الاتفاق الأمني التركي مع “طرابلس” وتأثيراته على مستقبل ليبيا في ضوء الصراع الروسي الأمريكي

وسط صراع محموم بين أطراف إقليمية ودولية، تْطحن ليبيا شعبا وأرضا ومواردا ودولة ومجتمعا، بين العديد من الأطراف الدولية كالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وفرنسا وإيطاليا. وإقليميا  تتنافس الإمارات ومصر والسعودية على نيل أكبر كم من الثروات الليبية، بمزاعم مكافحة الإرهاب وعبر دعم الانقلابي خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية.

وبين كل تلك الأطراف  يجري تصفية الشعب الليبي المنقسم بنيران الأعداء والأصدقاء، وسط عجز دولي على إرغام الأطراف الليبية لاحترام الشرعية ومصالح الشعب الليبي ووقف القتال المسلح والمتصاعد منذ إبريل الماضي بشن حفتر حملة عسكرية ضد حكومة طرابلس.

بجانب تحركات منحازة من قبل روسيا، التي كان السراج وحكومة طرابلس يسعى لتحييد دورها، عبر زيارات رسمية إلى موسكو، ووعود بعقود إعادة الإعمار، عقب الاتفاق السياسي الذي تدفع نحوه أطراف غربية، إلا أن واقع التمدد الروسي والتماهي مع أجندة حفتر في الصراع، دفع روسيا  نحو سياسات عدائية تجاه حكومة طرابلس، حيث تمدد الدعم العسكري الروسي لحفتر، عبر قوات نظامية من سلاح المدفعية والدبابات، يعملون في قواعد ليبية لدعم قوات حفتر، وهو ما دفع السراج لتفعيل الدور التركي الموازن في ليبيا، عبر اتفاق أمني مع تركيا  لموازنة موازين القوى في ليبيا، والتي تميل باتجاه حفتر بدعم روسي مصري إماراتي سعودي فرنسي، في مقابل دعم سياسي إيطالي لإنهاء الصراع، وتردد أمريكي بين الانسحاب من الشرق الأوسط بعد مقتل سفيرها في ليبيا ونقل مقر سفارتها لتونس، وإعطاء الضوء الأخضر لإيطاليا وفرنسا للتحرك في الفضاء الليبي.

 

اتفاق أمني مع تركيا

وهو ما دفع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بقيادة فايز السراج للذهاب نحو تركيا التي تدعم الشرعية بليبيا،بعقد اتفاق استراتيجي لمواجهة المطامع الدولية المتناحرة.

حيث أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الأربعاء الماضي، توقيعه مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري، وذلك بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في العاصمة التركية أنقرة، بحسب المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.

وتثير الخطوة التركية الجديدة، بعد إعلان الرئيس التركي، في إبريل الماضي، دعمه لحكومة الوفاق ووصفه لعدوان حفتر بــ”غير الشرعي”، أسئلة عن الدور التركي المرتقب في ليبيا وتأثيره بتغيير موازين الميدان جنوب العاصمة طرابلس، في ضوء الصراع الاستراتيجي بين أمريكا وروسيا.

ويؤكد الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن الزيارة المفاجئة التي أجراها السراج وفريقه الحكومي رفيع المستوى، جاءت بعد تحديد الولايات المتحدة الأميركية موقفها من حرب حفتر على العاصمة، ما يعني أنه ضوء أخضر أميركي لكل من الحكومة وتركيا.

واعتبر الأطرش، في تصريحات صحفية، أن واشنطن التي صعّدت من موقفها ضد التدخل الروسي إلى جانب حفتر لا تريد المواجهة المباشرة مع موسكو، ولجأت إلى وسائل أخرى، من بينها الاستعانة بحلفائها، وعلى رأسهم تركيا، العضو المؤثر في حلف “الناتو”، كرمزية واضحة لموقف الحلف الرافض لسعي روسيا إلى أن يكون لها وجود في حوض المتوسط.

مضيفا أن “الاتفاق لا يرقى إلى مستوى اتفاق دفاع مشترك بين الحكومتين، لكنه يؤثر بشكل الميدان وموازين القوى، وما يهمّ المجتمع الدولي أن يضغط الوجود التركي إلى جانب الحكومة على روسيا لتغيير موقفها وسحب قواتها، كذلك فإنه سيجبر حفتر على التفكير عدة مرات قبل أن يتقدم خطوة واحدة باتجاه أحياء جديدة جنوب طرابلس“.

واختلفت ردود الفعل الليبية حيال الاتفاق الأمني. فبينما وصف عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، عبد الرحمن الشاطر، الاتفاق بأنه “انتصار للوطن. ودعم للمدافعين عن حياضه، ورفع لمعنويات أنصار الحرية والدولة المدنية”، أعلنت حكومة حفتر المنبثقة من مجلس النواب المنتهي ولايته، شرق البلاد، رفضها لتوقيع الاتفاق مع الجانب التركي، معتبرة أنه “يهدف إلى تقويض جهود القوات المسلحة في اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس وطرد الميليشيات المسلحة منها”.

وبحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الليبية، خليفة الحداد، تبرز أهمية الاتفاق الليبي التركي بأن “حكومة الوفاق عملت بدبلوماسية عالية للاستفادة من المصالح التركية في ليبيا؛ فالاتفاق له شقان: أمني يهمّ الحكومة وبحري يهمّ تركيا”، موضحاً بشكل أكثر تفصيلاً أن “تركيا بعد أن نجحت عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام العسكرية بدأت بالسعي في تحديد مناطق نفوذها في المتوسط لقطع الطريق أمام المساعي اليونانية القبرصية للسيطرة على الثروات البحرية في المنطقة“.

وكان رئيس أركان القوات البحرية التركية، جهاد يايجي، دعا في كتاب أصدره الشهر الماضي عنوانه “ليبيا جارة تركيا من البحر” حكومة بلاده لعقد اتفاق مع ليبيا لتحديد المناطق الاقتصادية التركية في البحر المتوسط.

منطلقا من أن القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في المجال البحري شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أميركي، التي توفر لتركيا من الغاز الطبيعي ما يكفي حاجتها  لمدة 572 عاماً، واحتياجات أوروبا لـ30 عاماً.

 

وقد استثمر السراج الموقف الأميركي من الوجود الروسي، وأسرع إلى تمتين العلاقة مع الجانب التركي بعد التراخي الإيطالي وتراجع إيطاليا عن دعمها لحكومته، حيث يتيح الاتفاق لتركيا أن تتحرك بشكل شرعي وقانوني؛ فالاتفاق له سند قانوني ومبني على اتفاق سابق بين ليبيا وتركيا، صدّق عليه البرلمان عام 2013.

 

ويستهدف الاتفاق التركي الليبي منع زيادة تدخل الدول الداعمة لحفتر، وتحديداً مصر والإمارات؛ إذ لن يكون بمقدورها التصعيد أكثر والدخول في مواجهة مع تركيا لثقلها السياسي الدولي؛ فهي شريك أساسي في حلف الناتو”، كما أن “قوة الاتفاق والوجود التركي الجديد يختلف عن السابق؛ لكونه جاء متسقاً مع موقف أميركي متشدد من عملية حفتر الذي دعته بشكل واضح إلى وقف هجومه على طرابلس.

وكان  حفتر وجه عدة تهديدات  لتركيا، وصلت لحد إغلاق مطاعم تركية في بنغازي، والقبض على ستة أتراك يقيمون بشكل قانوني في أجدابيا وبنغازي، ثم أرغم على إطلاق سراحهم بعد ساعات من اعتقالهم“.

ويمنح الاتفاق غطاءً قانونياً وشرعياً لأي دعم تركي عسكري للحكومة في طرابلس، لكنه في الوقت ذاته لن يكون عاملاً لإنهاء مشروع حفتر في ليبيا، بتأكيد أردوغان نفسه بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة بليبيا.

 

تهديدات حفتر بحظر الطيران

كما تبرز أهمية الاتفاق بين السراج وتركيا، عقب إعلان حفتر حظر الطيران الجوي في ليبيا إلا بإذن منه، ففي 23 نوفمبر 2019، أعلنت قوات حفتر فرض ما وصفتها بمنطقة حظر جوي فوق طرابلس باستثناء مطار معيتيقة شرقي المدينة.

وقال اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، إن هذا الحظر يمتد من منطقة المايا غرب طرابلس إلى منطقة القره بوللي شرقاً، ومن مدينة ترهونة إلى مدينة غريان جنوباً.

وعقب هذه التهديدات حذَّرت حكومة الوفاق الليبية، في 24 نوفمبر، قوات حفتر، من أن أي وقائع جديدة تهدد سلامة الطيران المدني أو المطارات المدنية تعتبر “جرائم يعاقب عليها القانونان الوطني والدولي“.

واتهم البيان قوات حفتر بتسليم القاعدتين الجويتين؛ الجفرة (600 كم جنوب شرقي طرابلس)، والوطية (140 كم جنوب غربي طرابلس)، إلى طيارين من شركة “فاغنر” الروسية، يستعملون طائرات سوخوي، إضافة إلى عمليات استخباراتية وأعمال شبه عسكرية.

 

ويبدو أن حفتر استبق تحركات الحكومة الليبية في فرض الحظر الجوي، بعدما كان قد طالب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، بدعوة مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي على الطيران العسكري، من أجل حماية المدنيين.

 

وفي الرسالة التي وجهها المشري للرئاسي، في 15 أكتوبر الماضي، قال إن طلب الحظر الجوي “يجب أن يكون أول إجراء في سياق حماية المدنيين، لا سيما أن معظم الطائرات المسئولة عن هذه الأعمال الإجرامية طائرات أجنبية تدعم المجرم حفتر. 

ويعبر التهديد بفرض الحظر الجوي على طرابلس، عن تقدم درجات الدعم الروسي والفرنسي لحفتر، بجانب الدعم الإقليمي من مصر والسعودية والإمارات، وتوارد أحاديث موثقة عن شراء روسيا لقاعدة عسكرية في غرب مصر، لاستقبال الطائرات الروسية والإماراتية، التي تنفذ عمليات استهداف في ليبيا لصالح قوات حفتر.

 

وهو الأمر الذي يوجه الأنظار نحو التغلغل الروسي في ليبيا.

المصالح الروسية

وتعد روسيا واحدة من أكبر الدول الداعمة لحفتر، فقد سبق أن استخدمت حق النقض “الفيتو” ضد صدور بيان عن مجلس الأمن يدين قوات حفتر فقط في السابع من أبريل الماضي، وطلب الوفد الروسي تعديل صيغة البيان ليكون موجهاً لجميع الأطراف بوقف القتال.

وفي أغسطس 2018، طالب المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، اللواء أحمد المسماري، بالتدخل الروسي في الأزمة الليبية عبر الأمم المتحدة لرفع الحظر عن تسليح الجيش الوطني الليبي الذي تمثله القيادة العامة، ودعم مبادرة فرنسا وإجراء انتخابات في ليبيا، ومناقشة إيطاليا في تدخلها المشبوه في الشأن الليبي.

وفي السياق ذاته، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في وقت سابق، إلى أن المرتزقة الروس يخضعون لقيادة أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما نفته موسكو.

من جانبها قالت وكالة “بلومبيرغ”، الجمعة 15 نوفمبر 2019، أن عدد المقاتلين الروس في ليبيا بلغوا أكثر من 1400 جندي شاركوا في القتال المباشر وإدارة المدفعية بالإضافة لطيارين، وفقاً لما ذكره ثلاثة مسئولين غربيين.

وقال مسئول: إنه “تم نشر 25 طياراً ومدرباً وطواقم الدعم”، فيما أوضح آخران: أن “الطيارين كانوا يقومون بتنفيذ طلعات جوية بطائرات سوخوي 22 تم إعادة تأهيلها تابعة لحفتر”، بحسب الوكالة.

 

وفي إطار ذلك، قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست أي” البريطاني ديفيد هيرست، إن “موت القذافي المذل كان درساً عملياً لبوتين حيث إنه لم يحزن كثيراً على خسارة حليف بقدر ما حزن على خسارة مليارات الروبلات في مبيعات الدفاع“.

وأضاف هيرست في مقال له نُشر يوم الجمعة (15 نوفمبر 2019)، إن “ليبيا عام 2011، وليس غزو العراق عام 2003، هي التي ولدت فكرة وجوب عودة القوات الروسية إلى الشرق الأوسط بعد عقود من الغياب، لكن موسكو بالشرق الأوسط اليوم كائن مختلف عن الاتحاد السوفيتي الذي أنفق المال مع القليل من التفكير في عودة تجارية“.

وأردف أن “رفض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التورط في الحرب السورية أتاح الفرصة المثالية لبوتين لإظهار أن منافسه بالبيت الأبيض خسر احتكاره استخدام القوة على المسرح العالمي، لذلك لا ينبغي التفاجؤ بأن القوات الروسية عاودت الظهور في ليبيا مسرح زوالها السابق عام 2011“.

وحسب المقال فإن القوات الروسية العاملة بليبيا هي قوات خاصة في كل شيء إلا الاسم، تنتمي إلى مجموعة “فاغنر” التي يرأسها يفغيني بيرجوزين، وهو بائع سابق للهوت دوغ في ليننغراد مسقط رأس بوتين والذي أصبح معروفاً باسم رئيس الطهاة للرئيس الروسي.

وأشار هيرست إلى أن “وجود “فاغنر”، ليس فقط في ليبيا بل أماكن أخرى من أفريقيا، كشف عنه في يونيو الماضي، موقع إلكتروني يديره الأوليغارشي الروسي المنفي ميخائيل خودوكوفسكي، حيث أظهرت الوثائق والرسائل المتبادلة بين طاقم بيرجوزين خططاً لإعادة روسيا على الخريطة في 13 دولة أفريقية من جنوب أفريقيا وزيمبابوي إلى ليبيا“.

ووفق الإدارة الروسية، تشعر موسكو بأن الغرب طعنها في العام في 2011، حينما وافقت على تدخل دولي بحجة حماية المدنيين الليبيين من بطش معمر القذافي، ثم تجاوزت القوات الغربية الاتفاق والقرار الدولي ، بإسقاط نظام معمر القذافي والتدخل العسكري في ليبيا، ما ضيع على روسيا صفقات كانت قد أبرمتها مع القذافي بنحو 4 مليارات دولار لتوريد أسلحة لليبيا، بجانب استثمارات أخرى لإقامة خطوط سكك حديدية في ليبيا ومشاريع أخرى في البنية التحتية كان مقررا لها أن تصل لنحو 11 مليار دولار تم وقفها بعد سقوط نظام القذافي.

 

وفي المجمل، تطمح روسيا لإعادة السلطة إلى “فلول نظام معمر القذافي، وتعزيز نفوذها في إفريقيا والجناح الجنوبي من أوروبا”، بجانب إقامة قاعدة بحرية عسكرية في ليبيا جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة حلف شمال الأطلسي من الجنوب، ردا على الدرع الصاروخية للناتو.

 

ومثل التحاق روسيا بالصراع الليبي، دافعا لمخاوف غربية خاصة أميركية من طبيعة الدور والحضور الروسي في ليبيا ومحاولات تأثيره على سير العملية السياسية والعسكرية في البلاد. وكان المبعوث الأممي، غسان سلامة، أشار إلى أن هدف روسيا الأساسي في ليبيا هو العودة إلى السوق الليبية لأنَّها كانت مصدرًا أساسيًّا للسلاح، وتملك هناك عقودًا ببلايين الدولارات، تعطلت منذ عهد معمر القذافي. وأكد سلامة أن العلاقات “غير السوية” بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تؤثر على الوضع الليبي.

 

الدور الأمريكي

وإثر التغلغل الروسي في الداخل الليبي، سواء بجلب ضباط فنيين يعملون بالمطارات الليبية التي يسيطر عليها حفتر لإصلاح الطائرات المعطوبة، أو عبر استعانة قوات حفتر بمرتزقة روس وخبراء من شركة “فاغنر” الروسية، يعملون في مناطق عسكرية جنوب طرابلس، دعت واشنطن قوات حفتر، إلى إنهاء هجومها على العاصمة الليبية طرابلس، في إشارة لإمكانية تغير موازين القوى الدولية في ليبيا لمصلحة حكومة الوفاق، خصوصا مع ازدياد دلائل التدخل العسكري الروسي عبر شركة “فاغنر” الأمنية في البلاد، ضمن ما أصبح يعرف بـ “الحرب الهجينة“.

وقالت الخارجية الأمريكية في بيان لها، يوم الجمعة 15 نوفمبر 2019، إن “الحكومة الأمريكية وحكومة الوفاق، ممثلة بوزير الخارجية محمد سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا، أطلقا حواراً أمنياً بين البلدين“.

وأضافت أن “وفد حكومة الوفاق أعرب عن مخاوفه البالغة، إزاء الوضع الأمني وتأثيره على السكان المدنيين في ليبيا“.

ودعت الولايات المتحدة قوات حفتر لإنهاء هجومها على طرابلس، الذي من شأنه تسهيل مزيد من التعاون الليبي الأمريكي لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز السلطة الشرعية للبلاد، ومعالجة القضايا الرئيسة للصراع.

وأكد الوفد الأمريكي الذي يمثل عدداً من الوكالات الحكومية الأمريكية دعمه لسيادة ليبيا ووحدة أراضيها في وجه محاولات روسيا استغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي، بحسب البيان نفسه.

وباستقراء الموقف الأمريكي في ليبيا، يلاحظ للمتابع السياسي أنه كان متهاوناً، حيث سبق للرئيس دونالد ترامب أن أثنى على خليفة حفتر بعد مكالمة هاتفية دارت بينهما، وأشاد ترامب، عقب تلك المكالمة، بدور الجنرال حفتر في “محاربة الإرهاب، وتأمين الموارد النفطية الليبية.”

لكن الولايات المتحدة نأت بنفسها عن الموقف في ليبيا بعد ذلك وانضمت إلى الدعوات إلى وقف إطلاق النار.

وتزامناً مع بدء زيارته لواشنطن، قال وزير الداخلية الليبي في وقت سابق، إنّ “التعاون مع واشنطن في مكافحة الإرهاب مستمر بعد سلسلة من الغارات الجوية المدمرة على مواقع تنظيم داعش الشهر قبل الماضي“.

ولفت إلى أن “هجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس قوض جهود الحكومة في هذا الاتجاه ووفر أرضية خصبة لإعادة تجمّع التنظيمات الإرهابية“.

كما اتّهم الوزير باشاغا موسكو بـ”تعميق الأزمة الليبية وتأجيج الصراع عبر نشر جيش الظل الروسي (فاغنر) في البلاد كما فعلت في سوريا ووسط أفريقيا”، منوهاً إلى أن “نتائج وجود هذا الجيش هي الدمار أينما حل“.

وأشار الوزير الليبي، إلى أنّ موسكو تسعى أيضاً إلى إعادة بقايا نظام معمر القذافي إلى السلطة في ليبيا، مشدداً في المقابل على ضرورة أن تتعاون واشنطن مع الليبيين لاستعادة الأمن والاستقرار.

وتسبب هجوم حفتر في أبريل 2019، بإجهاض جهود الحل الذي كان يطمح الليبيون للوصول إليه؛ لإنهاء فصول قاسية من الفوضى وعدم الاستقرار، وبناء دولة تعددية تستوعب الجميع، وفي الآونة الأخيرة تعمل الأمم المتحدة على عقد مؤتمر دولي للأطراف المعنية قد يفضي إلى حل سياسي بهدف إنهاء الصراع.

 

مؤتمر برلين

وتستضيف العاصمة الألمانية برلين خلال ديسمبر2019 مؤتمراً يجمع الأطراف الدولية المؤثرة في الملف الليبي، لبحث حل سياسي ينهي الصراع القائم في البلاد منذ نحو (8) أعوام.

ويرى متابعون للشأن الليبي، أن التصريحات الأمريكية الأخيرة، تتزامن مع جهود ألمانية حثيثة تسعى لأن يكون للولايات المتحدة دور بارز في المؤتمر الذي سينعقد على أراضيها، وليس مشاركة فقط في مؤتمر برلين القادم، لما لواشنطن من إمكانية حسم القضية لصالح الطرف المعترف به دولياً (أي حكومة الوفاق).

ويعتقدون أن الولايات المتحدة لا تحبذ عودة الروس إلى ليبيا بعد انتهاء تأثيرهم هناك بعد سقوط نظام معمر القذافي، وقد تسعى لوقفه.

حيث  يرى الباحث الليبي غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، عماد بادي، لوكالة “بلومبيرغ” أن “هذا رد فعل (أمريكي) على الوجود الروسي في ليبيا أكثر من تأييد لحكومة الوفاق الوطني لذاتها“.

وتابع: “هناك مسألتان رئيسيتان الآن تتمثلان فيما إذا كان هذا النهج التفاعلي سيؤدي إلى أي شيء بناء، وما إذا كانت المشاعر المعبر عنها في وزارة الخارجية الأميركية تتقاسمها أدوات السياسة الأخرى في الجهاز المؤسسي الأمريكي“.

في حين تقول الوكالة إن الرسالة الأمريكية الأخيرة تشير إلى تحول أكثر حسماً في السياسة تجاه ذاك البلد من خلال إطلاق “الحوار الأمني بين الولايات المتحدة وليبيا”، معتبرة أنه الخطاب الأقوى تجاه حفتر ويحمل رسائل إلى روسيا.

ومع استمرار التصعيد المتبادل بين قوات حفتر والحكومة الليبية في طرابلس ، والذي أوقع نحو (1000) قتيل ونحو (5500) جريح، وفق منظمة الصحة العالمية، في يونيو الماضي، صعدت واشنطن وأطراف أوروبية من مساعيها، نحو وقف إطلاق النار والعودة للحلول السياسية التي لا يرضخ لها خليفة حفتر إلا بعد تلقي هزائم من قوات الوفاق، مثلما حدث في منطقة الغريان التي فقدها، مؤخرا في جنوب طرابلس، والتي يحاول الالتفاف على النداءات الدولية ، بالاستعانة بالقوات الروسية ، تارة وبالدعم المصري والإماراتي السعودي ، وهو ما تجلى بالتهديد الأخير بفرض حظر طيران على طرابلس، وسط تقارير عن إدارة القوات الروسية للدفاعات الجوية والدبابات في مناطق جنوب وشرق ليبيا لصالح حفتر.

وهو ما قد يمثل انقلابا حادا لصالح حفتر، يضمن تمددا روسيا كبيرا في ليبيا، أرادت واشنطن وقفه، عبر نداءاتها الأخيرة لحفتر بوقف القتال، واللجوء للحلول السياسية، بجانب إعطاء الضوء الأخضر للسراج وتركيا نحو عقد الاتفاق الأمني الأخير، بجانب سلسلة من الضغوط ستمارسها واشنطن في مؤتمر برلين في ديسمبر 2019.

وفي 26 نوفمبر، أعلنت الولايات المتحدة أن مسئولين أمريكيين التقوا حفتر، للضغط عليه لوقف هجومه العسكري على العاصمة طرابلس.

وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، أن حفتر وأعضاء الوفد الأمريكي الذي ضم فيكتوريا كوتس، نائبة مستشار الأمن القومي، ناقشوا “الخطوات الرامية لوقف القتال وتحقيق حل سياسي للصراع الليبي“.

وعبر الأمريكان عن قلقهم الشديد بشأن استغلال روسيا للصراع على حساب الشعب الليبي”، في إشارة للدعم الروسي لقوات حفتر.

 

القابلية للاستعمار

وكما تحدث مالك بن نبي ، عن ظاهرة القابلية للاستعمار من قبل أطراف عربية، وتمثل ذلك في التحركات من قبل حفتر نحو جلب مزبد من التدخل الروسي، لحسم المعركة مع حكومة الوفاق، فعلى الجانب العسكري جاءت زيارة القائد العام للجيش الليبي، الفريق خليفة حفتر إلى موسكو نهاية يوليو الماضي، وتم خلالها الاتفاق على تزويد الجيش الليبي بالأسلحة والذخائر وقطع الغيار، والتعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين لمكافحة الإرهاب، وهي الخطوة التي لحقتها مباشرة خطوة سياسية لا تقل أهمية بالزّيارة اللاحقة التي قام بها نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق – القريب من حفتر أيضًا – إلى العاصمة الرّوسية، لبحث آليات الدعم الدولي لحكومة الوفاق، والمساعدة في إعادة بناء الجيش الليبي “الموحد”، وإعادة فتح السفارة الروسية في طرابلس، وعودة ممثليها الدبلوماسيين، وهما خطوتان هامتان تصبان في اتجاه هذا السيناريو.

وهو ما يضع ليبيا أمام منزلق خطير نحو تقسيم المقسم، وتحمل فاتورة الحرب الباردة التي تدور بين روسيا وأمريكا، وسط تغول فرنسي وتراجع إيطالي ، بجانب تغول إماراتي مصري بعنوان الحرب على الإرهاب الذي يتماشى مع الصراع الكبير من قبل الغرب على النفوذ الاستراتيجي في ليبيا.

وهو ما يستوجب تحرك سياسي وطني ليبي للوصول لحلول سلمية والدخول في عملية سياسية بإشراف أممي بانتخابات شاملة تعيد القرار للشعب الليبي، حينها ستتلاشى المخططات الغربية .ويضع التوافق الليبي جميع الأطراف الدولية أمام خيار واحد هو احترام السيادة الليبية والتعاون لتحقيق مصالح الليبيين غفي إعادة الإعمار وبناء الدولة الليبية.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022