رفح وماسبيرو والوراق ونزلة السمان و”قطار التهجير” ..


رفح وماسبيرو والوراق ونزلة السمان و"قطار التهجير" ..

 بيزنس أم تفتيت تجمعات الثورة المحتملة؟

 

بدأ طرح مشاريع تطوير منطقة نزلة السمان في عام 2009، ولكن لم يتم هدم اي منزل، ولكن في سبتمبر 2014 نشرت صحف الانقلاب ما أسمته "المخطط الاستراتيجي العام لمنطقة أهرامات الجيزة، ومخطط تطوير منطقة نزلة السمان"، الذي أعدته الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ويتضمن إزالة مساكن منطقة النزلة بالكامل ونقل أصحابها إلى 6 أكتوبر والمريوطية، لإنشاء مناطق المتحف المفتوح.

وحددت خريطة البديل المقترح لاستعمالات الارض، بأن المنطقة سيكون بها فنادق، وأنشطة استثمارية، وأنشطة وخدمات سياحية، ومسار الخط الرابع للمترو، ومحطة ومسار الأتوبيس الكهربائي.

وعلى عكس ما قيل عن إعادة بعض سكان مثلث ماسبيرو والوراق لمناطقهم، يظهر مخطط نزلة السمان تشريد سكانها ونقلهم لمناطق بعيده، وهو نفس المخطط الذي اتبع مع أهالي رفح سيناء، ما يطرح تساؤلات حول الحقيقة؟ وهل هي حلقة جديدة في مسلسل هدم البيوت وتهجير سكانها قسريا تحت عنوان "إزالة التعديات"؟.

وما هي اسباب سياسات الاخلاء القسري هذه؟ هل هي البيزنس؟ أم السعي لخلخلة مناطق عشوائية وتفتيتها باعتبارها بؤر محتملة توفر وقود الثورات الشعبية المحتملة، بدعوي تطوير العشوائيات، خاصة أن بعضها لعب دورا في ثورة 25 يناير مثل مثلث ماسبيرو؟

وتطل منطقة "نزلة السمان" على منطقة اﻷهرامات بالقرب من المتحف الكبير، ويعتمد اقتصاد سُكّانها بشكل أساسي على العمل في النشاط السياحي، لذلك جاءت احتجاجات اﻷهالي والعاملين بسبب تخوفاتهم من إزالة المنطقة بالكامل رغم الحديث عن ازالة 4 عمارات فقط بسبب سوابق سلطة الانقلاب في تهجير أهالي مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق ورفح سيناء ومطروح وهدمها.

وكانت الحكومة قد فصلتها عن المنطقة الأثرية بسور أسمنتي عرضه 4 كيلو وارتفاعه 8 أمتار، ولكن لا يزال الخلاف والجدل قائم بين الحكومة التي تراها منطقة أثرية، وبين الأهالي الذين يعتبرونها أرض أجدادهم وملك لهم.

ويعيش بالمنطقة قرابة الـ 300 ألف مواطن، منذ نحو 300 عام، وأغلب المنازل مسجلة بعقود في الشهر العقاري، بحسب عمرو خطاب رئيس الجمعية الأهلية لنزلة السمان.

دلالات الهدم في نزلة السمان والمنتزه

تختلف منطقة نزلة السمان عن مناطق عشوائية اخري استخدمت فيها سلطة الانقلاب القوة الباطشة لإخراجهم منها بالقوة، فغالبية اهالي المنطقة من عائلات كبيرة، ومعظمهم مرشدين سياحيين واصحاب شركات سياحية وفنادق وبازارات ورجال اعمال واعضاء مجلس شعب وضباط شرطة وجيش ووكلاء نيابة وقضاة واطباء ومحامين كبار لهم وزنهم.

وجاء تمركز نفوذ هؤلاء في المنطقة بحكم اختلاط انشطة التنقيب عن الاثار في مصر بأصحاب النفوذ غالبا، وانطلاق عمليات سرقة الاثار وتهريبها من هذه المنطقة التي تعتبر أحد البؤر الشهيرة في هذا الصدد.

لذلك رأي مراقبون أن من اخطاء هذا النظام محاولة الوقوف امام منطقة خطرة وحساسة مثل نزلة السمان، فالأهالي ومن يقف خلفهم من اصحاب النفوذ لن يتنازلوا او يستسلموا بسهولة لتهجيرهم ويبدو الامر بالنسبة لهم من رابع المستحيلات، وهذا ما يفسر سرعة اصدار محافظة الجيزة بيانا يؤكد أنه لا إزالة للمنطقة ولا تهجير وإنما فقط 4 عمارات.

فالخوف الاكبر ان يثور الاهالي في هذا الموقع الحساس جدا امام ابو الهول والاهرامات مباشرة ضد النظام وتتحول المشكلة من هدم بعض المباني المخالفة الي استنفار ثورة جديدة ضد نظام ينتظر الشعب بأكمله اي شعلة للقيام بثورة عليه وازالته، وما يبدو أن سلطة الانقلاب تدركه ولكنها تحاول تنفيذ المخطط تدريجيا.

ومع هذا فأسماء الفيلات والكبائن التي صودرت في المنتزه بالإسكندرية تقول إن هذه سلطة غاشمة وأن رائحة البيزنس القوية لن تمنعهم من هدم المنطقة خاصة في ظل عمليات "تبدل ملكية مناطق النفوذ" حاليا في أكثر من موقع لصالح جنرالات الانقلاب ومن يعاونهم بعدما كانت في ايدي احفاد عسكر 1952، الذين انتهت حقبتهم النفوذية.

فأسماء اصحاب الفيلات والكبائن التي جري هدمها تبين بمنتهي الوضوح أن "السلطة" هي مصدر الثروة والفساد الأول في مصر، وتقول إن النهابين عن طريق السلطة لا حد لجشعهم، وأنه إذ كان اصحاب هذه الفلل من ذوي النفوذ، فهذا كان في السابق في حقبة الخمسينات وحتى التسعينات، بينما الان هناك سلطة انقلاب جديدة ونظام عسكري جديد في حاجة لإطعام اصحاب النفوذ من داخله، ما يعني ايضا أن نزلة السمان ليست بمعزل عن هذه القوة الباطشة الان او غدا.

التهجير القسري وحالاته في مصر

التهجير القسري هو مصطلح يُشير إلى إبعاد شخص أو أشخاص عن موطنهم أو المنطقة التي ينتمون إليها بالإكراه، إما بمبادرة ذاتية منهم خوفًا على حياتهم أو هربًا من عنف أو تضييق ممارس عليهم، أو بإجبارهم من قبل قوى عسكرية أو شبه عسكرية لأسباب مختلفة.

ويوصف التهجير القسري دوليا بانه "ممارسه تنفذها حكومات أو مجموعات متعصبة أو قوي شبه عسكرية ضد مجموعات دينية أو مذهبية، بغرض إخلاء مكان أو منطقه معينة ويرتبط بالتطهير العرقي"، وقد أعتبره نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية "جريمة حرب ".

والمُهجّرون قسريًّا ينقسمون إلى نوعين: مهجّرون/ نازحون داخليًّا، ومهجّرون/ نازحون خارجيًّا، والمقصود هنا بشكل أساسي هو المهجرين قسريًّا داخليًّا وغالبيتهم بفعل تدخل عسكري وشرطي مباشر تصاعد في اعقاب انقلاب 3 يوليه 2013 برغم نص دستور الانقلاب علي عدم شرعية ذلك.

إذ ينص دستور الانقلاب الذي جري تمريره في عام 2014 على منع التهجير القسري، ومع هذا يمارس الانقلاب التهجير القسري دون أن يتصدى له أحد لأنه يملك القوة العسكرية الباطشة، ويسمي الانقلابيون هذا التهجير بأنه "حرب علي الارهاب" و"حرب علي العشوائيات" للتخفيف من أثار جريمتهم.

وتنص المادة 63 من دستور 2014 على "حظر التهجير التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله"، ويعتبر مخالفة ذلك "جريمة لا تسقط بالتقادم".

وتحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 "النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم؛ بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة".

كما أن المادة (7-1-د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تُجرّم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية”.

اسباب ومخاطر التهجير القسري

1-    أحد أبرز اسباب التهجير هو البيزنس حيث تتميز المناطق التي جري او يجري طرد اهلها منها وبيع اراضيها لمستثمرين أجانب بارتفاع اسعارها لوقوعها في مناطق حيوية بوسط القاهرة او في النيل او في المناطق السياحية، بيد أن اختيار هذه المناطق جاء ايضا لأسباب امنية تتعلق بدراسات حكومية تحذر من انها بؤر اغلب التحركات الشعبية ومناطق لتوريد المتظاهرين لهذا جري استهدافها لتفتيتها.

2-    تتمثل أبزر مخاطر التهجير القسري في تشكيل وعي جمعي شعبي معادي للسلطة وقد يرفع السلاح في مواجهته (كما يحدث من تهديد أهالي الوراق بالوقوف ضد تهجيرهم قسريا وانخراط بعض شباب سيناء مع المسلحين)، أو يدخل في موجات عصيان ضد السلطة ومظاهرات واضطرابات، إذ أن ما يؤخذ منه هو أغلي شيء، وهو ارضه التي ولد وعاش عليها وزرعها.

3-     من مخاطر التهجير هو تغيير شكل الحياة في مصر سواء بإذابة اشكال الحياة التقليدية القديمة في الاشكال الحديثة أو بإزالة القديم تماما وتغيير معالم وشكل مصر القديمة وتراثها الجذاب المتمثل في عمارات على الطرازات القديمة واحياء وفق الطابع التاريخي الذي ترصده دراما زمان، لصالح مباني خرسانية تخلو من الجمال مولات وعمارات للأثرياء تغير من شكل الحياة في مصر وتزيد من تقسيم مصر الي مناطق للأثرياء واخري للفقراء والمعدمين بعدما كانت مختلطة على مدار تاريخها.

4-    "التهجير القسريّ يؤدي إلى مزيدٍ من تنفير السكان المتململين أصلا تحت وطأة مظالمهم المزمنة من حكومة السيسي، ما يثير المزيد من مخاطر العنف في المنطقة التي يجري فيها التهجير، وقد تدفع عمليات الإخلاء القسريّ بعض أهالي سيناء إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة، وقد تدفع سكان مناطق مثل الوراق ونزلة السمان لقيادة ثورة ضد سلطة الانقلاب.

5-    التهجير القسري له اثار نفسية واقتصادية عميقة تدفع من يجري تهجيرهم للكفر بمفهوم "المواطنة" ويقلل "الانتماء" ما ينعكس علي تحول البعض الي الهجرة أو السرقة أو العمل "جواسيس" ضد بلادهم أو قطاع طرق أو جماعات عنف.

6-    وجود الجيش في قلب عمليات التهجير القسري وتصدير قائد الانقلاب له للتفاوض مع أهالي المناطق التي سيجري هدمها ونهبها من قبل بيزنس الجيش، يعمق الفجوة بين الجيش والشعب ويحول الجيش لسلطة أمر واقع مكروهة، على غرار "الشرطة" قبل ثورة 25 يناير، ما يشكل مخاوف من انقسامات وتفتت داخل المؤسسة العسكرية.

7-    التهجير القسري للأهلي برغم امتلاكهم عقود رسمية يعني انه لا قيمة للقوانين والعقود الرسمية الموثقة في ظل بطش القوة والقمع الذي تصدره سلطة الانقلاب في تعاملها مع الشعب ما يزيد الاحتقان وغليان مرجل البخار، ويهمش القانون ويزيد من الاعتماد على القوة في تحقيق مصالح أي فئة في مصر.

بيزنس المناطق العشوائية

لا أحد يعرف حجم أو عدد المناطق العشوائية في مصر بدقة، فالجهاز المركزي للإحصاء يقول إنها 1221 منطقة، ومركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء يحددها بـ 1034 منطقة، بينما معهد التخطيط القومي يرصد 1109 منطقة عشوائية في مصر، وتقارير وزارة الإسكان والتعمير تتحدث عن 805 منطقة.

ومع هذا فمن بين هذه المناطق فقط اختارت سلطة الانقلاب مناطق مثل مثلث ماسبيرو او جزيرة الورق وغيرها لتدعي أنها تسعي لتطويرها بينما يعيش أهالي باق المناطق في فقر وانهيار مرفق لا سبق له.

هي بالتالي ليس مصادفة أن تختار سلطة الانقلاب هذه المناطق، وإنما جاء اختيارها لأسباب اقتصادية وامنية للتحرك فيها، سواء باتجاه خلخلة الكثافة السكانية بها باعتبارها مناطق ضغط ثوري، أو باعتبارها مناطق ذات قيمة مالية كبيرة أو لأسباب تفريغها من السكان لصالح اهداف سياسية.

فالتهجير القسري في سيناء جاء لخدمة الاحتلال على حساب اصحاب الارض المصريين، وبهدف حماية حدود اسرائيل والحفاظ علي امنها القومي بطلب صهيوني وأمريكي، بينما التهجير القسري لأهالي مناطق عشوائية اخري بقلب القاهرة وغيرها، جاء ليخدم بيزنس جنرالات الجيش مع رجال أعمال خليجيين.

ففي ظل توحش بيزنس جنرالات الجيش وانتشاره في كل ارجاء مصر، وخاصة الاراضي، ركز الجنرالات على الجزر النيلية في نهر النيل باعتبارها الاكثر والأعلى ربحا، لبيعها بأسعار خيالية.

وسبق أن حذر الدكتور مصطفي الفقي، في لقاءات سابقة مما أسماه "ثورة الجياع" في هذه المناطق العشوائية التي قال إنها "أمر محتمل حدوثه لأن القاهرة محاطة بحزام يتكون من قرابة 17 مليون مواطن في المناطق العشوائية حاليا.

كما نوقشت مخاطر هذه المناطق العشوائية لضمان تجنب اندلاع ثورة الجياع وتفتيت البؤر المحتمل ان تخرج أي مظاهرات منها سابقا ومستقبلا.

لماذا التهجير القسري؟

يمكن تلخيص أهداف ذلك التهجير فيما يلي:

1-    يقوم الانقلاب العسكري على دعامتين هما "السلطة" و"الثروة"، وفي اعقاب تنفيذ الانقلاب في 3 يوليه 2013 والاستيلاء على السلطة والرئاسة، بدأ جنرالات الانقلاب السيطرة على البيزنس وخاصة "بيزنس الأرض"، ما استدعي المواجهة مع الشعب كله وأصحاب العشوائيات للاستيلاء على أراضيهم لبيعها أو تنفيذ مشروعات استثمارية للكبار، وجري استخدام القوة الغاشمة لطرد كل من يرفض او يعترض، حيث تسلم الأرض لمستثمرين خليجيين مقابل مليارات الدولارات في جيوب العسكر.

2-    البيزنس هو سبب ترحيل الانقلاب لأهالي ماسبيرو ومنشية ناصر، والسعي لطرد سكان جزر لنيل خاصة الوراق، ونزلة السمان، ومطروح قسريا، وما يجري اشبه بـ "سايكس بيكو" مصرية في مصلحه القيادات الفاسدة بالمجلس العسكري، حيث يستغل الجنرالات سيطرتهم على الحكم للاستيلاء على هذه الأراضي، كما يفعلون أيضا عبر بناء مشاريع وفنادق ضمن بيزنس السياحة علي البحر في الإسكندرية والعلمين ومدن ساحلية أخري تحجب الرؤية.

3-    منذ هزيمة 67 عمد عبد الناصر وجنرالاته على استصدار قوانين تجعل كل أراضي مصر ملكا للجيش خاصة الأراضي الصحراوية والساحلية، ومع التوسع في البناء وزيادة عدد السكان أصبحت هذه الأراضي هي خزينة الجيش، وعقب الانقلاب أصيب جنرالات الانقلاب بنهم الاستيلاء على أي أراضي والدخول في أي بيزنس يوفر لهم أموال دون أن يجرؤ أحد على التصدي لهم ولمشاريعهم حتى ولو كانت تخالف القوانين المحلية والدولية باعتبار أن هذا يقوي شوكة الحكم العسكري ويكمل منظومة السيطرة على السلطة، ما يجعل أي محاولات مستقبلية لخلع الحكم العسكري وإنهاء نفوذ العسكر امرا مستعصيا.

4-    السعي لتفتيت مناطق مثل مثلث ماسبيرو ثم الوراق ونزلة السمان وضمنها أيضا مناطق عشوائية اخري يخفف أعباء واحتمالات الخروج الجماعي للغاضبين من أبناء الشعب في مظاهرات حال وقوع أي اضطرابات مستقبلية يتوقعها الانقلاب خصوصا مع تزايد الاحتقان بتنفيذ أوامر صندوق النقد الدولي التي لا يتحمل اثارها الضارة سوي الفقراء والبسطاء لا الأثرياء، ومن ثم تخفيف عبء تفريق أي مظاهرات تتجمع من مناطق مختلفة عكس الدخول في بحر بشري ينطلق من مناطق عشوائية.

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022