بقانون الثروة المعدنية الجديد.. هل يقنن السيسي نهب الشركات العالمية لثروات مصر؟

جددت اللائحة التنفيذية التي أصدرها مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب في 15 يناير 2020م، والخاصة بقانون الثروة المعدنية رقم 145 لسنة 2019م كثيرا من المخاوف لدى قطاعات واسعة من الخبراء والمختصين وعموم الشعب من توظيف هذه التعديلات ولائحة القانون التنفيذية لتصبح بوابة مشرعة لإهدار ما تبقى من ثروات مصر، عبر تقنين عمليات النهب المنظم الذي تقوم به مافيا المال الحرام التي ترتبط بشكل وثيق بشركات عالمية كبرى متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، بخلاف حيتان رجال الأعمال والقادة النافذين في المؤسسة العسكرية الذين يؤسسون شركات خاصة يحققون من ورائها مكاسب هائلة لما يحظون به من نفوذ وسلطات واسعة، ويمارسون بالفعل التنجيم عن الذهب بوسائل غير مشروعة.

وكان برلمان الأجهزة الأمنية قد أقر في 7 يوليو 2019م التعديلات التي تقدمت بها الحكومة على قانون رقم 198 لسنة 2014م والخاص بالاستثمار في الثروة المعدنية؛ وصدق عليه رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في 13 أغسطس 2019م؛ بدعوى فتح أبواب الاستثمار أمام الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب بعد أن فشل قانون 2014 في جذب الاستثمار العالمي لقطاع التعدين رغم  أن مصر تضم فرصا هائلة وإمكانات لا تتوافر في كثير من بلاد العالم.

وتملك مصر ثروات معدنية كبيرة، أضخمها منجم السكري للذهب، كما يوجد أكثر من 120 منجم ذهب، أغلبها في الصحراء الشرقية، إضافة إلى ثلاثة آلاف محجر، 40% منها بالبحر الأحمر، و20% بالصعيد و15% على خليج السويس، وفق دراسات محلية.([1])  كما تمتلك مصر ثروة هائلة من المناجم المعدنية والحجرية، إذ بها ما يقرب من 39 خامة من المعادن تدخل في جميع الصناعات، ساهمت في تعزيز مكانتها على خارطة التعدين الدولية، ، وتقدر عدد المناجم في مصر  بحوالي  4500 منجم بمختلف أنواعها، تحتل بها المرتبة الثالثة عالميًا في الثروة المحجرية والمعدنية.([2]) كما توجد  ثروات معدنية متعددة ما بين فوسفات وذهب وفلسبار ورمال بيضاء تتطلب إعادة النظر في آليات استخراجها. ولدى مصر حزام فوسفات يبدأ من البحر الأحمر وحتى حدود ليبيا، إلى جانب احتياطي يقدر بنحو 45 مليار طن من الرمال البيضاء، تشجع على صناعات تعدينية ترفع القيمة المضافة عند تصنيعها ليبلغ سعر طن من الرمال لمئة دولار.

وظلت مصر تعمل بقانون للثروة المعدنية لقرابة نصف قرن دون تغييره منذ عام 1956 قبل أن يتم إصدار القانون الجديد في عام 2014، وكان ذلك السبب في تدني العوائد مثل رسوم استخراج الذهب (الإتاوات)، التي لا تزيد على 360 مليون جنيه (21.65 مليون دولار)، ولذلك أجرى النظام تعديلات جديدة على القانون سنة 2019م تستهدف زيادة عوائد الدولة”.

مخاوف المصريين من القانون الجديد أن يتم توظيفه ليكون بوابة لتقنين أوضاع النهب المنظم بدعوى الاستثمار؛ فالحوافز التي تضمنها القانون تسيل لعاب المستثمرين الأجانب وحيتان البيزنس في مصر من العسكر والقطاع الخاص؛ لأن كنوز مصر في الصحراء الشرقية وجنوب سيناء والصحراء الغربية كثيرة ومتنوعة. وحتى اليوم لا تزال مافيا النهب المنظم تواصل نشاطها غير المشروع رغم افتضاح الأمر؛ الأمر الذي دفع قادة هذه المافيا إلى التفكير بشكل مختلف بما يضمن مزيدا من النهب بدعوى الاستثمار، لهذا تواصل حكومة الانقلاب اتصالاتها مع رجال أعمال من عينة نجيب ساويرس وآخرين من أجل الاستثمار في مجال التعدين وخصوصا التنقيب عن الذهب.

 

مستهدفات على خطى “التفريعة”

التحولات التشريعية والهيكلية التي جرت خلال السنوات الماضية في قطاع التعدين تعود إلى الخطة التي وضعها مكتب “وود ماكنزي Wood Mackenzie”  الذي استعانت به وزارة البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب، وهي مجموعة عالمية مقرها “إدنبره” بالمملكة المتحدة البريطانية، متخصصة في أبحاث واستشارات الطاقة، والمعادن والتعدين. وتشتهر دولياً بتوريد البيانات الشاملة، التحليل الكتابي، والتوصيات الاستشارية. واستحوذت الشركة في 2015، على ڤرسيك أناليتيكس، شركة التحليلات وتقييم المخاطر الأمريكية، في صفقة بلغت قيمتها 2.8 بليون دولار.

وبحسب تصريحات ريكاردو مونتو التو Ricardo monte alto الرئيس التنفيذي والمتحدث الرسمي لمكتب وود ماكينزى wood mackenzie في نوفمبر 2018م،  فإن الإستراتيجية التي تم وضعها لتطوير قطاع التعدين تقوم على مرحلتين:

  • المرحلة الأولى، تتضمن وضع التصور العام وتقييم التحديات والفرص التعدينية والتصورات الحلول للمشاكل التي تواجه قطاع التعدين، وهذه تم الانتهاء منها.
  • المرحلة الثانية، للإستراتيجية والتي يطلق عليها المرحلة التنفيذية تستغرق ما بين عام والعام والنصف وهى الإستراتيجية التي جرى تنفيذها وإعدادها مع شركة انبي المصرية. وتستهدف الخطة تحقيق استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة مليار دولار في العام الأول لتنفيذها، على أن تصل إلى 10 مليارات دولار على مراحل بعد تطبيق إستراتيجية التعدين الجديدة.

وبحسب وزير البترول، فإن مجال التعدين في الدول الكبرى يسهم بنسبة 10% من الدخل القومي، في حين أن نسبة مساهمة المحاجر والمناجم في الدخل القومي المصري ضئيلة للغاية، ولا تتعدى 850 مليون جنيه سنوياً، لافتاً إلى أن العائد من المناجم يصل إلى 2.5 مليار جنيه سنوياً، رغم أنها من الصناعات الجاذبة للاستثمار، والتي تستوعب الأيدي العاملة. وتستهدف خطة الوزارة وضع خطة ترويجية وإعلامية تشجيعاً للاستثمار الخارجي، مدعياً أنه في حال تطبيق هذه الخطة سيكون المستهدف من العوائد أن تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2030، مع توفير أكثر من 110 آلاف فرصة عمل.([3]) لكن الوزير تراجع عن هذه المستهدفات الحالمة ليجعل الرقم المستهدف 7 مليارات دولار فقط بدلا من 20 مليارا؛ وهو عين ما جرى قبل حفر تفريعة قناة السويس التي ادعت الحكومة أنها سوف تدر 100 مليار دولار ثم تراجعت عن الرقم إلى “13.7” مليارا؛ لكن الإيرادات على العكس تراجعت بعد التفريعة المشئومة عما كان قبلها.

 

مخاوف مشروعة

أولا، في تأكيد على نزوع النظام نحو تعزيز النفوذ الأجنبي في الاقتصاد المصري، التقى المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية بحكومة الانقلاب في ديسمبر 2019م، جيريمى كروزييه رئيس شركة «برينسيبال فيرف إنترناشيونال» البريطانية، وبراين رود المدير التنفيذى لشركة «كابيتال دريلينج». وهما شركتان لهما باع طويل يمتد لحوالي 30 سنة في مجال استكشاف المعادن وصناعة التعدين فى دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا وأستراليا.([4]) وأبدى مديرا الشركتين اهتماما كبيرا بالاستثمار في مجال التنقيب عن الذهب في صحراء مصر الشرقية. وفي 2 مارس 2020م، بدأ وزير البترول والثروة المعدنية مشاركته في المؤتمر الدولى للتعدين PDAC الذي انعقد في تورنتو بكندا في إطار الترويج للفرص الاستثمارية في قطاع التعدين المصري،  والترويج للمزايدة العالمية الأولى لعام 2020 للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة في عدة قطاعات بالصحراء الشرقية على مساحة حوالى 170 ألف كيلو متر مربع.([5])

ثانيا، التعديلات تقر عمليات التحول إلى “الإتاوة والضرائب والتأجير” بدلا من نظام اقتسام الإنتاج والأرباح، وتقليص مدة التراخيص التي تستغرق أكثر من عام، وإعادة النظر في تحديد مساحات معينة أمام المستثمر للنشاط التعديني، وطرح مساحات دون سقف معين. وهي تعديلات جاءت بضغوط هائلة من الشركات العالمية وحيتان القطاع الخاص؛ حيث كانت شركات التعدين الخاصة والدولية تشكو باستمرار ومنذ فترة طويلة من أن نظام المشروعات المشتركة الإلزامية مع الحكومة والإتاوات القاسية واتفاقيات المشاركة في الإنتاج المعمول به في مصر يجعل استكشاف واستغلال المعادن غير مربح. فإصرار النظام على التعامل مع الثروات المعدنية بمبدأ العوائد والإتاوات لن يحقق شيئا يذكر، لأن دول العالم الكبرى في ثروتها المعدنية تتعامل مع الاستثمار بمبادئ أخرى، أهم ملامحها كم ستوفر للدولة من فرص عمل، وكيف ستقضي على معدلات البطالة، وكم ستدفع للدولة تأمينات وضرائب”.

ثالثا، التعديلات الجديدة التي تم إقرارها تلغي فعليا إلزام شركات التعدين بتشكيل مشروعات مشتركة مع الحكومة المصرية، وتضع سقفا للإتاوات التي تحصل عليها الدولة عند 20 في المئة كحد أقصى، وهي إجراءات طالما ضغطت شركات التعدين الدولية وحيتان رجال المال والبيزنس سواء بالمؤسسة العسكرية أو القطاع الخاص من أجل إقرارها. وبحسب بيان مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب، فإنه بالرغم من أن الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية يحق لها تشكيل مشروعات مشتركة بنسبة مساهمة للمال العام لا تقل عن 25 بالمئة، فإنه لن يكون لزاما على شركات التعدين الخاصة القيام بذلك إذا كانت اتفاقياتها صادرة بقانون. كما سيكون على  شركات التعدين دفع قيمة إيجارية لمناجمها ومحاجرها وكذلك إتاوات تحدَّد لكل خام على حده. وبحسب بيان مجلس الوزراء فإن الإتاوة ”لا تقل عن خمسة بالمئة ولا تزيد على عشرين بالمئة كحد أقصى من الإنتاج السنوي للخام الذي يستغله المرخص له“؛ وبذلك يفتح السيسي الباب واسعا أمام  الشركات العالمية وشركات القطاع الخاص والمؤسسة العسكرية نفسها التي تؤسس شركات بأسماء بعض قادتها باعتبارها شركات قطاع خاص من أجل نهب ما تبقى من ثروات مصر بصورة مقننة دون مشاركة حكومية سوى تقديم الفتات للدولة بدعوى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر.

رابعا، الأكثر خطورة في القانون الجديد ، ويفتح الباب واسعا أمام عمليات النهب المنظم والسمسرة والعمولات  هو تقنين إصدار الجهات “المعنية” تصاريح لشركات البحث والمسح الجيولوجي، بشأن البحث عن المعادن والثروات المعدنية بعقد إداري، من دون اشتراط موافقة مجلس النواب؛ ما يعني فعليا غياب الرقابة عن هذا الجانب وإن كان البرلمان أساسا دوره صوري ولا يقوم بأي جهد رقابي على الإطلاق لكن الأمر يتعلق بقانون عام يلزم جميع المجالس المقبلة.

خامسا، تقوم فلسفة تعديلات القانون الجديد على نقل السياسات التي تتبعها الحكومة في قطاع البترول والغاز،  إلى قطاع التعدين بدعوى تعزيز الفائدة الاستثمارية وإسهام قطاع التعدين بشكل فعال في الدخل القومي للبلاد؛ ومعلوم أن ما تقوم به الحكومة منذ عقود طويلة في قطاع البترول والغاز هو منح امتيازات واسعة للشركات العالمية المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات على حساب مصر وشعبها؛ كما يتم استغلال ثروات مصر من البترول والغاز من أجل تعزيز شرعية النظام عبر عقد صفقات مشبوهة مع شركات دولية تابعة لقوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا، وإيطاليا، بينما يتم استرضاء حكومات دول أخرى بصفقات واسعة للسلاح أو في إنتاج الكهرباء كما حدث مع فرنسا وألمانيا. تصريحات وزير البترول  طارق الملا تؤكد هذه الفلسفة إذ يقول «إن قطاع الثروة المعدنية في البلاد “لا يسهم بالقدر الكافي في الدخل القومي، حيث إن مصر بها من الثروات ما يمكن استغلاله في تعظيم موارد الدخل القومي”، مشيراً إلى أن “النجاح الذي شهده قطاع البترول والغاز يجب أن يصل أيضاً إلى مجال التعدين”، على حد زعمه.

سادسا، يقر القانون الجديد نسبة 3% من قيمة الإنتاج السنوي لخامات المحاجر من أجل التنمية المجتمعية بالمحافظات. وفك الازدواجية والتشابك بتحديد جهات الولاية على وجه القطع والوضوح، بأن يكون الترخيص للمناجم خاص بهيئة الثروة المعدنية، أما المحاجر والملاحات فيكون للمحافظة أو هيئة المجتمعات العمرانية (حسب الأحوال)؛ وهو ما يفتح أبواب الفساد والتنافس.

سادسا، يعزز المخاوف أيضا على إهدار ثروات مصر المعدنية؛ إعلان رجل الأعمال المشبوه نجيب ساويرس عن رغبته في الاستثمار في مجال استخرج الذهب والتفاوض للاستيلاء على 51% من شركة “شلاتين للثروة المعدنية”، ويترأس ساويرس مجلس إدارة شركة “لامانشا القابضة”، المختصة في مجال التعدين، وهو أيضا المساهم الأكبر في شركة «إينديفور» الكندية العاملة في مجال التعدين والذي حول استثماراته نحو التنقيب عن الذهب.   وشركة “شلاتين للثروة المعدنية” تمتلكها جهات حكومية موزعة كالتالي، الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية 35%، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع “لوزارة الدفاع” 34%، وبنك الاستثمار القومي 24%، والشركة المصرية للثروات” 7%. ومعلوم أن ساويرس كوَّن إمبراطوريته الاقتصادية من صفقات وعلاقات مشبوهة مع نظام المخلوع حسني مبارك.([6])

سابعا، تعاني مصر منذ عقود من انتشار ظاهرة التنجيم العشوائي التي تنشط دون ترخيص، وخاصة البحث عن الذهب، إذ يهرب للخارج، ولكن الحكومة تسعى لضبط أوضاع هذه الفئة المسنودة بالطبع من جهات نافذة بالدولة، عبر ضم نشاطها إلى القطاع الرسمي، وتقنين نشاط هذه العصابات بما يؤدي إلى تقاسم المستخرج بين الدولة وعصابات التنجيم. ولهذا تستعد وزارة البترول والثروة المعدنية لإقامة مجمعات صناعية ودورات تدريبية لتنظيم نشاط  هذه العصابات من محترفي التنجيم العشوائي وتأهيلهم وتدريبهم على الأساليب العلمية في التنقيب والاستفادة منهم بدلا من ممارسة أنشطتهم بصورة غير شرعية.([7])

ثامنا، من قرائن المخاوف أيضا ما كشفته تصريحات وكيل وزارة البترول للثروة المعدنية فكري يوسف أن إنتاج منجم السكري للذهب أحد أكبر مناجم الذهب في العالم، وصل إلى 15 طنا من الذهب سنويا. موضحا أن نصف هذه الكمية تذهب للبنك المركزي، بعد خصم المصروفات، فيما تذهب البقية بالمناصفة بين وزارة البترول والشريك الأجنبي، وهو ما اعتبره نواب البرلمان نسبة كبيرة للشريك الأجنبي. لكن وكيل وزارة البترول دافع عن هذا التعاقد المجحف لمصر بقوله «تكلفة المصنع الذي أقامه الشريك الأجنبي وصلت إلى مليارات الدولارات، ويجب أن يسترد ما أنفقه على مدى 30 عاما، هي مدة العقد الذي أقره مجلس النواب نفسه»!. وكانت شركة “سنتامين” المسؤولة عن منجم السكري والتي حصلت على رخصتها سنة 2005 وبدأت فعليا في استخراج الذهب في 2010م، قد أعلنت عن ارتفاع إنتاج الذهب بالمنجم خلال  2019، بنسبة 2%، ليصل إلى 480.528 ألف أوقية، مقابل 472.418 ألف أوقية من الذهب خلال عام 2018. ومنحت حكومة الانقلاب مؤخرا رخصة ثانية لشركة “أتون ريسورسز” الكندية لاستخراج الذهب.

 

أين مجلس علماء الثروة المعدنية؟

حكومة الانقلاب خلال مرحلة تعديلات القانون والتعاقد مع المكتب الأجنبي لوضع إستراتيجية تطوير قطاع التعدين تجاهلت حتى اليوم «مجلس علماء الثروة المعدنية» والذي تم تشكيله سنة 2007م، ويتكون من علماء التعدين واقتصاديات المشروعات التعدينية وترويج المشروعات من الهيئات العلمية ومراكز البحوث والخبراء من ذوي الخبرة في مجال الثروة المعدنية والذي أعد إستراتيجية لصالح القطاع  لمدة 25 سنة ، كما أعد مشروع قانون متكامل للتعدين لكن حكومة الانقلاب جمدت المجلس لأسباب غير معلومة رغم أن الإستراتيجية التي أعدها اتسمت بقدر من التكامل والشمول وتعالج القطاع حتى سنة 2030م. كما تتجاهل حكومة الانقلاب ما تزخر به مصر من علماء ومتخصصين في قطاع التعدين على قدر عال من الكفاءة والعلم والتطور، بما يغنيها عن الاستعانة بخبرات مكاتب أجنبية؛ تلهف مئات الملايين من الدولارات في مقابل دراسات هي متوفرة أساسا بمصر!  وللأسف فإن حكومة الانقلاب لا تعتمد على هؤلاء الخبراء والعلماء في إدارة قطاع التعدين؛ بل تجعل على رأس إدارته شخصيات معدومة الكفاءة والعلم؛  فلماذا لم يتم توظيف هذه الخبرات المصرية؟ ولماذا تم اللجوء إلى شركات أجنبية على حساب العلماء المصريين؟ وهم قادرون إن توافرت الإرادة السياسية ــ  وهي للأسف غير موجودة ــ على استكمال تطوير القطاع وإعداد الدراسات التفصيلية لكيفية استغلال الخامات المعدنية وعدم إهدارها، وتحقيق أعلى قيمة مضافة منها.

 

لماذا لا نملك تكنولوجيا التنقيب؟

التنقيب عن الذهب خلال هذه الفترة لن يعود بالخير على مصر،  بل يمثل تهديدا وتبديدا لما تبقى من ثروات مصر المعدنية خصوصا “الذهب”.  وذلك لعدم امتلاك تكنولوجيا البحث والتنقيب بدلا من الاعتماد على منح الموارد وحق التنقيب لشركات أجنبية لا هم لها إلا الربح الوفير على حساب ثروتنا المعدنية؛ خصوصا وأن الدراسات تشير إلى أن الذهب الخام قريب من السطح في جبال الصحراء الشرقية.([8]) ولهذه الأسباب، تبقى إحدى المشكلات المتعلقة بموضوع الذهب أنه بخلاف الغاز والبترول، تحصل الشركة المستكشفة على نسبة كبيرة ولمدة طويلة من الإنتاج خاصة أنه يحتاج لسنوات لاكتشافه واستخراجه، وفي النهاية رضخت الحكومة للمستثمرين بإصدار هذا القانون”. لذلك فريق من الخبراء يفضلون إحياء شركات التعدين التابعة للقطاع العام مثل شركة النصر التعدين، وقصر مهمة استخراج تلك الثروات على هذا النوع من الشركات، مع استيراد تكنولوجيات التنقيب والاستخراج، والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة”.

فلماذا لا توجد في مصر مصانع لتنقية المعادن بعد اكتشافها واستخراجها وعلى رأسها الذهب؟ فالتوقف عند حدود منح تراخيص حق البحث والتنقيب للشركات الأجنبية لتنهب المواد الخام ثم نعود نحن ونستورد  مواد مصنعة منها بأسعار مرتفعة تصل إلى مئات وآلاف الأضعاف يفضي إلى التخلف ولا يسهم مطلقا في نهضة اقتصادية حقيقة.

ولماذا يتم دمغ المنتج من الذهب؟ و لماذا يذهب المستخرج من منجم السكري عبر طائرات للدمغ في كندا؟ ولماذا لا توجد رقابة حقيقة وجادة على عمليات الإنتاج والاستخراج؟ ولماذا تنعدم الشفافية على الكميات المنتجه والمكتشفه والمصدرة وخلافه؟ ولمصلحة من يتم التستر على هذه الجرائم والتعتيم من جانب نظام الحكم على عمليات النهب المنظم لأكبر مناجم الذهب في العالم؟

 

الجيش يهيمن على قطاع التعدين

سيطرة الجيش على قطاع التعدين تدار على طريقتين:

الأولى: استخراج رخص التعدين والاستخراج من المحاجر، وتتم عبر مرحلتين، الحصول على موافقة من الجيش، ثم إصدار رخصة استخدام المحجر أو المنجم من مجالس المحافظات، وهذا ما يفسر كيفية توزيع المحافظين من ضباط الشرطة والجيش والمخابرات العامة على المحافظات، ومن ثم فإن المحافظ القادم من الجيش يمنح تلك الرخص لأشخاص مرتبطين بالجيش، والقادم من الشرطة يمنحها لأشخاص مرتبطين بالشرطة وهكذا.

الثانية: نقل مستخرجات المحاجر والمناجم داخليًا، ويسيطر الجيش عليها من خلال إحكام قبضته على جميع الطرق السريعة الواصلة بين المدن والمحافظات المصرية ومن خلال شبكة الطرق الجديدة فأي مستخرِج من محجر أو منجم عليه أن يدفع جباية عند نقله لشحنته من خارج أرض المحجر للجيش ويدفع مرة أخرى عندما يخرج بها من المحافظة ويدفع مرة أخرى للجيش عندما يدخل بها محافظة أخرى. وهذا ما دفع شريحة كبيرة من مواطني حي حدائق المعادي والبساتين العاملين بمحاجر شق الثعبان للرخام يخسرون من تلك الجباية ودفع بعضهم لاتخاذ طرق جبلية وعرة تسببت بحوادث عديدة، ثم عندما تظاهر ائتلاف العاملين بمحاجر شق الثعبان أطلق عليهم الجيش الرصاص.

وللتدليل على هيمنة الجيش على قطاع المناجم والمحاجر ما حدث في أزمة منجم منطقة أبو غلقة بالصحراء الشرقية التابعة لمحافظة البحر الأحمر، ويستخرج منه مادتا التيتانيوم والإلمنايت المستخدمة في تصنيع الدهانات، فالمنجم كان تابعًا تقليديًا لشركة النصر للتعدين وهي شركة قطاع عام حكومية ثم حدث تنازع على ملكيته بعهد مبارك بين الجيش وشركة النصر للتعدين حكمت فيه القضاء الإداري لصالح شركة النصر عام 2008 ولكن بقي النزاع إلى أن أتت الثورة وبعدها مباشرة تقدمت قوات من الجيش الثالث الميداني للاستيلاء على المنجم بوضع اليد وطردت منه العاملين التابعين لشركة النصر بقوة السلاح وهو إلى الآن تابع للقوات المسلحة.([9]) فهل يفضي القانون الجديد إلى غل يد الجيش عن الهيمنة على قطاع التعدين وفرض الجباية الباهظة والرسوم المرتفعة على الطرق؟ أم أن بيزنس الجيش  فوق كل اعتبار ويمثل أولوية مطلقة للسيسي لأن المؤسسة العسكرية هي التي تحمي فعليا بقاء النظام رغم فشله وفساده الكبير؟

خلاصة الأمر، ليس هدف البحث التحريض ضد الاستثمار الأجنبي  في قطاع التعدين أو دخول القطاع الخاص فيه بشكل عام ومطلق؛ بل يتعلق الأمر فقط بالحاجة إلى تعزيز الثقة في ضمان حق الشعب المصري في ثرواته؛ وألا تكون لهفة النظام وحاجته الماسة إلى زيادة حجم الاستثمار الأجنبي عاملا من عوامل الإسهام في التفريط في حق الشعب وإهدار ثروات مصر المعدنية. فلا يوجد ما يمنع من منح تراخيص التنقيب للمناجم والمحاجر للقطاع الخاص والشركات الأجنبية، لكن شريطة أن تكون هناك شفافية ومراقبة عند طرح المناقصة وإرساء العطاء، ومن ثم مراقبة عمليات الإنتاج والبيع، حتى تحصل الدولة على حقوق مواطنيها. فالهدف هو وضمان حماية ثروات مصر من الصفقات المشبوهة التي تكون شديدة الإجحاف بالطرف المصري ومنح الطرف الأجنبي امتيازات واسعة تضر بمصر وشعبها؛ كما جرى مثلا في اتفاقية تصدير الغاز المصري مع الكيان الصهيوني في عهد مبارك بأقل من السعر العالمي؛ واستيراد الغاز من الصهاينة بأسعار أعلى من السعر العالمي في صفقة السيسي المشبوهة التي وقعها في فبراير 2019م والتي تصل إلى 20 مليار دولار على مدار 15سنة.

تم الانتهاء منه الجمعة 6 مارس2020م

 

 

 

 

 

[1] محمد عبدالله/قانون جديد للثروة المعدنية.. من سيتحكم بمناجم الذهب في مصر؟/ الجزيرة نت 28 فبراير 2020

[2] انظر تصريحات الخبير الاقتصادي أحمد خزيم// فريق التحرير/ ثروات مصر المدفونة.. منهوبة أم مهدرة؟/ نون بوست 12 مارس 2017

[3] نسمة بيومي/ مصر تراهن على قطاع التعدين لزيادة النمو والاستثمار الأجنبى.. خطة لرفع مساهمته فى الناتج القومى إلى 7 مليارات دولار بحلول 2030/ المال نيوز الإثنين 27 يناير 2020

[4] نسمة بيومي/ مصر تراهن على قطاع التعدين لزيادة النمو والاستثمار الأجنبى.. خطة لرفع مساهمته فى الناتج القومى إلى 7 مليارات دولار بحلول 2030/ المال نيوز الإثنين 27 يناير 2020

[5] نسمة بيومي/مصر تروج لقطاع التعدين بأكبر مؤتمر عالمى فى كندا بحضور وزير البترول وقيادات القطاع بالوزارة واتحاد الصناعات/ المال نيوز الاثنين 2 مارس 2020

 

[6] بسيوني الوكيل/ساويرس: الحكومة المصرية تتفاوض معنا للمشاركة في تعدين الذهب/ مصر العربية  18 فبراير 2020

[7]انظر بتصرف  قانون تعدين مصري يفتح أبواب المناجم للمستثمرين..رهان على قطاع المناجم الاستراتيجي لتعزيز التوازنات المالية/ العرب الثلاثاء 28 يناير 2020

[8] تصريحات الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله..  محمد أحمد/هل يفرط قانون الثروة المعدنية بمناجم ذهب مصر؟/“عربي 21” الجمعة 21 فبراير 2020

 

[9] فريق التحرير/ جنرالات الذهب.. هل أتاك حديث عساكر الاقتصاد في مصر؟ (سابعًا قطاع الطاقة والتعدين)/ نون بوست 31 يناير 2017

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022