؤدى الى اضطرار أصحاب المزارع إلى إعادة استخدام نفس المياه الناتجة عن صرف المزارع السمكية والتى قد تنقل الكثير من العدوى بالأمراض.

 

ثانيا، تهديد قناة السويس، التي تواجه حاليا، عدة مخاطر  كبرى تهدد مكانتها الإستراتيجية على مستوى العالم باعتبارها أحد أهم  ممرات الملاحة العالمية التي تربط الشرق بالغرب، لكن أخطرها على الإطلاق هو الاحتباس الحراري والتغير المناخي المتواصل، حيث ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن «التغير المناخي المستمر سيساعد على حدوث "ثورة" في النقل البحري؛ عبر اكتشاف طريق تجاري جديد (القطب الشمالي) يجعل 90% من التجارة الدولية في غنى عن قناة السويس بمصر»[5].

فالجليد الذي يذوب تدريجياً بالدائرة القطبية الشمالية سيفتح طريقاً أقصر إلى شمال روسيا. وهو  "الطريق  الذي يمثل حلمًا روسيا قديمًا ويتوافق مع مصلحة تجارية لأوروبا الغربية، والصين وشمال شرق آسيا، وكذلك أمريكا الشمالية، وهي أطراف تمثل التجارة بينها 90% من التجارة العالمية".

ومن التطورات الخطيرة في هذا الشأن أن شركة "مولر ميرسك" الدانماركية، وهي أكبر شركة ملاحية في العالم، أجرت خلال سبتمبر الماضي رحلة تجربة لمرة واحدة؛ لاستكشاف الطريق وجمع البيانات عنه.

وكان الرئيس التنفيذي السابق لشركة Maersk  قد صرح لصحيفة Financial Times قبل خمسة أعوام أنَّ الأمر سيستغرق عقدين على الأقل قبل أن تصبح طرق الشحن خياراً تجارياً. وقال أريلد مو، وهو باحث زميل في معهد Fridtjof Nansen Institute في أوسلو: «هناك العديد من العوائق أمام شحن سفن الحاويات الكبيرة عبر القطب الشمالي. وهناك أيضاً نقص في الأسواق على طول الطريق، ولا يمكن استخدامه إلا في أوقات معينة من العام، إلى جانب القيود المفروضة على الحجم، وهذه كلها أمور بالغة الأهمية للاقتصادات الكبرى»[6].

لكن مدرسة "كوبنهاغن" لإدارة الأعمال انتهت في 2016 إلى نتيجة مفادها أن الطريق سيكون سالكاً تماماً بالنسبة لسفن الحاويات خلال 25 عاماً. وأن سرعة الوصول لأوروبا من الصين بالطريق الجديد (14 يوماً) ستجعل النقل البحري مساوياً في السرعة لطريق السكة الحديدية عبر آسيا إلى أوروبا، الذي أصبح يزداد جاذبية بين الشركات الآسيوية والأوروبية[7].

ووفقا لخبراء ومحللين فإن الصين استغلت الإعلان عن هذا الطريق الجديد للضغط على إدارة قناتي السويس وبنما لتخفيض رسوم العبور إذا ما أرداتا الاحتفاظ بجاذبية المرور عبرهما، بحيث تقلل قناة بنما رسوم العبور 30% وقناة السويس 50% ؛ إذ ستقل الرحلة من شنغهاي بالصين إلى هامبورغ بألمانيا عبر الممر الشمالي الجديد بحوالي 2800 ميل بحري عن الطريق المار عبر قناة السويس موفرة بذلك الوقت والوقود. وقد ارتفع عدد السفن التى استخدمت هذا الطريق من نحو 5 سفن عام 2009 إلى 71 سفينة عام 2013.

والصين هي الوحيدة التي هددت باستخدام هذا الطريق؛ وذلك للضغط من أجل تخفيض رسوم العبور، حيث تبلغ حصة بكين من إجمالي الحاويات المحملة العابرة لقناة السويس حوالي 23%. وبلغ حجم تجارة الصين من البضائع العامة العابرة لقناة السويس حوالي 10.7% من إجمالي البضائع العامة العابرة للقناة، وبلغ عدد سفن الحاويات التابعة لشركة الحاويات الصينية 452 سفينة، فيما بلغت أعداد الناقلات التي تحمل البترول الخام أو منتجاته والغاز المسال أو الكيماويات 118 سفينة.

وهو ما تحقق بالفعل وخفضت إدارة قناة السويس رسوم العبور مرتين خلال عام 2017 وأول 2018م، بنسب تتراوح ما بين 40 إلى 75%  لناقلات النفط العملاقة والحاويات وسفن الصب العامة والجافة، وفي بيان لها بررت إدارة القناة تجديد منح هذه التخفيضات للعام الثاني على التوالي بأنها جاءت تلبية لرغبة ملاك ومشغلى السفن عملاء قناة السويس وتشجيعاً لجذب المزيد من السفن لعبور القناة ومنافسة طريق رأس الرجاء الصالح[8].

خلاصة القول، أن مصر تواجه تحديات بيئية شديدة الخطورة، أهمها الانبعاث الحراري، وارتفاع مستويات درجات الحرارة ما يؤدي إلى ذوبان الجليد الذي يفضي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر وغرق معظم أراضي الدلتا الأكثر خصوبة ، كما سيؤدي إلى تشبع التربة بالمياه المالحة ما يفضي إلى تراجع معدلات إنتاج الأرض من المحاصيل الزراعية،  حيث ستغمر المياه "1,4" مليون فدان ما يبلغ 25% من أجمال أراضي مصر الزراعية.  يضاف إلى ذلك أن «التغير المناخي المستمر سيساعد على حدوث "ثورة" في النقل البحري؛ عبر اكتشاف طريق تجاري جديد (القطب الشمالي) يجعل 90% من التجارة الدولية في غنى عن قناة السويس".

تأثيرات التغيرات المناخية الضارة لا تتوقف عند ذلك فقط، بل تمتد لتشمل تهديدات تتعلق بصحة الإنسان وانقراض أنواع من الحيوانات والنباتات وإضعاف إنتاجية البلاد من الأسماك وهو ما يتوجب معه وضع خطط جادة وعلمية من أجل حماية البلاد من مجاعة في الطريق ومستقبل بائس في ظل حكومات عسكرية عاجزة عن تحقيق أي إنجاز يذكر.

 

 

 



[1] محمد القزاز/«التغيرات المناخية» تغير شكل المستقبل فى مصر..التقلبات المناخية الأخيرة أحدثت خسائر كبيرة وأرقاما صادمة لفلاحى الدلتا/ الأهرام الجمعة 06يوليو 2018

 

[2] متولي سالم/وزير الري بمنتدى الشباب: التغيّرات المناخية تهدد بغرق المناطق المنخفضة بالدلتا/ المصري اليوم الأحد 04 نوفمبر 2018

 

[3] إيمان محمد عباس/هل تتأثر الدلتا؟ هذا هو السيناريو الأسوأ لارتفاع درجة حرارة الأرض/ بوابة الأهرام 10 نوفمبر 2018

 

[4] مروة عبدالقادر/بالأرقام| خطة مصر للتخفيف من التغيرات المناخية/ مبتدا 10 يناير 2018

 

[5] قناة السويس مهددة بخسارة 90% من التجارة الدولية/ الخليج أونلاين السبت 25 أغسطس 2018

[6] هل هذه نهاية قناة السويس؟ بعد قيامهم بالرحلة السرية الأولى، شركة تكشف عن طريق شحن "بديل"/ عربي بوست 23 أغسطس 2018

[7] قناة السويس مهددة بخسارة 90% من التجارة الدولية/ الخليج أونلاين السبت 25 أغسطس 2018

[8] استمرار تخفيضات رسوم عبور قناة السويس 40% إلى 75%/  الوفد الثلاثاء 02 يناير 2018م

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022