التداعيات المحلية والإقليمية والدولية لانتصارات حكومة الوفاق في المنطقة الغربية

نجحت حكومة الوفاق الوطني والفصائل العسكرية المتحالفة معها في بسط نفوذها على ست مدن كانت خاضعة لسيطرة قوات حفتر، هي: صرمان، وصبراتة، والعجيلات، والجميل، ورقدالين، وزلطن، التي تقع على امتداد الشريط الساحلي الغربي الذي يصل طرابلس بالحدود التونسية بنحو 150 كيلو مترًا. ومن المتوقع أن تؤدي تلك الانتصارت التي حققتها حكومة الوفاق إلى مجموعة من النتائج الإستراتيجية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، سيتم توضيحها كما يلي:

 

أولًا: على المستوى المحلي:

1- سياسيًّا، هذا الانتصار سوف يدعم ويقوي الموقف التفاوضي لحكومة الوفاق في أي جولة محادثات قادمة مع حفتر، بعد التغيرات التي أحدثتها التطورات العسكرية الأخيرة التي خلقت واقعًا جديدًا في ميزان القوة العسكرية على الأرض لصالح حكومة الوفاق. وقد شاهدنا خلال الأيام الماضية تشديدًا في اللهجة من رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، الذي صار يرفض حتى مبدأ التفاوض مع حفتر.

2- عسكريًّا: فأولًا عبر هذا النصر تكون حكومة الوفاق قد نجحت في درء أي خطر مستقبلي على طرابلس من ناحية المحور الغربي ولا يتبقى لقوات حفتر إلا المحور الجنوبي (ترهونة – قصر بن غشير) كمصدر تهديد للعاصمة. ثانيًا: أضحت قاعدة الوطية الجوية الواقعة تحت سيطرة قوات حفتر شبه مطوقة، وعبر إخراج هذه القاعدة ولو نسبيًّا من الخدمة العملياتية تكون قواته قد خسرت إحدى أهم القواعد التي تؤمن لها الإمدادات العسكرية من سلاح وذخائر ومؤن، وتوفر لمقاتليها الغطاء الجوي الضروري لاستمرار معارك طرابلس. ثالثًا: هذا النصر العسكري يفتح الباب لتركيز كل جهود قوات حكومة الوفاق على الجيب الجنوبي، وبالتحديد على مدينة ترهونة، وهو ما بدأ فعلًا. أخيرًا، إن وقع هذه المعركة على معنويات مقاتلي حكومة الوفاق الوطني يعتبر أهم من وقعها المادي بكثير، وذلك بعد خسارتهم مدينة سرت في شهر يناير الماضي[1].

3- اقتصاديًّا: فإن بسط حكومة الوفاق نفوذها على تلك المناطق من شأنه أن يزيل جميع المعوقات التي تواجه التبادل التجاري مع تونس، ويسهم في إعادة العلاقات التجارية إلى معدلاتها الطبيعية، ما يخفف من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها حكومة الوفاق، خاصة بعد تراجع صادرات النفط الخام من موانئ البريقة وراس لانوف والحريقة والزويتينة والسدرة شرق البلاد، إثر اقتحام عناصر موالية لحفتر تلك الموانئ في يناير 2020[2].

4- إستراتيجيًّا، إن هذه الخسائر التي تعرض لها حفتر، وإن نجحت في عدم تمكينه من فرض هيمنته على طرابلس، وتطبيق نظامه العسكري الاستبدادي، فإنها لن توقف، وربما قد تسرع من عملية تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، في ظل وجود قوتين في الشرق والغرب، ليس لأي منهما القدرة في بسط نفوذه على كامل الأراضى الليبية. وذلك ما لم يكن لحكومة الوفاق رؤية بعيدة المدى من أجل فرض سيطرتها على كامل التراب الليبي.

 

ثانيًا: على المستوى الإقليمي والدولي:

1- يمكن الإشارة إلى أن التقدم الميداني الأخير لقوات حكومة الوفاق عزز حضورها على الحدود مع تونس، وهذا قد يكون أحد الأسباب التي دفعت الرئيس التونسي قيس سعيد للمسارعة بمهاتفة فايز السراج؛ لتأكيد دعم تونس للشرعية في ليبيا، إثر التصريح المثير للجدل الذي أدلى به وزير الدفاع التونسي، واصفًا فيه قوات حكومة الوفاق بـ “ميلشيات السراج”، علمًا بأن التطور الميداني الأخير يعني الكثير بالنسبة للأمن القومي التونسي، خاصة في بعده العسكري والاقتصادي. وهو ما قد يدفع نحو مزيد من التعاون التونسي مع كل من حكومة الوفاق وتركيا.

2- أن السيطرة على المنشآت النفطية بصبراتة قد يساهم في إعادة تطبيع علاقات حكومة السراج مع إيطاليا، التي تدهورت مؤخرًا، على خلفية توقيع مذكرة ترسيم الحدود البحرية مع تركيا؛ وذلك نظرًا لما تمثله صبراتة من أهمية إستراتيجية لإيطاليا، سواء كمدينة كانت تنطلق منها قوارب الهجرة غير النظامية بكثافة نحو أوروبا، أو لاحتوائها على مجمع مليتة للغاز والنفط، الذي تمتلك شركة إيني حصة 50% منه.

3- تركيا تبدو أكبر الكاسبين الإقليميين بعد هذه العملية، فخصوم حفتر صار لديهم شعور بأن هناك حليفًا حقيقيًّا يمكنهم الاستناد والتعويل عليه في صد مشروع حفتر، بالإضافة إلى ذلك في حالة سقوطها، فإن قاعدة الوطية الجوية قد تكون محط أنظار تركيا، التي تتطلع لتعزيز وجودها العسكري غرب ليبيا؛ وذلك بغية استغلال هذه القاعدة في إطار العمليات المستقبلية التي قد تشنها ضد قوات حفتر في وسط أو جنوب البلاد[3].

4- باستعادة حكومة الوفاق سيطرتها على الحدود الغربية، بما فيها رأس جدير مع تونس، يعني بالتبعية خسارة فرنسا لإحدى الطرق التي كانت تستخدمها من أجل تقديم الدعم لقوات حفتر. فقد سبق وأن قبضت قوات حرس الحدود التونسية في شهر أبريل 2019 على 13 فرنسيًّا بأسلحتهم لحظة عبورهم معبر رأس جدير قادمين من ليبيا.

5- إمكانية استعادة الأمم المتحدة لدورها في حل الصراع الليبي؛ فقد حمل الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش حفتر مسؤولية بدء الصراع، وواصفًا قصف المستشفيات بجرائم الحرب، ولو أن الاعتراف جاء متأخرًا، وهو الذي كان في طرابلس عندما بدأ حفتر عمليته.

ولعل تصريح غوتيريش يفسر ثقل الحمل الذي كان مسلطًا من الدول الكبرى على الأمم المتحدة، وحقيقة تكتمها على كثير من الحقائق؛ تواطؤًا منها مع مصالح القوى المتصارعة على الثروة الليبية، وبالتالي فإن تخفيض مستوى الاهتمام بالملف الليبي عند كثير من الدول المتدخلة بشكل مباشر فيه، على خلفية انشغالهم بأزمة كورونا، سيمنح الأمم المتحدة فرصة حقيقية لإنهاء هذا الصراع[4].

6- تراجع التأثير الأوروبي في الأزمة الليبية، هذا التراجع قد بدأ مع عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على بلورة رؤية موحدة لحل الأزمة الليبية، خاصة في ظل تصاعد الخلاف بين فرنسا وإيطاليا حول ليبيا. ثم يأتي فيروس كورونا، والذي جعل من أوروبا أكبر بؤرة للوباء العالمي؛ ما دفعها لإعادة ترتيب أولوياتها، بحيث تتراجع أهمية الملفات الخارجية، ومنها الأزمة الليبية، لصالح التركيز على مواجهة الوباء بداخلها.

كما أن عملية “إيريني” التي أطلقتها أوروبا لمراقبة تهريب السلاح إلى ليبيا قد لا يكون لها تأثير قوي؛ كونها تتلقى معارضة كبيرة من قبل حكومة الوفاق، التي تراها منحازة لحفتر، خاصة وأن الدور الرئيس لتلك العملية يتمثل في تفتيش السفن التي تنقل الأسلحة إلى ليبيا (والتي تعتبر الطريقة الرئيسة، وربما الوحيدة، لنقل السلاح من تركيا لحكومة الوفاق)، أما بالنسبة لنقل الأسلحة والمقاتلين الأجانب برًّا أو جوًّا، فتكتفي بالمراقبة الجوية وبالأقمار الصناعية، دون أن يكون لها أي آلية تنفيذية لوقف تهريب السلاح بكميات كبيرة برًّا وجوًّا من مصر والإمارات والأردن إلى حفتر. كما أن العملية، والتي بدأت في 31 مارس الماضي، تأتي بعد أسبوع فقط من إطلاق الحكومة الليبية عملية عاصفة السلام، في 26 مارس، التي كبدت حفتر خسائر فادحة[5]، أي أنها جاءت كطوق نجاة لوقف الخسائر التي يتعرض لها حفتر.

كما أن تلك العملية لا تحظى بدعم من قبل مجلس الأمن، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره بحظر التسليح، ولم يكلف الاتحاد الأوروبي بالعمل على تنفيده، بل وربما لا تحظى تلك العملية بدعم أمريكي أيضًا. فضلًا عن أن عملية “صوفيا” السابقة لم تنجح حتى في إيقاف قوارب المهاجرين الصغيرة من ليبيا، رغم تشدد أوروبا في منع الهجرة إليها[6]، فكيف ستنجح عملية إيريني في وقف تهريب السلاح، في حين أن عملية صوفيا فشلت في وقف الهجرة؟!

أكثر من ذلك، فإن البعض يرى أن الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق قد تغير الموقف الأوروبي لصالح الأخيرة، وهو ما ظهر في مهاجمة رئيس البعثة الأوروبية لدول المغرب العربي، أندريا كوزولينو، تصرفات حفتر، وحمله مسؤولية ما يحدث في ليبيا الآن؛ بسبب هجومه على العاصمة طرابلس. وطالب المسؤول الأوروبي كلًّا من “السعودية والإمارات ومصر، بتقديم النصح إلى حفتر لانتهاج الحوار لإنهاء الأزمة، لا أن تقدم له السلاح”. كما أكد كوزولينو أن “الاتحاد الأوروبي ينظر بإيجابية لما فعلته تركيا مع حكومة الوفاق الليبية”، مضيفًا “حضور أنقرة في ليبيا أمر مهم، ونأمل أن يدفع عملية السلام هناك”، وفق تصريحات لقناة “الجزيرة”[7].

وما يزيد من إمكانية تغيير الموقف الأوروبي لصالح حكومة الوفاق، تلك التحولات الجديدة في العلاقات التركية الأوروبية؛ بسبب الدعم الصحي الكبير الذي قدمته تركيا لعدد من الدول الأوروبية الفاعلة التي تعاني من تداعيات كورونا على أنظمتها الصحية، ما دفع بالكثير من تلك الدول إلى التراجع عن دعم مشروع “إيريني” الأوروبي، الذي كانت تدفع به باريس نحو شواطئ ليبيا[8].

7- إمكانية تراجع الدعم الإماراتي والمصري والسعودي لحفتر؛ حيث لم تظهر أية تصريحات من قبل مسؤولي أي من تلك الدول، والتي كانت إلى وقت قريب تواكب بقوة الأحداث السياسية والعسكرية في ليبيا، وبالتالي قد يكون فشل حفتر عسكريًّا لمدة عام كامل سببًا في تراخيها عن دعمه، ولو سياسيًّا، أثناء تتابع سقوط مواقعه في غرب البلاد[9].

ومن المتوقع أن تؤدي الخسائر التي تعرض لها حفتر أيضًا إلى تقليص الدعم المالي والعسكري من قبل تلك الدول. والمقصود بالدعم هنا، هو ذلك الدعم الذي تقدمه الدولتان لتمكين حفتر من السيطرة على العاصمة طرابلس، بحيث يتركز الدعم على مجرد تمكين حفتر من إحكام سيطرته على المناطق التي لا يزال يسيطر عليها في الشرق والجنوب، دون تقديم مزيد من الدعم لحملته العسكرية على طرابلس.

فتلك الخسائر سوف تعيد الخلاف المصري – الإماراتي السابق قبيل انطلاق حملة حفتر العسكرية على طرابلس في أبريل 2019؛ حيث كانت القاهرة ترفض تلك الحملة، ولكن نتيجة الضغوط والمنح الإماراتية فقد وافقت مصر في الأخير على تلك الحملة. ولكن يبدو أن الأمور مختلفة هذه المرة، فمصر قد تتمسك بوجهة نظرها، المتمثلة في ضرورة توقف حملة حفتر العسكرية على طرابلس، لا سيما وأن حفتر لم ينجح في دخولها بعد مرور عام على تلك الحملة؛ بل وانقلبت الأوضاع ضده بعد الهزائم الكبيرة التي تعرض لها على يد قوات الوفاق. وربما تخشى القاهرة من أن تؤدي خسارة حفتر في طرابلس إلى إعادة الانشقاقات بين صفوفه في المنطقة الشرقية (المنطقة الأهم بالنسبة لمصر). وما قد يدفع مصر إلى التمسك بموقفها أيضًا، إمكانية عدم قدرة الإمارات والسعودية على توجيه مزيد من الدعم المالي للقاهرة من أجل تغيير هذا الموقف.

وما يدعم من إمكانية حدوث ذلك (عودة الخلاف بين مصر والإمارات والسعودية)، ما أشارت إليه العديد من التقارير عن رفض القاهرة تنفيذ طلعات جوية جديدة لسلاح الجو المصري، لتوجيه ضربات ضد قوات حكومة الوفاق، بدعوى الكلفة الكبيرة لتلك الإجراءات، خاصة أن مصر تعاني في ذلك الوقت من أزمة اقتصادية عنيفة؛ بسبب توجيه أوجه الإنفاق الحكومي كافة، لمواجهة جائحة كورونا، والتبعات الاقتصادية والالتزامات المالية للدولة المترتبة عليها. وهناك أحاديث أيضًا عن مطالبة مصر كل من الإمارات والسعودية، للدفع بودائع بالدولار للمصرف المركزي، في محاولة لتغطية السحب الكبير من الاحتياطي النقدي للوفاء بالاحتياجات اليومية للمواطنين. إلا أن تلك المطالب لم تلقَ إجابة؛ نتيجة تأثر الدولتين بالأوضاع الاقتصادية العالمية، وتوجيههما جانبًا كبيرًا من الإنفاق لمواجهة الأزمة، في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط عالميًّا[10].

 

 

 

 

 

[1] “التطورات العسكرية بالساحل الغربي الليبي .. دلالاتها وتداعياتها المحلية والإقليمية”، نون بوست، 21/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2VrF8Wm

[2] “هل تسهم هزيمة حفتر في الغرب الليبي في إعادة إطلاق المسار السياسي؟”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 20/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2VqV0Zm

[3] “التطورات العسكرية بالساحل الغربي الليبي .. دلالاتها وتداعياتها المحلية والإقليمية”، مرجع سابق.

[4] “هل تفرض “عاصفة السلام” السلام في ليبيا”، مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية، 14/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2XT1L7N

[5] “أوروبا تخنق الحكومة الليبية تحت غطاء السلام (تحليل)”، الأناضول، 8/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2VOD9dH

[6] “هل تفرض “عاصفة السلام” السلام في ليبيا”، مرجع سابق.

[7] ” انتقاد أوروبي لحفتر وداعميه .. مغازلة للوفاق أم تغير مواقف؟”، عربي 21، 20/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2Vsz5Rr

[8] “غياب حلفاء حفتر الإقليميين: بداية انهيار مشروعه العسكري”، العربي الجديد، 21/4/2020، الرابط: https://bit.ly/3eGU4HR

[9] المرجع السابق.

[10] “الإمارات تلجأ لإسرائيل لتقوية دفاعات حفتر الجوية”، العربي الجديد، 10/4/2020، الرابط: https://bit.ly/2V80M1P

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022