شارك السيسي، في الدورة (45) لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع، المعروفة إعلاميًا بـ”G7″، في مدينة بياريتز الفرنسية، على مدى ثلاثة أيام من الفترة 24 إلى 26 أغسطس 2019. وهى الزيارة التى شهدت ردود فعل متباينة بين من يرى أنها حققت العديد من النجاحات، وبين من يرى أنها شهدت مجموعة من الإخفاقات.
يرجع حضور مصر إلى قمة مجموعة الدول الصناعية السبع لسببين: الأول/ استجابة للدعوة الفرنسية، حيث أنه من حق الدولة المضيفة أن تدعو عدداً من الدول، التى ترى أنها تمتلك فرصاً استثمارية تتماشى مع الشروط الدولية. والثانى/ هي رئاسة مصر للقمة الأفريقية، حيث يتم دعوة رؤساء المجموعات الإقليمية للتعبير عن وجهة نظرهم.
رواية داعمي النظام :نجاحات مصرية:
ويرى العديد من الخبراء داعمي النظام أن مشاركة مصر فى القمة تحقق لها مجموعة من المكاسب منها:
مكاسب سياسية: تعتبر مشاركة مصر فى هذه القمة هى المشاركة رقم 19 فى القمم الكبرى منذ بداية الفترة الرئاسية الثانية للسيسى (18/6/2018)، وكان السيسي رئيساً لنحو 7 من هذه القمم.
ويعطى حضور مصر لمثل هذه القمم مكانة إقليمية ودولية كبيرة، ويعكس اهتمام العالم بدورها والاستماع إليها فى العديد من القضايا[1]. وما يعكس تزايد هذه المكانة أن عدداً كبيراً من القمم التى حضرتها مصر لم تكن عضواً بها، ومن هذه القمم قمة مجموعة السبع تلك، التى تشارك بها مصر للمرة الأولى[2].
كما يعكس حرص مصر على الحضور الدائم بالقمم الدولية رغبتها فى تحسين علاقاتها مع جميع القوى الدولية، دون التكتل خلف قوة دولية واحدة، حتى لا يتكرر ما حدث بعد 2013، عندما قامت الولايات المتحدة بممارسة نوع من الضغط على النظام عبر تعليق واقتطاع جزء من المعونات العسكرية والاقتصادية لمصر.
بالإضافة إلى أن حضور مثل هذه القمم يعزيز الشرعية السياسية للنظام فى الداخل. خاصة بعد تراجع هذه الشرعية التى كانت تقوم على أساس مواجهة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية والجهادية. والآن بعد أن احتوى جهاز السيسى الأمني الإخوان وقلّص بشكل ملحوظ عدد الهجمات الإرهابية، يعتقد على ما يبدو أن عليه تغيير طريقة تصرّفه أمام الشعب المصري من أجل الحفاظ على قبضته المحكمة على السلطة. ومن بين الطرق للقيام بذلك هي التقرّب من قادة العالم والظهور على الساحة الدولية بأكبر وتيرة ممكنة لكي يُظهر لشعبه أنه لا يزال مهماً[3].
مكاسب اقتصادية: تساهم دول مجموعة الـ”G7″، بـ40% من الناتج العالمي، و60% من التجارة العالمية. وبالتالى فإن حضور مصر للقمة سيساعد على اطلاعها على الخطط المستقبلية والتوجهات الاقتصادية للدول الكبرى في العالم. كما أن تواجد مصر سيساعدها في الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة بها، وسيفتح أمامها آفاق جديدة للاستثمار والتبادل التجاري مع الدول الصناعية الكبرى[4].
كما أنه بصفة مصر رئيساً للاتحاد الأفريقي، يمكنها جذب استثمارات للقارة الأفريقية وعرض فرص الاستثمار بها. خاصة الاستثمار في مجال البنية التحتية في القارة الإفريقية وما يمكن أن تسهم به الدول الصناعية السبع الكبرى والشراكات الدولية للقارة الإفريقية في معاونة القارة على التغلب على هذه المشكلة ببناء المزيد من الطرق والسكك الحديدية، ورفع قدرات الموانئ الإفريقية وغيرها من مشروعات البنية التحتية[5].
إخفاقات النظام:
دعم صفقة القرن:
يبدو أن هناك تحول فى الموقف المعلن من صفقة القرن، فبعد أن كان خطاب السيسي عن الصفقة خلال زيارته إلى واشنطن، في إبريل 2019، متحفظاً حذراً، حيث أعلن آنذاك عن حرص مصر على إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين على حدود 1967. إلا أن السيسى أكد خلال لقائه بترامب على هامش القمة، أنه يدعم الحل الذى “يفتح آفاق جديدة تستفيد منها جميع شعوب المنطقة”، وهذه المرة الثانية، بعد لقاء السيسي بمستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، مطلع الشهر الحالي (أغسطس 2019)، التي تتحدث فيها مصر رسمياً عن قبولها لـ”فتح آفاق جديدة لجميع شعوب المنطقة”، وهو ما يتكامل تماماً مع الرؤية الأميركية، التي تعبر عنها من خلال الشق الاقتصادي للصفقة، والذي تم إعلانه رسمياً في ورشة المنامة في يونيو 2019.
دعم حفتر: طالب السيسي ترامب خلال لقائهما باتخاذ خطوات أكثر فاعلية في الملف الليبي، وتحديداً لدعم حفتر والبناء على التواصل الأخير الذي جرى بينه وبين ترامب بوساطة مصرية، قبيل بدء حملته على طرابلس، وذلك على خلفية ظهور خلافات بين القاهرة وباريس حول أهمية وأولوية دعم حفتر في هذه المرحلة الحرجة من الصراع الميداني في ليبيا. لكن ترامب لم يعد السيسي بشيء ملموس. كما طرح السيسي على ترامب، خلال العام الحالي، حضور مؤتمر في القاهرة، سيركز في الأساس على الشأن الليبي، لكن ترامب لم يبد قبولاً أو رفضاً للعرض، ووعد بالتفكير فيه على ضوء التزاماته المختلفة.
كما فشل السيسى فى اقناع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية ( إيطاليا وألمانيا وبريطانيا) فى وقف دعمهم السياسى والعسكرى لحكومة الوفاق.
ملف حقوق الإنسان:
خيم التوتر على اجتماع السيسى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي المستقيل جوزيبي كونتي، اللذين حضرهما معه مدير المخابرات العامة عباس كامل ووزير الخارجية سامح شكري.
وتم توجيه استفسارات عدة للسيسي بشأن ملفات إشكالية، أبرزها جمود التحقيقات في قضية مقتل الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع 2016، وامتناع مصر عن مساعدة إيطاليا في التوصل إلى الحقيقة حتى الآن، حيث اكتفى السيسي بالتسويف وتكرار التعهدات. كما ركزت ميركل فى حديثها مع السيسى على ضمانات حقوق الإنسان في مصر، والوضع الحالي لمنظمات المجتمع المدني، المحلية والألمانية، وما سيستجد بشأنها بعد صدور القانون الجديد لتنظيم العمل الأهلي[6].
ملف الهجرة غير الشرعية:
يحاول السيسى الحصول على دعم مالى كمقابل لجهوده فى وقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وهناك أحاديث عن إعداد وزارة الخارجية ملف لتوزيعه على نطاق واسع بين ممثلي الدول الكبرى الذين يحضرون قمة مجموعة السبع الكبرى، بهدف الترويج لأحقية مصر في الحصول على دعم أوروبي مالي ولوجستي متزايد، بحجة دعم جهود حكومة السيسي في استضافة اللاجئين العرب والأفارقة الذين ينوون الإنتقال إلى أوروبا، والتصدي للهجرة غير الشرعية.
وتأتي هذه الخطوة في محاولة لإحياء المفاوضات التي كانت قد تعطلت بين الاتحاد الأوروبي، ممثلاً في المستشار النمساوي سيباستيان كورتس ودوائر عدة في ألمانيا وإيطاليا، وبين مصر، حول تطوير أفكار مشتركة لدعم استضافة مصر للمزيد من اللاجئين، سواء بالدعم المالي واللوجستي، أو ببحث توطين اللاجئين في مجتمعات صغيرة في البلاد، وتمويلها من الاتحاد الأوروبي تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم، وهي الفكرة التي يقال أن الأجهزة المصرية السيادية قد تحفظت عليها وأوصت بطرح بدائل مختلفة.
وكشفت مصادر دبلوماسية، عن أن مصر تحاول حالياً تأمين الحصول على نحو 125 مليون دولار سنوياً في صورة دعمٍ دولي من الولايات المتحدة وأوروبا، بحجة سدّ زيادة الإنفاق في مجالي الصحة والتعليم على اللاجئين من جميع الجنسيات وحصولهم على خدمات في هذين المرفقين موازيةً للخدمات التي يحصل عليها المواطن المصري.
ولكن هناك خلاف بين الطرفين يتمثل فى عدم اعتراف مصر بالأرقام الرسمية المعتمدة لدى المفوضية السامية لرعاية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تدور حول 250 ألف شخص فقط، فى حين أن مصر تؤكد على أنها تستضيف أكثر من 5.5 ملايين لاجئ، من دول أفريقية وعربية[7].
انتقادات لضعف أداء مصر فى رئاسة الاتحاد الإفريقى:
حملت اللقاءات العديدة التي جمعت دبلوماسيين مصريين وأوروبيين، من الصفين الثاني والثالث، انتقادات فرنسية وأوروبية حادة لأداء مصر كرئيس للاتحاد الأفريقي، لعدة أسباب، أبرزها الموقف المهتز الذي أبدته إزاء أزمة السودان الأخيرة وعرقلتها تشكيل المجلس السيادي لفترة طويلة لصالح استمرار المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد، قبل أن تلتحق متأخرة بتلك الجهود التوفيقية في الأشواط الأخيرة لحفظ ماء الوجه. وانتقد الدبلوماسيين الفرنسيين تحديداً انغماس مصر في أنشطة دعائية بعيدة عن التركيز الحقيقي على مشاكل الاتحاد الأفريقي والقارة، وأنها امتنعت عن استكمال المسيرة التي بدأتها رواندا، بدعم فرنسي وأوروبي، لإصلاح مؤسسات الاتحاد الأفريقي، وربط قواعد البيانات الخاصة بتلك المؤسسات بالاتحاد الأوروبي[8].
خاتمة:
يعكس حرص مصر الدائم على حضور القمم الدولية رغبة النظام فى التأكيد على أنه لا يزال محل اهتمام دولى، وهو ما يزيد من شرعيته السياسية فى الداخل، خاصة بعد تراجعها نتيجة التدهور الاقتصادى، واختفاء جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسى. كما تعكس الدعوات الدولية لمصر لحضور مثل هذه القمم، الدعم الدولى للنموذج المصرى الذى يقوم على محاربة الإسلاميين، وهيمنة العسكريين على السلطة.
وعلى الرغم مما تعكسه هذه القمم من تعاون بين مصر والدول الغربية، إلا أن ذلك لا يمنع من إمكانية حدوث خلافات بينهما سواء 1- فيما يتعلق بحجم التنازلات التى يجب أن تقدمها مصر، أو المقابل التى تحصل عليه نظير هذه التنازلات ( مثل الخلاف حول كيفية التنازل عن جزء من سيناء من أجل تنفيذ صفقة القرن، هل سيتم ضمه لقطاع غزة أم بقائه تحت السيادة المصرية، إلى جانب الخلاف حول قيمة المقابل المالى لهذا التنازل. إلى جانب الخلاف حول المقابل المالى الذى يجب أن تحصل عليه مصر نظير جهودها فى وقف الهجرة غير الشرعية). أو 2- الخلافات فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان الذى يمس هذه الدول بصورة مباشرة (مثل قضية ريجينى، أو قانون العمل الأهلى الذى سيؤثر على عمل الجمعيات الأجنبية فى مصر).
[1] الوطن، ” السيسي يشارك في قمة السبع الكبرى ويستعرض قضايا أفريقيا والشرق الأوسط”، 24/8/2019، الرابط: https://bit.ly/345hql5
[2] أحلام حسنين، ” قمة السبع الكبار.. .خبراء: 3 محاور توضح أهمية ودلالات مشاركة «السيسي»”، مصر العربية، 25/8/2019، الرابط: https://bit.ly/2zpxtvN
[3] هيثم حسنين، ” مصر تخطو خطوة أخرى باتجاه الصين”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 19/8/2019، الرابط: https://bit.ly/31Yf7OZ
[4] عبدالله مجدى، ” فوائد سياسية واقتصادية تجنيها مصر من حضور قمة الدول السبع بفرنسا”، الوطن، 23/8/2019، الرابط: https://bit.ly/2L2Qdbm
[5] أحلام حسنين، مرجع سابق.
[6] العربى الجديد، ” السيسي مع السبع الكبار: “صفقة القرن” وحفتر وحقوق الإنسان”، 27/8/2019، الرابط: https://bit.ly/2KZI5Ix
[7] أحمد يونس، ” متسول دولي.. السيسي يساوم الدول السبع الكبار بـورقة “اللاجئين””، بوابة الحرية والعدالة، 21/8/2019، الرابط: https://bit.ly/348PSLK
[8] العربى الجديد، مرجع سابق.