انتشار الظواهر السلبية يالمجتمع المصري .. تهديد أخلاقي أم ترجمة لأفكار السيسي؟

 انتشار الظواهر السلبية يالمجتمع المصري .. تهديد أخلاقي أم ترجمة لأفكار السيسي؟

 

تتسم مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو 2013م، بقدر هائل من السلوكيات السلبية التي تفاقمت داخل المجتمع المصري  حتى تحول بعضها  إلى ظاهرة تستوجب المواجهة قبل خروجها عن السيطرة؛ حيث يشهد المجتمع المصري تفشيا للإلحاد والعنف والجريمة والمخدرات والانتحار والطلاق وسط مؤشرات تؤكد كثافة نشاط عبدة الشيطان والشواذ، بينما تؤكد أرقام وبيانات وزارة الداخلية تزايدا مضطردا في معدلات الجرائم وأهمها السرقة بالأكراه في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الغلاء وتآكل قيمة الأجور والمرتبات بعد قرارات التعويم الكارثية في نوفمبر 2016م، والتي أفضت إلى هبوط عشرات الملايين من المصريين تحت  خط الفقر دفعة واحدة، بعد أن انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى بنسبة تصل إلى أكثر من 100%، وفاقم من تفشي هذه الظواهر عدة أسباب أخرى ، منها:  توجهات النظام نحو رفع  أسعار جميع  السلع والخدمات بشكل يفوق دخول المصريين ومرتباتهم، إضافة إلى الاستبداد السياسي وقمع المعارضين واحتكار المؤسستين العسكرية والأمنية الفضاء السياسي والإعلامي والاقتصادي، وسط توجهات وسياسات تستهدف الحد من قدرة منظمات المجتمع المدني على المشاركة في مواجهة هذه الظواهروالحد من مخاطرها على المجتمع.

 

الإلحاد.. تزايد بطيء وغياب للأرقام الدقيقة

خلال الاحتفال بليلة القدر في منتصف يوليو 2015م، أدلى جنرال العسكر عبدالفتاح السيسي بتصريح مثير عن تفشي الإلحاد في عصره إذا قال:" كتير من الشباب ألحدوا مسلمين ومسيحيين قالوا مفيش ربنا بقى طب ليه مقدروش يستحملوا حجم الفتنة وحجم الإساءة وحجم الظلم اللي موجود على الأرض مستحملوش كل ده وألحدوا وأنا مش قلقان مش لأني مش غيور على الله لكن لأني عارف ان هذا الأمر سينتهي بإذن الله".[1]

ولم تشهد مصر فتنة كتلك التي صنعها السيسي بانقلابه، كما لم تشهد ظلما كما شهدت في عهده  من مذابح بالجملة أسفرت عن مقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف كلهم من أنصار ثورة 25 يناير والرئيس المنتخب محمد مرسي، وحقن المجتمع بجرعات زائدة من العنصرية والظلم والكراهية أفضت إلى انقسام حاد دفع شبابا إلى الإلحاد أمام هذه الفتنة العاصفة.

وتحتل مصر صدارة الدول العربية في انتشار الإلحاد  كما تحتل المرتبة رقم 13 من بين أكثر الدول التي ينتشر بها العنف والإرهاب على مستوى العالم، بحسب مصادر موالية لسلطات الانقلاب تقول إنها تعتمد على تقارير لمعاهد بحثية دولية متخصصة.[2]،  لكن غياب الشفافية ولغة الأرقام يجعل من الوصول إلى نسبة قريبة من الواقع بشأن عدد  الملحدين أمرا صعب المنال؛  وبين المبالغة والتقزيم يتم تداول الأرقام غير الدقيقة بناء على توجهات الناشرين والمتداولين؛ فمرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية،  أصدر تقريرًا  في مطلع ديسمبر 2014م، رصد فيه تزايد  الإلحاد بين الشباب في الدول الإسلامية، ونقل المرصد عن مركز "ريد سي" التابع لمعهد "جلوبال"، أن مصر هي الأعلى عربيا في نسب الإلحاد،  بلغ  866 ملحدا.[3]  وأرجع أسباب ذلك إلى الحريات التي تمتع بها الشباب بعد 2011م،  وانتشار عشرات المواقع الإلكترونية التي تدعو إلى الإلحاد وتدافع عن الملحدين، وفي مقدمتهم "الملحدين المصريين" و"ملحدون بلا حدود" و"جماعة الإخوان الملحدون" و"مجموعة اللا دينيين" و"ملحدون ضد الأديان"، و"ملحد وأفتخر" و"ملحد مصري"، و"أنا ملحد"، كما عزا أسباب ذلك إلى تطرف الحركات الإسلامية وتشويه صورة الدين.

في المقابل، بالغ تقرير نشرته صحيفة "الصباح الكويتية" في تقدير عدد الملحدين في مصر ووصل بالرقم  إلى 3 ملايين شخص من بين 80 مليونا وقتها نقلا عن دراسة أمريكية قالت الصحيفة إن مؤسسة «برسون مارستلر» الأمريكية، أجرته على الشباب من بين أعمار (15 – 24) سنة بالتعاون مع معهد «جالوب» لاستطلاعات الرأى، وجامعة «إيسترن ميتشجان» بالولايات المتحدة، وذلك بتمويل من مؤسسة «فورد»، وقد أجرى البحث «منصور عادل» بهدف تحديد عدد الملحدين والأشخاص الذين خرجوا عن أى اعتقاد دينى.[4]

لكن تقرير "الصباح" بعد قراءة محتواه، تبدو عليه دلائل التلفيق للأسباب الآتية:

أولا، لم يكشف عن طبيعة هذه الدراسة ولا منهجية البحث ولا على أي أساس جرى، وقراءة محتواه تكشف أنه ملفق بهدف تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين والزعم بأن العام الذي حكم فيه مرسي هو سبب هذا الانتشار الواسع للإلحاد في مصر؛ حيث يقدر تحول 03% من المصريين خلال سنة 2012م؛ ما يعني أن الملايين الثلاثة كلهم تحولوا إلى الإلحاد في  2012 فقط!

ثانيا، ويقدر التقرير أن الإسكندرية وحدها تضم "نصف مليون ملحد" وهو رقم مهول فإذا علمنا أن عدد سكان المحافظة بلغ في يناير 2018م حوالي "5,226" ألفا [5] فإن الرقم  حول عدد الملحدين هو  درب من الجنون والمبالغة المفرطة. يدحض هذه المزاعم أن التيار الإسلامي بقيادة الإخوان وحتى حزب النور دائما ما حصدوا أي انتخابات نزيهة بالمحافظة فإذا كان عدد الملحدين نصف مليونا بالطبع كلهم شباب وكبار في السن فإن ذلك يخالف نتائج هذه الانتخابات التي تعتبر وثائق رسمية حول توجهات الرأي العام بالمحافظة.

ثالثا، بين المبالغة والتقزيم تناولت صحيفة الجارديان البريطانية هذا الموضوع بشكل أكثر مهنية وحيادية، حيث انتقدت مرصد الفتاوى التكفيرية،  الذي يتحدث عن عدد "866" ملحدا بنسبة (0.00001 %)، مشيرة إلى أنه لا يعلم أحد إحصائية دقيقة عن عدد الملحدين في مصر،  الصحيفة البريطانية ذكرت أن مصر ودول العالم العربي بوجه عام تتمتع بنسبة تدين عالية، إلا أن الإحصائية الأخيرة  لمرصد الفتاوى التكفيرية أثارت سخرية كلا من العلمانيين والملحدين في مصر، والذين يرون أن عدد الملحدين في مصر يتزايد ببطء. ولم تشر الجارديان مطلقا لأي دراسة أمريكية قدرت عدد الملحدين في مصر بثلاثة ملايين شخص.[6]  على الرغم من نشر تقريرها بعد سنة كاملة من تقرير  "الصباح الكويتية". يعزز هذه الفرضية  أن إحصائية لمحكمة الأسرة المصرية نشرت في مارس 2017 أظهرت أن عدد  دعاوى الطلاق خلال 2015م بسبب إلحاد أحد الزوجين أو تغيير عقيدته بلغت أكثر من 6500 قضية، وأكد محامون أن النسبة شهدت ارتفاعا بنسبة 30% أواخر 2016م[7]؛ وهو أوثق ما يمكن الاعتماد عليه؛ ما يكشف أن عدد الملحدين يقدر بعشرات الآلاف..

 

ويبدو من المبالغة في أرقام الملحدين توجها لصحف النظام وفضائيات يستهدف بها ابتزاز المؤسسة الدينية وخصوصا الأزهر الشريف في سياق دعاوى السيسي لتجديد الخطاب الديني، ليضمن انصياعها لتوجهاته وسياساته،  كما يستهدف بها اتهام الحركات الإسلامية بالتسبب في تزايد الإلحاد والدفع عن نفسه التسبب في هذه التهمة؛ وهنا تبدو المبالغة في الأرقام لعبة ابتزاز  أكثر منها معلومة تستحق البحث والدراسة؛ لكن ذلك لا يمنع من تزايد معدلات الإلحاد ببطء كما أشارت  الجارديان.

 

انتشار الجرائم والإرهاب

كما احتلت مصر المرتبة الـ26 عالميا على مؤشر الجريمة العالمي 2018 (نامبيو) والثامنة أفريقيا والـثالثة عربيا؛ بسبب تفشي ارتكاب الجرائم. حيث تم رصد 1360 حالة قتل بزيادة بنسبة "130%"، و925 حالة سرقة بالإكراه بزيادة 350%،بخلاف حالات السرقة العادية بزيادة نسبتها 400%، بينما ارتفعت سرقة السيارات بنسبة 500%،  و66 حالة اغتصاب و467 هتك عرض  كما أن هناك 500 ألف بلطجي ما يمثل جيشا جرارا من البلطجية وأرباب السوابق.[8] واستناداً إلى تقارير أمنية، وصلت جرائم القتل بدافع السرقة في المحافظات المصرية خلال النصف الأول من العام الجاري 2018 إلى 296 جريمة، عدا عن انتحار 13 شخصاً بسبب الفقر. وتشير التقارير إلى أنّ غالبية جرائم القتل التي حصلت بسبب السرقة ارتكبها رجالٌ. وحلّت محافظة القاهرة في المرتبة الأولى، تلتها محافظة الجيزة، وحلّت محافظة القليوبية في المرتبة الثالثة، ومحافظة الإسكندرية في المرتبة الرابعة، ومحافظة أسيوط في صعيد مصر في المرتبة الخامسة. وتسجّل التقارير 18 حالة قتلٍ في مصر خلال شهر يونيو/ حزيران 2018 فقط بسبب السرقة.[9]

وطبقا لـ 3 مصادر أمنية مسؤولة في مصلحة الأمن العام ومؤسسة رئاسة الانقلاب، فإن تقريرا أمنيا أعدته مصلحة الأمن العام تم رفعه إلى رئاسة الجمهورية فى نوفمبر/تشرين الثاني 2016م للتحذير من مخاطر رفع الأسعار بعد تعويم الجنيه وزيادة سعر البنزين، وأضافت المصادر الثلاثة أنه تم إرسال تقرير آخر فى نهاية يناير 2017 حذر من ارتفاع معدل جرائم السرقة بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما يعد حقيقة تعرفها كل الجهات المعنية فى البلد، وفق ما قاله اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية للأموال العامة، مؤكدا أن رئاسة الجمهورية كلفت وزارة الداخلية بتكثيف التواجد الأمني بعد زيادة سعرالبنزين وتحرير سعر صرف العملة "لأنهم يدركون أن رد فعل المواطنين إما سيكون بالخروج إلى الشارع للتظاهر أو ارتفاع معدل حوادث السرقة". لكن اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمني يرى أن ارتفاع نسبة السرقة بشكل فردي أمر غير مقلق إلى حد ما، ولكن الأهم ألا تتحول تلك الحوادث إلى عمليات منظمة يصفها البعض بما يسمى بـ"ثورة الجياع "، وهو ما يوافقه فيه محمد محيي الدين عضو مجلس الشعب السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة عين شمس، قائلا "عندما لا يجد المواطن قوت يومه أو ما يسد احتياجات أسرته سيضطر  إما إلى أن يتظاهر في الشارع وهذا لن يحدث بسبب التشديدات الأمنية، أو يجور على ما لا يملك، وهذا ما حدث". [10]

وعلى المستوى السياسي فإن  إصرار النظام الانقلابي على تثبيت أقدامه أفضى إلى مواجهات مسلحة مع حركات راديكالية نشأت بعد الانقلاب مثل تنظيم داعش الذي تأسس في 2014، وولاية سيناء الذي بايع البغدادي في 2015م، وتشهد مصر مواجهات مسلحة مستمرة تستنزف كثيرا من أبنائها سواء من الجيش أو الشرطة أو المدنيين في حرب مسعورة لا هدف منها سوى تكريس سلطة جنرال فاشي يستخدم فزاعة وفوبيا  سقوط الدولة ذريعة للسيطرة على مؤسسات الدولة وضمان الانصياع المطلق لتوجهاته وسياساته الفاشية الدموية. كما يوظف هذه الحرب المفتعلة سياسيا من أجل ضمان دعم الغرب لبقائه باعتباره رأس الحربة على ما يسمى بالإرهاب والضامن في الوقت ذاته لأمن الأقباط من جهة وأمن الكيان الصهيوني من جهة أخرى.

 

"6" ملايين مدمن مخدرات!

في عهد العسكر ارتفعت معدلات إدمان المخدرات في مصر إلى معدلات غير مسبوقة فاقت بكثير المعدلات العالمية بحسب تصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، التي أكدت أن نسبة تعاطي المخدرات في مصر بين الفئة العمرية من 15 إلى 65 سنة وصلت إلى 10%، وهي ضعف المعدل العالمي البالغ 5%، وذلك وفقا لآخر مسح قومي تم إعداده عام 2014، كما وصلت نسبة التعاطي بين بعض الفئات مثل السائقين إلى 24% والحرفيين 19% وطلبة المدارس الثانوية 7,7%.[11] وتحذر تقارير من تفشي واسع لمخدر "الإستروكس"  المصنوع محليا والذي قد يفضي إلى الموت، وهو مخدر قوي يمزج بالتبغ ويدخن، ويقول خبراء إن هذا المخدر مصنوع في ورش محلية عن طريق إضافة مواد كيميائية يستخدمها عادة البيطريون إلى أعشاب طبيعية مثل البردقوش. ويضيف البعض مبيدات حشرية من أجل زيادة التأثير، غير أن هذا يجعل المخدر فعليا أشد فتكا. وفي آخر ستة أشهر زادت نسبة متعاطي الإستروكس في مصر إلى 40% من إجمالي مدمني المخدرات بعد أن كانت 9% من الإجمالي في أوائل العام الجاري.[12]

ويؤكد المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، في إحدى دراساته، أن تناول المخدرات يتسبّب في وقوع 79% من الجرائم في مصر. وبيّنت الدراسة الارتباط بين تعاطي الحشيش والجرائم، مثل الاغتصاب وهتك العرض والقتل العمد والسرقة بالإكراه. وأشارت إلى أن نسبة المدمنين الذين يتناولون المخدرات بصورة مستمرة وضارّة يصل عددهم إلى أكثر من ستة ملايين. كما أن نسب الإدمان في مصر في تزايد مستمر، والوضع يزداد سوءاً. وبحسب الدراسة نفسها، فقد ساهمت الدراما المصرية في انتشار الإدمان. إذ أنها قدمت مؤخراً نحو 9500 مشهد يظهر التعاطي بصورة خاطئة أقنعت الجمهور أن المخدرات تساعد في تحسين المزاج. كما أن عدم وجود مراكز لعلاج الإدمان، خصوصاً للفقراء ومحدودي الدخل، زاد من عدد المدمنين.[13]

 

"4" ملايين  مطلقة!

«كان مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء بحكومة الانقلاب، أصدر إحصاء حول نسب الانفصال الزوجي "الطلاق" في مصر، يؤكد أنها الأعلى عالميا. ووفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، والتي تم حصرها في مستهل العام الجاري 2018م، فإن حالة طلاق واحدة، تحدث كل 4 دقائق، وإن مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، لا تتجاوز فيها بعض حالات الزواج أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، وتستمر أخرى إلى نحو ثلاث سنوات لا أكثر. فيما وصلت حالات "الخلع" عبر المحاكم أو الطلاق خلال العام الماضي 2015 إلى أكثر من ربع مليون حالة انفصال؛ مسجلةً زيادة تقدر بـ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014.  أما الأمم المتحدة فقد رصدت في إحصاءات، أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7 في المئة إلى 40 في المئة خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة. ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية، شهدت تداول نحو 14 مليون قضية طلاق في العام 2015، يمثل أطرافها 28 مليون شخص، أي نحو ربع تعداد سكان المجتمع المصري»[14].

 

أسباب تفشي الظواهر السلبية

أولا: تعتبر "العولمة" سببا رئيسا في انتشار الإلحاد والجريمة، فالعولمة جعلت من العالم قرية صغيرة بفعل ثورة الاتصالات والإنترنت والانتشار الواسع  لمنصات التواصع الاجتماعي وسهولة التواصل مع الأفكار والثقافات المختلفة على مستوى العالم، أدى ذلك إلى تعرف الشباب الغض لموجات كثيفة من التغريب والأفكار الدخيلة والغريبة على المجتمع، وأمام الانتشار الواسع للسينما الأمريكية عبر شبكة قنوات "أم بي سي" التي تديرها السعودية إضافة إلى الدراما التي تعتمد على الأكشن والجريمة، كل  ذلك كان صدى لتأثيرات العولمة السلبية ، ساهم من زيادة تأثيرها غياب المناعة المجتمعية في ظل حكم استبدادي سلطوي ليس معنيا بحماية المجتمع وتحصينه بقدر اهتمامه  بحماية النظام وتوفير عوامل بقائه واستمراره.

ثانيا: ساهم في زيادة معدلات الإلحاد والانحلال الأخلاقي كذلك،  عمليات القمع المفرط الذي مارسه نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي والحرب  المسعورة على المتدينين من شباب التيار الإسلامي، إضافة إلى حصار النشاط الدعوي للإخوان والدعاة المخلصين في التيار السلفي والترصد للدعاة الربانيين داخل المؤسسة الدينية الرسمية كل ذلك يعزز بالمقابل السلوكيات المناقضة للالتزام فأفضى ذلك إلى تزايد معدلات الإلحاد وتفشي الانحلال الأخلاقي، وإذا كانت النوافذ الإعلامية الموالية للسلطة تعزو أسباب ذلك إلى تشويه الحركات الإسلامية للإسلام بحسب زعمها؛ فلماذا لا يطبق السيسي ونظامه الإسلام الصحيح؟! ولماذا لا ينحاز للحريات والعدالة؟ ولماذا يمارس أبشع صور الانتهاكات بحق الشباب حيث اعتقل عشرات الآلاف بتهم ملفقة لأسباب سياسية؟!.

ثالثا: أسهم في  تزايد معدلات الجريمة؛ الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، باعتباره سلوكا غير مشروع يكرس ثقافة العنف ويدفع الآلاف إلى تحقيق أغراضهمم بأدوات غير شرعية ولا أخلاقية، وتعتبر الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بفعل  فشل النظام العسكري في إدارة موارد الدولة واتخاذه عدة قرارات عشوائية ضاعفت معاناة المواطنيين ودفعت عشرات الملايين إلى خط الفقر  السبب الأبرز والأهم في تفشي الجريمة فأمام الفقر العوز الشديد إما أن يلجأ المواطن للتظاهر أو الاعتداء على أرواح الآخرين أو السطو على ممتكاتهم وهو ما يحدث حاليا.

رابعا: ومن أسباب تفشي العنف والجريمة والمخدرات كذلك، الدور السلبي للدراما التي باتت أحد أهم أدوات تكريس ثقافة العنف في المجتمع حتى يحقق رموز وكوادر النظام أرباحا بالملايين على حساب قيم وأخلاقيات المجتمع في ظل تشجيع من النظام الذي يريد أن يغرق الشعب بالأفلام والدراما لإلهائهم عن السياسة وللتغطية على فشل النظام في كافة المجالات والأصعدة.

خامسا: أما أسباب تزايد معدلات الجرائم السياسية والمواجهات المسلحة مع من تصفهم سلطات الانقلاب بمتشددين في سيناء وفي غيرها من المحافظات فإن السبب الرئيس يعود إلى الاستبداد السياسي والعنف المفرط من جانب السلطات بحق الشباب المتطلع للحرية المدافع عن مكتسبات ثورة يناير التي أجهضها العسكر، وهو ما أدى إلى انقسام مجتمعي حاد، استخدمت فيه السلطة أبشع صور الإرهاب والقتل والتعذيب، إضافة إلى وضع خطاب الحركات الإسلامية المعتدلة المؤمنة بالمسار السلمي وتداول السلطة عبر الانتخابات والاحتكام للجماهير في ورطة كبيرة، فلجوء العسكر للعنف كوسيلة للسطو على السلطة بث الروح في الحركات المسلحة كتنظيم القاعدة وأفضى إلى بروز حركات أكثر عنفا وتشددا مثل تنظيم داعش وولاية سيناء، وكان هذا الخطاب المتشدد قد انزوى كثيرا في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير  واحتواء الديمقراطية لكل التيارات والاتجهات الفكرية؛  ومع انسداد المسار السياسي وإجهاض الديمقراطية  أعاد الجنرال السيسي بانقلابه الدموي الروح للتنظيمات المسلحة وبث في أفكارها التكفيرية أو المسلحة الحياة بعد أن كانت قد شارفت على التلاشي.

خلاصة القول،  تمضي مصر بخطوات سريعة نحو الانتحار الجماعي في ظل تفشي معدلات الجريمة والعنف في المجتمع سواء عنف السلطة أو عنف المسلحين أو حتى العنف المجتمعي، وأفضي الوضع الاقتصادي المتدهور إلى زيادة معدلات الجريمة والطلاق والإدمان في ظل غياب رؤية أو إستراتيجية تحكم البلاد وتقوي مناعته في مواجهة عواصف العولمة والتغريب في ظل عدم اكتراث النظام بأمن المجتمع بقدر اهتمامه  بتعزيز عوامل بقاء النظام وضمان استمراره حتى لو كانت هذه الظواهر ترجمة حقيقة لتوجهاته وسياساته التي أفضت إلى اقسام مجتمعي حاد يقوض أي توجهات جادة نحو استقرار المجتمع واستمراره يهدد الأمن القومي.

 ولا حل إلا بتعزيز  الانتماء عبر  العودة إلى المسار الديمقراطي الذي جاء ثمرة لثورة 25 يناير والإقرار بأهمية الديمقراطية والتعايش المشترك وإسهام الجميع في بناء الوطن على أساس توافر الحريات والعدالة والمساواة أمام القانون دون إقصاء أو تهميش أو عنصرية.

 



[1] جهاد الأنصاري/ فيديو..السيسي: أنا مش قلقان من الإلحاد/ "مصر العربية" 14 يوليو 2015

[2] دندراوي الهواري/مصر الأولى فى الإلحاد ورقم 13 عالميا فى الإرهاب.. «إزاى مش عارف»؟!/ "اليوم السابع" الإثنين، 08 يناير 2018

[3] ياسمين مبروك/ بالأرقام.. مصر الأولى عربيًا في انتشار الإلحاد.. و"الإخوان" السبب/ الفجر الأربعاء 12/سبتمبر/2018

[4] التنظيم السرى للملحدين فى مصر/ الصباح الكويتية 21 نوفمبر 2013م

[5] هبة حسام/تعرف على 10 محافظات تخطى عدد سكانها 5 ملايين نسمة بداية 2018/ اليوم السابع 09 مارس 2018

[6] ترجمة أيمن محمود/جارديان تسخر من إحصائية "الإفتاء" عن الملحدين/"دوت مصر" الأحد، 14 ديسمبر 2014

[7] تامر علي/كشفت عنها تزايد قضايا الطلاق بسبب إلحاد أحد الزوجين..تصاعد معدلات الإلحاد بمصر منذ الانقلاب.. لماذا؟/ "عربي 21" الأربعاء، 15 مارس 2017

[8] الجريمة في مصر… أرقام مقلقة (إنفوغراف)/ "عربي "21" الخميس، 30 أغسطس 2018

[9] الغلاء يدفع المصريّين إلى الجريمة/العربي الجديد 23 يونيو 2018

[10] أحمد حسن/ الجريمة في مصر…تزايد السرقة والسطو المسلح مع غلاء المعيشة/ العربي الجديد 4 يوليو 2017

 

[11] الحكومة اعترفت بتفاقم الظاهرة.. لماذا أصبح إدمان المخدرات بمصر ضعف المعدلات العالمية؟/"عربي 21" الإثنين 30يوليو 2018

[12] الإستروكس.. مخدر جديد يظهر في مصر/ الجزيرة نت الإثنين 26 نوفمبر 2018م

[13] أحياء للمخدرات في مصر/ العربي الجديد 11 أكتوبر 2018

[14] منى إمام/ حقيقة صادمة.. حالة طلاق كل 4 دقائق/ بوابة أخبار اليوم الإثنين، 29 أكتوبر 2018

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022