اتفاق الدوحة بين طالبان وأمريكا إنجاز تاريخي بطريق السلام الصعب بأفغانستان

بعد نحو عقدين من الحرب والاقتتال، نجحت الدبلوماسية القطرية في الوصول بالمفاوضات المطولة والعسيرة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، إلى اتفاق خفض التصعيد ووقف الحرب بين أمريكا وطالبان، تمهيدا لانسحاب إستراتيجي للقوات الأمريكية، الذي وعد به ترامب ناخبيه بخفض الإنفاق العسكري وعودة الجنود الأمريكيين لأراضيهم، فيما يتبقى الكثير من الصعوبات أمام إنجاز سلام يفضي لاستقرار وتنمية في أفغانستان المنكوبة؛ من إطلاق حوار أفغاني -أفغاني للوصول لسلام داخلي بين  حكومة أفغانستان وحركة طالبان والفصائل المسلحة.

 

يشار إلى أنه وفي عام 2001، قادت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان من أجل إنهاء حكم حركة طالبان، وذلك بعد أقل من شهر على هجمات 11 سبتمبر، وحشدت لهذه الحرب جيوشاً من مختلف دول العالم، وعلى رأسها قوات حلف الناتو.

وبعد مرور أكثر من 18 عاماً على تلك الحرب أدركت الحكومة الأمريكية أهمية التفاوض مع حركة طالبان والخروج بمعاهدة سلام من العاصمة القطرية الدوحة تضمن للطرفين تحقيق مطالبهما بعيداً عن الصراعات المسلحة.

وفي ظل فشل عدة مباحثات سابقة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان عمد الطرفان إلى تفاهم لـ”خفض العنف” بينهما، بداية يوم السبت (22 فبراير 2020)، استمر لأسبوع، قبل التوقيع على الاتفاق النهائي.

وعلى الرغم من تحقيق الاتفاق الصعب، إلا أن طريق وقف الاقتتال ما زال بعيد المنال، بفعل الكثير من العقبات على الأرض، وهو ما يحتم على الجانب القطري والرعاة الدوليين العمل لفترات طويلة لرأب التصدعات، مثلما جرى ليل الثلاثاء الماضي، بتنفيذ بعض أطراف من طالبان، على ما يبدو أنها غير راضية تماما على الاتفاق، بتنفيذ هجمات عسكرية ضد القوات الحكومية، ما دفع الجانب الأمريكي لتنفيذ عملية عسكرية ضد معاقل الحركة موقعة عشرات القتلى والجرحى، بجانب سعي بعض الأطراف الدولية والإقليمية لإفشال الدور القطري، والخلافات الحكومية مع طالبان، حول مسائل المعتقلين لدى الجانبين..وغيرها.

 

اتفاق تاريخي

 

ووضع الجانبان، في شهر سبتمبر الماضي، اللمسات الأخيرة على الاتفاق الذي جرى خلال الجولة التاسعة من المفاوضات، وتضمّن سحب أكثر من 13 ألف جندي أميركي من أفغانستان، مع جدول زمني واضح، وهو المطلب الرئيس لحركة “طالبان”، وفي المقابل تلتزم “طالبان” عدمَ استخدام مقاتلين أجانب أراضي أفغانستان.

 

ويتضمن الاتفاق أيضاً وقفاً لإطلاق النار بين الحركة والأمريكيين، إلا أن المفاوضات فشلت حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الشهر نفسه، أن “مفاوضات السلام مع حركة “طالبان” انتهت”، متهما الحركة بـ”إظهار سوء النية” بعد شنها هجوما في كابول أسفر عن مقتل جندي أميركي، و11 مواطنا أفغانياً، غير أن المفاوضات ما لبثت أن استؤنفت أواخر العام الماضي بين الطرفين، وقادتهما إلى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق السلام الذي سيجري توقيعه السبت في الدوحة.

 

وبعد مفاوضاتٍ مكثفةٍ استمرت أكثر من عام، عبر 11 جولة، أثمرت جهود الوساطة القطرية التي بدأت في عام 2011، السبت 29 فبراير الماضي، عن توقيع اتفاق في الدوحة بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان الأفغانية، بحضور ممثلين عن 30 دولة ومنظمة دولية، بما فيها ممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.

يقضي الاتفاق برحيل القوات الأميركية عن أفغانستان خلال 14 شهراً، ممهداً الطريق لمحادثات بين الفرقاء الأفغان، تنهي أحد أطول الصراعات في العالم.

 

دور قطري فاعل

وتبرز محورية الدور القطري، في إنجاز المفاوضات الأمريكية مع طالبان، بعد جهود طويلة، ودخول أطراف دولية سابقة في الملف ثم فشلت، فمنذ عام 2012، تجرى مباحثات سرية بين الطرفين في عدد من دول العالم، منها السعودية والإمارات وباكستان وروسيا، لكن النتائج الأخيرة التي تكللت بالنجاح جاءت من العاصمة القطرية الدوحة.

إذ إن إصرار الدوحة على نجاح الاتفاق يعود لباعها الطويل في اتفاقات السلام والتهدئة؛ حيث قادت على سبيل المثال مفاوضات دارفور لسنوات، وأوقفت حرباً أهلية في لبنان عبر اتفاق الدوحة في العام 2007.

ويعتبر نجاح هذا الاتفاق انتصاراً جديداً للجهود القطرية، التي خفضت من حجم التوتر الأمريكي مع إيران في منطقة الخليج بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في يناير 2020.

واستكمالاً لدبلوماسية قطر، حيث نجحت في وقف العنف والقتال بدارفور بتوقيع اتفاق “سلام دارفور” بالدوحة، في مايو 2011، إضافة إلى وساطاتها في سوريا ولبنان وليبيا واليمن وجيبوتي وفلسطين المحتلة.

 

وينهي اتفاق الدوحة واحدة من أكثر الحروب ضراوة خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع توثيق الأمم المتحدة لتجاوز “عدد الضحايا في صفوف المدنيين الـ100 ألف في السنوات العشر الماضية فقط، منذ بدأت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في أفغانستان (يوناما) تسجيل الضحايا المدنيين بشكل منتظم“.

 

وتؤكد الأمم المتحدة أن عام 2018 –قبل بدء المحادثات في الدوحة- كان الأكثر دموية منذ بدء تسجيل الضحايا، حيث لقي 3804 مدنيين حتفهم من جراء الحرب، بينهم 927 طفلاً.

 

 

دوافع واشنطن وطالبان

 

وبحسب دوائر سياسية، مطلعة على مسار الصراع الأمريكي مع طالبان، فإن “سبب لجوء الولايات المتحدة إلى المفاوضات يتمثل في عدة أبعاد:

 أولاً: لأن ترامب وعد في حملته الانتخابية عام 2015 بأنه سيوقف التورط الأمريكي في الخارج، وركز بالدرجة الأولى على التورط الأمريكي بأفغانستان باعتبارها أطول حرب أمريكية إلى اليوم، فهو إيفاء بوعد رئاسي لحرب مكلفة إنسانياً ومادياً ومعنوياً للشعب الأمريكي.

البعد الثاني: يتمثل بأن المسألة ليست متعلقة بإدارة ترامب فقط، بل إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حاول أن ينهي التورط الأمريكي بأفغانستان وخفض عدد القوات الأمريكية بشكل كبير، لكنه واجه ممانعة من داخل المؤسسة العسكرية، الأمر الذي أبقى القوات عند 12 ألف جندي، وكانت مهمتهم تدريب القوات الأفغانية والتصدي للقاعدة بدل المواجهة المباشرة مع طالبان، لكن أوباما لم يستطع أن ينهي الحرب، وإدارته هي التي أشارت على قطر بافتتاح مكتب لطالبان بالدوحة، وهو الذي تتعامل معه إدارة ترامب اليوم“.

 

فيما يرى أسامة أبو أرشيد، المحلل والباحث المختص بالشأن الأمريكي أن “البعد الأهم في المسألة هو دخول الولايات المتحدة في حرب دون خطة واضحة للانتقام من القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر؛ فأسقطت حكومة طالبان، لكن كان هناك غياب كامل لفهم المجتمع الأفغاني وتفاعلاته الداخلية، ما عقد من الأزمة الأمريكية في أفغانستان، وهي معركة لا أفق لها ولا يمكن الانتصار عسكرياً فيها.”

فيما استطاعت طالبان منطقياً أن تفرض على قوى عظمى أن تعترف بوجودها، وأن تجلس إليها في مفاوضات، وأن تعترف بأنها هي من تمتلك خيوط الحل في أفغانستان، وتفاوض واشنطن مع طالبان دون وجود الحكومة الأفغانية المعترف بها دولياً يؤكد أن طالبان عملياً هي من تملك القوة في البلاد.

 

توازنات القوى

 

بدا مضمون الاتفاق منسجماً مع الحسابات الشخصية للطرفين الموقّعين عليه، فمن جهة، هناك مبرّر للقلق بشأن الدوافع الحقيقية لحركة طالبان من توقيع اتفاق وصفته بـ “النصر” واحتفت به، ومن جهة أخرى، قد يكون الاتفاق بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، الباحث عن مخرج من أفغانستان قبل انتخابات نوفمبر، مجرّد غطاء لسحب قواته من أفغانستان.

وبحسب الباحث الفلسطيني حسام أبوحامد، “لا يبدو أن “طالبان” تنازلت، بموجب الاتفاق، عما هو جوهري، وهي لن تخسر الكثير من التوقيع على صفقةٍ يمكن أن تتخلى عنها، بل قد تكسب الكثير عندما تسحب الولايات المتحدة قواتها. حتى قبل حفل التوقيع، وعدت “طالبان” بتعليق الهجمات الكبرى، ووافقت القوات الأميركية على تعليق العمليات الهجومية، باستثناء الهجمات ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خلال فترة “الحد من العنف” التي استمرت أسبوعاً، وهدفت أساساً لاختبار قدرة الحركة على ضبط نشاط أعضائها. وفي الواقع، لم تقدّم “طالبان” أي جديد خارج عن المألوف في شهر فبراير، بشتائه الأفغاني القاسي الذي لطالما لعب دوراً في تقليص نشاط الحركة المسلح”.

 

وبموجب بنود الاتفاق المعلنة، حصلت طالبان  على خروج مشروط للقوات التي تصفها بـ”المحتلة” من أفغانستان، ورأت، في بيان لها، أن “الاتفاق بشأن الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية من أفغانستان وعدم التدخل في شؤونها في المستقبل يعد بلا شك إنجازاً كبيراً”، كما حصلت على وعودٍ بأن يرفع مجلس الأمن العقوبات المفروضة على الحركة بحلول 29 مايو 2020، يليها رفع العقوبات الأميركية عنها بحلول 27 أغسطس 2020، كما تراجعت الولايات المتحدة عن مطلبها أن تعلن الحركة صراحة قطع علاقاتها بتنظيم القاعدة، واكتفت بتعهد “طالبان” بعدم السماح لمجموعات إرهابية باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة.

 

صعوبات وتحديات

 

إلا أن الاتفاق تحتويه العديد من التحديات الإستراتيجية والميدانية أيضا، ومنها:

 

-تعثر الحوار الأفغاني – الأفغاني

 

ويقترح الاتفاق أيضاً وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وإجراء حوار داخل أفغانستان مع حكومة كابول بحلول 10 مارس، وستقوم الولايات المتحدة بدور الوسيط خلال مباحثات الحوار الأفغاني الذي سيناقش المشاكل الداخلية في أفغانستان ومطالب كلا الطرفين.

 

إلا أن أي عملية سياسيةٍ في أفغانستان تنطلق على حساب أصوات البنادق تبدو متعذّرة في ظل انقسام الأمّة الأفغانية الذي عززته نتائج انتخابات سبتمبر الرئاسية؛ المتنازع عليها، بين الفائز المعلن عنه في الانتخابات الرئاسية أشرف غني، ومنافسه رئيس السلطة التنفيذية عبد الله عبد الله، الرافض للنتيجة، وهو ما تسبب في تأجيل أداء اليمين الدستورية لغني لولاية ثانية حتى 10 مارس الجاري، بناءً على طلب من الولايات المتحدة، ولا يبدو أن الرجلين يسعيان جدياً إلى حسم خلافاتهما.

 

وخلال معظم السنوات العشر الماضية، كانت المحادثات قد توقفت بسبب الرفض الأميركي للتفاوض في غياب الحكومة الأفغانية، ورفض “طالبان” التحدث في وجودها، ولكن ترامب ومفاوضه زلماي خليل زاد تخطيا -هذه المرة- هذه العقبة، فغابت حكومة كابول طرفاً مباشراً في الاتفاق، لتثير المحادثات بين حركة طالبان، المسيطرة أكثر من أي وقت مضى على مزيد من الأراضي الأفغانية، والولايات المتحدة، قلقاً في أوساط أفغانية واسعة، باعتبارها قد همّشت الأصوات الأفغانية الأخرى لصالح الدور غير الواضح الذي قد تلعبه “طالبان” في مستقبل أفغانستان السياسي، خصوصاً مع حالة التوجس من موقف الحركة تجاه حقوق المرأة، والأقليات، والعملية السياسية الديمقراطية برمتها.

كما أن طالبان، التي قادت غالبية الأفغان بين عامي 1996 و2001 قبل أن يُطيح بها الغزو العسكري الأمريكي، ترفض الاعتراف بحكومة أفغانستان الحالية.

 

أيضا وفي ضوء المفاوضات الأفغانية الأفغانية المرتقبة، قد تظهر جملة من المشكلات الأكثر صعوبة، مثلاً: هل ستكون أفغانستان جمهورية إسلامية أم إمارة إسلامية؟ ما مصير مقاتلي حركة طالبان؟ كيف يمكن دمجهم في جهاز وطني جديد للجيش أو للشرطة؟ ما هي ضمانات عدم انشقاق “طالبان” تحت ضغط العملية السياسية التي قد يعرقلها منشقون يلتحقون بتنظيم الدولة الإسلامية أو غيره من الحركات المتطرفة؟

ومن ضمن المخاطر، أن الاتفاقية تجنّبت حقيقةً واحدة: وهي أنّ الفصيل المُهيمن داخل طالبان، شبكة حقاني، ما يزال مُصنّفاً جماعةً إرهابية بواسطة الولايات المتحدة بعد أنّ نفذ العشرات من التفجيرات، فضلاً عن أنّ قائد الشبكة سراج الدين حقاني هو نائب زعيم طالبان وقائد العمليات. وهي قضايا شائكة قد تفجر الأوضاع الأمنية في أفغانستان، بين الأطراف المتصارعة، وتجعل السلام حلما بعيد المنال.

 

معضلة المعتقلين

 

ومن ضمن بنود الاتفاق، العمل على تبادل للأسرى قبل المحادثات الأفغانية المقبلة، لتشمل إطلاق سراح 5 آلاف سجين من “طالبان” في مقابل إطلاق الحكومة سراح ألف جندي حكومي، لكن من غير الواضح ما إذا كانت كابول التي تحتجز مقاتلي “طالبان”، وهي ليست طرفاً في الاتفاق، مستعدة لإطلاق سراح العديد من  المقاتلين في ساحة معركةٍ لا تزال محتدمة.

 

وقف التصعيد الأمني بلا ضمانات

 

ولعل من أبرز التحديات التي يواجهها الاتفاق، هو ضمانات وقف الأعمال المسلحة في أفغانستان، إذ إن الصفقة مرتبطةٌ بخفض التصعيد فوراً. وطوال عملية المفاوضات تقريباً، طالب الجانب الأمريكي بوقف إطلاق النار لوقف سفك الدماء الذي يُودي بحياة العشرات يومياً، وخلق مساحة للحوار حول مستقبل البلاد. وباعتبار أنّ العنف هو وسيلة ضغطهم الأساسية، رفضت حركة طالبان هذا الطلب في المراحل الأولى للمحادثات، وقالوا: إنّهم جاهزون لنقاش هذه النقطة خلال المفاوضات مع الأفغان الآخرين بمجرد أن تَعِدَ الولايات المتحدة بسحب جنودها.

وهو ما استدعى الاتفاق أولا على خفض التصعيد الأمني لمدة أسبوع، كاختبار لنوايا الحركة، وهو ما نجح إلى حد ما، فانخفضت العمليات العنيفة من ” 50-80 عملية يوميا” إلى نحو 10 عمليات، وهو ما عده المراقبون تقدما، يبنى عليه.

إلا أن تطورات الأحداث الميدانية، واختلافات عديدة داخل طالبان، وأيضا أطراف أخرى غير راضية عن الاتفاق، قد تدفع نحو تفجر العنف في أي لحظة مجددا، وهو ما حدث بعد ثلاثة أيام من توقيع الاتفاق، حيث قُتل 20 جندياً وشرطياً أفغانياً على الأقل في سلسلة هجمات لـ”حركة طالبان” ليل الثلاثاء، وفق ما أكد مسئولون حكوميون لوكالة “فرانس برس”، وذلك بعد ساعات على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أجرى محادثة “جيدة جداً” مع زعيم طالبان. وردّت واشنطن على هجمات “طالبان” بتنفيذ ضربة جوية ضد مقاتلين من الحركة في إقليم هلمند بجنوب البلاد، هي الأولى منذ توقيع اتفاق بين الجانبين يوم السبت.

وكثّفت طالبان أعمال العنف ضد قوات الأمن الأفغانية في الأيام الماضية، ليضعوا بذلك حداً لهدنة جزئية كانت سارية في الأيام التي سبقت توقيع الاتفاق التاريخي في الدوحة السبت بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان”، حول الانسحاب من أفغانستان.

وقال عضو مجلس ولاية قندوز صفي الله أميري: إن “مقاتلي “طالبان” هاجموا ثلاثة مواقع للجيش على الأقل في منطقة إمام صاحب في قندوز، وقتلوا 10 جنود وأربعة شرطيين على الأقل”.

كما هاجم مسلحون الشرطة في ولاية أوروزغان (وسط) ليل الثلاثاء، وأكد المتحدث باسم الحاكم زرقاي عبادي لوكالة “فرانس برس”، “قتل ستة شرطيين وأصيب سبعة بجروح“.

من جهته، أعلن الناطق باسم القوات الأميركية في أفغانستان الكولونيل سوني ليجيت، أن الولايات المتحدة نفذت ضربة جوية الأربعاء ضد مقاتلين من حركة “طالبان” في إقليم هلمند بجنوب أفغانستان، وهي أول ضربة منذ توقيع اتفاق بين الجانبين يوم السبت.

وقال ليجيت على “تويتر”: إن مقاتلي “طالبان” “كانوا يهاجمون نقطة تفتيش (لقوات الأمن الوطني الأفغانية). كانت هذه ضربة دفاعية لإحباط الهجوم”. وأضاف أن واشنطن ملتزمة بالسلام، لكنه دعا “طالبان” إلى “وقف الهجمات التي لا داعي لها”، والتمسك بتعهداتها، في إشارة إلى الاتفاق الموقع في الدوحة يوم السبت بشأن انسحاب القوات الأجنبية.

وهو أمر قابل للتكرار في ضوء تطورت الأوضاع القابلة للانفجار في أي لحظة.


مكاسب أمريكية

 

ويعد الاتفاق بالنسبة لإدارة ترامب إنجازا سياسيا كبيرا، وورقة رابحة في إطار انتخابات نوفمبر المقبل، وهو ما ترجمته مكالمة ترامب لمدة 35 دقيقة مع رئيس المكتب السياسي لطالبان، الأربعاء 4 مارس، والتي أصدر البيت الأبيض بيانا ترحيبيا بشأنها.

 

فبعد أكثر من عقدين من نزيف الخسائر الأمريكية، التي وصلت  خلال 18 عاماً من الصراع المسلح مع حركة طالبان في أفغانستان، لمقتل أكثر من 2400 أميركي، كبدت  الخزانة الأميركية حوالي تريليون دولار، وانتقلت خلالها واشنطن من السعي إلى إبادة “طالبان” إلى الاجتماع بها، ثم مفاوضتها، وأخيراً؛ التوقيع معها. ومع كل منعطف، حصد البحث عن النصر مزيداً من العنف. حيث أراد الرئيس جورج دبليو بوش عام 2001 تدمير “القاعدة”، ودحر “طالبان”، وأفغانستان “مستقرّة وحرّة وديمقراطية”، ولكن بحلول عام 2006، كانت الحركة قد بدأت تمرّدها، لينهي بوش رئاسته في عام 2008 بإرسال آلاف القوات الأميركية الأخرى للقتال بحثاً عن استعادة الأمن، متنازلاً عن آماله السابقة. ومع إدارة الرئيس باراك أوباما، تضاعف عديد القوات الأميركية، مع انخفاض التوقعات بشأن ما يمكن إحرازه، واعترفت وزيرة خارجيته، هيلاري كلنتون، باتصالات الإدارة مع “طالبان”، وأصبح الهدف هو التفاوض معها شرط فك ارتباطها بـ”القاعدة”، وتخليها عن العنف، واحترام المرأة، والأقليات، والالتزام بالدستور الأفغاني.

فيما تعهد ترامب، منذ حملته الانتخابية، بإنهاء التورط الأميركي في الحروب، ولكن في غضون أشهر من توليه الرئاسة، كان ثالث رئيس أميركي يُضطرّ إلى رفع عديد قواته في أفغانستان، فأضاف إلى 8900 جندي منتشرين هناك حوالي أربعة آلاف آخرين، ويطمح اليوم إلى أن يؤدي اتفاق الدوحة مع “طالبان” إلى خفض العنف، وإلى مسارٍ واضح نحو إنهاء الوجود الأميركي العسكري قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، تاركاً للأفغان أنفسهم إكمال الطريق. أما مبعوثه الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، فيشاركه السعي في تأمين صفقةٍ تعزّز فرص فوزه في تلك الانتخابات، وجدها في تمثيل إدارته موقّعاً على الاتفاق، وهو لا يخفي طموحه لتولي منصب وزير الخارجية في ولايةٍ ثانيةٍ محتملةٍ للرئيس ترامب.

وبحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، تمتلك أمريكا  قرابة الـ12 ألف جندي في البلاد، بعد أن وصل عدد الجنود هناك في ذروة الحرب إلى 100 ألف جندي قبل عقدٍ كامل تقريباً. ويحظون بدعم بضعة آلاف من جنود حلفاء الناتو الآخرين.

واتّفق الطرفان على انسحاب تدريجي قائم على شروط وعلى مدار 14 شهراً. وخلال المرحلة الأولى، سيُغادر قرابة الخمسة آلاف جندي في غضون 135 يوماً. وإبان الانسحاب التدريجي، سيتعيّن على طالبان والحكومة الأفغانية التوصُّل إلى تسويةٍ أكثر واقعية لتقاسم السلطة. وسيمنح هذا الإطار الزمني الحكومة الغطاء اللازم من الحماية العسكرية الأمريكية أثناء التفاوض.

 

 

مآلات حرجة

 

ويتخوف مراقبون من الانسحاب الأمريكي المتسرع، الذي قد يكون هدفا لترامب قبيل انتخابات نوفمبر المقبل، ففي سعيه إلى مجرد الانسحاب، بغض النظر عن حالة الحرب، ومن دون ضمانات حقيقية لعملية سياسية مستقرّة، يكرر ترامب أخطاء إدارة بوش في أفغانستان عام 2002، وفي العراق عام 2003، والتي قللت من شأن التحديات الأمنية التي قد تواجهها الحكومات الجديدة بعد الحرب، وحجم قوات الأمن الوطنية التي ستكون كافية لتأمين الاستقرار. والاتفاق ليس معاهدة سلام بين الجانبين، بل هو وفق تعبير شهير لوينستون تشرشل: “ليس النهاية، وليس أيضاً بداية النهاية، بل ربما نهاية البداية“.

وعلى الرغم من أن  قطر والولايات المتحدة وطالبان سيشكلون كيانٍ رقابي مشترك لتقييم التقدُّم المُحرز في ما يتعلّق بتلك الالتزامات، إلا أن الوصول لاستقرار وسلام شامل في أفغانستان يبدو أنه أملا صعب التحقق في المرحلة الأولى إلا أنه غير مستبعد.

إذ إن هناك في أفغانستان كل أنواع الجماعات المسلحة الأخرى التي قد تسعى لإثارة المشكلات.

وفي هذا السياق، كشف قائد ميداني في حركة طالبان في تصريحات لـ “العربي الجديد”، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، في وقت سابق، أن “قوتنا هي السلاح وإذا ما ألقيناه سنصبح ضعفاء بعد ذلك على الطاولة، لذا لا نريد إلقاء السلاح حتى نصل إلى الهدف المنشود”. كما تخشى بعض أطراف في الحركة تفرّق مقاتليها لأن الحرب هي ما يجمعهم، ومع وقف إطلاق النار ومن دون وجود آلية تجمع هؤلاء ستخسر الكثير من عناصرها. وهو ما يتوقع معه خبراء من أن بعض الجهات ستقوم بأعمال عنف باسم طالبان لتظهر أنها ليست متماسكة وأن هناك خروقاً للقرار، بحيث أنها لا تستطيع أن تجمع قياداتها الميدانيين على كلمة واحدة”. ومن الواضح أن بعض القادة الميدانيين في “طالبان” لا يقبلون وقف المعارك في هذه المرحلة وقبل خروج القوات الأجنبية بأسرها من البلاد، ومنهم القيادي إبراهيم صدر الذي يعتبر في الحركة كوزير دفاع.

 

كما أنه ليس من الواضح بعد أين تقف باكستان من كل هذا، أو إلى أي مدى إقليمي يمكن أن تصل أي تسوية، وتتعاظم المخاوف من احتمالات تصميم سياساتها تجاه أفغانستان، وفق الرؤية السعودية المناوئة لأي استقرار في أي منطقة من العالم قد تكون قطر سببا فيه، وذلك في ضوء سياسات النظام الباكستاني الذي يحاول إمساك العصا من المنتصف فيما يخص العلاقات مع دول الخليج المنقسمة.

 

ورغم ذلك، وعلى عكس الارتياب الكبير في نجاح الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة، فإن حظوظ نجاحه هذه المرة تبدو أكبر؛ لأن كلا الطرفين له مصلحة بذلك، فرئيس الولايات المتحدة يريد تنفيذ التزامه بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان واستثمار هذا الانسحاب بحملته الانتخابية المقبلة.

 

وعلى الجانب الآخر تريد طالبان أن تسجل انتصاراً أمام الشعب الأفغاني على أمريكا، حيث تسوق للاتفاق على أنه انتصار لها على القوات الأمريكية، يدعم سيطرتها على نحو 70% من الأراضي الأفغانية.

ويبقى الجزء الأصعب من الاتفاق هو المرحلة الثانية التي تتمثل بالمفاوضات الأفغانية-الأفغانية بين طالبان والحكومة الأفغانية، حيث سيتعين على الطرفين معالجة الكثير من الأسئلة الشائكة حول كيفية تقاسم مسؤوليات السلطة والأمن، وكيفية تعديل هياكل الدولة لتلبية كل من مصلحة الحكومة في الحفاظ على النظام الحالي ومصلحة طالبان في نظام يحمل صبغة إسلامية، وهنا لا بد من مبعوث سلام غير أمريكي مقبول من الطرفين للوقوف على التفاوض“. بجانب الآليات القطرية لترقية اتفاق السلام ليشمل الأطراف الأفغانية الأفغانية.

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022