“الترغيب والترهيب”.. سياسة العسكر الفاشلة لاحتواء الثورات

بقلم: حازم عبد الرحمن

عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 , كان نظام المخلوع مبارك يعيش حالة من الغطرسة, والاستكبار؛ فشحذ أدوات التهديد والإرهاب لكل من تسول  له نفسه الخروج للتظاهر, وتم ارتكاب جرائم تصفية ضد المتظاهرين, وقتلت الشرطة ما يقارب الألف شاب من الشهداء الذين صمدوا في الميدان يهتفون بسقوط مبارك.

ومع تصاعد الضغط الثوري في الميدان, بدأ مبارك للمرة الأولى في التخلي عن حالة العناد التي كانت خياره الوحيد في التعامل مع الشعب؛ فقرر إقالة حكومة أحمد نظيف, وكلف أحمد شفيق بالتشكيل الوزاري الجديد, وتعيين نائب لرئيس الجمهورية هو عمر سليمان رئيس المخابرات العامة, الذي بادر بفتح حوار مع القوى والأحزاب السياسية, لم يخرج بالنتائج المخطط لها, بل خرج عمر سليمان نفسه ليعلن تخلي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية, ونجحت الثورة في خلع رأس النظام.

واليوم يتكرر الأمر نفسه؛ فبعد مظاهرات التحرير في 20 سبتمبر الماضي بدأت رسائل تخويف المصريين وإرهابهم؛ فاعتقلت حتى الآن أكثر من ألفي مواطن, ونشرت أعدادا غير مسبوقة من الكمائن على الشوارع والطرق الرئيسية, وتواصل الاستنفار الأمني في الشوارع والميادين؛ لتمشيط وتفتيش بعض المناطق والمقاهي والشقق السكنية واستيقاف وسائل النقل العام، وتفتيش الهواتف المحمولة بحوزة المواطنين، والقبض فوراً على من يكتشف الأمن متابعته لصفحات معارضة أو نشره مقاطع فيديو للمقاول والممثل محمد علي على صفحته الشخصية.

وفتحت نيابة الانقلاب عدداً من القضايا الجديدة بأمر من المخابرات والأمن الوطني، للمحامين والنشطاء الحقوقيين الذين رووا تفاصيل تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا مع معتقلي انتفاضة 20 سبتمبر, وعلى ذمة إحدى هذه القضايا الجديدة، صدر قرار بحبس الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح، الذي يقضي أصلاً عقوبة المراقبة الشرطية المفروضة عليه يومياً من السادسة مساءً إلى السادسة صباحاً لمدة 5 سنوات في القضية التي عرفت إعلامياً بـ”أحداث مجلس الشورى”، وكذلك المحامي الحقوقي محمد الباقر الذي كان قد تعرّض لمضايقات أمنية عديدة أثناء حضوره مع المعتقلين في قضية التظاهر الأخيرة.

*مخدرات العسكر للشعب

وبالتوازي مع ذلك بدأت الأذرع الإعلامية للانقلاب الحديث عن إصلاح جديد سيحدث قريبا في مجالات الاقتصاد والعمل العام وحريات الإعلام, وكتب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، “في إطار متابعتي لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودى الدخل، فإنني أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها.. أقول لهم اطمئنوا لأنني أتابع بنفسي هذه الإجراءات، وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء، وفي إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة.. #تحيا_مصر”. وقد أعادت هذه التدوينة مشهد  مخلوع تونس زين العابدين بن علي عندما قال في خطابه للشعب بعد الثورة : “الآن فهمتكم”.

والمؤكد أن وعد السيسي بأن يتابع بنفسه إجراءات تنقية البطاقات التموينية لن يلقى آذانا صاغية من المواطنين, خاصة أن السيسي قدر من قبل أن من تم حذفهم من البطاقات التموينية بمئات الآلاف, بينما صرح علي مصيلحي وزيره المسئول عن هذه الجريمة بحق الفقراء بأن عدد من تم حذفهم حوالي تسعة ملايين مستفيد, وأغضب مصيلحي المواطنين عندما قال إنه يتعامل معهم بالإحسان, وكأنه ينفق على الشعب من ماله الخاص.

وروجت أذرع الانقلاب لتقييم حكومي يراجع أسعار البنزين والمنتجات البترولية كل 3 شهور طبقا للأسعار العالمية؛ ليكون في صالح المواطن في حال انخفاض أسعاره عالميا, وروجت كذلك لانخفاض أسعار البنزين والمنتجات البترولية في مصر خلال شهر أكتوبر المقبل إلى 10 % ، خاصة في ظل انخفاض سعر الدولار ، بحيث يتراجع سعر لتر البنزين 92 من 7.92 جنيه إلى 70 قرشا ليصبح 7.22 جنيه, وأشارت أيضا إلى شيء قريب من ذلك بالنسبة لأسعار الكهرباء, ويتذكر المواطن المصري وعود السيسي “اصبروا معايا سنتين” و “اصبروا ستة شهور بس” و” مصر هتبقى قد الدنيا”, ثم لطمهم ببذاءته قائلا: “انتو فقرا أوي” و” أجيب منين” و “هتاكلوا مصر يعني”.

*وعود الإصلاح السياسي

وفي استمراره لمحاولة تخدير الشعب جرى الحديث عن تعديل وزاري, وتغييرات في المحافظين, وخرج ياسر رزق رئيس مجلس إدارة “أخبار اليوم” ليكتب عن الإصلاح السياسي باعتباره أمرا ضروريا ملحا هذه الأيام, ومذكرا بأنه كتب عن هذا الشأن من قبل, ومن يتابع ما كتبه ياسر رزق يجد أن الإصلاح الذي يقصده يبدأ من تعديل دستور الانقلاب الذي يتيح للسيسي البقاء حتى 2030 , وإذا كانت هذه بداية ما يبشر به الكاتب الموالي للعسكر؛ فكيف سيصدقه الناس حتى من أيدوا الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 , وكان جزاؤهم الاعتقال والسجن مثل حسن نافعة وحازم حسني الأستاذين بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية, وسبقهم الدكتور نادر فرجانى، كما قبض على اليساري كمال خليل، وعمر مجدي شندي، نجل رئيس تحرير صحيفة المشهد التي سبق مصادرتها وحجب موقعها الإلكتروني, وقبلهم يحيى القزاز وحازم عبد العظيم والسفير معصوم مرزوق, وكذلك أحمد ماهر وأحمد دومة, وما هينور المصري, وغيرهم.

وعلى نفس النهج سار علي عبد العال رئيس برلمان الانقلاب الذي أعلن إن “الفترة المقبلة ستشهد إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية أيضا”، مشدّدا على أنه ستكون هناك وقفة شديدة ضد الحكومة، قائلا: “لن نترك الشعب ومصالحه، ولن نسمح لكل المسئولين التنفيذيين أن يصدروا المشاكل لرئيس الجمهورية، وعليهم أن يتحملوا المسئولية، وأن يحنوا على الشعب الذي ينتظر منهم كثيرا” وأضاف: “هذه الجلسة لإعلان اللحمة الوطنية، والوقوف خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة والشرطة المصرية”.

ومنذ فترة تسربت أخبار عن نصائح من مقربين للعسكر بضرورة فتح المجال العام لصنع حالة من “التنفيس” عن الغضب بعد إغلاق العمل السياسي والمجال العام, إلا أن قائد الانقلاب رفض تماما, واعتبر أن ذلك يضعه تحت ضغط ؛ لذلك فإنه لا صحة لما يروجه ياسر رزق ورئيس برلمان الانقلاب عن “الإصلاح السياسي”, ولن تكون هناك انفراجة حقيقية على الإطلاق، ولو حدث فهي ستستدعي المشهد البائس لموسى مصطفى موسى لتمثيل دور المرشح الرئاسي أمام قائد الانقلاب, ولن تكون سوى تخدير, وتسكين للشعب, وسوف تفشل في احتواء الغليان المكتوم في صدور الملايين والذي بدأت زفراته الأولى تتصاعد في 20 و 27 سبتمبر وما تلاهما من فعاليات ثورية حتى الوصول إلى لحظة الانفجار.

*مآل المشهد الحالي

الوصف الصحيح للمشهد الحالي أنه موجة ثورية جديدة,  لكنها أكثر خبرة وتجربة من سابقتها في 25 يناير, وهي مرتبطة بالموجة الأولى, واستمرار لها, مع بقاء حلم التغيير هدفا أكبر للشعب الذي تعرض لمؤامرة وخديعة كبرى للالتفاف حول موجته الثورية الأولى.

ومنذ وقوع الانقلاب العسكري كانت توقعات المحللين تطرح احتمال نشوء معارضة شكلية للحكم العسكري تعيش وتتعيش على موالاة النظام بنفس الطريقة التي كانت طوال عهدي مبارك والسادات, مع إضافة توقع هامشي بجانب ذلك هو محاولة تيار ثورة 25 يناير الحصول على مقعد حول مائدة المعارضة الشكلية, ومن السيناريوهات المحتملة التي طرحها المحللون أيضا صمود الثوار أمام قمع العسكر, وانتهاز الفرصة لموجة ثورية جديدة, تقتلع الحكم العسكري المستبد وتحقق الحلم الكبير في التغيير, وهذا ما تتجلى ملامحه في الفترة الأخيرة, ليس في مصر فقط, وإنما في السودان والجزائر, بل إن محور الثورة المضادة الداعم للانقلابات على ثورات الربيع العربي قد بات مشغولا بكوارثه الداخلية في الرياض وأبو ظبي, ولولا هذا المحور الشرير ما وجدت الانقلابات مبررا, ولا داعما لها, يمولها وينفق عليها لتسحق شعوبها, لكن حركة التاريخ الآن في صالح الشعوب, وضد الاستبداد؛ لذلك لم يعد أمام حكم العسكر في مصر إلا القليل بعد سبعين عاما تقريبا من الاستيلاء على السلطة.

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022