بقلم: حازم عبد الرحمن
أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية عن صعود المرشحين قيس سعيّد، ونبيل القروي إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعد حصولهما على أعلى نسبتين من أصوات الناخبين؛ حيث حصل سعيد على 18.4% من الأصوات، والقروي على 15.58%, حسب ما أعلنته هيئة الانتخابات التونسية .
وبلغت نسبة التصويت 45% , وهي تقل بنحو 20% تقريبا عن تلك التي شهدتها انتخابات 2014، وأوصلت الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج على حساب الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي؛ ما يشير إلى عزوف واضح عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وخاصة فئة الشباب.
وجاءت نتيجة الانتخابات صادمة, ومخالفة للتوقعات التي كانت تتحدث عن جولة إعادة مرتقبة بين مرشح حركة “النهضة”، عبد الفتاح مورو، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، أو وزير دفاعه المستقيل عبد الكريم الزبيدي، لكن المرشح قيس سعيّد نجح في أن يقلب الطاولة رأساً على عقب، ما جعل النتيجة زلزالا سياسيا ومفاجأة من العيار الثقيل لم يتوقعها أكثر المراقبين خيالا.
*كيف حدثت المفاجأة؟
بحسب ما أعلنته هيئة الانتخابات التونسية سيخوض المرشح المستقل قيس سعيد ونبيل القروي المعتقل منذ 23 أغسطس 2019 بتهمة التهرب الضريبي وغسل الأموال الجولة الثانية التي سيتحدد على أساسها اسم الرئيس التونسي الجديد, وكان من المدهش أن يحتل عبد الفتاح مورو مرشح أكبر حزب سياسي المرتبة الثالثة , بينما الحائز على المرتبة الأولى مرشح مستقل لا ينتمي إلى أي حزب سياسي؛ مما يطرح أسئلة حول دور الأحزاب التونسية ومستقبله.
وهناك عدد من الأسباب والدلالات من المهم الإشارة إليها في هذا الصدد من أهمها:
ـ أن التجربة الديمقراطية في تونس لم تأخذ حظها من التجذر بعد, برغم نجاحها؛ حيث شهدت صعود مرشح غير حزبي إلى الرئاسة.
ـ أن خيار مقاطعة الانتخابات كان مؤثرا؛ حيث انخفضت نسبة المشاركة بمقدار 20% عن الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز فيها الرئيس الراحل السبسي.
ـ أن هناك حالة عدم رضا شعبي عن النخب السياسية تجلت في التصويت لصالح شخصيات مستقلة ضد مرشحي الأحزاب السياسية الكبرى, التي تحكم البلاد منذ الثورة في 2011 .
ـ هشاشة تكوين الأحزاب ـ باستثناء النهضة ـ فحزب “نداء تونس” ليس حزبا واحدا, وإنما هو تجمع سياسي دون رابط حقيقي, كان هدفه مواجهة حركة النهضة في 2011 .
ـ أن حركة النهضة دفعت ثمن التوافق السياسي مع حزب “نداء تونس” بقيادة السبسي, الذي لم يحقق الإنجاز المطلوب فجلب سخط الجماهير.
ـ فقدان ميزة التوافق بين مرشحي الثورة, وظهور علامات واضحة على ذلك, حيث الفشل في عدم الاتفاق على مرشح يمثل الثورة؛ ما جعل هناك خيارا لا يرحبون به متمثلا في نبيل القروي الذي سيخوض الجولة الثانية من الانتخابات.
ـ نجاح أسلوب الدعاية الانتخابية الذي استخدمه المرشح قيس سعيد بعيدا عن الإنفاق الكبير عليها والتمويل الضخم.
ـ أن التدخل الخارجي خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة ليس بعيدا عن المشهد الانتخابي التونسي.
من هما قيس سعيّد ونبيل القروي؟
قيس سعيّد هو أستاذ القانون الدستوري, مؤيد للثورة، ويرفض المساواة في الميراث، ولا يعترف بما يسمى بالدولة المدنية أو الدينية، ومن آرائه أن الاستعمار لا يتسلل للدول العربية عبر الحدود؛ بل “عبر عملائه بالداخل”، وأن قضايا الدين والهوية التي زرعت داخل الدول الثائرة هي لتشتيت أبناء الوطن الواحد”.
أما نبيل القروي فهو رجل أعمال , لا ينتمي إلى الثورة بطبيعة الحال, وهو واحد من اللاعبين الرئيسيين في عالم الإعلان في تونس. ويمتلك مجموعة قروي وقناة نسمة وجرى اتهامه بالتهرب الضريبي وغسل الأموال والاختلاس من خلال شركات الواجهة, كما أنه مثير للجدل لعلاقاته مع الجيش الجزائري، وكذلك مع الليبي عبد الحكيم بلحاج, وفي 8 يوليو 2019، وُجهت إليه تهمة غسل الأموال مع شقيقه غازي القروي، وتم تجميد ممتلكاته ومنعه من مغادرة البلاد. وتم القُبض عليه في 23 أغسطس 2019 بعد مذكرة توقيف صادرة عن شعبة الاتهام التابعة لمحكمة الاستئناف بتونس.
*المكسب والخسارة
الدرس الأهم من نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التونسية هو نجاح التجربة الديمقراطية التونسية في عبور امتحان آخر جديد، وليست مفاجآته سوى إضافة حيوية لهذا الطراز من الممارسة الديمقراطية, أما الخسارة فهي للأحزاب السياسية التي كانت في الحكم ولم تتفاعل جيدا مع معاناة المواطن وأزماته الاقتصادية؛ فجلبت عليها العقاب؛ مما يفرض عليها إجراء مراجعات ضرورية على أثر المفاجأة الانتخابية التي تمثلت في عدد الأصوات التي حصدها كل من عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة، وكذا الهزيمة القاسية التي مني بها الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، الذي يحظى بشعبية واسعة في الشارع العربي، بينما كانت المفاجأة أن الأمر مختلف بالنسبة للناخب التونسي, وبالطبع معهما حزب “نداء تونس” ومشتقاته.
*مؤشرات نتيجة الجولة الثانية
في تصريح مهم بعد إعلان نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية, قال الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إن حركته ستدعم المرشح المنتمي لتيار الثورة الأكثر حظا بالفوز. وأنه يعتقد أن النهضة لن تقف موقف الحياد في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية, ونقلت وسائل إعلام تونسية، عن ممثل حملة الرئيس التونسي الأسبق، محمد المنصف المرزوقي، مساندته لسعيّد في الجولة الثانية.
ولا يحتاج المراقبون كثيرا من الجهد لاستشراف نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية؛ فالمنافسة تنعقد بين قيس سعيد المؤيد للثورة والمنحاز لهوية الشعب المسلم والرافض لدعاوى ” المساواة في الميراث” التي يتحدى بها العلمانيون عقيدة الشعب, وبين منافسه نبيل القروي الأقرب إلى العهد البائد قبل الثورة, والمتهم بغسيل الأموال, ويمثل خطرا على مكتسبات الثورة التونسية , وسوف تشهد الأيام المقبلة مزيدا من احتدام المنافسة, خاصة أن أيادي دولة الإمارات العربية مازالت تهدد إرادة الشعب التونسي, وهذا هو التحدي الأخطر أمام شركاء الثورة الذين سيتجهون إلى دعم قيس سعيد في الغالب, وهو الأقرب للفوز مالم تحدث مؤامرة خارجية ضده.