أبعاد التوافق الفلسطيني حول إجراء  انتخابات تشريعية ورئاسية

بعد طول انتظار طويل، ومماطلة من جانب حركة فتح ورئيس السلطة الفلسطينية، المنتهية ولايته، محمود عباس، بالتلكؤء إزاء  إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، أعلن عباس موافقته على إجراء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية بفارق زمني لا يزيد على 3 أشهر ، فيما أبدت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة توافقا تاما في اجتماعها مع وفد اللجنة المركزية للانتخابات، يوم الأحد 3 نوفمبر 2019، على إجراء الانتخابات. وهو ما يعد خطوة على طريق التوافق الوطني وإنهاء الانقسام الفلسطيني.

وهو ما اعتبرته حركة حماس على لسان رئيسها يحي السنوار “خطوة للخروج من المأزق الذي تمر به القضية الفلسطينية”، مشيرا  إلى أن “الانتخابات التي نتحدث عنها ستجري في الداخل والقدس يجب أن تكون على رأس النقاش والتباحث ولا انتخابات بدونها، ولن نسمح للاحتلال الإسرائيلي بتعطيل إجراء هذه الانتخابات”..

داعيا لأن “يكون للفلسطينيين في الشتات دورهم في اختيار القيادة الفلسطينية ونحن إيجابيون وسنذلل كل العقبات التي من شأنها أن تقف في وجه هذا المسار”…

وتأتي موافقة حماس كبادرة حسن نوايا، بعد اتهامات من جانب عباس لها بتعطيل مسار الانتخابات، برفضها إشراف المحكمة المركزية على الانتخابات، وهو ما كانت ترفضه حماس، خشية التزوير.

وبحسب مراقبين، قدمت حماس العديد من الإجراءات التي استهدفت التعامل الايجابي مع الشأن الداخلي الفلسطيني، حيث تخلت عن حقها في إدارة الشأن الحكومي عام 2014 برغم أغلبيتها التشريعية، وحلت اللجنة الإدارية وسلمت المعابر عام 2017.

 

وأعلنت الفصائل خلال اجتماع مع وفد اللجنة، الاثنين الماضي، موافقتها على إجراء الانتخابات العامة دون تزامن بفاصل زمني لا يزيد عن 3 شهور بين الانتخابات التشريعية والرئاسية.

وجاءت  الزيارة الثانية للجنة الإنتخابات المركزية، خلال اسبوع، وسط ترحيب من الجامعة العربية،  حيث اجتمعت مع قادة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني للاستماع لرأيهم حول الانتخابات التي أعلن عنها الرئيس محمود عباس نهاية اغسطس الماضي .


من جانبه، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أن قيادة حماس والفصائل الفلسطينية، تلقت رداً من الرئيس محمود عباس بالموافقة على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية
.

وقال في هذا الصدد: “أكدنا أن تكون الانتخابات شاملة نبدأها بالرئاسية والتشريعية وصولا إلى إعادة بناء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ باعتبار ذلك استحقاقا وطنيا داخل فلسطين وفي الشتات“.

 

وفي 27 أكتوبر الماضي،  وصل وفد اللجنة إلى القطاع، في زيارة استمرت 3 أيام.

وعقد وفد اللجنة آنذاك، اجتماعاته مع حركة “حماس” والفصائل، تباحثوا خلالها حول إجراء الانتخابات التشريعية أولا، على أن يتبعها الانتخابات الرئاسية، بفارق زمني لا يزيد على 3 أشهر، حسب بيان سابق صدر عن اللجنة.

وأعلنت حركة “حماس”، موافقتها على عدم تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهو الموقف الذي كانت ترفضه سابقا.

 

وعقدت آخر انتخابات رئاسية في 2005، بينما أجريت آخر انتخابات تشريعية 2006.

 

دوافع الذهاب للانتخابات

 

ولكل نشكيك كثير من الخبراء حول جدية عباس في الذهاب إلى خيار الانتخابات العامة، يستوجب الوقوف  على أبعاد القرار، وأهدافه ودوافعه…وهو من ماطل كثيرا وسعى لاستمرار الانقسام لضمان سيطرته على الضفة ومزايا التعاون مع إسرائيل في مواجهة حماس ومشروع الفصائل المقاوم..

 

أسباب القرار

ويأتي في مقدمة دوافع عباس للذهاب لخيار الانتخابات، واقع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وما وصلت إليه عملية التسوية ربما يفسر جزئياً مسعى رئيس السلطة لإجراء انتخابات، فالسلطة الفلسطينية ومشروعها السياسي ومنذ سنوات تعاني من فراغ سياسي يسند شرعيتها، ويُبقي على أسباب وجودها، وهذه مسألة جوهرية بالنسبة للسلطة على الأقل أمام الشعب الفلسطيني، فقد انتهت عملية التسوية عملياً مع انهيار مفاوضات كامب ديفيد صيف عام 2000 واندلاع انتفاضة الأقصى، ومعها تراجع حضور السلطة وانحسرت مكانتها تدريجيا، وتآكلت صلاحياتها السيادية التي نصت عليها اتفاقيات أوسلو، ومع صعود اليمين الاستيطاني المتطرف لسدة الحكم تصاعدت الهجمة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، حتى انتشر سرطان الاستيطان في جسد الضفة، وتلوى جدار الفصل العنصري في عمق الضفة الغربية بما يشبه الثعبان، بحيث يستحيل معه تحقيق حل الدولتين؛ الركن الأساس في مشروع السلطة السياسي، وتسارعت خطوات التهويد وتزوير الذاكرة والمعالم العربية والإسلامية التاريخية في مدينة القدس، مع اقتراب حسم المسجد الأقصى لصالح مخطط الفصل الزماني والمكاني التوراتي التهويدي، وهي العاصمة المستقبلية برمزيتها الإسلامية والتاريخية للدولة الفلسطينية، ولكن ورغم هذه الهجمة المنظمة المخططة على الشعب الفلسطيني ومقدراته وعلى السلطة الفلسطينية نفسها، إلا أن علاقة السلطة الفلسطينية مع إسرائيل لم يطرأ عليها أي تراجع، خاصة التنسيق الأمني ومواجهة فصائل المقاومة، والتنازلات التي قدمتها حركة فتح باسم منظمة التحرير بالاعتراف بإسرائيل والتخلي عن نهج الكفاح المسلح، وقد لجأت السلطة بعدما تأكدت من خسارتها لأي مواجهة مع إسرائيل، إلى التشبث بالشرعية الدولية والسعي نحو توسيع قاعدة الاعتراف الدولي بالسلطة الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بالمشاركة في مؤسسات الأمم المتحدة، ومطاردة إسرائيل في المحافل الدولية ورفع دعاوى قضائية في محكمة الجنايات الدولية، وهذه أيضاً وصلت إلى طريق مسدود مع تربص الإدارة الأميركية وحلفاء إسرائيل المقربين من دول الاتحاد الأوروبي بالسلطة الفلسطينية وتحركاتها على الساحة الدولية، وبالتالي فإن السلطة ومع انحسار هامش خياراتها أمام إسرائيل وجدت نفسها في حالة انكشاف سياسي، لا بد من تداركه ولو بإجراءات شكلية توحي بالحركة السياسية، وبالحيوية النضالية، وبالفعالية الاستعراضية، وهو ما تحققه الانتخابات، حتى لو لم تجر الانتخابات فإن السلطة قد كسبت بعضاً من الوقت بإشغال الجمهور الفلسطيني بمسألة الانتخابات ومشاركة الفصائل الفلسطينية فيها، وإشاحة الأنظار ولو مؤقتاً عن التحديات المصيرية التي تعجز السلطة عن التعاطي معها وتسبب إحراجاً لها.

 

 

وايضا لم تكن حركتا فتح وحماس على وفاق وانسجام في ظل التنافس النضالي الميداني، وعلى إثبات الحضور والفعالية الجماهيرية، والخلاف لم يقتصر على التنافس، بل يرجع بالأساس إلى تناقض الرؤى والتوجهات، وتصادم برنامجين، برنامج منظمة التحرير التسووي، ومشروع المقاومة المسلحة الذي يستند إلى المرجعية الإسلامية، واتخذت العلاقة منحى آخر بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، ورفض حركة فتح التعاطي مع نتائجها الذي أدى إلى تدهور الأوضاع وتصاعدها إلى الصدام المسلح الذي انتهى بسيطرة حماس على غزة. طبعاً حركة فتح اعتبرت ما حدث في غزة انقلابا، ومنذ العام 2007 والسلطة الفلسطينية تتعامل بمنطق عدائي مع قطاع غزة، وساهمت في فرض الحصار، الذي تقاطعت فيه ربما عن غير قصد مع إسرائيل والغرب والنظام العربي الرسمي. حماس من جانبها، تعاملت مع حركة فتح بالمنطق نفسه ولكن ليس بمستوى ما يحدث في الضفة الغربية. وقد حاولت السلطة نزع الشرعية عن حركة حماس بمحاربتها دون هوادة في الضفة الغربية، وبمحاصرتها سياسياً ونزع أي صفة تمثيلية عن سلطتها في غزة، وفي هذا السياق أصدرت المحكمة الدستورية العليا في الضفة ديسمبر 2017 قراراً بحل المجلس التشريعي، مع تحويل صلاحيات المجلس وبقرار غير معلن إلى المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير، وفرضت السلطة الفلسطينية عقوبات صارمة في مارس 2017 تحت شعار “تقويض سلطة الانقلاب” وعودة الشرعية إلى قطاع غزة، ولم تحقق العقوبات رغم قساوتها حتى الآن ما تصبو إليه السلطة. ويأتي مسعى الرئيس في إجراء الانتخابات التشريعية، إن تمت، لنزع الشرعية عنها وإخراجها من الباب الذي دخلت منه، على قاعدة استبعاد فوز حركة حماس، وربما تزويرها خاصة إذا ما أجريت في الضفة الغربية فقط.

 

اختبار الضمانات

ومع التوافق على إجراء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية، بفاصل زمني لا يتجاوز 3 أشهر، تبقى مرحلة صياغة الخطوات الإجرائية، التي تستلزم توافق سياسيا أكثر منه انتخابيا، حيث تستلزم المرحلة المقبلة توحيد القوانين والمحاكم والحالة الوطنية والتوافق على كل شيء حتى يضمن أن تجري الانتخابات بشكل سلس، وآمن، فالفلسطينيون يريدون  ضمانات ممارسة الحق الانتخابي فلا تطارد ولا تعتقل لا قبل ولا بعد دخولها الممارسة الانتخابية..

وتبقى اعادة أجواء الحريات العامة وحرية الاعلام والغاء حجب المواقع الاخبارية ضمانة أساسية  لكي يشعر الشعب الفلسطيني بالحرية والأمان لممارسة حقوقه السياسية، وهو ما يتطلب أيضا إزالة كل الإجراءات التي تم اتخاذها في ظل حالة الانقسام، بل وإعادة الرواتب المقطوعة والمخصومة، وكل هذا يحتاج لقرار من الرئيس عباس…وهو الاختبار الحقيقي لجدية الانتخابات المقبلة…

 

 

الموقف الاسرائيلي:

 

ومن أبرز التحديات التي قد تواجه العملية السياسية في فلسطين، هو الرفض الإسرائيلي، لإحراء أية انتخابات، حيث تراهن اسرائيل على استمرار الانقسام الفلسطيني، كما أنها لا تريد للفلسططينيين في أية مكان أو منطقة أن يمارسوا الشرعية القانونية أو الدستوري، فسبق أن اعترفت بخطأها الاستراتيجي في السماح بإجراء انتخابات 2006…

 

فمن المؤكد أن السلطات الإسرائيلية ستبذل كل الجهود من أجل منع إجراء الانتخابات الفلسطينية، وفي حال الضغط عليها دولياً للسماح للفلسطينيين بإجراء انتخاباتهم، فهي ستقدم على شنّ حملات اعتقال واسعة في صفوف الفلسطينيين، وخاصة النشطاء، في التحضير والتجهيز للانتخابات، وقد تلاحق المرشحين وتعتقلهم وتضيّق عليهم، وليس من المستبعد أن تصادر المواد الإعلانية الانتخابية وأموال الحملات الانتخابية لبعض المرشحين والقوائم، وأن تُغلق المهرجانات الانتخابية.

وقد يكثف الجيش الإسرائيلي من اقتحام المدن الفلسطينية واجتياحها، خاصة السيادية، وهو ما يهدد بفعله ، الأحد 3 نوفمبر، ضد قطاع غزة، الذي شهد قصفا جويا على عدة مواقع من الجانب الاسرائيلي، وسط تهديدات باجتياح القطاع..

ومن المحتمل أن تُغلق قوات الاحتلال الطرق والمعابر وتُقيم الحواجز العسكرية وتفرض قيوداً شديدة على حركة تنقل الفلسطينيين، وخاصة ما بين مدن الضفة الغربية والقدس، وبينهما وبين قطاع غزة، في سبيل تصعيب عمل لجنة الانتخابات المركزية، وتعطيل حركة المواصلات بين المناطق الفلسطينية الداخلية، وخصوصاً أثناء تسجيل الناخبين وحملة التوعية والتثقيف وعملية الاقتراع. ومن المرجَّح أن يقدم الاحتلال على إغلاق مراكز تسجيل الناخبين في القدس والمناطق المصنفة (ج) ومنع طواقم لجنة الانتخابات المركزية من العمل داخل تلك المناطق.

 

وإزاء تك التحديات والضمانات المفقودة وتعقيدات الساحة الفلسطينية، بجانب المخططات الإقليمية الهادفة للإتيان بمحمد دحلان بديلا لعباس، وهو مشروع سعودي إماراتي بتوافق إسرائيلي، قد يعيد فلسطين إلى أجواء2007 من صراعات وانقسامات سياسية ..

ولكن البعض يرى أن الانتخابات فرصة وتحدٍ، وهي فرصة لتحقيق المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، والخروج من المأزق الراهن، وتحدٍ وسط رغبات فلسطينية أن تجرى في القدس والضفة وغزة..وهو ما يتوقف على مواقف اسرائيل اواء سيطرتها السياسية والعسكرية على القدس ومناطق في الضفة الغربية، بجانب مخاولات من قبل سلطة عباس، بتزوير الانتخابات للبقاء في المشهد السياسي واستغلال الانتخابات لقوية سلطاته وتصفية معارضيه من الفصائل الفلسطينية سياسيا، وذلك في ظل العمل بقوانين السلطة الفلسطينية التي لا يضمن معها نزاهة وشفافية بالاجراءات، وهو ما يستلزم رقابة دولية من أطراف اقليمية متنوعة ودولية لضمان النزاهة، مع إجراء لقاءات وطنية عدة  جامعة لبحث كل التفاصيل، التي ستعطي الفرصة للوصول إلى الخطوات الفعلية لإجراء الانتخابات إلى جانب بعض الخطوط السياسية والوطنية العامة.

لكي تكون الانتخابات شاملة نبدأ بالتشريعية والرئاسية وصولا إلى إعادة بناء المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبار ذلك استحقاقا وطنيا داخل فلسطين وفي الشتات

من أجل تحقيق مصالحة حقيقية، وترتيب البيت الفلسطيني، والعمل بشكل مشترك للخروج من المأزق الراهن..

وبالرغم منن أهمية خطوة الانتخابات، إلا أنه تبقى الكثير من المخاوف أن يكون قرار أبو مازن ضمن مغامرة منه لإحداث تقارب سياسي مع الجانب الإسرائيلي، الذي أعلن مرارا عجم رغبته في التعامل معه مجددا، واقتصار علاقته مع الاسرائيليين مؤخرا على  التنسيق الأمني وتسيير المهمات الحياتية والخدماتية اليومية اللازمة لعدم توقف الحياة، خاصة في مناطق السلطة…

وهو ما يخشى معه تغيير المعادلة الفلسطينية التي تفرضها فصائل المشروع المقاوم ، بوسائل غير قانونية عبر التزوير، وهو ما يهدد الساحة الفلسطينية إن وقع ذلك بمزيد من الانقسام، وهو الأمر الذي يستوجب مزيدا من الضمانات والرقابة الدولية والاقليمية على أطراف العملية السياسية الفلسطينية..

تطوير منظمة التحرير الخطوة المنتظرة

وحروجا من واقع اوسلو المفروض على الفلسطينيين، يبقى العمل على تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة هيكلتها بالشكل الذي يتناسب مع سبب وجودها و هو تحقيق مشروع التحرر الوطني الفلسطيني هو خطوة استراتيجية ومهمة، لتوسيع واستيعاب كافة الفصائل الفلسطينية ، بل هي المحك العملي على التقارب الفلسطيني ومواجهة الانقسام..

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022