موجة الانتفاضات العربية الجديدة.. صعود سلمى مستمر

نشر مركز كارنيجى تقريراً يتناول فيه طبيعة الموجة الاحتجاجية التى يشهدها أقليم الشرق الأوسط هذا العام، مشيراً إلى أن الانتفاضات العربية في 2019  قد دخلت فى مرحلة من صراع سياسي من المرجح أن يستمر، فعلى الرغم من أن البعض يرى أن موجه الاحتجاجات التى تجتاح منطقة الشرق الأوسط حاليًا، بإنها تقليد شاحب لاحتجاجات عام 2011، إلا أن انتفاضات 2019 أصبحت أكثر إثارة للإعجاب من نواح كثيرة؛ فقد استمرت لفترة أطول وأظهرت مرونة هائلة، كما حققت إنجازات كبيرة. لكن، بقطع النظر عن النجاح الهائل للسودان، فإن حركات الاحتجاج الجديدة هذه ليست أقرب إلى إيجاد طرق لفرض تغيير نظامي داخل الدول. وفيما يلى ترجمة التقرير؛

تجدر الإشارة إلى أن موجة الاحتجاجات هذا العام مدفوعة بنفس مظالم 2011 المتمثلة فى؛ الفشل فى إدارة البلاد، الأوضاع الاقتصادية الكارثية، والفساد، وإفلات النخبة من العقاب، وانتهاكات الخدمة الأمنية، ونفاد صبر الأجيال على  وتيرة التغيير. إلا أنه يبدو أن المتظاهرون قد تعلموا دروسًا مهمة من إخفاقاتهم الماضية فضلاً عن تجارب البلدان الأخرى.

على الرغم من أن الانتفاضات العربية لعام 2011، كانت من القوة بمكان إلا أنها لم تدم طويلاً بشكل عام. فقد استمرت انتفاضة مصر النموذجية ثمانية عشر يومًا فقط، تلتها مظاهرات عرضية لكنها أقل فعالية بكثير، واستمرت تونس حوالي شهر، بينما تدهورت ليبيا بسرعة إلى الحرب. كما كانت الأوضاع في اليمن وسوريا في عام 2011 متدهورة في كلا البلدين، فقد استمرت الحركات اللاعنفية لأكثر من عام في مواجهة عنف الدولة المتطرف قبل أن تتغلب عليها الحرب الأهلية.

على العكس من 2011، فقد استمرت احتجاجات 2019 لفترة أطول بكثير من سابقاتها، فقد استمرت احتجاجات السودان لمدة نصف عام وعادت إلى الظهور في نقاط حرجة. كما لازالت الجزائر مستمرة منذ ما يقرب من تسعة أشهر تقاوم كل الجهود المبذولة لإنهاكها، كما ظلت كلاً من العراق ولبنان تواصل مظاهرات متواصلة في تحد للعنف والانقسامات الطائفية  ويأس من تحدي إفلات النخبة من العقاب الذي تتعرض له النظم الطائفية. ولم تكن مرونة حركات الاحتجاج هذه ملحوظة، فقد تمكنت حركة الاحتجاج السودانية من التعافي وإعادة تكوين نفسها بعد هجوم يونيو العنيف على اعتصام في الخرطوم  واعتقالات جماعية لمنظميها وأعضائها، وإغلاق الإنترنت، كما استمرت الاحتجاجات الجزائرية على الرغم من تغييرات الحكومة  والانتخابات التي كانت مثيرة للجدل والاعتقالات المتصاعدة، حيث احتلت الاحتجاجات العراقية المساحات العامة في جميع أنحاء الجنوب وإلى بغداد. كما تحدى لبنان الكارثة الاقتصادية والعنف المتقطع.

فقد حافظت حركات الاحتجاج هذه، على الرغم من افتقارها الواضح للقيادة أو الهيكل التنظيمي ، إلى الانضباط المذهل للرسائل، حيث أصروا على التغيير المنهجي في الوقت الذي يرفضون فيه العروض التي تقدمها الأنظمة لإنهاء الاحتجاجات من خلال وعود بالانتخابات، أو إصلاحات تجميلية، أو مجرد التخلي عن زعيم – على سبيل المثال الرؤساء – عمر البشير في السودان أو عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، فقد أظهروا التزامًا غير عادي بالبقاء سلميًا في مواجهة حملات النظام.

على الجانب الأخر، فقد أدرك المستبدون كذلك أنه لن يكون هناك استجابة دولية ذات معنى تذكر لاستخدامهم للعنف، لذا أصبحوا أساتذة في التلاعب بالوسائط الاجتماعية — من المراقبة إلى إطلاق العنان لجيوش الروبوتات إلى تقسيم المنافسين وإعادة تشكيل الروايات إلى إغلاق الإنترنت حسب الحاجة. فمن الواضح أن الائتلافات السياسية المعارضة – سواء أكانت من المعتدلين والمتشددين الإيرانيين، وحزب الله والموالين لرئيس الوزراء سعد الحريري في لبنان، أو السياسيين في المنطقة الخضراء العراقية – قد اجتمعت للدفاع عن امتياز النخبة والوضع الراهن ومنع ظهور بدائل سياسية معقولة.

لقد تعلمت الأنظمة أن بإمكانهم استخدام سلطتهم للتخلص من تماسك وحماس جماهيريهم، فقد أدركت الأنظمة أنه ليس لديهم ما يخشونه من خلال الضغط الدولي، وأصبحوا  يعرفون أن عسكرة الاحتجاجات أو تصعيدها أصبحت بأيديهم، في حين أن الجمهور سئم من المتظاهرين، وأصبحوا متلهفين للعودة إلى الحياة الطبيعية،  وبينما تخاطر الأنظمة التي تستخدم العنف بشكل عشوائي بإثارة الغضب وإحضار المزيد من الناس إلى الشوارع، إلا أنها أكثر مهارة في الاستنزاف البطيء من خلال الاعتقالات والترهيب  وعمليات القتل المستهدفة.

فعلى سبيل المثال، فقد أكد النظام الجزائري بوضوح على قدرته على الحفاظ على الوضع الراهن للمظاهرات المنتظمة مع القمع المتصاعد باستمرار، مع الحفاظ على واجهة الانتخابات الديمقراطية. كما اتخذ نظام إيران إجراءات صارمة وحاسمة وبتكلفة بشرية كبيرة. كما يُظهر نخب العراق ولبنان تجاهل حيال إلحاح الوضع القائم، فى ظل مخاطر الانهيار الاقتصادي في لبنان، وفى ظل مخاطر التحول إلى حرب أهلية في العراق.

إلا أن المتظاهرون الحاليين قد أدركوا أن حمل السلاح هو على الأرجح بداية النهاية لحركتهم، حيث يدعو العنف إلى انتقام النظام، كما يُفقد الدعم الدولي  وينفر المواطنين العاديين الذين يتعاطفون مع مطالب المحتجين. وربما يرجع ذلك إلى استيعاب الدروس من سوريا وليبيا. وبالتالى ظل الالتزام باللاعنف ثابتًا ومنضبطًا بشكل ملحوظ بالنظر إلى الطبيعة غير المتبلورة لحركات الاحتجاج.

ومع استمرار التظاهرات، يزداد دافع الأنظمة لاستخدام العنف، سواء لتطهير الشوارع أو دفع المتظاهرين نحو ردود فعل عنيفة من شأنها أن تبرر حملة قمع كاسحة. فى ظل عدم إمكانية التنبؤ بمآلات ذلك العنف، فقد أدت وحشية إخلاء النظام السوداني للاعتصام إلى نتائج عكسية مما أدى إلى تحول الرأي العام العالمي ضده في الوقت الذي أغضب الكثير من المواطنين، كما أدى العنف بين المتظاهرين والميليشيات إلى تعطيل المظاهرات العراقية لبعض الوقت، مع بعض العلامات المثيرة للقلق المتمثلة في عودة جماعات المعارضة بطرق خطيرة.

ماذا يعني هذا في النهاية؟ من المهم عدم الخلط  بين النجاح وتغيير النظام. حتى عندما أثبتت المظاهرات أنها غير قادرة على الإطاحة بالأنظمة، فقد حولت بوضوح الحياة الاجتماعية والسياسية بطرق أساسية وعميقة، إن الإحياء الثقافي واختبار الأفكار السياسية الجديدة خصبة في بيروت وبغداد كما كانت في الخرطوم والجزائر. ما حدث في عام 2019 يجب ألا يُنظر إليه على أنه موجة ثانية من الاضطرابات بعد فشل عام 2011، بل يجب أن يُنظر إليه على أنه حلقة واحدة أخرى في صراع سياسي طويل مع العديد من الحلقات الأخرى التي يجب أن تستمر.

[1] MARC  LYNCH.Up without Arms. Karnegi middle East Center. Date:1612.2019

LINK. https://carnegie-mec.org/diwan/80600?fbclid=IwAR0cMYdYpkYiE7iaRlnPEZhObuB2D6AaXfy4U-vbOrlkgqpVGn6EnTwsYzk

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022