العمالة المصرية بين انحياز السيسي لرجال الأعمال والخوف من انتشار الوباء

يعتبر “2020” هو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى العمال المصريين، فلا احتفالات بعيد العمال، ولا منح وحوافز، ولا علاوات، ولا زيادة في الرواتب؛ فمع تفشي وباء كورونا تركت الحكومات العمال في العراء، نهشاً لقرارات التسريح وخفض الرواتب، وحتى المبادرات التي قامت بها بعض الحكومات لتقديم إعانات للعمالة الموقتة كانت لزوم اللقطة والشو الإعلامي، لأن ما قُدِّم من دعم نقدي لهؤلاء لا يكفي لتغطية مصروفات أسرهم ليومين وربما ليوم واحد.

مكمن الخطورة أن دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية حذرت في 30 إبريل 2020م  من أن “1,6” مليارا بنسبة (75%) من العمال غير المسجلين في مؤسسات والذين يعملون في ما يسمى بالاقتصاد غير الرسمي “الموازي” قد يخسرون مصدر رزقهم في الربع الثاني من هذا العام(إبريل/ مايو/ يونيو) بسبب تفشي وباء “كوفيد ــ 19″ المعروف بكورونا،  ووفقا للدراسة فإن ” أكثر من 436 مليون منشأة في جميع أنحاء العالم، تواجه مخاطر شديدة بحدوث انقطاعات خطيرة، وتعمل هذه المنشآت في القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً”. ومن بين إجمالي المنشآت المهددة بالمخاطر، 232 مليون منشأة تعمل في تجارة الجملة والتجزئة، و111 مليون في التصنيع، و51 مليون في خدمات الإقامة والطعام، و42 مليون في العقارات والأنشطة الأخرى.([1]) وقال تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) إن فيروس كورونا سيهبط بنحو 8.3 مليون شخص في المنطقة العربية لما دون خط الفقر، مما يرفع عدد الفقراء في المنطقة إلى 101.4 مليون عربي، ليصل من يعانون من نقص الغذاء إلى 52 مليون شخص.

 

العمالة المصرية بالأرقام

ويبلغ حجم قوة العمل في مصر “28,950” مليونا، طبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في فبراير2020م،  بينهم حوالي 6 ملايين يعملون بالحكومة والهيئات الاقتصادية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال، بينما يربو عدد العاملين في القطاع الخاص على  23 مليونا.

أما العاملون والموظفون بالحكومة فهؤلاء لن تتضرر أجورهم بتعطل العمل نتيجة تداعيات فيروس كورونا؛ حيث يستمرون في الحصول على مرتباتهم إضافة إلى تمتعهم بالتأمين الاجتماعي والصحي. وبالنسبة للعاملين بالقطاع الخاص فهم فريقان:

  • الأول وهم أقلية يعملون في القطاع الخاص المنظم والاستثماري داخل منشآت وعنابر إنتاجية، وهؤلاء لهم أجور منتظمة ويحظون بالتأمين الاجتماعي لكنهم مهددون مع تضرر هذه الشركات بسبب الوباء واضطرارها للإغلاق المؤقت ما يجعل من مسألة انتظام الحصول على الأجر مسألة غير مؤكدة لهذه الفئة؛ خاصة وأن قانون العمل يسمح لأصحاب الأعمال بخفض الأجر الى النصف في حالة الإغلاق بسبب الظروف القهرية.
  • والفريق الثاني، وهم الغالبية الساحقة من العاملين بالقطاع الخاص غير المنظم، والذين يعملون بالشوارع كالباعة الجائلين والسائقين وأصحاب المهن الحرة التي لا تنتظم داخل الاقتصاد الرسمي، وهؤلاء هم الفئة الأكبر عددا من بين العاملين فى مصر، والأكثر تضررا من استمرار انتشار الوباء. وقدر وزير القوى العاملة السابق أحمد حسن البرعى عددهم بنسبة 55 % من قوة العمل، بينما قدر خبراء عمالة آخرين نسبتهم  بــ40 % من العاملين بالقطاع الخاص، وهكذا يتراوح عددهم بين 9.5 مليون شخص إلى 16 مليونا.([2]) وفي تقديرات أخرى تمثل العمالة الموسمية اليومية في مصر أكثر من 40 بالمئة من العاملين في البلاد البالغ عددهم 30 مليوناً، بحسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (جهاز الإحصاء الحكومي). يعمل منهم 8 ملايين عامل في قطاع الزراعة، وحوالي 3.5 ملايين عامل في قطاع البناء والتشييد، ومثلهم في قطاع تجارة التجزئة، وحوالي 3 ملايين عامل في قطاع الصناعة.([3])

 

الإنتاج أهم من المواطن!

انتشار كورونا في مصر لم يسهم في تعليق الصراع المجتمعي الدائر بين الرأسمالية المتوحشة التي يمثلها المؤسسة العسكرية باقتصادها الضخم إضافة إلى حفنة من رجال الأعمال في مواجهة الطبقات الفقيرة من العمال والمهمشين ومحدودي الدخل، بل زادت الصراع اشتعالا؛ فشح الموارد، وضبابية المستقبل، وتعطل المنظومة المعتادة، أمور تدفع الناس لمزيد من الصراع، وهنا يفوز أصحاب القوة والسطوة، والقادرون على التأثير في السياسات العامة، ليتمكنوا من فرض مصالحهم. نظام السيسي من جانبه شديد الانحياز أساسا مع مفهوم الرأسمالية المتوحشة ويتوافق تماما مع رجال الأعمال وأصحاب المصالح المباشرة والواضحة، فأي سيناريو بديل صادم لرجال الأعمال سيؤدي لمزيد من الأزمات ولن تحل إلا بتدخل الدولة التي يتعين عليها دفع فاتورة التكلفة الباهظة، وهو ما لا يتوافر في مصر حاليا التي تعتمد بشكل أساسي  على القروض والمساعدات والمنح في ظل تراجع معدلات الإنتاج وانخفاض مصادر الدخل القومي.

في حين كان من المتوقع أن يكون الفقراء من العمال والمهمشين ومحدودي الدخل هم الأسرع بالشكوى من تداعيات فيروس كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي، لكن المفارقة أن الذين جأروا بالشكوى سريعا هم رجال أعمال ومليارديرات من الوزن الثقيل احتجاجا على “وقف الحال”، وبلغ الأمر ببعضهم حد التصريح بتهديدات مبطنة بأنهم سيعلقون الأنشطة ويسرحون العمالة، في حين كان بعضهم أكثر رحمة وقال إنه سيدفع فقط نصف رواتب عماله، بينما اعتبر آخرون أن إفلاس الدولة أخطر من سقوط ضحايا للفيروس. وطالب رجال الأعمال بضرورة استئناف الأنشطة الصناعية والتجارية وهو ما تجاوب معه رئيس الانقلاب سريعا منسجما مع هذه التوجهات مؤكدا وضع صيغة جديدة لإعادة النشاط الاقتصادي؛ وأكد السيسي أن أضرار استمرار توقف النشاط الاقتصادي أكثر خطورة من أضرار الإصابة بالفيروس، مشيرا إلى اتخاذ كافة الإجراءات للتخفيف عن القطاع الخاص، ووجّه الشكر للقطاع الخاص على دعمه.([4])

أمام النقاشات التي دارت بين الحكومة ورجال الأعمال والتي نقل الإعلام معظمها؛ تم الاتفاق على استعادة قوة العمل كما كانت عليه قبل الوباء؛ وفقا لما أسموه بضوابط صارمة على العمال الذين سيحصلون على مرتباتهم مقابل بقائهم في المصانع والشركات دون العودة إلى أسرهم ومن دون أي زيادات في الأجور والمرتبات. وكان رئيس الانقلاب هو أول من بدأ هذه الإجراءات حيث استقرت حكومته على تحويل مواقع العمل، في المشروعات العمرانية بالعاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة، إلى «كيبوتسات»، كي تكون مناطق عزل يدخلها العمال ولا يسمح لهم بالعودة الأسبوعية منها إلى منازلهم حتى إشعار آخر. يأتي تنفيذ هذا المقترح كـ«حل وسط» بين رغبة الشركات في الاستمرار بالعمل، ورغبة الحكومة في تنفيذ إجراءات السلامة التي تضمن ألا يتفشى فيروس كورونا بين العاملين، خاصة أن الإصابات التي حدثت في وقت سابق لضباط الجيش كان سببها الاختلاط مع أجانب في العاصمة الإدارية.([5])

 

أزمات بلا حل تحاصر العمال

يعاني العمال المصريون من أوضاع مزرية منذ عقود طويلة، لكن هذه الأزمات تفاقمت بشدة في سنوات مبارك الأخيرة التي توجه فيها نحو الخصخصة والتفريط في شركات القطاع العام، ومع تعاظم الأمل في استعادة مكانة العمال بعد ثورة 25 يناير2011م؛ إلا أن انقلاب 30 يونيو 2013م أطاح بهذه الآمال وبدد أحلام العمال في مستقبل يتمعتون فيه بحقوقهم وحماية الدولة لهم، بل على العكس مارس نظام الانقلاب جميع صور وأشكال التعسف والقمع وأبدى انحيازا سافرا للرأسمالية المتوحشة مانحا جميع الضمانات لأصحاب المليارات عاصفا بكل حقوق الطبقة العاملة التي تقدر بعشرات الملايين؛ وهو ما قوبل باحتجاجات مستمرة من العمال لكن النظام منع جميع وسائل الإعلام من نشرها كجزء من سياسة القمع السافرة.

ومن أبرز أزمات العمالة ما يلي:

أولا،  أجور متدنية، ففي  تقرير الحالة المصرية الذي أصدره مركز “تكامل مصر” حول أوضاع العمالة المصرية في 2019م، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة،  بلغ متوسط أجر العامل المصري 60 سنتا بالساعة، في حين يبلغ متوسط أجر العامل بفيتنام ضعفي المصري بما يساوي 1.25 دولار بالساعة، بينما العامل المبتدئ في نيويورك يحصل على 25 ضعف هذا الأجر بما يساوي 15 دولارا بالساعة. ومع تفشي الأزمة الوبائية ، بدأ عدد من الشركات في تخفيض رواتب العمال إلى ما بين 50% إلى 60% بداية من مرتبات شهر مارسر الماضي، ووصل الحد ببعض الشركات إلى إعطاء إجازة إلزامية غير مدفوعة الأجر للعاملين؛  وسط تخل واضح من قبل الحكومة عن حماية حقوق العمال والموظفين.([6]) ووفقا لمصطفى خضري رئيس المركز فإن “تلك المقارنة الإحصائية البسيطة لأجر العامل المصري في عدم وجود مظلة رعاية صحية وتأمينية وتعليمية مناسبة؛ خير دليل على ما يعانيه من قهر وظلم”، وأنه حتى في أحلك الفترات التي مرت على مصر، لم يتم استعباد العامل المصري بتلك الطريقة، فنظام السيسي يتعامل كنخاس كريم يبيع المصريين مجانا للنظام العالمي”.([7])

ثانيا، يواجه أكثر من 70% من العاملين بالقطاع الخاص في مصر أزمة التسريح من دون أن يتمتعوا بعقود عمل نظامية تحفظ الحد الأدنى من حقوقهم، وفق تصريح أحد المسؤولين في اتحاد عمال مصر لصحيفة عربية. ويتوزع هؤلاء العمال على قطاع الفنادق والسياحة، وعدد من شركات قطاع الغزل والنسيج والصناعات الغذائية وقطاع المقاولات العقارية، وهي كلها قطاعات طاولها الإغلاق. فالأزمة الوبائية التي ضربت البلاد  كشفت مدى المعاناة الخطيرة التي يواجهها عمال القطاع الخاص، الذين يواجهون شبح البطالة وضعف الحماية الوظيفية، لأن معظمهم يعمل في ظل ظروف صعبة بلا تأمينات صحية أو اجتماعية، والكثير منهم يتعرضون لإصابات خطيرة ويتم إنهاء عملهم “بجرة قلم”.  ومن أوجه أزمة العمالة في القطاع الخاص المصري، أن سيف الفصل التعسفي يبقى مسلطا على معظم العاملين به طوال حياتهم؛ لأن معظم العاملين ليس لهم عقود عمل قانونية، بل يوقعون على استقالة تشتهر في مصر باسم “استمارة 6” تكون جاهزة للتفعيل في أي وقت يرغب صاحب العمل في إقالة أي عامل ودون إبداء أسباب.  كما تقرر إلغاء جميع الاحتفالات العمالية هذا العام، حتى إن مبنى اتحاد عمال مصر لم يتمكن من صرف “منحة شهر رمضان” للمنضوين في النقابات بدعوى الظروف المالية الصعبة. وتزداد الأزمة صعوبة إذا أشرنا إلى وجود أكثر من 7 آلاف مصنع متعثر فضلا عن المشكلات الكثيرة التي خلفتها الأزمة الوبائية وتوقف الصادرات في ظل تعليق العمل بالموانئ. وتشير تقديرات حقوقية إلى أن هناك ستة من كل عشرة عمال من الفقراء، إذ يحصلون على دخل أقل من خط الفقر العالمي، البالغ 735 جنيها شهريًا (50 دولارا). ومعدل خط الفقر العالمي هو 1.9 دولار يوميا للفرد، وذلك وفقا لآخر أرقام البنك الدولي الصادرة عام 2015.

ثالثا، غياب التشريع العادل الذي ينصف العمال أمام هيمنة وسطوة رأس المال، فلا تزال مطالب العمال بسن قانون للعمل يحفظ حقوقهم في عمل يوفر لهم الأمن والأمان وأجر عادل يكفي احتياجاتهم مع توفير ظروف عمل ملائمة وآمنة وحماية فعالة للعمالة غير المنتظمة يلقى تجاهلا من النظام العسكري. ولا يزال عمال مصر يطالبون بتفعيل قانون المنظمات النقابية من أجل تأسيس نقاباتهم المدافعة عن حقوقهم ومصالحهم لتحسين أحوالهم المعيشية  في ظل موجهات الغلاء الفاحش وبما يسهم في تحفيز بيئة العمل وزيادة الإنتاج دون جدوى.

ثالثا، القمع المفرط من السلطة، فبسبب الغلاء في المعيشة وتدني الأجور، والعصف بحقوق العمال؛ اشتعلت الاحتجاجات العمالية والاجتماعية الرافضة لتوجهات النظام الرأسمالية المتوحشة، لكن النظام قمع هذه الاحتجاجات؛ وتمكنت منصة العدالة الاجتماعية وهي منظمة مجتمع مدني من  توثيق 2792 احتجاجا في 2019م ما بين احتجاجات عمالية واجتماعية واقتصادية. وتصدرت الاحتجاجات الاجتماعية هذه الأنواع الثلاثة بواقع 2430 احتجاجاً بنسبة 87 في المائة من إجمالي الاحتجاجات، واحتلت الاحتجاجات العمالية المركز الثاني بواقع 193 احتجاجاً، بنسبة 6.91 في المائة، وأتت الاحتجاجات الاقتصادية في المركز الثالث والأخير بنحو 169 احتجاجاً، بما يمثل قرابة 6 في المائة. التقرير الذي حمل عنوان “الإصلاح الاقتصادي تحت الاختبار”، يؤكد تفشي حالة من الاستياء الواسع بين المصريين بعيدا عما تبثه وتنشره الآلة الإعلامية التابعة للنظام حول وعود الرفاهية والتنمية والأرقام الواعدة. وبرهنت على ذلك بحجم التجاوب الواسع مع مقاطع الفيديو التي بثها المقاول والفنان محمد علي في الشهور الأخيرة من 2019م حول حجم الفساد الواسع بين قادة الجيش والنظام وإهدار المليارات على القصور الفارهة والفيلات الفخمة.([8]) وشهد الربع الأول من 2020 رغم انتشار وباء “كورونا” 80 فعالية احتجاجية  نصفها احتجاجات عمالية بحسب تقرير  ربع سنوي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكان شهر ينايرهو أكثر الأشهر التي شهدت فعاليات احتجاجية حيث شهد 28 فعالية مختلفة، حسب ما جاء في التقرير الذي أشار إلى تعرُّض 13 فعالية مختلفة للاعتداء من قبل الأجهزة الأمنية، فيما مرت 56  فعالية دون اعتداء من قبل الأجهزة الأمنية، فضلاً عن حل 11 فعالية عمالية واجتماعية بالتفاوض.([9])

رابعا، تراجع كفاءة العمالة المصرية وتراجع الطلب عليها في الخارج وعلى رأسها دول الخليج، وذلك قبل تفشي وباء كورونا عالميا والذي زاد الأزمة تفاقما. وتقدمت به النائبة البرلمانية عن المصريين بالخارج منى الشبراوي بسؤال برلماني إلى رئيس حكومة الانقلاب ووزير القوى العاملة. وانتقدت فيه “تراجع مصر للمركز السادس بعدما كانت في المركز الرابع لتصدير العمالة للخارج عالميا”، مشيرة إلى أن “مصر ظلت لسنوات طويلة تحتكر تصدير العمالة المصرية للأسواق العربية، لكن اختلف الوضع خلال السنوات الأخيرة”. وحذرت من أن “تراجع الطلب على العمالة المصرية في الخارج له تبعات سلبية على معدلات البطالة، وانخفاض تحويلات المصريين بالخارج من الأموال؛ ما يؤثر على الاقتصاد المصري، خاصة وأن تلك التحويلات تعد أحد ركائز الدخل القومي بالنسبة لمصر”.([10]) من جانب آخر فإن مجالات الاستثمار التي تستهدفها مافيا الشركات  الأجنبية في مصر لا تنمي مهارات العامل المصري التكنولوجية والفنية، بل تحوله لعمالة نمطية يمكن الاستغناء عنها بسهولة”.إضافة إلى أن “نسبة استثمار الشركات متعددة الجنسيات بالصناعات التحويلة والتكنولوجية لا تزيد على 13 بالمئة من إجمالي استثماراتهم بمصر، والباقي عبارة عن صناعات استهلاكية تقليدية كالحلويات والسناكس والملابس الجاهزة والمنظفات.. إلخ”، وحتى النسبة الضئيلة من استثماراتهم بالصناعات التحويلية والتكنولوجية، يحرصون فيها على استقدام مشرفين ومهندسين أجانب؛ بحيث يصبح العامل المصري غير مؤهل لتوطين تلك الصناعات بمصر كاستثمار وطني، وهو ما يعني تواطؤ نظام السيسي مع تلك الشركات في تقليل فرص إقامة أي صناعة حقيقية بمصر”.

خامسا،  يواجه العمال أيضا مخاطر الخصخصة والصندوق السيادي، حيث يصر نظام انقلاب 30 يونيو علي الخصخصة انصياعا لشروط صندوق النقد الدولي، في عودة إلى فترة التسعينات التي بيعت فيها شركات القطاع العام بأبخس الأثمان وهو ما تسبب في خسائر بمئات المليارات نتيجة الفساد السرطاني في جسد النظام وتسريح أكثر من مليون عامل وجدوا أنفسهم مسرحين بعد عقود من العمل، وبذلك تراجعت دخولهم بشدة ما أثر على حياتهم ومعيشة أسرهم. وكتبت وزيرة التعاون سحر نصر، مقالا في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية نوفمبر2016 قالت فيه إن الحكومة تعتزم طرح شركات حكومية للتداول في البورصة، من بينها شركات بترول وشركات المرافق العامة، مثل المياه والكهرباء، قبلها بشهرين أعلن وزير قطاع الأعمال العام الأسبق أشرف الشرقاوي، أن الحكومة وضعت خطة لخصخصة 115 شركة عامة؛ مع ما يترتب على ذلك من خسائر وتسريح لعشرات الآلاف من العمال.

سابعا، من جملة الأزمات تعتبر المصانع المتعثرة من أكثرها قسوة وخطورة والتي تعثرت في أعقاب السيولة السياسية بعد ثورة 25 يناير وتفاقمت بعد انقلاب 30 يونيو، وتفاقمت بشدة في أعقاب قرارات التعويم في نوفمبر 2016م ورفع أسعار الوقود وجميع السلع والخدمات من مياه وكهرباء ونقل.ورغم تضارب الأرقام حول عدد هذه المصانع، إلا أن الاحصاءات تشير إلى أن عددها يبلغ 4500 مصنع فى 74 منطقة صناعية، فى حين يذكر تقرير لاتحاد العمال أن عددها يبلغ 8222 مصنعاً، بينما أشارت دراسة أعدها اتحاد المستثمرين إلى 1500 مصنع متعثر، يتركز 40% منها فى قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وفى تقرير لاتحاد الصناعات يقدر عدد المصانع المتعثرة فى كل المحافظات بنحو 7 آلاف مصنع كان يعمل بها قرابة مليونى عامل حياتهم توقفت تماماً، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الأساسى والوحيد، وضاعت استثمارات تبلغ قيمتها 35 مليار جنيه.([11])

 

توظيف سياسي لمنحة غير كافية

المنحة التي قررها رئيس الانقلاب وقدرها “500” جنيه لتصرف لمدة ثلاثة شهور للعمالة غير المنتظمة  لم تكن كافية بقدر ما تضمنت استغلالا سياسيا واضحا، للدعاية للنظام باعتباره نصير الفقراء، كما أنها أسهمت في زيادة العدوى بسبب التزاحم الشديد على مكاتب البريد ، وتجاهل إجراءات الوقاية من عدوى فيروس كورونا.  والأهم أن الأرقام المعلنة عن الأعداد المستحقة للمنحة حول 1.5 مليون شخص، لكن سلطات الانقلاب بدأت صرف المنحة للعمالة المسجلة لدى وزارة القوى العاملة فقط، البالغ عددها 120 ألف عامل، بتكلفة ستين مليون جنيه.كما استثنت الحكومة أكثر من 25% من المتقدمين لنيل المنحة، لأن من بين شروط الحصول عليها فرز العاملين ممن فقدوا وظائفهم على خلفية تفشي فيروس كورونا، وإثبات علاقة العمل السابقة من خلال الاشتراك في شهادة أمان المصريين، وإثبات الاشتراك في التأمينات، فضلًا عن إثبات المهنة في بطاقة الرقم القومي، وهو غير متوفر لأغلب العاملين المتضررين، ومن بينهم حملة شهادات متوسطة وعليا.([12]) وجملة من حصلوا على هذه المنحة لا يزيدون عن 2% فقط من جملة العمالة غير المنتظمة التي تتراوح بين 10 إلى 16 مليون عامل.

 

خلاصة الأمر، يقول رجال الأعمال الداعون لعودة العمل إن وفيات وباء كورونا محدودة وتقتصر على المسنين، وإن أغلب الشعب المصري من الشباب، وإنه حتى في حال إصابته فسيشفى سريعا. لكن هذا الرأي يتجاهل أن عدد المسنين في مصر (60 عاما فأكثر) ليس بالقليل إذ يبلغ أكثر من 6.5 ملايين مسن ما زال أكثر من 1.2 مليون منهم يعملون في مجالات مختلفة بين الزراعة والصيد والتجارة وأنشطة النقل والتخزين وغيرها، وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ستبقى أزمات العمال بلا حل ما دام نظام العسكر مغتصبا للسلطة في مصر، ذلك أن انحياز نظام السيسي للرأسمالية المتوحشة، يمثل ترجمة لأفكاره التي عبر عنه مرارا خلال سنوات ما بعد الانقلاب كما أنها تمثل في بعد آخر ترجمة لمخاوف وتحذيرات ورقة بحثية نشرها مركز “سترتفور” الأمريكي([13]) تؤكد أن تفشي الوباء وعوامل خارجية أخرى -من بينها التراجع الحاد في أسعار النفط والحروب التجارية العالمية المستمرة- من شأنها أن تزعزع نظام السيسي وتهدد بتقويض قدرته على الاستمرار. وخلص ستراتفور إلى أن استمرار إغلاق قطاع السياحة حتى عام 2021.وإقدام الحكومة على تطبيق إجراءات تقشف جديدة الأشهر المقبلة وفقًا لجدول إصلاحات كان مقررا قبل ظهور وباء كورونا.واستمرار انخفاض الطلب العالمي على الصادرات حتى عام 2021. من شأنها إضعاف قبضة السيسي على السلطة وحمل الشعب الذي يعاني من مشاعر الإحباط والضغوط الاقتصادية على الخروج للتعبير عن معارضته.

 

 

[1] منظمة العمل الدولية: 1.6 مليار عامل مهددون بالبطالة بسبب كورونا// العربي الجديد 30 أبريل 2020

[2] ممدوح الولي/العمالة المصرية غير المنتظمة الضحية الأشد لكوروناالجزيرة مباشر الأحد 29 مارس 2020

[3] مصر: لقمة العيش محفوفة بالمخاطر والانتهاكات/ العربي الجديد 1 مايو 2020

[4] عبدالله حامد/سياسة وافق عليها النظام والمستثمرون لمواجهة كورونا.. التضحية بالآلاف لإنقاذ اقتصاد مصر/ الجزيرة نت 10 إبريل 2020

 

[5] «كيبوتسات» للعمال في مصر: عجلة الإنتاج أهم من السلامة!/ الأخبار اللبنانية الثلاثاء 7 إبريل 2020

[6] منعم سداوي/70% من عمال مصر بلا عقود عمل في يومهم العالمي/ العربي الجديد 2 مايو 2020

[7] محمد مغاور/في يومهم العالمي.. هكذا بدت أحوال عمال مصر/ “عربي 21” السبت، 02 مايو 2020

[8] مصر: 2792 احتجاجاً اقتصادياً واجتماعياً في 2019/ العربي الجديد 29 فبراير 2020

[9] مصر: 40 احتجاجاً عمالياً في الربع الأول من 2020/ العربي الجديد 7 أبريل 2020

[10] محمد سندباد/لماذا تراجع الطلب على العمالة المصرية في الخارج؟/ “عربي 21” الأحد، 23 فبراير 2020

[11] أزمة أفقدت الدولة 35 مليار جنيه..إغلاق 8 آلاف مصنع وتشريد 2 مليون عامل/الوفد الأربعاء, 27 أبريل 2016

 

[12] محمد عبد الله/ بين منحة السيسي ومحنة صرفها.. كورونا يزيد أوجاع المصريين/ الجزيرة نت 14 إبريل 2020

[13] ستراتفور: مصر.. تراجع اقتصادي بسبب كورونا ينذر بزعزعة نظام السيسي/ الجزيرة نت 2 إبريل 2020

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022