كثير من التكهنات والغموض يحوط بالاعلان عن اقامة مملكة الجبل الأصفر على الحدود المصرية السودانية، والذي جرى يوم 5 سبتمبر الجاري، وسط صمت مصري رسمي في ظروف اقليمية مضطربة حول صفقة القرن، الساعية لتصفية القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في خارج أراضيهم التاريخية، بجانب مساومات يديرها نظام عبد الفتاح السيسي مع الغرب لحل أزمة اللاجئين عالميا ، عبر اقامة مراكز إيواء في مصر مقابل دفع أموال للحكومة المصرية….
حيث ضجت العديد من شبكات التواصل الاجتماعي بتداول مقاطع فيديو، وصور، وخرائط، عن تأسيس كيان سياسي جديد، باسم “مملكة الجبل الأصفر”، بالقرب من حدود مصر والسودان…
وسط صمت مصري وسوداني ، وتشكيك في جدية الإعلان، وأهدافه وتوقيته.
وبحسب مصادر عسكرية مصرية، “حتى الآن ما تم الإعلان عنه “محاولات ليست جديدة، وليس لها أي سند، أو وجود حقيقي على الأرض، وهي عبارة فقط عن تحركات إعلامية ليست لها أي قيمة“.
وتابعت المصادر العسكرية، أن “أجهزة مصرية رفيعة المستوى تتبعت أصول الشخصيات، من الذين يقفون وراء تلك الدعوة، وتعرفهم جيداً وتعرف حجمهم الطبيعي، لذلك لا يوجد قلق لدى القيادة المصرية من تلك الدولة المزعومة“.
الاعلان
وكانت سيدة تدعى نادرة ناصيف، حرجت يوم 5 سبتمبر الجاري، لتعلن عن قيام دولة عربية إسلامية جديدة اسمها مملكة الجبل الأصفر، تقع بين السودان ومصر، ومساحتها تعادل مساحة دولة الكويت.
ونشرت ناصيف، التي يبدو من لهجتها، أنها لبنانية، على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، بياناً، بصفتها “رئيس مجلس وزراء مملكة الجبل الأصفر”، نيابةً عن ملك المملكة المزعومة، لإعلان قيام “مملكة الجبل الأصفر” بشكل رسمي، وذلك بمدينة أوديسا، بأوكرانيا.
ونشرت ناصيف على حسابها رسوماً هندسية ومخططات عمرانية لتلك المملكة المزعومة، وبيانات ورسائل ممن يصفون أنفسهم بوزراء خارجية أو مالية تلك المملكة.
ومن ضمن تلك البيانات، جاء بيان لشخص يُدعى عبد المنان بن إسحاق السبحاني، وصف بأنه وزير الشؤون الإسلامية بمملكة الجبل الأصفر، قدم فيه “التهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، وذلك بمناسبة نجاح موسم الحج لهذا العام“.
وقالت ناصيف، في منشور سابق لها، إن الدولة الجديدة تمثل “الحلم الذي يسعى إليه كل إنسان يشعر بعذاب ومهانة أطفالنا والنساء والعجزة الذين شردتهم الحروب سعياً وراء بقعة أمن وأمان“.
وأضافت: “لم نرهم، سوى أن البرد والحر يأكلان من أجسادهم في الخيم، ونسأل أنفسنا ما هو الحل لمن حرموا من أدنى حقوقهم الإنسانية.. الإنسانية تجمعنا”...
الفكرة
وبحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام عن المملكة، فهي “دولة إسلامية عربية سوف يتم البدء في وضع حجر الأساس لها بداية عام 2020 المقبل، وسوف يتم إنشاؤها في منطقة الشرق الأوسط، تحديداً في شمال إفريقيا بين دولتي مصر والسودان، وسوف تتمتع الدولة الحديثة بالخصائص السياسية واللوجستية مثل دول العالم الأخرى“.
وستشهد نظام حكم ملكياً، مكوناً من ملك الدولة وطاقم مستشاري الملك الذي لم يتم الإفصاح عنه حتى الآن، كما سيتم تأسيس هيئة حكومية، ومجلس وزراء وإقامة العديد من الوزارات لتنظيم وإدارة مؤسسات الدولة، كما أنها ستستقبل أصحاب الشهادات العلمية من أجل أن يشاركوا في بناء المملكة وجعلها بلداً قوياً“.
نادرة ناصيف
رئيس مجلس وزراء الجبل الأصفر، وهي أمريكية من اصل لبناني نشطت في السنوات الماضية بين السعودية وامريكا، وقدمتها وسائل الاعلام السعودية “صحيفة الحياة / قناة العربية” كصاحبة مركز استشاري دولي مختص بالشؤون التعليمية وتعزيز السلام.
بينما يرى الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حمدي عبد الرحمن، إن الحديث هو عن منطقة منعزلة جنوب خط عرض 22 لا تعترف بها مصر ومساحتها 800 ميل اسمها “بيرطويل”. وعادة ما يقصدها المغامرون ويدعون أنهم أسسوا مملكة جديدة لهم، منهم مغامر هندي أعلن عن قيام مملكة ديكست، والمغامر الأميركي الذي أعطاها هدية عيد ميلاد لابنته.
وأضاف، في تصريحات اعلامية، “عموماً هي وفق القانون الدولي يطلق عليها unclaimed land. مؤكداً أنه لا أحد يملك السيادة سوى الدول المعترف بها في النظام الدولي…
اللعب بورقة اللاجئين
وبحسب البيان المعلن من مدينة أوديسا بأوكرانيا، فأن هذه الدولة تسعى إلى تجنيس اللاجئين والمهجرين من حول العالم بهدف حل أزمتهم وفق دعم دولي.. حيث تسعى الدولة لتأسيس مركز تجاري ومالي عالمي بالتعاون وبدعم من العديد من الدول العربية والآسيوية.
وتابع البيان: كثيرون تكلموا وأجروا بحوثاً لعرض أزمة النازحين والمهجرين ومكتومي القيد ولكن يتوقف عملهم في أكثر الأحيان عند هذا الحد، وأما إذا تعداه فيكون لطرح القضية على المؤسسات الانسانية لتأمين بعض المساعدات التي توفر لهم أدنى مستوى من العيش الكريم، أما نحن فقد أخذنا على عواتقنا هذه الأزمة وجميع الدراسات التي نُشرت حولها وجعلنا منها محوراً لرؤية كاملة لتكون هي الحل.
وقال البيان: إننا نؤمن بأن الإنسانية هي أفعال وليست أقوالاً وشعارات، ولهذا السبب بالذات نحن اليوم هنا نطالب بتأييدكم ودعمكم لقضيتنا التي تتمحور في الدرجة الأولى حول حياة الإنسان وعيشه بكرامة واستقرار وأمان..
متابعا: “في ظل تزايد احصائيات اللاجئين حول العالم والأفراد عديمي الجنسية والذين تم حرمانهم من الجنسية في البلدان التي ولدوا بها بسبب عرقهم أو لونهم أو بسبب انتمائهم الديني، ستكون مملكة الجبل الاصفر ملاذاً آمناً لهؤلاء الأشخاص…”..
وهو ما يؤكده المستشار السعودي في مجال الدول ذات الاعتراف المحدود والمتوسط والجديدة والمستشار بالشؤون الجيوسياسية الدكتور عبد الإله اليحيا عزم هذه الدولة على تجنيس أكبر عدد ممكن من اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين وفق خطة معينة في الفترة بين ٢٠٢٠ وحتى ٢٠٤٠م.
متوقعا أن يصبح عدد المواطنين حتى عام ٢٠٤٠م نحو ٢١ مليون نسمة تقريباً.
جدير بالذكر أن كلاً من السودان ومصر يتبرآن من ملكية هذه المنطقة لأن لها علاقة بمشكلة حلايب، فالسودان يقول إن حدوده مع مصر متعرجة وحسب هذا التعريج فإن حلايب سودانية وحسب هذا التعريج أيضاً فإن منطقة الجبل الأصفر أرض مصرية، بينما تقول مصر إن حدودها مع السودان مستقيمة مسطرة، وحسب هذه الاستقامة فإن حلايب مصرية وحسب هذه الاستقامة فإن منطقة الجبل الأصفر أرض سودانية.
وفي هذا السياق ، تبرز مخاوف عدة من دخول المنظمات الدولية والاقليمية وبعض الدوائر الغربية على خط اقامة الكيان المعلن، بشكل فعلي، ما يضع مصر والسودان في مواجهة غير معلومة المصير مع المجتمع الدولي…
وفي 21 أغسطس 2019 أعدت وزارة الخارجية بحكومة السيسي ملفا لتوزيعه على نطاق واسع بين ممثلي الدول الكبرى الذين بقمة مجموعة السبع الكبرى، التي عقدت في 27 أغسطس الماضي، في بياريتز بفرنسا، للترويج لأحقية مصر في الحصول على دعم أوروبي مالي ولوجستي متزايد، بحجة دعم جهود حكومة السيسي في استضافة اللاجئين العرب والأفارقة الذين ينوون الانتقال إلى أوروبا، والتصدي للهجرة السرية.
وجاءت هذه الخطوة في محاولة لإحياء المفاوضات التي كانت قد تعطلت بين الاتحاد الأوروبي، ممثلاً في المستشار النمساوي سيباستيان كورتس ودوائر عدة في ألمانيا وإيطاليا، وبين مصر، حول تطوير أفكار مشتركة لدعم استضافة مصر للمزيد من اللاجئين، سواء بالدعم المالي واللوجستي، أو ببحث توطين اللاجئين في مجتمعات صغيرة في البلاد، وتمويلها من الاتحاد الأوروبي تمهيداً لإعادتهم إلى بلادهم..
وكشفت مصادر دبلوماسية، عن محاولة مصر تأمين الحصول على نحو 125 مليون دولار سنوياً في صورة دعمٍ دولي من الولايات المتحدة وأوروبا، بحجة سدّ زيادة الإنفاق في مجالي الصحة والتعليم على اللاجئين من جميع الجنسيات وحصولهم على خدمات في هذين المرفقين موازيةً للخدمات التي يحصل عليها المواطن المصري.
ولم تكلل مساعي السيسي للحصول على مزيد من الأموال في هذا السياق منذ نهاية العام الماضي حتى الآن، إذ حصلت مصر على أقل من 30 مليون دولار من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي..
وفي العام 2017، أحرجت الأرقام الصادرة عن المفوضية المصرية لشئون اللاجئين، السيسي بعدما أظهرت تقديرات المنظمة أعداد اللاجئين في البلاد بنحو 186 ألف لاجئ، بينهم حوالي 131 ألف سوري.
مخاطر مستقبلية
وأيضا تتزايد المخاوف في ظل السيولة السياسية التي تحياها السودان في الفترة الحالية، مع تعثر مصر الاقتصادي، الذي قد يكون مدخلا لتمرير الفكرة، مع ما تحمله من وجاهة دولية للتخلص من أزمة اللاجئين عالميا…
بدوره، حذر رئيس بحوث السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني رسلان، من أن “مملكة الجبل الأصفر خنجر مسموم في خاصرة مصر والسودان”. مضيفاً على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أنه سيترتب على ذلك “مخاطر وتعقيدات لا حدود لها.. هل من خطوة استباقية بإنهاء أزمة حلايب؟“.
البديل الأمريكي لفلسطين
بحسب ناصيف، دولة الجبل الأصفر هي دولة سلام شاملة لحقوق الإنسان، حيث تمكنه من الحصول علي حياة كريمة يتمتع فيها بالحصول علي الحقوق المدنية والشرعية التي نصت عليها جميع المواثيق الدولية.
وأضافت ان مملكة الجبل الأصفر سوف تكون دولة نموذجية لإيواء الأطفال والمسنين والرجال والنساء الذين أجبروا علي النزوح ومغادرة أوطانهم بسبب الحروب.
وبحسب مراقبين، فالمملكة الحديدة التي أعلن عنها من أوديسا (أوكرانيا) تتستر تحت غطاء إنساني بزعم توفير دولة للمهجرين العرب الذين يطاردون حتى في دول المهجر واللجوء وعديمي الجنسية (البدون) وأنها ستقوم بدعم من شخصيات عربية وسيكون لها دستور حديث مؤسس علي الشريعة الاسلامية وحقوق الانسان ومستمد من دساتير عالمية منها اليابان والسويد وسنغافورة والسعودية والإمارات !!
وهو ما يخشى معه توطين اللاجئين الفلسطينيين في المملكة الوليدة، مع توجيه المليارات الحليجية المرصودة لصفقة القرن إلى المملكة الجديدة، والتي يراها مصادر عسكرية أنها خارج حدود مصر، في ظل عدم حل قضية حلايب بين مصر والسودان…
وتهدف صفقة الثرن لالتي يتبناها الرئيس الامريكي لتصفية القضية الفلسطينية لتمويل مشروعات في دول الجوار الفلسطيني بهدف توطين نحو 6 مليون لاجئ فلسطيني، بجانب نقل عدد كبير من الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل اسرائيليا إلى خارج أراضي الضفة الغربية ومناطق الداخل الفلسطيني..
وقد تناول مؤتمر البحرين الاقتصادي مؤخرا، عددا من المشاريع الاقتصادية ستقام على أراضي مصرية في سيناء، بهدف تسمين اهالي فلسطين ونقل اعداد منهم إلى سيناء كعمال ومستثمرين ، كخطوة تمهيدية…
وتبقى تلك المخاوف قابلة للتحقق في ظل حكم النظام العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي انكشف جزء كبير من فساده المالي في المقاولات بجانب فساد أكبر في صفقات السلاح، ما يؤهله لقبول الأموال مقابل أي شيء يطلب منه دوليا، سواء في سيناء أو في جنوب مصر…
وهو الأمر الذي يهدد الأمن القومي المصري في مقتل…