التصعيد الحوثي بالصواريخ الباليستية ضد السعودية…الأهداف والدلالات

واصلت ميليشيا الحوثي تحدي الدفاعات السعودية بإطلاق صاروخين مجددا على جازان والرياض، قبل أن يعترضهما الدفاع الجوي السعودي.

وأعلنت السعودية، الأحد 29 مارس، إصابة مواطنين اثنين بجروح طفيفة في الرياض، وقال المتحدث الإعلامي باسم الدفاع المدني السعودي في منطقة الرياض المقدم “محمد الحمادي” إن فرق الدفاع المدني “باشرت السبت 28 مارس 2020، حادث سقوط شظايا صاروخ باليستي بعد اعتراضه وتدميره، تم إطلاقه باتجاه العاصمة الرياض”.

وأضاف: “تناثرت شظايا الصاروخ على أحياء سكنية في مواقع متفرقة؛ وهو ما تسبب في سقوط إحدى الشظايا وإصابة مدنيين اثنين إصابات طفيفة”.

كما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن العقيد “تركي المالكي” المتحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، قوله “إن الدفاعات الجوية السعودية اعترضت صاروخين باليستيين ليلة السبت، أطلقهما المسلحون الحوثيون اليمنيون صوب العاصمة الرياض ومدينة جازان في جنوب المملكة”.

وقال المالكي في بيان، إنه لم يتم تسجيل أي خسائر في الأرواح حتى إصدار البيان، لكنه أضاف أن اعتراض الصاروخين تسبب في سقوط بعض الشظايا على بعض الأحياء السكنية بالمدينتين.

ويعد هجوم السبت على الرياض هو الأول من نوعه منذ أن أعلن الحوثيون تعليق ضرباتهم ضد المملكة قبل نحو ستة أشهر.

 

تبرير الحوثيين

 

وعلى الجانب الأخر، برر الحوثيون هجماتهم، باعتداء مسبق من قبل قوات التحالف، حيث أكد الناطق العسكري بإسم الحوثيين أن الدفاعات الجوية تصدت لطائرات معادية بمحيط سماء صنعاء بعد تنفيذها هجمات.

وتوعد الحوثيون “النظام السعودي” بعمليات موجعة ومؤلمة “إذا استمر في عدوانه وحصاره”، مؤكدين أنه سيتم الكشف عن تفاصيل “العملية العسكرية النوعية” خلال الأيام المقبلة.

وأضاف الناطق العسكري بإسم الحوثيين “يحيى سريع” : “نفذنا أكبر عملية عسكرية نوعية في بداية العام السادس للحرب في اليمن، استهدفت عمق العدو السعودي.

 

وأوضح أن العملية العسكرية استهدفت مواقع حساسة في الرياض بصواريخ “ذو الفقار” وطائرات “صماد 3″، لافتاً إلى قصف أهداف اقتصادية وعسكرية في جيزان ونجران وعسير بعدد من صواريخ “بدر” وطائرات “قاصف 2k، وهو ما لم تؤكده سلطات الرياض.

ودأبت مليشيا “الحوثي” منذ بدء الحرب في 26 مارس 2015، على قصف الأراضي السعودية بصواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى، لكن غالباً ما تنتهي تلك الهجمات الصاروخية بإحباط منظومة الدفاع الجوي السعودي لها.

وتعرضت السعودية لعشرات الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة العام الماضي، أبرزها هجوم استهدف منشآت لشركة أرامكو النفطية في سبتمبر الماضي تبناه الحوثيون، لكن الرياض شكّكت في ذلك وحمّلت المسؤولية لإيران التي تدعم المتمردين .    

وبعد الهجوم على أرامكو بأيام، أطلق الحوثيّون بشكل مفاجئ “مبادرة سلام” عبر إعلانهم وقف الهجمات على السعودية.

 

أهداف التصعيد الحوثي

وعلى ما يبدو فإن رهان الحوثيين من وراء اطلاق الصاروخين، هو استغلال لحالة الأزمة التي يعايشها النظام السعودي، على صعيد بيت الحكم الموتور بتحركات محمد بن سلمان ضد أمراء ومسئولين كبار في النظام السعودي مؤخرا.

كما أن إحراج النظام السعودي المأزوم بمكافحة وباء كورونا، بدا وكأنه هدفا للحوثيين والإيرانيين في آن واحد، ولتخفيف الضغوط عن النظام الإيراني الذي يواجه أزمات اقتصادية وصحية كبيرة حاليا.

 

مغزى التوقيت

ووقع هجوم السبت بعد يومين من دعوة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن مارتن غريفيث الأطراف المتحاربة لاجتماع عاجل للاتفاق على الهدنة.

وهو ما يتوقع معه ، اختلافات داخل البيت الحوثي، وتشظي المواقف السياسية التي باتت تتقاسم فصائل مسلحة عديدة القرار في اليمن، بين تيار يرى التهدئة والاستفادة من الخلافات السعودية الإماراتية، وتيار أخر يرى استمرار التصعيد العسكري على الأرض ضد السعودية، وهو ما قد يتقاطع مع أهداف استخباراتية إماراتية.

 

 

 

 

دلالات التصعيد الباليستي

  • تطور عسكري للحوثيين:

وهو ما كشفت عنه وكالة “سبأ” التابعة لجماعة الحوثي قبل أيام، بأن الجماعة الحوثية طورت أربع منظومات صاروخية جديدة للدفاع الجوي من طراز “ثاقب” و”فاطر.

وأكد رئيس ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي “مهدي المشاط” أن المنظومات الجديدة ستغير مسار المعركة، وستكون مقدمة لمنظومات دفاعية أكثر تطورا وفاعلية في التصدي للأهداف الجوية المعادية، على حد تعبيره.

متابعا: “العام الجاري سيكون عاما جويا بامتياز”، مؤكدا أن إسقاط مقاتلة سعودية من طراز تورنيدو في محافظة الجوف قبل أسبوع لم يكن سوى “بداية وتجربة ناجحة” لإحدى هذه المنظومات.

وكانت جماعة الحوثي اليمنية، أعلنت الأسبوع الماضي، عن حصيلة قتلى زعمت أنهم من الجنود والضباط السعوديين والإماراتيين، بعد دخول الحرب الدائرة بين الطرفين عامها السادس.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين “يحيى سريع” في بيان: “أن الاشتباكات منذ 2015 أدت إلى مقتل أكثر من 10 آلاف ضابط وجندي سعودي، فيما الموثق بحسب المعلومات الاستخباراتية، مقتل 4200 ضابط وجندي سعودي.

وأوضح أن السلطات السعودية تعترف بمقتل ألفي جندي وضابط فقط، مشيراً إلى مقتل وجرح أكثر من 1240 ضابطاً وجندياً إماراتياً، اعترفت أبوظبي بـ120 منهم فقط.

ولفت إلى سقوط أكثر من 8 آلاف قتيل ومصاب سوداني في الاشتباكات منذ عام 2015، مؤكداً أن من سماهم “قوات العدو” تكبدت خسائر بشرية كبيرة من جراء عمليات وحدات القناصة.

وبيَّن أن الحوثيين نفذوا 669 هجوماً باستخدام طائرات مسيَّرة داخل العمقين السعودي والإماراتي، كما أطلقوا خلال العام الجاري، أكثر من ألف صاروخ على أهداف سعودية وإماراتية.

وزعم أن مليشيا الحوثيين أفشلت “عمليات إنزال للعدو، واستهدفنا عدة فرقاطات قبالة سواحل اليمن”، كاشفاً إجراء تجارب جديدة ناجحة على منظومات صاروخية سيتم الكشف عنها قريباً.

 

  • ضعف القدرات السعودية على الحسم:

وأيضا تكشف الهجمات الحوثية ضعف القدرات السعودية على الردع، رغم حجم التسليح السعودي الكبير، لم يستطع السعوديون وقف الهجمات الحوثية.

وفي سياق التسليح السعودي المتنامي، نشرت صحيفة الجارديان اللندنية، الأحد 29 مارس، تقريراً للصحفي جايمي دوارد بعنوان “نكشف: مليار إسترليني من أموال دافعي الضرائب كقروض لدول أخرى لشراء أسلحة بريطانية”، تطرق فيه إلى شراء السعودية أسلحة بريطانية بقيمة تبلغ نحو 5.3 مليارات إسترليني (6 مليارات دولار).

ويقول دوارد: إن “أسلحة بريطانية بقيمة تبلغ نحو 5.3 مليارات إسترليني توجهت إلى المملكة العربية السعودية منذ بداية الحرب في اليمن (مارس 2015).

إلا أن التطورات الميدانية في الملف اليمني، تكشف عدم فعالية ترسانة الأسلحة السعودية على حسم المعركة على الأرض.

 

افشال التهدئة

وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن “مارتن غريفيث” أعلن مساء السبت 28 مارس، أن المجلس الإنتقالي الجنوبي يدعم دعوة الأمم المتحدة لوقف القتال في اليمن.

وسبق أن أطلقت الأمم المتحدة دعوة لهدنة لمواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، لقيت قبول الحوثيين والحكومة اليمينية سابقا.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” قد دعا الأربعاء الماضي، الأطراف المتقاتلة في اليمن إلى وقف فوري للأعمال العدائية، وبذل قصارى جهدهم لمواجهة الانتشار المحتمل لفيروس كورونا.

وقال في بيان صادر عنه “أن القتال الدائر حاليا في منطقتي الجوف ومأرب يهدد بالتسبب في زيادة حدة المعاناة الإنسانية.

فيما أثار ترحيب الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، بالدعوة الأممية للوقف الفوري للأعمال العدائية وتوحيد الجهود لمجابهة فيروس كورونا، تساؤلات عدة عن مدى ترجمة هذه المواقف من طرفي النزاع على الأرض ميدانيا، وإيقاف المواجهات المحتدمة في عدد من المناطق، لاسيما في محافظتي مأرب والجوف شرق وشمال البلاد.

وكانت وكالة الأنباء السعودية “واس” أكدت فجر الجمعة الماضية، أن التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن، أسقط طائرات مسيرة أطلقتها حركة أنصار الله “الحوثي” على أهداف مدنية في مدينتي أبها وخميس مشيط ، وذلك قبل 24 ساعة من اطلاق الحوثيين صاروخين باليستيين على الرياض وجازان.

ولا يعرف تأثير ذلك على موقف أطراف الصراع من الهدنة، وهو ما يتوقع معه فشل جهود الهدنة  قبل أن تبدأ.

وكان رئيس الوزراء اليمني “معين عبدالملك” قال في كلمة متلفزة: “أعلنا ترحيبنا الكامل بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، ودعوة مبعوثه إلى اليمن، إلى “وقف إطلاق النار وخفض التصعيد وإيقاف الأعمال العسكرية، والتعاون من أجل مكافحة وصول فيروس كورونا وانتشاره.

من جانبه، قال المتحدث الرسمي بإسم جماعة الحوثي “محمد عبد السلام” “أن على قوى التحالف الذي تقوده السعودية، أن تتعاطى بجدية ومسؤولية مع مواقف زعيم الجماعة، وتدرك أن استمرار العدوان والحصار لن يحقق لها أي مكسب.

وتابع عبدالسلام وفق ما نقلته فضائية “المسيرة ” التابعة للجماعة الخميس: “الحل ممكن إذا غير النظام السعودي نظرته السوداوية تجاه اليمن، وأقدم على وقف العدوان ورفع الحصار بشكل عملي وفعلي”.

بينما رأى رئيس تحرير صحيفة الوسط اليمنية “جمال عامر” أن بيان أمين عام الامم المتحدة، سيظل مجرد دعوة غير ملزمة مثلها مثل غيرها من الدعوات السابقة.

مضيفا في تصريحات صحفية “إن دعوة الأمم المتحدة فرضتها جائحة “كورونا” من باب إسقاط الواجب، ومثل هذه الدعوة وجهت لطرفي الصراع في ليبيا وتم الترحيب وإعلان الالتزام بها.

وبالنسبة لليمن، فأشار عامر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على إرغام الرياض وأبوظبي على إيقاف الحرب، خاصة أن المجلس السياسي الأعلى في صنعاء (تابع للحوثي)، قد تبنى مبادرة سلام شاملة لوقف الحرب من طرف واحد في سبتمبر الماضي.

مضيفا، كان يمكن أن تمثل مبادرة الحوثيين في  سبتمبر 2019، مدخلا للحل السياسي، بعد أن روعي حفظ ماء وجه التحالف السعودي الإماراتي، إلا أنه لم يستجب للمبادرة.

وتابع: “ومع ذلك، جدد رئيس المجلس مهدي المشاط طرح المبادرة في كلمته يوم الخميس الماضي، بمناسبة 5 أعوام من الحرب، وأكدها قائد “أنصار الله”، عبد الملك الحوثي في كلمته بالمناسبة ذاتها .

وأوضح الصحفي اليمني أن “إيقاف الحرب في اليمن، مرهون بقرار أمريكي قبل كل شيء.

أما الكاتب والمحلل السياسي اليمني “ياسين التميمي” فيؤكد أن هناك نقطة مشتركة قد تعزز قبول الأطراف بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية، وهي أن “الحكومة لا تريد للحرب أن تستمر على أطراف مأرب، فهي تهددها في آخر معاقلها، حيث حقق الحوثيون مكاسب مهمة تقوي موقفهم التفاوضي.

فيما يعاني التحالف، من ارتدادات هذه الحرب ومن تحديات عديدة؛ بينها كورونا وتراجع أسعار النفط.

وأشار إلى أنه لا يعتقد جدية في قبول الأطراف بوقف الحرب، والدليل أنه لم تمر سوى ساعات قليلة عن ترحيب رئيس المجلس السياسي للحوثيين بدعوة الأمم المتحدة، حتى استأنفوا القتال في صرواح عبر عملية تسلل قادة لأعنف المواجهات في هذه الجبهة غربي مأرب.

وعلى ما يبدو فإن  جميع الأطراف ليست جادة في التوصل إلى سلام بكل ما يقتضيه من تنازلات حقيقية، تعيد القرار للشعب اليمني وتعيد إحياء مبدأ الشراكة.

حيث يتزايد البون بين المشاريع السياسية للأطراف المتصارعة؛ ففي الوقت الذي تتمسك به الحكومة بالدولة الاتحادية وبمخرجات الحوار الوطني، يتجاوز الحوثيون هذه المرحلة باتجاه مشاريع متصادمة مع اليمنيين ومع المشروع الوطني، بحسب مراقبين.

وكان المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث” قد وصف ، يوم الاثنين 30 مارس، الأنشطة العسكرية البرية والجوية المتصاعدة بالبلاد، بأنها “مخيّبة للآمال”، وتتعارض مع ما أعلنه جميع الأطراف المنخرطة في النزاع من التزام بالعمل على وقف إطلاق النار.

وأعرب غريفيث في بيان صحفي عن انزعاجه الشديد من استمرار وتصعيد الأنشطة العسكرية البرية والجوية في اليمن، وخصوصاً في محافظة مأرب وما حولها، والهجمات التي تبناها “أنصار الله” (الحوثيون) ضد المملكة العربية السعودية.

 

5 سنوات من الخسائر

 

وللعام السادس، يشهد اليمن حرباً ضارية أوجدت إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث بات 80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة.

وبعد خمس سنوات مرت على انطلاق ما سميت بـ”عاصفة الحزم” باليمن، ولم يتغير ميزان المعركة ولم يتحقق الهدف المعلن من العملية التي أطلقتها السعودية والإمارات، المتمثل في إنهاء انقلاب جماعة الحوثي وإعادة الشرعية إلى السلطة في البلاد.

ولعل ما كان بارزاً خلال السنوات الخمس أن البلد الذي كان يواجه انقلاباً واحداً في عام 2015 صار اليوم أمام انقلابين، خاصة مع تناسل الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الشرعية.

كما أن السعودية التي تدخلت لأول مرة في 26 مارس 2015، بضربات جوية، باتت تسعى للتراجع، إلا أنها لا تجد استراتيجية للخروج، وفق ما يراه مراقبون.

أما الإمارات التي كانت جزءاً رئيسياً في التحالف، فأعلنت سحب وحداتها من اليمن، لكنها تواصل شراء خدمات القبائل والمليشيات التي تقاتل من أجل مصالح أبوظبي.

وفي الوقت الذي تقبع الحكومة اليمنية في الرياض تحت الإقامة الجبرية، وسط انكماش الأراضي التي تسيطر عليها، تدفع الإمارات لتحويل جنوب اليمن إلى دولة مستقلة عن الشمال، في وقتٍ لا تزال مليشيا الحوثي تسيطر على الشمال وسط توسع لها، في مقابل فشل أممي لإنهاء هذه الحرب على الرغم من كل الإتفاقات والمفاوضات التي عقدت سابقاً.

 

مصاعب اقتصادية سعودية

 

يشار إلى أن أمور كثيرة تغيرت منذ تولي ولي العهد محمد بن سلمان مقاليد كثيرة في إدارة شؤون بلاده، ولعل أبرزها حرب اليمن.

فمنذ إعلان السعودية تدخلها عسكريًا في اليمن مارس 2015، أنفقت السعودية عشرات المليارات من الدولارات، سواء بشكل مباشر في إطار التسليح العسكري لجيشها أو تكاليف ضربات جوية تنفذها ضد مقاتلي الحوثي ودعم الحكومة اليمنية، أم بشكل غير مباشر عن طريق هبات لحكومات ومنظمات لدعم موقفها في اليمن أو لشخصيات سياسية واجتماعية يمنية في إطار شراء تأييدهم لحربها ضد الحوثيين.

وفقًا لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام ومرصد المساعدة الأمنية الأمريكية، فإن السعودية أنفقت على صفقات شراء السلاح من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ما يصل إلى 82 مليار دولار، تشمل شراء أسلحة وذخائر وتدريب عسكريين سعوديين.

بالمقابل أشار بيان للموازنة العامة السعودية عام 2015 عن الاحتياطي النقدي والإنفاق العسكري للمملكة، أن الاحتياطي النقدي للبلاد وصل إلى 502 مليار دولار بعد الحرب، بعد أن كان 732 مليار دولار، بينما بلغ الإنفاق العسكري بعد حرب اليمن 80 مليار دولار، بعد أن كان 68 مليار دولار، لتكون بذلك السعودية الثالثة عالميًا بعد أمريكا والصين في الإنفاق العسكري.

وعلى الرغم من التكتم الشديد من المسؤولين والمؤسسات السعودية بشأن حجم إنفاقهم العسكري، فإن معاهد أبحاث عالمية ووسائل إعلامية سعودية أشارت في أكثر من مناسبة إلى جزءٍ من التكلفة المالية المنفقة لتمويل العمليات العسكرية في اليمن، فعلى سبيل المثال، أوردت قناة العربية بعد خمسة أيام على انطلاق عاصفة الحزم نقلًا عن مصادر في الجيش السعودي أن المملكة قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريًا على الضربات الجوية، وأن الضربات الجوية قد تكلف السعودية خلال 5 أشهر ما يصل إلى مليار دولار.

أما صحيفة الرياض السعودية فقالت إن الكلفة الشهرية لتشغيل الطائرات الحربية السعودية المشاركة في الحرب تصل إلى 230 مليون دولار، متضمنًا تشغيل الطائرات والذخائر المستخدمة والاحتياطية وثمن قطع الغيار والصيانة.

وبالنظر إلى أن هذه المعلومات وردت على لسان وسائل إعلام سعودية، فمن المحتمل أن الأرقام الحقيقية قد تبدو أكثر من ذلك بكثير، فصحيفة “إنترناشيونال إنترست” الأمريكية قدرت حجم الأموال التي صرفتها السعودية في هذه الحرب بـ100 مليار دولار، كما تم إنهاك الاحتياطي النقدي الذي ظلت السعودية لعقود تعمل على ادخاره.

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط من جهته وفي إطار مقارنته بين خسائر إيران والسعودية في اليمن، أشار إلى أن السعودية تخسر في حربها باليمن 5 – 6 مليارات شهريًا، بينما تستهلك من ميزانية إيران 30 مليون دولار فقط، بالإضافة إلى قليل من الخبراء والاستشاريين في المجالات العسكرية.

علاوة على النفقات العسكرية، هناك الودائع المالية التي تقدمها السعودية للحكومة اليمنية للحفاظ على الاقتصاد اليمني الهش من السقوط والعملة اليمنية من الانهيار التام، لذلك قدمت في فترات متلاحقة ودائع مالية للبنك المركزي اليمني للمساعدة على استقرار العملة وإيقاف تدهورها، قُدرت تلك الودائع بـ3 مليارات دولار خلال عامي 2018-2019.

 

في سياق متصل، تعمل السعودية عبر برنامجها السعودي لإعمار اليمن – كما تعرّف أنشطتها على موقعها الرسمي على الإنترنت – على تأهيل البنية التحتية اليمنية المدمرة في قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه، علاوة على وعود هذا البرنامج بالقيام بمشاريع ضخمة في البنية التحتية اليمنية في الأعوام القادمة، الذي يسلتزم بالتأكيد ميزانية مالية ضخمة ستكلف الاقتصاد السعودي الكثير.

ومن الواضح إذًا بأن الحرب اليمنية تستمر في استنزاف الخزينة والاقتصاد السعودي بشكل مستمر، ونحن ندخل اليوم العام السادس على إعلان عاصفة الحزم في اليمن لإعادة الشرعية.

لكن هل في مقدرة الاقتصاد السعودي تحمل كل هذه التكاليف؟ خاصة مع انخراط نظامه السياسي في ملفات أخرى، في إطار سعي المملكة إلى البقاء كقوة إقليمية، من ضمن هذه الملفات، صراعها مع ايران ومواجهة النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة ودخولها في نزاعات نفطية مع روسيا، ولا ننسى أيضًا تنفيذ الخطة التي أعلنها ولي العهد محمد بن سلمان في إطار إحداث طفرة في الدولة السعودية وتحوّل تاريخي لها، اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا ينقلها إلى عهد جديد بقيادة الأمير الشاب ممثلة برؤية 2030.

وعلى غير المألوف وخلافًا للمُعتقَد، فإن السعودية ليست دائنًا في جميع الاوقات، بل هي مدينة في أوقات عدة، وتستدين مبالغ ضخمة – على مراحل – لتغطية عجز موازنتها المترتب على تفاوت أسعار النفط.

أحد القروض التي حصلت عليها، كان لحساب صندوق الاستثمارات العامة السيادي بمبلغ 11 مليار دولار، أقرضه تحالف بنكي أمريكي بريطاني عالمي، وحسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية فإن السعودية استدانت منذ تراجع أسعار النفط في 2014 ما يصل إلى 100 مليار دولار، لتمويل جزء من عجز موازنتها الذي بلغ 260 مليار دولار في السنوات الأربعة الماضية.

وكانت السعودية تخطط للوصول بمديونيتها مع نهاية 2019 إلى 181 مليار دولار، أي ما يساوي 21.7% من الناتج المحلي

وكانت الحكومة السعودية تعوّل كثيرًا على طرح جزءٍ كبيرٍ من أسهم شركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة في بورصة نيويورك، لتحصيل مبلغ مالي ضخم يساعدها على تسديد جزء من ديونها وتمويل احتياجات تنفيذ رؤية 2030، لكن المخاوف من مصادرة أموالها في أمريكا بسبب قانون جاستا الذي استصدره المشرعون الأمريكيون مؤخرًا، ويسمح لعائلات ضحايا هجمات سبتمبر بمقاضاة دول متهمة برعاية الإرهاب وإجبارها على دفع تعويضات ضخمة لهم، وهناك بالفعل دعاوى كثيرة مفتوحة لهؤلاء الأهالي، مما قد يعرض السعودية لخسارة جزء من نصيبها في الشركة من خلال الأموال المتحصلة من بيع أسهمها، بالإضافة إلى موجة الانتقادات التي تزايدت في أوساط الرأي العام المحلي من جراء بيع جزء كبير من أسهم شركة وطنية مهمة كشركة أرامكو، كل ذلك دفع الحكومة السعودية إلى تأجيل عملية البيع وربما إلغائها.

وفي أغسطس 2018 أعلنت وزارة المالية السعودية ارتفاع حجم الدين الداخلي والخارجي بنسبة تعدت 21% إلى 146.6 مليار دولار، وهو ما عده خبراء اقتصاديون مؤشرًا سلبيًا عن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد في السنوات الأخيرة.

 

وفي العام الماضي نقلت وكالتا الأناضول ورويترز عن مكتب إدارة الدين العام التابع لوزارة المالية السعودية أن المملكة تخطط لإصدار أدوات دين بقيمة 31.5 مليار دولار للمساعدة في تمويل عجز الموازنة العامة، وكما أوضحت الوكالة فإنه مع حلول نهاية 2018 بلغ حجم الدين للمملكة 150 مليار دولار، وبررت الرياض إستراتيجية اقتراضها الخارجية بأنها تتمحور حول تمكين المملكة من اقتراض معظم احتياجاتها التمويلية خلال الربع الأول، وذلك لتخفيف الانتشار على مخاطر السوق وإتاحة المجال للجهات الحكومية والقطاع العام لاختيار الوقت المناسب لإصداراتهم الخارجية، حيث كانت السعودية تخطط للوصول بمديونيتها مع نهاية 2019 إلى 181 مليار دولار، أي ما يساوي 21.7% من الناتج المحلي.

في ذات الصعيد، وحسب موقع “دوتش فيله” الألماني نقلًا عن شبكة بلومبرغ الإخبارية الأمريكية، فإن السعودية ومصر تصدرتا مؤشر البؤس الاقتصادي، حيث احتلت مصر المرتبة الرابعة، بينما تراجعت السعودية إلى المرتبة العاشرة ضمن 66 دولة أخرى، بسبب عوامل اقتصادية عاشتها، من ضمنها التضخم بسبب انكماش الأسعار.

 

تحديات الاقتصاد السعودي وتأثيراته على الملف اليمني

 

وبالنظر إلى مجموعة من المخاطر التي تتهدد الاقتصاد السعودي جراء انخراط نظام الحكم السعودي في عدة ملفات معقدة تخص الإقليم والعالم وعدم مقدرته على الصمود في وجه أعاصير تداعيات هذه الملفات على اقتصاده الذي يتحمل أعباءً كثيرة منها الملف اليمني.

وبالتالي فإن استمرار إنفاق السعودية على الملف اليمني سينخفض كثيرًا مقارنة بالسابق، تماشيًا مع قدرة الاقتصاد السعودي وإدارته لالتزاماته الأخرى، ولأن السعودية ترى في استمرار مشاركتها بحرب اليمن كلفة ليست هينة على اقتصادها، لا سيما مع إدراك صعوبة تحقيق أهداف التحالف المعلنة منذ بداية عاصفة الحزم، فإنها قد تلجأ إلى الاستماع إلى مقترحات للتوصل إلى حلول سياسية قد لا تكون في صالح الحكومة الشرعية، وقد تعقِد تفاهمات منفردة مع الحوثيين في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب، وتثبيت الوضع الراهن مع تلقي ضمانات تحمي حدودها ومصالحها.

فالمعلومات التي تم تسريبها عن لقاءات بين مسؤولين سعوديين وقيادات لدى الحوثيين نهاية العام الماضي تتعلق بالتوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار والدخول في حوار مباشر ينهي الحرب في اليمن، أكدها تراجع عدد الغارات الجوية تلك الفترة بدرجة كبيرة ووقف تصعيد الحوثيين في جنوب المملكة، كل ذلك قبل أن ينهار، نتيجة تصعيد الحوثيين بداية هذا العام في نهم والجوف، واستئناف الطيران السعودي لغاراته.

تبدو الحكومة الشرعية هنا الحلقة الأضعف في هذه المعادلة لارتباط مركز قرارها وتبعيته للقرار السعودي، وعدم استطاعة القيادة اليمنية استعادة السيادة على قرارها، فيما يخص معركتها ضد الحوثيين شمالًا وخلافاتها مع الكيانات المتمردة جنوبًا.

وفي الوقت الذي تبدو فيه خيارات خصوم الحكومة الشرعية متعددة، فإن الحكومة تعتمد بشكل شبه كلي على السعودية وتحركاتها ودعمها وتدخلاتها في الوساطات أحيانًا حتى وهي مثقلة بعدة قضايا تخص المملكة داخليًا وخارجيًا تتعامل معها في ذات التوقيت، ومن ضمنها حالة اللااستقرار داخل الأسرة الحاكمة، وبالتالي فإن الجهد السعودي المخصص للملف اليمني تضاءل أكثر من ذي قبل، مما سيحصر الشرعية في زاوية ضيقة لا تستطيع معها التحرك بحرية كما يتحرك خصومها.

كما أن وعود الإعمار والاهتمام بالبنية التحتية للقطاعات اليمنية المختلفة كما أعلن تبينها البرنامج السعودي قد تتلاشي، في ظل مواجهة السعودية لعدة التزامات وعدم مقدرتها على تمويل مشاريعها في اليمن، تماشيًا مع خطط التقشف التي باتت تمضي عليها بعد التدهور الأخير لأسعار النفط.

 

خاتمة

 

فإن الصواريخ الحوثية قد تُؤدِّي إلى واحِدٍ من أمرَين، الأوّل أن تُعجِّل بإيجاد حَل سِياسي للأزمة اليمنيّة، أو تقود إلى تَفجير مِنطقة الشَّرق الأوسط بُرمَّتِها، أو حَربٍ غير مُباشرة وأكثر دمويّة بين السعوديّة وإيران.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022