لماذا يسرع “السيسي” الاعدامات السياسة… تقدير موقف

 


لماذا يسرع "السيسي" الاعدامات السياسة… تقدير موقف

 

رغم النداءات الحقوقية المتكررة المطالبة بوقف أحكام الاعدام الجائرة في مصر لمخالفتها ابسط قواعد العدالة وانتزاع الاعترافات بالتعذيب من المتهمين زورا، نفذت سلطات الانقلاب العسكري في مصر، حكم الإعدام بحق 9 من رافضي الانقلاب، بقضية "اغتيال النائب العام"، هشام بركات، لتصبح هذه ثالث عملية إعدام في "فبراير الاسود" 2019، بعد إعدام 6 شباب اخرين.

وقالت منظمة العفو الدولية أن تنفيذ حكم الإعدام بحق 9 أشخاص بعد محاكمات جائرة يعد "عاراً" لأن اعترافاتهم جاءت تحت وطأة التعذيب، و"علامة واضحة على أن السلطات المصرية تتجاهل الحق في الحياة بشكل مطلق".

وأضافت أن "اعدام الذين أُدينوا في محاكمات شابها التعذيب ليس من العدالة في شيء؛ بل شهادة على مدى وقوع الظلم في البلاد" ويجب أن تتوقف فوراً موجة الإعدام الدامية هذه التي قامت سلطة الانقلاب خلالها بإعدام الناس بشكل متكرر بعد محاكمات فادحة الجور، في الأسابيع الأخيرة.

وقالت منظمة هيومان رايتس وواتش: "نحن ضد عقوبة الإعدام على الأخص حين يكون القضاء كما في مصر منعدم الاستقلالية بشكل شبه كامل"، ووصفت إصدار احكام الإعدام وتنفيذها بعد محاكمات جائرة بأنه "يؤدي لتفاقم التوترات في مجتمع منقسم".

وبدأ نظام السيسي تنفيذ أحكام الإعدام منذ شهر تقريبا تزامنا مع رغبة سلطة الانقلاب الجامحة في تعديل الدستور لتحويل مصر الي "ديكتاتورية دستورية" بإعدام 6 في أسبوع واحد، 3 منهم في قضية كرداسة (13 فبراير 2019) ثم قضية نجل المستشار (7 فبراير 2019) وختمها بتنفيذ أحكام قتل 9 اخرين من الشباب ليرتفع العدد الي 15 اعدام منفذ في شهر واحد (فبراير) من عام 2019 بينما كان عدد من تم إعدامهم في عام 2018 إجمالي 14 مصريا.

وبموجب حكم اعدام الشباب التسعة في قضية هشام بركات تكون محكمة النقض (وهي الملاذ الأخير والمحكمة التي ارتبط اسمها بالتحفظ والتريث في تأييد أحكام الإعدام) قد ايدت أحكام نهائية بالإعدام للمرة الرابعة عشرة خلال عام واحد في قضايا تشوبها عيوب إجرائية وانتهاكات بحق المتهمين.

وذلك في اعقاب استبعاد السيسي قضاة المحكمة الذين كانوا ينقضون احكام الاعدام لاستنادها على شهادات ضباط امن الدولة فقط والتعذيب، وتعيينه قضاة موالين له بموجب قانون "تعيين الهيئات القضائية" الذي سلب القضاء مزيدا من استقلاله.

وبعد أن تم كانت مصر تتنافس مع الانظمة الديكتاتورية الأخرى في العالم على أكبر عدد سجناء سياسيين، وأكبر عدد محبوسين احتياطيا، وأكبر عدد صحفيين سجناء، تنافس الان على أكبر عدد تنفيذ أحكام الاعدام.

بموجب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية صدر في عام 2018، 55 حكمًا نهائيًّا بالإعدام في 16 قضية في عام واحد، من بينها قضيتان حكمت فيهم المحكمة العليا للطعون العسكرية وقضت بإعدام 4 متهمين من المدنيين.

وبموجب منظمة نجدة لحقوق الانسان جري تنفيذ 14 إعدام عام 2018، وصدر 41 حكم اعدام نهائي و193 حكم إعدام غير نهائي.

وبتنفيذ الإعدام بقضية "هشام بركات"، وقضيتي كرداسة ونجل المستشار، والاولي تم فيها لأول مرة الاعدام بحق أحد أبناء قيادات جماعة الإخوان المسلمين (أحمد محمد طه وهدان) عضو مكتب الإرشاد؛ يصبح هناك 59 حكما نهائيا بحق معارضي الانقلاب في انتظار التنفيذ بأي وقت.

وفي 2017 زادت احكام الاعدام بمصر في عام 2017 إلى نحو 402 حكم، تم التأكد من إعدام 49 مصريا منهم في هذا العام، وهو ضعف عدد من أُعدموا في 2016، و7 أضعاف من أُعدموا في 2015.

وحتى اليوم الاول من عام 2018 بلغ عدد المحكوم عليه بأحكام بالإعدام في مصر حضورياً 1162، والمحكومين عليهم غيابياً 325، والمحالين للمفتي 1487، وبلغت أحكام الاعدام النهائية التي تنتظر التنفيذ 14، وقضايا الإعدام العسكري والمدني 64، وعدد من نفذ فيهم الحكم حتى ذلك الحين 22 مصريا.

19 قاضيا أصدروا 1056 حكم إعدام في 5 سنوات

وكشف موقع "عربي 21" عن قائمة تُوثّق أسماء القضاة الذين أصدروا أحكاماً جماعية بالإعدام خلال السنوات الخمس الماضية، أظهرت أن 19 قاضياً قد أصدروا خلال السنوات الخمس الماضية (1056 حكماً)، في محاكمات غير عادلة، من إجمالي (1320 حكمًا بالإعدام).

وذلك بخلاف صدور أحكام من القضاء العسكري الاستثنائي غير المعترف به دوليًا، بلغت (200 حكمٍ) في حق مدنيين تمَّت محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.

وكانت دوائر هؤلاء القضاة الـ 19 دوائر قضائية استثنائية انشئت عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وباشرت قضايا سياسية، وأصدرت أحكام الإعدام بإجراءات سريعة وموجزة، تفتقد لضمانات المحاكمات العادلة وتجاهلت شكاوى المتهمين بشأن تعذيبهم وانتزاع الاعترافات منهم.

ويتصدَّر القاضي محمد ناجي شحاتة المركز الأول من حيث عدد أحكام الإعدام التي أصدرها، والتي بلغت (263 حكمًا)، ولُقّب بـ "قاضي الإعدامات" في مصر، مُتصدّرًا مشهد القضاء الاستثنائي غير الدستوري.

ويأتي في المركز الثاني؛ القاضي سعيد صبري، الذي أصدر (220 حكمًا) بالإعدام، وهو صاحب أكبر رقم إحالة للمفتي في تاريخ مصر، حيث أحال لمفتي الجمهورية أوراق (683 متهمًا) في القضية المعروفة إعلاميًا بـ "أحداث مركز العدوة بمحافظة المنيا – جنوب مصر"، ثم قضى بإعدام (183 مُتهمًا)، بعدما إحداث ضجّة كبيرة في مصر والعالم، وانتهي الامر بإلغاء الاعدامات، وصدور احكام بالسجن المؤبد ضد المرشد العام لجماعة الاخوان د. محمد بديع" و64 آخرين في القضية.

أما المركز الثالث؛ فقد احتلّه القاضي “شعبان الشامي”، حيث أصدر (160 حكمًا)، فيما جاء القاضي “حسن فريد” في المركز الرابع القاضي بـ (147 حكمًا)، والقاضي “محمد شيرين فهمي” في المركز الخامس القاضي بـ (46 حكمًا).

وفي المركز السادس جاء القاضي سعيد يوسف سعد، والذي قضى بإعدام (37 مواطنًا)، وسبق له إحالة أوراق (528 مواطنًا) للمفتي في القضية المعروفة إعلاميًا بـ أحداث مركز مطاي، وفي المركز السابع القاضي معتز خفاجي، بـ (30 حكمًا)، والقاضي أسامة عبد الظاهر في المركز الثامن بـ (26 حكمًا).

وجاء في المركز التاسع والتاسع مكرر القاضيان صلاح حريز وشبيب الضمراني، بـ (21 حكمًا) لكل قاضٍ على حدة، واحتلَّ القاضي علاء شجاع المركز العاشر بـ (18 حكمًا).

وتصدَّر المركز الحادي العاشر والحادي عشر مكرر، القاضيان نبيل صليب وفرحان بطران، حيث أصدر كل واحد منهما (12 حكمًا)، وجاء القاضي حسين قنديل في المركز الثاني عشر بـ (11 حكمًا).

كما تصدَّر المركز الثالث عشر ثلاثة قضاة، حيث أصدر كل واحد منهم (8 أحكام)، وهم: القاضي فتحي البيومي، والقاضي حفني عبد الفتاح، والقاضي عبد الله عبد السميع عبد الرحمن سالم".

أما في المركز السادس عشر، فجاء القاضي فتوح السيد علام، حيث أصدر (5 أحكام)، وفي المركز السابع عشر والأخير القاضي جمال عقرب، الذي أصدر (3 أحكام).

دوافع تسريع الإعدامات

يمكن رصد عدة دوافع لتسريع سلطة الانقلاب الاعدامات في الايام القليلة المقبلة على النحو التالي:

(أولا): الانتقام والرد على قتلي الشرطة في الدرب الاحمر والجيش في العريش

فقد اغضب مقتل 3 شرطيين بينهم عقيد في امن الدولة كانوا يطاردون شاب متهم بتنفيذ انفجار الجيزة 15 فبراير الجاري 2019، سلطة الانقلاب وصدرت دعوات للانتقام واعدام من صدرت بحقهم أحكام إعدام، خاصة أن السيسي كان ابرز من طالب بهذا في جنازة النائب العام.

كما أغضب سلطة الانقلاب، وهز مصداقية المجلس العسكري الحاكم الذي يقوم بهجوم استغرق عاما لتطهير سيناء من الارهابيين (العملية الشاملة)، الهجوم الذي قام به مسلحين على كمين العريش وأسفر عن قتل 15 ضابط وجندي.

لذلك لا يستبعد أن يكون تسريع أحكام الاعدام جاء ردا على هذه الحوادث، خاصة أنه كانت هناك درجة اخري للتقاضي اهملتها سلطة الانقلاب، وبادرت بتجميع المحكوم عليه بسجن الاستئناف وتنفيذ الحكم فورا بإعدام التسعة.

إذ جاء إعدام الشباب التسعة مخالفا لأبسط قواعد العدالة التي لا تجيز الحكم علي أشخاص بناء على مواد اتهام باطلة ولا ان يتم إعدامهم إلا بعد استنفاذ كل طرق التقاضي (مرفق شهادة لدعوي منازعة تنفيذ أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بوقف تنفيذ الاعدام لصدوره بناء على مواد باطلة).

وتكرر تنفيذ أحكام اعدام كنوع من الانتقام السريع من جانب سلطة الانقلاب ردا علي قتل ضباط جيش او شرطة، في وقائع مشابهة.

ففي اواخر 2018 تم إعدام 19 مدنيًّا على الأقل في خلال أسبوع استنادًا إلى أحكام صادرة عن القضاء العسكري تفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة تزامنًا مع تزايد استهداف عسكريين في سيناء.

فقد تم تنفيذ حكم الإعدام على أربعة أشخاص في القضية رقم 22 لسنة 2015 جنايات عسكرية طنطا والمعروفة إعلاميًّا بقضية "إستاد كفر الشيخ"، ليرتفع العدد الي 19 شخص على الأقل تم إعدامهم في خلال أسبوع واحد فقط في سابقة لم تشهدها مصر في تاريخها الحديث.

بحسب بيان اصدرته عدة مجموعات حقوقية 2 يناير 2018: "يخشى الموقعون ان يكون تنفيذ تلك الأحكام جاء كرد فعل سياسي وذلك بعد عدة أيام من وقائع استهداف مسلحين لمدنيين وعسكريين في يومي 28 و29 ديسمبر 2017 (في يوم 28 ديسمبر لقي الحاكم العسكري لمنطقة بئر العبد ورمانة المقدم أحمد الكفراوي مصرعه، وذلك عقب استهداف مسلحين سيارة "همر" بعبوة ناسفة، في منطقة السبيكة غرب العريش في محافظة شمال سيناء، بينما قُتل مجند بالقوات المسلحة وأُصيب اثنان في هجوم استهدف مقر "الكتيبة 103" في وسط سيناء في نفس اليوم وفي 29 ديسمبر وقع  هجوم على كنيسة مارمينا في حلوان أسفر عن مقتل ثمانية مواطنين مسيحيين وأحد أفراد الشرطة).

(ثانيا): إخراس المجتمع بكامله لتمرير التعديلات الدستورية

هذه الإعدامات تستهدف إخراس المجتمع بكامله وتمرير التعديلات الدستورية التي تدشن سلطة الطغيان رسميا وتجعلها دستورية، ولذلك قد تكون او لا تكون موجهة إلى جماعة معينة أو فصيل بذاته، ولكن الهدف منها هو استمرار سياسة الانقلاب في "الصدمة والترويع" بهدف إرهاب من يعارضون التعديلات، فضلا عن تقديم المبرر أمام الشعب بأنه يسعي بالتعديلات للرد على "الارهاب".

(ثالثا): جزء من سياسة الردع والتخوف المستمرة وتعبير عن قلق السلطة من تنامي المعارضة

تسريع وتيرة احكام الاعدام وتنفيذها مؤشر على خوف وقلق سلطة الانقلاب من تصاعد المعارضة ضده واصطفاف المعارضين عموما مع الاخوان (بصرف النظر عن رفض البعض) ضد الانقلاب، ومن ثم السعي للرد بمزيد من القتل لتخويف معارضيه وحماية نفسه.

وبالتالي فهي جزء من "سلسلة الردع" التي ينفذها السيسي للحفاظ على انقلابه منذ اغتصابه السلطة والتي تتكون من حلقات: القتل (بالإعدام والاهمال الطبي وفي الشوارع خارج نطاق القانون – التعذيب – الخ)، والاخفاء القسري، والقمع والاعتقال (60 ألف معتقل)، وبناء المزيد من السجون (21 سجنا في عهده حتى الان)

اعدامات وسط صمت دولي

من يميز تزايد احكام الاعدام في مصر وتنفيذها من جانب سلطة الانقلاب، واغلبها أحكام سياسية لا عدلية، أنها صدرت ولا تزال وسط صمت الدول الكبرى وتجاهل ساسة الغرب لهذه المقتلة التي تجري في مصر من جانب نظام الانقلاب لمعارضيه، ما يجعل الغرب شريكا في هذه الجرائم.

ويمكن تفسير وإرجاع هذا الصمت الغربي الي امرين:

(الاول): أن طبيعة النظام الدولي الحالي والاجواء الاقليمية والدولية غير مواتية لمعارضة الاعدامات او التدخل في مصر، لأسباب تتعلق بتوجهات وطبيعة شخصية من يتولون الحكم في غالبية العواصم الاجنبية، حيث يحكم امريكا رئيس يميني معادي للتيار الاسلامي والربيع العربي، وداعم بقوة للسياسة البراجماتية (النفعية) التي اثمرت دعمه للسيسي وسلطة الانقلاب مقابل مصالح هائلة لأمريكا واسرائيل.

ويحكم غالبية العواصم الاوروبية قادة معادون ايضا للربيع العربي ويبحثون عن مصالح بلادهم مثل الرئيس الفرنسي والمستشارة الالمانية ورئيس وزراء ايطاليا وغيرهم، وبعضهم منشغل بأزمات داخلية مثل بريطانيا وأزمة البريكيست.

(الثاني): أن هناك قناعة اوروبية وغربية أن الاستقرار هو ما يحقق لهم مصالحهم وأن مصر مستقرة ولو بالحديد والنار أفضل من سوريا وليبيا، خصوصا أن مصر أكثر اهمية من الناحية الاستراتيجية للغرب بحكم قربها من اسرائيل والمخاوف من حروب لو جاء نظام مستقل أو معادي لدولة الاحتلال، وبحكم مرور قناة السويس بها، وقدرتها علي مع الهجرة غير الشرعية الي اوروبا عبر القوارب.

ويتصل بهذه القناعة الزائفة حول الاستقرار في مصر، قناعة اخري بان نظام السيسي قدم لهذه العواصم خدمات كثيرة امنية واقتصادية أبرزها صفقات السلاح التي انتشلت صناعات عسكرية مثل الفرنسية من ركودها، حتى باتت هذه الصفقات اشبه برشاوي يدفعها نظام السيسي للغرب، وتهديده لهم بالتغاضي عن الهجرة غير الشرعية سلاحا يبتز به حكومات الغرب.

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022