كيان “البحر الاحمر وخليج عدن” .. اسرار وخفايا غير معلنة

 كيان "البحر الاحمر وخليج عدن" .. اسرار وخفايا غير معلنة

باستثناء إسرائيل وإريتريا، فإن معظم الدول المطلة على البحر الأحمر هي دول عربية (مصر، السعودية، الأردن، السودان، اليمن، جيبوتي، الصومال)، وتبلغ نسبة مجموع سواحل هذه الدول 90% من إجمالي سواحل البحر الأحمر، الذي يمتد طوله إلى ما يزيد عن ألفي كيلومتر، ويصل عرضه إلى ثلاثمائة كيلومتر، وتبلغ مساحة سطحه إلى حوالي 438 ألف كيلومتر مربع.

لذلك قد لا تبدو مفارقة أن تقود السعودية مبادرة لتأسيس كيان لـ "دول البحر الأحمر وخليج عدن" يضم السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، ويستثني اريتريا إحدى الدول الرئيسية المطلة علي البحر الاحمر، وكذا الكيان الصهيوني المطل على خليج العقبة.

فالدعوة لتدشين الكيان الجديد تأتي في وقت يجري في إعادة فك وتركيب المنطقة لصالح القوي الكبرى عبر دول عربية وأفريقية تعمل بالوكالة لصالح هذه القوي الكبرى، والترتيب لعدة تسويات دولية وإقليمية منها حصار إيران، وإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة بعد موجة التطبيع الخليجية السابقة، فضلا عن حماية مناطق مرور التجارة العالمية للقوي الكبرى.

إذ أن الاتفاق الذي تم توقيعه بالرياض بين الدول المطلة و على ساحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي باستثناء إريتريا، تحت مسمي "كيان البحر الأحمر وخليج عدن"، سوف يوفر الفرصة لدولة الاحتلال الصهيوني لتكون عنصر متعاونا مع دول الكيان الجديد باعتبارها جزء – بقوة الاحتلال – من مضيق العقبة المتفرع من البحر الاحمر، ويضع قيودا على نفوذ إيران والحوثيين في البحر الاحمر، ويحمي قوافل النفط والتجارة حيث يعبر 13% من إجمالي التجارة العالمية، البحر الاحمر.

أما الاهم من وجهة النظر المصرية والسعودية المفترضة لهذا الكيان الجديد فهو الرغبة في ابعاد النفوذ التركي والقطري عن منطقة البحر الاحمر، خاصة بعدما اعطت الخرطوم جزيرة سواكن القريبة من مصر والسعودية، والمطلة على البحر الأحمر، لتركيا لترميمها باعتبارها كانت مقرا سابقا للأسطول العثماني وتشكل اهمية اثرية وتاريخية، وتخشي القاهرة والرياض من تحويل تركيا لها الي قاعدة عسكرية خاصة أن وزير الدفاع التركي الفريق أول خلوصي أكار ووفد مرافق له، زارا مدينة سواكن السودانية في 7 نوفمبر 2018.

ويأتي هذا برغم شراء السعودية ولاء السودان من إيران لها وقطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران في يناير 2016، ووضع الرياض وديعة بقيمة مليار دولار في البنك المركزي السوداني، وتحويل السعودية مساعداتها العسكرية من لبنان إلى السودان، وقيمتها خمسة مليارات دولار في فبراير 2016.

ويبدو أن تبني السعودية للكيان الجديد يأتي أيضا ضمن عدة تحركات لحصار النفوذ الايراني وحماية الأمن بالبحر الأحمر ضد التهديدات الإيرانية، كما أنه يأتي كخطوة سابقة في حال التوصل لأي تسويات لإنهاء الأزمة اليمنية الراهنة، بعدما أصبح التهديد الحوثي (والايراني بالتبعية) للملاحة في البحر الاحمر امرا واقعا عقب استهداف سفن نفط وسفن حربية سعودية واماراتية.

لهذا يعتقد أن أحد أهداف الكيان الجديد هو ابعاد وعرقلة التوسع الإيراني والتركي والقطري معا بالبحر الأحمر، واتفاق دول كيان البحر الاحمر السبعة على أن يجتمع فريق من الخبراء الأمنيين لهذه الدول خلال الأسبوع المقبل بالقاهرة، لوضع خطة العمل الفنية والتنفيذية لشكل الكيان وحركته على أرض الواقع، دليل علي هذا.

ويلفت الاعلان عن هذا الاتفاق الانظار بتأكيده على أن الهدف الأساسي منه أمني وسياسي وليس اقتصادي، كما جاء في بيان الخارجية السعودية، الذي تحدث عن "إنشاء كيان يستهدف التنسيق والتعاون في مجالات عديدة على رأسها الأمنية والسياسية".

كما أن تولي السعودية الإنفاق على القوة العسكرية المقترحة التي سوف تقوم بحماية التجارة المارة بالبحر الأحمر، وقيام مصر بمسؤولية التنفيذ يؤكد طبيعة هذه المخاوف من أدوار تركية ايرانية قطرية غير مرغوب فيها في البحر الاحمر، حيث نص الاتفاق على إنشاء تجمع بالمنطقة "يمنع أي قوى خارجية من لعب أدوار سلبية في المنطقة الاستراتيجية"، دون تحديد اسماء هذه القوي.

ورغم هذ أوضح البيان الختامي الصادر حول تدشين هذا الكيان، أنه يأتي "تعبيراً عن الرغبة المشتركة لتعزيز سبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعي لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي".

ترتيبات ما قبل تأسيس الكيان الجديد

بنظرة فاحصة للقاءات والترتيبات السياسية التي سبقت الاعلان عن هذا الكيان يمكن رصد وتبين أهدف هذا الكيان وتكشف اسراره وخفاياه غير المعلنة.

فقد سبق تدشين هذا الكيان تشجيع السعودية والامارات لإعادة العلاقات الاثيوبية مع اريتريا، والضغط على الاخيرة بأموال خليجية، كي لا تكون عقبة في وجه تنفيذ الاتفاق بالنظر لعلاقتها مع إيران وتركيا وقطر، واستضافت الرياض عدة مفاوضات بين اثيوبيا واريتريا في سبتمبر واكتوبر الماضيين.

إذ تعتبر الامارات والسعودية البحر الاحمر والقرن الأفريقي امتدادا لأمنهما القومي، وتعملان بكل جهد لعدم وجود سيطرة بديلة لهما في هذه المنطقة الهامة خصوصا من إيران أو تركيا أو قطر.

أيضا نفذت مصر عدة تدريبات عسكرية محورها البحر الأحمر مثل التدريبات العسكرية التي ضمت قوات أمريكية وسعودية وإماراتية في المياه الإقليمية بالبحر الأحمر اغسطس 2018، بهدف "إدارة أعمال قتالية لتأمين منطقة بحرية ضد التهديدات المختلفة".

والتدريب البحري بين القوات البحرية المصرية والفرنسية بنطاق قاعدة البحر الأحمر، في ديسمبر 2018، لحماية الملاحة البحرية في الممر المائي الهام بعد تهديدات مليشيا الحوثي الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

والمناورة البحرية المصرية السعودية المشتركة "مرجان 15"، بنطاق البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية في ديسمبر 2018 "لتأمين النطاق البحري بالبحر الأحمر، والتدريب على أعمال الاعتراض البحري والإمداد والتزود بالوقود ومكافحة الغواصات، وأعمال مكافحة التهريب والقرصنة البحرية وتنفيذ حق الزيارة والتفتيش واقتحام السفن المشتبه بها بمشاركة عناصر من القوات الخاصة البحرية من الجانبين".

و"مناورات العقبة"، بين القوات المصرية والاردنية، وكذلك التحركات البحرية المصرية المتواصلة في البحر الأحمر تحت غطاء العملية العسكرية سيناء 2018.

كما أطلقت الولايات المتحدة تدريبات بحرية في البحر الأحمر مع الاحتلال الصهيوني في سبتمبر 2018.

وكل هذه المناورات تبدو تمهيدا لبدء انشطة هذا الكيان الجديد المتوقع ان يكون لبنة في الناتو العربي أو بديلا عنه حال فشله بسبب الخلافات الخليجية مع قطر.

ولا يبدو أن هدف هذا الكيان بعيدا عن خريطة القواعد العسكرية في الدول المطلة على البحر الأحمر التي تقيمها دول اجنبية وعربية وتتقاطع مصالحها مع مصالح مصر والسعودية.

فسواحل جيبوتي تضم عددا من القواعد العسكرية، أقدمها القاعدة الفرنسية، وتضم ما يقرب من 2000 جندي فرنسي، وهناك نفوذ اثيوبي وطموح في استئجار قاعدة جيبوتية تكون نواه للقوة البحرية الاثيوبية، حيث تدين جيبوتي لإثيوبيا بمساعدتها على تطوير ميناء جيبوتي باعتبار إثيوبيا أكبر مستخدم لهذا الميناء، عقب استقلال إريتريا في عام 1993، وخسارة إثيوبيا لسيادتها على موانئ مصوع وعصب.

وإلى جانب القاعدة الفرنسية، هناك القاعدة العسكرية الأمريكية، وهي أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا، فبعد تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998، وتفجير السفينة "كول" بالقرب من السواحل اليمنية في عام 2000، وما تبعها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ودخول القارة الأفريقية في إطار الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، أنشأت الولايات المتحدة "فرقة العمل المشتركة للقرن الأفريقي (CJTF-HOA) عام 2002.

كما استضافت جيبوتي منذ عام 2010 أول قاعدة عسكرية لليابان خارج حدودها منذ عام 1945، وتضم 400 عنصرا في إطار مكافحة ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية. أيضا افتتحت الصين في أغسطس2017 أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا في جيبوتي.

وبالإضافة إلى هذه القواعد، أنشأت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في العالم في الصومال وافتتحتها في العام 2017، في الوقت الذي وضعت السودان جزيرة سواكن القريبة من الحدود المصرية تحت الإدارة التركية.

كما اتجهت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية عقب اندلاع الحرب في اليمن في مارس 2015 إلى توسيع حضورهما العسكري على الجانب الأفريقي من البحر الأحمر، فأنشأت الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا، وقاعدة أخرى في بربرة بجمهورية أرض الصومال، ووقعت المملكة العربية السعودية على اتفاق مع جيبوتي بإنشاء قاعدة سعودية في البلاد.

أيضا استغلت إسرائيل علاقاتها بإريتريا لإنشاء قواعد في "رواجيات" و"مكهلاوي" على حدود السودان، كما تمتلك إسرائيل قواعد جوية في جزر حالب وفاطمة عند مضيق باب المندب، وقامت باستئجار جزيرة دهلك حيث أقامت قاعدة بحرية.

وتبرر إسرائيل هذا الوجود بمخاوفها الأمنية من المحاولات الإيرانية للوجود في البحر الأحمر من خلال دعمها لجماعة الحوثي في اليمن والتي تقول إسرائيل إنها تمتلك صواريخ تهدد الملاحة في هذا البحر.

سر استبعاد اريتريا

مع أنه يبدو مفهوما سبب استبعاد اسرائيل من هذا الكيان (رغم أنها أحد المستفيدين منه بشكل غير مباشر)، لا يبدو مفهوما السبب وراء استبعاد اريتريا من هذا الكيان، وكذا إثيوبيا التي رغم أنها لا تطل على سواحل البحر الهام، إلا أنها صاحبة التأثير الأكبر في منطقة القرن الأفريقي، وتسعي حاليا لاستئجار أي ميناء أفريقي قريب منها وبدأت تشكيل قوة بحرية لهذا الغرض.

ولإريتريا ساحل يمتد لمسافة 1150 كم علي البحر الأحمر، بالإضافة لجزر عديدة هامة تتحكم في منطقة القرن الأفريقي بشكل كبير، ومعظم هذه الجزر مؤجرة لتركيا وقطر وإسرائيل والإمارات.

ايضا لا يُعرف كيف سترد الدول المتضررة من هذا الكيان (إيران وتركيا وقطر واريتريا واثيوبيا) على هذا الكيان الجديد، وهل ستسعى لتشكيل كيان مضاد في هذه المنطقة الساخنة لحماية مصالحها بالتعاون مع اريتريا وربما اثيوبيا لخرق هذا الكيان وتفتيته، أم ستكتفي بلعب ادوار ثانوية في البحر الاحمر عبر دول اخري كما تفعل تركيا في السودان، وكما تفعل قطر في الصومال عبر مجموعات موالية لها، واستئجار ميناء بورتسودان لصالح شركة دبي للموانئ، وغيره.

 اهداف الكيان الجديد سياسيا

يمكن بالتالي تلخيص أهداف هذا الكيان الجديد على النحو التالي:

1-   دمج اسرائيل فعليا في أمن البحر الأحمر بعدما أصبح لها قدم في المنطقة عقب تسليم مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وانسحاب القوات المصرية ومن ثم أصبح من حق تل ابيب المرور عبر مضايق البحر الاحمر بحرية دون قيود، وإن كان الدمج غير مباشر.

2-   السعي لمنع إيران – عبر التيار الحوثي في اليمن – من استغلال البحر الاحمر في الوصول الي أفريقيا وهي التي لها نفوذ قوي هناك يدفعها لإحاطة دول عربية مثل السعودية ومصر بمناطق نفوذ.

3-   الحرص على ابعاد النفوذ التركي والقطري عن منطقة البحر الاحمر بعدما اقلق الدخول التركي الي السودان وجزيرة سواكن علي البحر الاحمر مصر والسعودية بالأساس، بسبب الصراع التقليدي بين القوي الداعمة للربيع العربي والدول المناوئة التي تقود الثورات المضادة.

4-   تركيز الكيان الجديد على المجالات الأمنية والسياسية يؤكد أن له هدف عسكري وسياسي يصبان في نفس هدف حلف الناتو العربي الجديد أو التحالف السني الذي تقوده المملكة السعودية ضد إيران.

5-   جزء كبير من مهمة هذا الكيان الجديد هو تولي مهمة حماية قوافل النفط الغربية بالوكالة عن طريق السعودية والدول الستة الأخرى التي لها مصالح وعلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، إذ أن هدف هذا الكيان سيكون هو تأمين لممرات التجارة الدولية التي تستفيد منها الدول الغربية حيث تمر في منطق مضايق البحر الاحمر أكثر من 22% من الحاويات لقناة السويس ومضيق باب المندب.

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022