المذابح الجماعية والمجتمع الدولي.. المصالح تهزم الإنسانية

بقلم: حازم عبد الرحمن

الإبادة الجماعية هي سياسة القتل المنظمة, التي عادةً ما تقوم بها حكومات ضد مختلف الجماعات, وتم تصنيفها كـجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948م, ووضعت موضع التنفيذ 1951م وصادقت 133 دولة على الاتفاقية من بينها روسيا والولايات المتحدة, ومن الدول العربية صادقت مصر والسعودية والعراق و الأردن و الكويت وليبيا والمغرب و سوريا و تونس.

وتحدد الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، وتشمل قتل أعضاء من الجماعة, أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، أو إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية, يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، أو فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة أو نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

أمام هذا التوصيف الواضح فإن جرائم عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر, وبشار الأسد في سورية, وخليفة حفتر في ليبيا, ومحمد بن زايد في اليمن, والكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. هذه الجرائم كلها تقع تحت هذا التوصيف؛ فقد ارتكب السيسي جرائم غير مسبوقة في تاريخ مصر, وقتل الآلاف في مجازر رابعة والنهضة ورمسيس؛ ففي 14 أغسطس 2013، اليوم الذي وقعت فيه مجزرة رابعة حيث قتل فيها الآلاف, وقعت مجزرة فضّ اعتصام ميدان النهضة، وجرى إحراق خيام المعتصمين في الميدان بمن فيها، وانتهى الأمر إلى قتل نحو المائة معتصم، وتلا ذلك مجزرة ميدان رمسيس في أغسطس 2013، التي انتهت بقتل عشرات المتظاهرين، واعتقال الكثير منهم, وحتّى الرياضة والتجمّعات الرياضية لم تسلما من المجازر، فقد قتل 40 شخصا معظمهم من مشجعي نادي الزمالك في صدام مع الشرطة، خارج ملعب الدفاع الجوي، الذي كان يستضيف مباراة بين فريقي الزمالك وإنبي في 8 فبراير 2015.

وتتعدد جرائم السيسي في اعتقال أكثر من 60 ألفا والإخفاء القسري للمواطنين, والتعذيب في السجون, والتصفية الجسدية التي دأبت وزارة الداخلية على إعلانها بين فترة وأخرى, مع ضياع الحريات تماما, والسيطرة الكاملة على وسائل الإعلام, وتسخيرها لتعمل أبواقا للنظام العسكري, وتجري الإدانات الحقوقية لكل هذه الجرائم, ويرفض الاتحاد الإفريقي الانقلاب العسكري, ويطرد مصر من عضويته, لكنه لم يلبث قليلا حتى أعاد إليها العضوية بعد تنازلات السيسي عن مياه نهر النيل لإثيوبيا, وبالتالي لدول حوض النيل, وتضيع حصة مصر من المياه؛ ما يجعلها مهددة في حياتها ومستقبلها؛ ليتضح أن إدانة الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي ليست إلا إجراء شكليا؛ فما جرى بعد الانقلاب واغتصاب السيسي السلطة وتعديل الدستور ليضمن البقاء في الحكم فترات أطول يعني أن كل إجراءاته باطلة, وأنه فاقد الشرعية, ورغم كل ما فعله من تزوير جرى التعامل معه وكأن شيئا لم يكن؛ ما يعني أن المنظمات الدولية تعاني خللا خطيرا يمس شرعيتها هي إذ كيف تقبل التعامل مع وزير دفاع انقلب على رئيسه المنتخب برغم أنها أدانت الانقلاب وقت حدوثه.!

إن ذلك يعني موافقة الاتحاد الإفريقي على الانقلاب على إرادة الشعب المصري الحرة, أي أنه يحابي السلطة الحاكمة حتى لو كانت فاقدة الشرعية.

ويشبه ذلك أيضا موقف الأمم المتحدة, وكل الدول التي حصلت على صفقات مربحة لها مع قائد الانقلاب مثل روسيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة؛ فالمصالح تتقدم على الإنسانية, التي أصبحت في العرف الدولي مجرد شعارات.

*جرائم بشار الأسد

تدخلت الدول الغربية للقضاء على تنظيم داعشبسبب جرائمه الوحشية, بينما تجاهلت دولة داعش الأسدفي سورية التي ترتكب الجرائم نفسها ضد مواطنيها الذين طالبوا ـ سلميا ـ بالتغيير في 2011؛ فكان الرد عليهم بحملة عنيفة لقمع المتظاهرين المدنيين, اندلعت على أثرها الحرب في سورية، وواصل الأسد ذبح السوريين، وقتل مئات الآلاف، وجرى تعذيب عشرات الآلاف وإعدامهم, وتحول ملايين المواطنين إلى لاجئين في الخارج, فهناك أكثر من خمسة ملايين لجئوا إلى الدول المجاورة في تلك المنطقة: تركيا (3.4 ملايين) ولبنان (مليون) والأردن (660 ألفا) والعراق (250 ألف لاجئ), ويمكن أن تزيد الأرقام عن ذلك لأنها ليست الأحدث, وهذه الدول الأربع تستضيف حوالي 41 في المئة من عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في العالم, حسب مركز بيو للأبحاث.

وحسب تقرير للأمم المتحدة، حول مجزرة الحولة؛ قتلت قوات نظام بشار وميليشيات موالية له معروفة باسم الشبّيحةأكثر من 100 مدني في مايو 2012. وكان نصف الضحايا من الأطفال، ثم قاموا بإطلاق نار الرشاشات على المنازل بشكل عشوائي, ومشطوا المنازل لقتل الرجال والنساء والأطفال فيها, ودفعت هذه المذبحة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى تمرير قرار يدين النظام لهجمات متعمدة على المدنيين.

ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتشتعذيب الأطفال السوريين بـ أرخبيل التعذيبالذي يقوم على شبكة واسعة ومعقدة من مراكز التعذيب والاعتقال التي تديرها قوات الأمن السورية وعناصر المخابرات, وكذلك شن هجمات بالسلاح الكيماوي, وإلقاء البراميل المتفجرة على مناطق مدنيّة مكتظّة بالسكان, وقد ظل جيش الأسد يستخدم البراميل المتفجرة؛ مراراً وتكراراً، ولم تلتفت إليه الدول التي تقاتل داعشالتي لا تبعد كثيرا عن بشار, ولكن الذي استفزها واستنفرها فقط هو استخدامه السلاح الكيماوي ضد المواطنين؛ ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قرار بتوجيه ضربات ضد مخازن السلاح الكيماوي, أي أنهم يرفضون استخدام الكيماويفي قتل المواطنين السوريين, لكنهم يوافقون على قتلهم بالبراميل المتفجرة, وهو انفصام خطير في التفكير, يحول الإنسانية إلى سلعة للتجارة؛ فطوال ثماني سنوات من الحرب الوحشية ضد الشعب السوري لم يتحركوا إلا في حالة قصفه بالكيماوي؛ ما يعني ضمنا الموافقة على جرائم القتل والإبادة بشرط عدم استخدام السلاح الكيماوي, وهذه حقيقة واضحة حيث حدث التآمر من الجميع على منع امتلاك الثوار الصواريخ المضادة للطائرات التي تقصفهم بالبراميل المتفجرة, ولو امتلكوها قبل دخول روسيا وإيران لسقط بشار الأسد ونظامه, لكنها المؤامرة, وغياب القانون الدولي, والمتاجرة بالشعارات الإنسانية.

*محمد بن زايد وابن سلمان

يواصل محمد بن زايد مخططاته ضد حريات الشعوب العربية بالانقلابات وإشعال الحروب الأهلية, وأحدث ما قدمه من جرائم على هذا الصعيد الانقلاب الثاني على الشرعية في اليمن, حيث شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن انقلابا على الشرعية في العاشر من أغسطس 2019 , وذلك بعد الانقلاب الأول الذي جرى في صنعاء بقيادة عبد الملك الحوثي, وتلقى دعما سعوديا إماراتيا في البداية بهدف التخلص من التجمع اليمني للإصلاحثم دخلت الدولتان بعد ذلك في تحالف لدعم شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي, وكان التحالف في حقيقته لتخريب اليمن وتفكيكه إلى مناطق صغيرة يسهل السيطرة عليها؛ بحيث يستولي محمد بن زايد على الموانئ والمواقع الاستراتيجية, وتطويق عدوه التاريخي اللدود سلطنة عمان, وتنفذ السعودية وصية المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود بضرورة استمرار إضعاف اليمن ليتحقق أمن المملكة, وقد ارتكب بن زايدجرائم خطيرة في اليمن من قتل واعتقالات وتعذيب في سجون سرية لمواطنين يمنيين, وبالمثل ارتكب بن سلمانجرائم يستحق بسببها أن يمثل أمام المحاكمة, لكن الغطاء الأمريكي موجود لحماية مواليهم في المنطقة, ورغم كل ذلك تؤكد التوقعات أن هذه الأوضاع الشاذة لن تبقى طويلا, لكن المدان فيها هو المجتمع الدولي.

*جرائم حفتر

الجريمة الأولى للجنرال المتقاعد خليفة حفتر هي عمالته للمخابرات المركزية الأمريكية, التي جندته خلال الفترة الطويلة التي قضاها في الولايات المتحدة, ولا يمكن معاقبته على ذلك إلا عن طريق الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها دوليا, والمفارقة أن حفتر يحارب الحكومة الشرعية لبلاده, ويتلقى دعما عسكريا من عدة دول في هذه الحرب, ويحدث ذلك بالرغم من مخالفته توصيات الأمم المتحدة والأعراف الإنسانية؛ فالولايات المتحدة وفرنسا والإمارات والسعودية وقائد الانقلاب في مصر يقدمون كل الدعم لحفتر لكي يهاجم العاصمة طرابلس, ويفشل في كل مرة, ومع ذلك يتواصل دعمه من باريس وأبو ظبي والرياض والقاهرة, وعلى مرأى ومسمع من العالم كله.

*جرائم الكيان الصهيوني

ارتكب الصهاينة جرائم بشعة ومجازر وحشية ضد الشعب الفلسطيني بهدف تطهيرفلسطين من سكانها العرب، وتهجيرهم قسريا, وقد واكب ذلك حملات مكثفة من العنف والإرهاب والمجازر التي شكلت أحد الأسباب الرئيسية لهجرة عرب فلسطين قراهم ومدنهم.

كما رافقت العمليات العسكرية سياسة الحرب النفسية من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلي كي تصل أنباء القتل الجماعي والاغتصاب والهدم إلى الفلسطينيين، لتزرع في نفوسهم حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظا على أرواحهم ومتاعهم وأعراضهم.

ومن أشهر جرائم الصهاينة مذبحة بلدة الشيخ 31/12/1947, حيث قتلت عصابات الهاجاناة نحو 600 شهيد, ومذبحة دير ياسين 10/4/1948, التي استشهد فيها 360 فلسطينيا معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال, وبالقرب منها مذبحة قرية أبو شوشة 14/5/1948 التي راح ضحيتها 50 شهيدا من النساء والرجال والشيوخ والأطفال ضربت رؤوس العديد منهم بالبلطات، وقد أطلق الصهاينة النار على كل شيء يتحرك دون تمييز, ومذبحة الطنطورة 22/8/1948 التي استشهد فيها أكثر من 90 فلسطينيا, ومذابح كفر قاسم وخان يونس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي , ومذبحة مخيم جنين 29\3- 9\4\2002 ,

ويواصل الصهاينة جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة, ويحاصرون قطاع غزة, في ظل تواطؤ دولي ورفض حقوقي واسع, وتجاهل واضح من المنظمات الدولية, وغالبية عواصم العالم .

*متى المحاكمة؟

لن تأتي محاكمة المجرمين السابق ذكرهم على يد أحد غير الشعوب التي طالتها هذه الجرائم؛ فالخارج مستفيد ومؤيد لهذه الجرائم, ما دامت تحقق له مصالحه, لكن الذي لا شك فيه أن الشعوب قد وعت الدرس, واستوعبت السياسة الدولية التي تحركها المصالح فقط, وعلمت أن الطريق الوحيد لنيل حقوقها هو الثورة على الأنظمة المستبدة لنيل الحقوق وتحقيق التغيير المطلوب, وساعتها سيجد العالم نفسه مجبرا على احترام هذه الشعوب, التي لن تتراجع عن القصاص ممن أهانها وأذلها وسفك دماء أبنائها, وأهدر مقدراتها, والمقدمات واضحة في الجزائر والسودان مهما حاولوا الالتفاف أو التعتيم عليها.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022