تقدير موقف حول آفاق التصعيد الإيراني -الأمريكي بعد اغتيال سليماني

على أمريكا الانسحاب من المنطقة العربية، وإلا ستوجه بفيتنام جديدة، هو آخر ما أعلنته الرئاسة الإيرانية، وسط ضغوط شعبية على الحكومة  الإيرانية بالرد السريع، وتأكيدات الحرس الثوري الإيراني أن القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة تقع في مرمى نيران الحرس الثوري، وأن الحرس الثوري قادر على الوصول للقوات الأمريكية حتى في سوريا أو أي مكان في المنطقة، بينما يواصل ترامب تهديداته باستهداف 52 موقعا داخل إيران، في إشارة إلى عدد المحتجزين الأمريكيين بالسفارة الأمريكية، وهو ما رد عليه حسن روحاني بتغريدة على تويتر بأنه على ترامب التفكير في الرقم 290، في إشارة إلى قتلى الطائرة الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.

فيما تتواصل المطالبات الدولية بالتهدئة وضبط النفس تجنبا لمواجهة عسكرية موسعة، خاصة من قبل ألمانيا وبريطانيا، وصمت عربي عدا الكويت وقطر، اللتان تبذلان جهودا إقليمية لخفض التوتر بين الجانبين.

 

وفي السياق ذاته، جاء قرار البرلمان العراقي بالطلب من القوات الأمريكية بالعراق بالخروج من العراق، وإلا فستعامل كطرف محتل. وهو وإن تحقق سيكون أكبر مكسب لإيران، وسط غضب دولي وأمريكي باعتبار أن القوات الأمريكية قوى وازنة للتمدد الإيراني، بينما أعلن تحالف الناتو أن وجوده بالعراق مهمة كونه سيستمر في مطاردة تنظيم داعش.

فيما أكدت حكومة تصريف الأعمال العراقية بقيادة عادل عبد المحسن من جهتها البدء بإجراءات قانونية لتنفيذ قرار البرلمان.

إلا أنه وفي مقابل ذلك، تتخوف أوساط عراقية وإقليمية من خروج الأمريكان مرة واحدة، ما سيؤدي لإشكالات كثيرة من سيطرة إيرانية منفردة على القرار العراقي.

عراقيا أيضا، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الفصائل المسلحة باجتماع فوري وتشكيل ما وصفها بأفواج المقاومة الدولية لمواجهة واشنطن.

 

وقال الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي: إن ضريبة مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس هي جلاء القوات الأميركية وتطهير فلسطين من الاحتلال.

 

وأضاف الخزعلي: إن العراقيين لن يسكتوا عن مقتل قادتهم واستهداف الأراضي العراقية وقد حان الوقت لخروج القوات الأميركية، وفق تعبيره.

وذلك ردا على اغتيال طائرة أمريكية قرب مطار بغداد، لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فجر الجمعة الماضية.

 

وفي تطور لافت، جرى تسريب وثيقة لقرار خاص بوزارة الدفاع الأمريكية، يقضي بأن قيادة القوات الأمريكية في التحالف الدولي، ستعيد انتشار قواتها وتمركزها خارج العراق، احتراما لقرار البرلمان العراقي.

فيما نفت أوساط أمريكية القرار، وذهب البعض أن الرسالة التي أطلقتها وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن المقصود بها هو سحب القوات الأمريكية التي أرسلت للعراق عقب اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد مؤخرا فقط، مع احتمال نقلها لكردستان العراق أو الكويت في عملية إعادة التموضع في المنطقة.

 

وفي سياق ذي صلة، تبنت بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي بإقرار تشريع بتقييد صلاحيات ترامب العسكرية، لأن اغتيال سليماني، وضع الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين  في خطر.

 

أزمة عراقية

 

جاءت عملية استهداف قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني”، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي “أبو مهدي المهندس” بمثابة صدمة للقوى السياسية العراقية، إذ لم تكن هذه القوى تضع في حساباتها احتمالات استهداف واشنطن لقيادات عسكرية إيرانية بصورة مباشرة على الأراضي العراقية في خضم الأزمة السياسية الحادة التي يمر بها العراق، والاحتجاجات الحاشدة ضد النفوذ الإيراني في دوائر صنع القرار العراقي، وهو ما تسبب في تعميق الانقسامات ما بين القوى المعارضة للضربة الأمريكية والداعية لاتخاذ إجراءات صارمة لإدانتها، والتيارات المؤيدة لاستهداف التواجد العسكري الإيراني في العراق.

 

دلالات عملية الاغتيال

 

ويُشكل اغتيال سليماني تحولًا في الصراع الأمريكي-الإيراني، وبخاصة في الساحة العراقية، في ظل التأثير الإيراني على تطورات ومجريات الساحة العراقية، وتأثير “قاسم سليماني” بشكل خاص على السياسيين العراقيين والقوى السياسية العراقية من جهة والفصائل المسلحة من جهة أخرى.

 

وعلى الرغم من أنه من المتوقع ألا يُحدث مقتلُه تغييرًا جوهريًّا في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة؛ إلا أن هذه العملية لها العديد من الدلالات والتأثيرات الكبيرة المتعددة.

 

فمن حيث التوقيت فإنه جاء متزامنًا مع تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية موقفها تجاه إيران في العراق بشكل مختلف عما هو سائد، حيث دأبت طهران على التحرك بإصرار لتنفيذ العديد من الخطوات ضد مصالح واشنطن في المنطقة، ولم يصدر من الطرف الأمريكي ردٌّ كافٍ يُقنع حلفاءه بجدية السياسة الأمريكية في ردع إيران ووكلائها.

 

أيضا، تؤكد هذه العملية حدوث تحول آخر في السياسة الأمريكية تجاه وكلاء إيران؛ حيث كان الطرفان يعتمدان على الوكلاء في غالب الأمر؛ إلا أن واشنطن اتجهت لأن تقوم بالاستهداف المباشر لوكلاء إيران مؤخرًا.

 

حيث نفذت عددًا من الضربات استهدفت خلالها مقرات “حزب الله” في مدينة القائم بمحافظة الأنبار، وقد أعلنت الولايات المتحدة مسؤوليتها عن هذه العمليات، بالتوازي مع عددٍ من العمليات لم يتم الإعلان الرسمي عن الجهات التي نفذتها، مثل هجمات في محافظتي بغداد وصلاح الدين على معسكرات ومخازن للسلاح تابعة لفصائل الحشد الشعبي، ويُقال إنه كان هناك تواجد إيراني في بعضها، ولم يتم الإعلان عن المنفذ أيضا على الرغم من أن بعض الصحف تداولت أنباء عن ضلوع إسرائيل في العملية. في المقابل، استمرت إيران في الاعتماد على الوكلاء، حيث شهدت الأيام الماضية هجمات على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، بالإضافة إلى الهجوم على السفارة الأمريكية في العراق.

 

ويُمكن القول إن عملية اغتيال “سليماني” في العراق تشكل إحدى أهم حلقات الصراع الأمريكي-الإيراني من حيث استهداف الشخصية الإيرانية الأبرز في إدارة هذا الصراع، وما يمثله من إعلان أمريكي صريح عن بداية مرحلة تحجيم النفوذ الإيراني في العراق في ظل دعم من الاحتجاجات الشعبية التي رفعت شعار “إيران بره بره”، وأجبرت الحكومة العراقية المدعومة من طهران على تقديم استقالتها.

وفي رؤية معاكسة للأهداف الأمريكية، يلقى اغتيال سليماني على أراضي عراقية، العراق إلى الحضن الإيراني أكثر وأكثر خلال المرحلة المقبلة.

 

وأيضا جاءت العملية الأمريكية، في حجر إيران، التي أعلنت خطوتها الخامسة بتعليق التعهدات الإيرانية بشأن الاتفاق النووي، وهو ما حاول ترامب التقليل من تلك الخطوة بتدوينة على تويتر بأن إيران لن تمتلك نهائيا سلاحا نوويا أبدا،

 

وبخصوص الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018، فالاتفاق كان ميتاً سريرياً بعد انسحاب واشنطن منه، ولكن كان هناك سعي من الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا، لعودة واشنطن إليه والتفاوض عليه من جديد، إلا أن التصعيد الأخير سيقتل كل الآمال بذلك، لا بل قد يشهد تصعيداً من قبل طهران بزيادة التخصيب وانتهاك الاتفاق؛ من أجل دفع الدول الأوروبية للضغظ على واشنطن لوقف التصعيد،

 

مآرب أخرى

 

وتلك المعطيات من الممكن أن تُشكل فرصًا أمام كلٍّ من الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية من أجل استغلالها كوسيلة لصرف أنظار الداخل تجاه المشاكل الخارجية، فـ”دونالد ترامب” يريد أن يصرف أنظار مجلس النواب والشارع الأمريكي بعد إثارة قضية عزله الأخيرة، ويُعد مقتل “سليماني” موقفًا يُحسب له في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، بينما تجد فيها القيادة الإيرانية وسيلة لشغل الشارع الإيراني الذي يشهد احتجاجات شعبية واسعة منذ أكثر من شهر احتجاجًا على غلاء المعيشة وانخفاض مستوى الدخل والخدمات وسياسات إيران الخارجية في ظل العقوبات والتضييق الأمريكي على إيران.

 

احتمالات التصعيد العسكري

 

من المتوقع أن يتم التصعيد على المستوى العسكري، لا سيما في ظل تواجد القوات الأمريكية في عدة قواعد، مثل: بغداد، والرمادي، والقيارة، وكركوك، ومناطق أخرى، والتي يبلغ تعداد جنودها ما يقرب من 11 ألف جندي يتوزعون بين قوات رسمية وشركات أمنية. وفي المقابل، هناك تواجد إيراني مباشر وفصائل عراقية مسلحة تعدها الولايات المتحدة الأمريكية محسوبة على إيران، الأمر الذي يجعل من خطوط المواجهة والتصعيد العسكري مفتوحة أمام الطرفين.

إلا أن ترامب ما زال يستبعد خروج قواته من العراق، مهددا بعقوبات لم يروها من قبل، وقال ترامب للصحفيين، الاثنين:  إنه إذا طالب العراق برحيل القوات الأمريكية ولم يتم ذلك على أساس ودي “فسنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها من قبل مطلقاً. ستكون عقوبات إيران بجوارها شيئاً صغيراً“.

وأضاف: “لدينا قاعدة جوية هناك باهظة التكلفة بشكل استثنائي. لقد احتاجت مليارات الدولارات لبنائها منذ فترة طويلة قبل مجيئي. لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها“.

 

سيناريوهات التصعيد العسكري

 

وتبع عملية الاغتيال تحركات عسكرية أمريكية في منطقة الخليج العربي، واستنفار إسرائيلي على الحدود الشمالية، وسط مؤشرات على ازدياد منسوب التصعيد بين الطرفين، خاصة مع تصريح وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، بـ”تغيير قواعد اللعبة“.

 

فقد سحبت الولايات المتحدة عشرات القطع البحرية من بحر الصين باتجاه الخليج، ونصبت بطاريات باتريوت في مناطق عديدة من الخليج والحدود اللبنانية الإسرائيلية، فضلاً عن حركه غير عادية من الناقلات العسكرية، بحسب موقع “فوكس نيوز” الأمريكي.

بدوره قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن واشنطن من خلال هذه “الجريمة البشعة انتهكت كافة المبادئ والقواعد الإنسانية والقانون الدولي”، مؤكداً أنه “سيتم الانتقام منها“.

بدوره قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني، كيفان خوسرافي: “إن واشنطن ستتحمل التداعيات الأمنية والعسكرية لاغتيالها سليماني“.

 

من جانبه أكّد مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أنه “لن يكون لواشنطن مكان آمن في المنطقة بعد هدمها كل الجسور”، مبيناً أن “العالم سيرى بأسرع وقت الانتقام لدم الجنرال سليماني“.

 

ويتوقع مراقبون أن المناوشات العسكرية بين الحشد الشعبي وحزب الله العراقي، اللذين يعتبران وكلاء لإيران، مع القوات الأمريكية بدأت في 27 ديسمبر 2019، في حين كان اقتحام سفارة واشنطن في بغداد ذروة التصعيد بين الطرفين، وهو ما مثل حساسية كبيرة للولايات المتحدة؛ لأنه يعود بالذاكرة إلى اقتحام سفارة واشنطن في طهران عام 1979، واحتجاز كل من فيها كرهائن، ولذلك فإن اغتيال سليماني هو رسالة واضحة لإيران بأنها تخطت الخط الأحمر، وأن الولايات المتحدة قادرة على الوصول إلى أبرز قيادتها بسهولة.

 

وترى دوائر سياسية أن إيران سترد على مقتل سليماني، ولكن ردها سيكون لحفظ ماء الوجه، على هيئة ردود حزب الله على قتل إسرائيل لقياداته، ومن ثم على الأرجح سيكون الرد بالعراق أو سوريا بطريقة لا تشعل حرباً شاملة بين الطرفين.

ومع هذا السيناريو فإن إيران ستتذرع داخلياً بعقيدتها التي تقول إن موت قيادي لا يعني انتهاء المسيرة، وإنه نال الشهادة التي كان يسعى إليها، ولذلك قامت طهران بشكل سريع جداً بتعيين قائد لفيلق القدس مكان سليماني (إسماعيل قاآني)“.

 

وعلى الصعيد السوري، فإنه من المتوقع أن تنعكس العملية على التصعيد السوري، بتصعيدات نوعية، فواشنطن لن تكتفي بتوجيه ضربات عسكرية إلى أذرع إيران في العراق فحسب، بل قد تطول ضرباتها مصالح إيران السياسية والعسكرية والاقتصادية في عموم المنطقة، وبالتحديد سوريا، ما يعني إصابة إيران بشلل الأطراف وعدم القدرة على الاستمرار بمشروعها في سوريا .

 

مخاطر تطال الأمريكيين

 

ووضعت عملية اغتيال سليماني، القوات الأمريكية البالغ عددها نحو 11 ألف جندي في العراق هدف واضح محتمل، كما الأهداف الأخرى من أشباه ما ضربته إيران أو وكلاؤها في الماضي. وسيتصاعد التوتر أيضا في الخليج.

ولا عجب أن التأثير الأولي للعملية كان ارتفاع أسعار النفط.

 

سوف تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لتعزيز دفاعاتهم. وقد أرسلت واشنطن بالفعل عددًا صغيراً من التعزيزات الأمنية إلى سفارتها في بغداد. وإذا لزم الأمر، ستكون ثمة خطط لزيادة وجودها العسكري في المنطقة بسرعة.

 

ولكن من الممكن، بالقدر نفسه، ألا يأتي الرد الإيراني مماثلاً للضربة. بمعنى آخر، قد لا يكون غارة جوية مقابل الغارة التي شنتها واشنطن. وقد تسعى إيران إلى اللعب بورقة الدعم الواسع الذي تحظى به في المنطقة عبر نفس الوكلاء الذين شكَّلهم سليماني وموَّلهم.

وتبقى القوى العسكرية الإيرانية فاعلة في تحديد القرار الإيراني، وتحديد مستوى التصعيد العسكري مع أمريكا،  وتقدر القوى العسكرية الإيرانية، بـ 523 ألف عنصر من عديد القوات الفاعلة في مختلف الفعاليات العسكرية في إيران، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز بحثي مقره بريطانيا.

 

ويشمل هذا العدد 350 ألف عسكري في الجيش النظامي و ما لا يقل عن 150 ألفا من عناصر الحرس الثوري الإيراني.

 

وثمة نحو 20 ألفا آخرين في عديد القوات البحرية التابعة للحرس الثوري، يُسيرون دوريات في قوارب مسلحة في مضيق هرمز، الذي كان موقعا لهجمات استهدفت ناقلات نفط تحمل أعلام أجنبية في عام 2019.

 

ويسيطر الحرس الثوري أيضا على قوة الباسيج، وهي قوة أمنية تطوعية تساعد في قمع أي احتجاج أو معارضة داخلية. ويمكن لتلك القوة، نظريا، حشد مئات الآلاف من الأشخاص.

ويمتلك الحرس الثوري الإيراني قوة بحرية خاصة.

وتأسس الحرس الثوري قبل نحو 40 عاما للدفاع عن النظام الإسلامي في إيران، وأصبح قوة عسكرية وسياسية واقتصادية كبرى قائمة بذاتها.

 

وعلى الرغم من أن عديد الحرس الثوري أقل من الجيش الرسمي، إلا أنه يعد القوة العسكرية الأبرز وذات الصلاحيات الأوسع في إيران.

وتدير قوة فيلق القدس، التي كانت بقيادة الفريق سليماني، عمليات سرية في الخارج، وهي تابعة للحرس الثوري لكنها ترسل تقاريرها إلى المرشد الأعلى في إيران. ويعتقد أنها تضم نحو 5000 عنصر من قوات النخبة.

 

وقد نشرت هذه القوة في سوريا، حيث لعبت دورا استشاريا في مساعدة عناصر عسكرية موالية للرئيس السوري بشار الأسد وميليشيات شيعية قاتلت معهم.

 

وفي العراق، دعمت قوات شبه عسكرية يُهيمن عليها الشيعة أسهمت في هزيمة جماعة تنظيم الدولة الإسلامية.

 

بيد أن الولايات المتحدة تقول إن فيلق القدس يقوم بدور أكبر في تقديم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات لمنظمات صنفتها واشنطن بوصفها جماعات إرهابية في الشرق الأوسط، ومن بينها حزب الله اللبناني وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

 

ويرتبط مستوى التصعيد الإيراني بالظروف الاقتصادية المحيطة بإيران، حيث تعاني التضخم الكبير وسط عقوبات اقتصادية دولية كبيرة.

وقد حدت المشكلات الاقتصادية والعقوبات المفروضة على إيران من واردات إيران العسكرية.

 

وتعادل قيمة ما استوردته إيران في مجال الدفاع للفترة من 2009 إلى 2018 نحو 3.5 في المائة فقط مما استوردته السعودية في الفترة نفسها، بحسب مركز دراسات السلام الدولي في ستوكهولم.

 

ومعظم ما تستورده إيران في هذا المجال يأتي من روسيا والبقية من الصين.

وتعد قدرات إيران الصاروخية جزءا رئيسيا في جهدها العسكري، مع الأخذ بنظر الاعتبار النقص في قوتها الجوية مقارنة بخصومها الإقليميين كإسرائيل والمملكة العربية السعودية.

 

ويصف تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية القوة الصاروخية الإيرانية بأنها الأوسع في الشرق الأوسط، وتتألف بشكل رئيسي من صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. وتقول أيضا إن إيران أجرت تجارب في مجال تكنولوجيا الفضاء بما يسمح لها بتطوير صواريخ عابرة للقارات تنتقل إلى مسافات أكبر.

 

بيد أن إيران أوقفت برنامجها للصواريخ بعيدة المدى كجزء من التزامها بالاتفاق الذي وقعته في عام 2015 مع القوى الكبرى، بحسب مركز أبحاث معهد الخدمات الموحدة الملكي “أر يو سي آي”، الذي يشير أيضا إلى أنها قد تكون عاودت العمل في البرنامج في ضوء حالة عدم اليقين التي تكتنف مصير الاتفاق النووي بعد خروج الولايات المتحدة منه وفرضها عقوبات على إيران.

وفي كل الأحوال، سيكون العديد من الأهداف في السعودية والخليج في مدى الصواريخ الإيرانية الحالية، قصيرة أو متوسطة المدى، وربما بعض الأهداف في إسرائيل أيضا.

 

وفي مايو الماضي، نشرت الولايات المتحدة نظام باتريوت المضاد للصواريخ في الشرق الأوسط مع زيادة التوتر مع إيران، لمواجهة الصواريخ الباليستية وصورايخ كروز والطائرات المتقدمة.

ويعتقد أن الحرس الثوري الإيراني يمتلك وحدات قيادة إلكترونية تعمل في مجالات التجسس العسكري والتجاري.

 

وقال تقرير عسكري أمريكي في عام 2019: إن إيران استهدفت شركات طيران، ومتعاقدين في مجالات دفاعية، وشركات للطاقة والموارد الطبيعية والاتصالات في عمليات تجسس إلكترونية في أنحاء مختلفة من العالم.

 

وفي عام 2019 أيضا، قالت مايكروسوفت إن جماعة قرصنة إلكترونية “مركزها إيران ومرتبطة بالحكومة الإيرانية” استهدفت حملة الرئيس الأمريكي وحاولت اختراق حسابات مسؤولين في الحكومة الأمريكية.

 

وعلى مسار آخر، ثمة مؤشرات توحي بأن طهران ليست متعجلة كثيراً في الرد، وهي تبحث عن “الزمان والمكان المناسبين”، وهو ما أكده بيان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الجمعة الماضية، بعدما التأم بحضور المرشد الأعلى علي خامنئي، إذ قال: إنه بعد دراسة مختلف أبعاد “الجريمة”، اتخذ قرارات لازمة، من دون الكشف عنها، إلا أنه أكد أن “المجرمين سيواجهون انتقاماً قاسياً من المنتقمين لدماء الجنرال سليماني في الزمان والمكان المناسبين”. وفي السياق أيضا، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الجمعة الماضي، أن بلاده سترد على اغتيال سليماني ورفاقه “في أي وقت تراه مناسباً وبأي شكل تختاره“.

 

المستقبل القريب

 

وإجمالا، فإنه أمام المعطيات السابقة، تبقى عدة خيارات محتملة:

الخيار الأول: القيام بهجمات مباشرة انطلاقاً من الأراضي والمياه الإيرانية، ضد أهداف أميركية في المنطقة، سواء من خلال إطلاق صواريخ بالستية، أو تحريك طائرات مسيّرة، تستهدف بها، إما واحدة أو عدداً من القواعد الأميركية، البالغ عددها 36 قاعدة في الدول المحيطة بإيران. إلا أن هذا الخيار قد لا يكون مفضلاً لدى طهران، في الوقت الحاضر، لأسباب عدة، أولها بسبب تبعاته الخطيرة التي من شأنها أن تشعل حرباً ومواجهة عسكرية شاملة بين الطرفين، إذ يُستبعد أن تتجاهل واشنطن هجوماً مباشراً من طهران على مصالحها، وسط تهديدات أميركية بذلك، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده “تمتلك قائمة للأهداف، ونحن جاهزون لتنفيذها في أي وقت”، في محاولة لردع إيران عن القيام بهجمات على المصالح الأميركية. وثانياً لأن الأراضي الإيرانية لم تتعرض لهجوم أميركي، وأن الاغتيال وقع في أراضي طرف ثالث، يتصارع الطرفان فيها على النفوذ.

 

 

 

الخيار الثاني: الرد في ساحات المواجهة عبر الحلفاء، وهذا الرد قد يتجاوز أهداف واشنطن إلى أهداف حلفائها أيضا، خصوصاً أن تصريحات المسئولين الأميركيين، على مدى الأيام الأخيرة، توحي بأن تنسيقاً بين أميركا والسعودية وإسرائيل والإمارات، سبق اغتيال سليماني. إلا أن الساحة العراقية، التي نُفذت فيها عملية الاغتيال، تبقى هي الأكثر ترجيحاً لدى طهران للانتقام انطلاقاً منها، لوجود حلفاء أقوياء لها فيها، ولسهولة نقل معدات عسكرية إليها إن استدعت الحاجة، بحكم ملاصقتها الجغرافية لإيران.

 

وفي هذا السياق، يمكن القول: إن الرد الإيراني في العراق على الأغلب لن يقتصر على الطابع العسكري، بل قد يتجاوز ذلك ليشمل ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على الحكومة والقوى السياسية العراقية لإلغاء اتفاقية التعاون الأميركي العراقي، وإخراج القوات الأميركية من العراق. كما أنه في سياق الخيار الثاني، هناك احتمال أن تصعّد طهران عبر الحلفاء ضد كل من السعودية والإمارات وإسرائيل، عبر تسخين الجبهة اليمنية والجبهة السورية ومياه المنطقة وجبهات أخرى. ومن هنا، يمكن فهم التصريحات الإيرانية بأن اغتيال سليماني سيدفع “جبهة المقاومة” للرد عليه، إذ اعتبر مستشار خامنئي للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أن الجبهة ستنتقم من “الأميركيين وعملائهم”، و”أنهم سيدفعون الثمن“.

 

الخيار الثالث: تصعيد متدرج وملحوظ بساحات المواجهة، لكن بإيقاعات متصاعدة ومنضبطة في الوقت نفسه، لتدخل هذه الساحات في حرب استنزاف ضد الولايات المتحدة وحلفائها. هذا الخيار أيضا له مقوماته، ما يجعله أحد الخيارات المفضلة لدى إيران إلى جانب الخيار الثاني، لقلة مخاطرهما الآنية، وكثرة منافعهما الاستراتيجية طويلة الأمد. في سياق الخيار الأخير، لا يستبعد أيضا أن تعتمد طهران نهجاً تصعيدياً في التعامل مع الاتفاق النووي، لتطاوله تداعيات اغتيال سليماني الذي حصل قبل أيام معدودة من حلول موعد تنفيذ إيران المرحلة الخامسة من تقليص تعهداتها النووية، بعد انتهاء المهلة الرابعة غداً الاثنين. لذلك من المحتمل أن تكون خطوات هذه المرحلة تصعيدية بامتياز، كجزء من الرد على الاغتيال، وربما تتجاوز هذه الخطوات إلى الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق النووي. وما يمنح طهران دافعاً قوياً في الذهاب باتجاه خطوات نووية تصعيدية، وحتى إن لم تصل إلى حد الانسحاب من الاتفاق، هو موقف الأطراف الأوروبية المشاركة فيه، من واقعة اغتيال سليماني، ودعمهم العملية الأميركية، الأمر الذي أغضب السلطات الإيرانية التي انتقدت هذا الموقف الأوروبي بشدة.

 

وما يعزز هذا الاتجاه أيضا، أن اغتيال سليماني من شأنه أن يقضي ولو لبعض الوقت، على أي فرصة للتفاوض بين طهران وواشنطن. مع ذلك، يبقى هناك احتمال ضعيف أن يحاول ترامب وراء الكواليس عرض مقترحات مغرية لإيران، بشأن تخفيف العقوبات، ليكون قد سجل هدفاً انتخابياً من دون رد. في المحصلة، بين تلك الخيارات المطروحة أمام طهران، وعلى ضوء الكوابح والمخاطر التي تعتريها، يُتوقع أن تبحث السلطات الإيرانية عن حل وسط للرد، لا يظهرها في موضع الضعف أمام اغتيال بهذا الحجم له دلالاته الكبيرة، ومن جهة ثانية لا يؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة ونشوب حرب، هي في غنى عنها في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها.

 

وعلى جانب آخر، فإن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يحتم على الجانب الأمريكي التريث بعض الشيء وعدم مجاراة التصعيد الإيراني، وهو ما يراهن عليه ترامب، الذي يتوسع في إرسال رسائل متنوعة لإيران، بعدم التصعيد العسكري مع إيران، ورغبته في التفاوض مع إيران في الملفات المتنوعة، وسبق لترامب تعطيل قرارات عسكرية مماثلة، تتعلق باستهدافات إيرانية سابقة لحلفاء أمريكا بالمنطقة، مثل قصف شركة أرامكو السعودية، وتفجير ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، بل الأخطر أن إسقاط إيران لطائرة تجسس أمريكية فوق مياه الخليج لم يترتب عليه عقاباً عسكرياً مباشراً، فقد أوقف ترامب ضربة عقابية قبل التنفيذ بعشر دقائق فقط، واكتفى بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية عليها.

وتبقى 2020 التي ستشهد انتخابات رئاسية،لترامب، وهو أكثر رغبة في الفوز بفترة ثانية لأسباب سياسية وشخصية؛ تتمثل في الرد على الديمقراطيين الذين يسعون لعزله، ليقول لهم إن الشعب الأمريكي أسقط خطتكم، وأبقاني في البيت الأبيض مرة أخرى، كما يريد وضع الديمقراطيين تحت ضغوط هائلة إما تأييده في عملياته العسكرية، أو انتقاده وخسارة الناخبين، وهو ما قد يكون أحد الأسباب لعرقلة التصعيد العسكري الأمريكي ومحاولة امتصاص الغضب الإيراني.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022