دراسة سيناريوهات التصعيد السياسي والعسكري ليبيا بعد التدخل الروسي المباشر

يأتي إعلان القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم” السبت 30 مايو الماضي، أنها سترسل وحدة تدريب إلى تونس، ولن تكون لها خطط لمهام قتالية، ونشرت القيادة العسكرية هذا التوضيح بعد 24 ساعة من نشر بيان سابق، لمحت فيه إلى إمكانية استخدام اللواء المساعد بشمال أفريقيا، في ظل القلق المتزايد إزاء الأنشطة العسكرية الروسية في ليبيا، حيث تدعم روسيا وفرنسا والإمارات والسعودية قوات خليفة حفتر، في قتاله ضد حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا.

 

القلق الأمريكي

ونقلت وكالة “د ب أ”  بيان لـ”أفريكوم”، عن الجنرال “ستيفن تاونسند”، قائد القوات الأمريكية في أفريقيا قوله: “بينما تواصل روسيا تأجيج نيران النزاع الليبي، فإن الأمن الإقليمي في شمال أفريقيا يشكل مصدر قلق متزايد وتابع الجنرال: “نحن نبحث عن طرق جديدة للتعاطي مع قلقنا المتبادل بشان الأمن مع تونس بما في ذلك استخدام اللواء المساعد لقوات الأمن ودفع هذا التصريح إلى التكهن بوجود خطط أمريكية للتدخل في ليبيا، لكن “أفريكوم” نفت ذلك في تحديث لها لاحقا.

ونشرت وزارة الدفاع التونسية بيانا في وقت سابق حول محادثة هاتفية بين الجنرال “تاونسند”، ووزير الدفاع التونسي “عماد الحزقي”، الخميس28 مايو بشأن التعاون العسكري، ولكنها لم تشر إلى أي خطط لتدخل أمريكي في ليبيا، وترتبط الولايات المتحدة بتعاون عسكري وثيق مع تونس التي تحظى برتبة الشريك الرئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ 2015، كما أن الدعم الأمريكي لتونس منذ 2011، بلغ أكثر من مليار دولار، حسب وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”.

ولاحقا حاولت قوى برلمانية تونسية موالية للإمارات والسعودية “الحزب الدستوري” ، إصدار لائحة تمنع التعاون مع اي قوة عسكرية خارجية، فيما يتعلق بليبيا، إلا أن البرلمان التونسي صوت برفض اللائحة مساء الأربعاء 3 يونيو الجاري، يشار أن “أفريكوم” تتبع للقوات البرية الأمريكية، وتقوم بإرسال وحداتها إلى الدول المتحالفة لتقديم الأمن والتدريب وإجراء مناورات.

 

التدخل الروسي المباشر

والأربعاء 27 مايو، كشفت “أفريكوم” عن إخفاء روسيا هوية ما لا يقل عن 14 مقاتلة حربية من طراز “Su-24″ و”MiG-29”  في قاعدة عسكرية بسوريا، قبل إرسالها إلى ليبيا، وبررت روسيا ذلك، وفق ما نقلته وكالة الإعلام الروسية عن المتحدثة باسم الخارجية “ماريا زاخاروفا” قولها الجمعة 29 مايو، إن “الوضع في ليبيا آخذ في التدهور، وإن وقف إطلاق النار هناك يتهاوى”.

بينما قال البريجادير جنرال “جريجوري هادفيلد”، نائب مدير إدارة الاستخبارات التابعة للقيادة الأمريكية في أفريقيا لمجموعة صغيرة من الصحفيين، إن الطائرات الروسية انطلقت من روسيا ومرت عبر إيران وسوريا قبل وصولها إلى ليبيا، وأضاف أنه لم يتم استخدام الطائرات حتى الآن، لكنها يمكن أن تضيف قدرات جديدة لقوات الجنرال “خليفة حفتر”، الذي أخفق حتى الآن في جهوده المستمرة منذ عام للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا.

وأشار “هادفيلد” إلى أن موسكو قد لا تكون بحاجة إلى انتصار صريح لـ”حفتر” لتعزيز المصالح الروسية، وقال: “فيما يتعلق بدعم الجيش الوطني الليبي ودعم المشير حفتر، الأمر لا يتعلق في الحقيقة بكسب الحرب، وإنما بإقامة معاقل ويكمن أحد مخاوف واشنطن الرئيسية في إمكانية استخدام موسكو لمثل هذا الموقع لنشر صواريخ، وتابع: “إذا ضمنت موسكو موقعا دائما في ليبيا، والأسوأ، إذا نشرت أنظمة صواريخ طويلة المدى، فسيغير هذا قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا وحلف شمال الأطلسي وكثير من الدول الغربية.

وقال محللون إن أسطول الطائرات المقاتلة الروسية الذي وصل إلى ليبيا لدعم قوات الجنرال “خليفة حفتر” لن يغير شيئا على الأرض ما يعني أنه سيكون “عديمة الفائدة” عسكرياً، ولكنها تستهدف ردع المزيد من الهجمات المدعومة من تركيا على قوات “حفتر وأفادت الأنباء بأن ما لا يقل عن 6 طائرات “ميج 29” وطائرتين مقاتلتين من طراز سوخوي “سو 24” ترافقهما طائرتان من القوات الجوية الروسية قد هبطت الأسبوع الماضي في ليبيا.

وقال “فتحي باشاغا” وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس لوكالة “بلومبرج” الخميس قبل الماضي إن حكومة الوفاق الوطني لديها معلومات بأن الطائرات وصلت، وفي نفس اليوم، قال مصدر موثوق لموقع “ميدل إيست آي” إن طائرة “ميج -29” تابعة للنظام السوري كانت متمركزة في قاعدة “الجفرة” الجوية التي يسيطر عليها “حفتر وفي الوقت نفسه، أظهرت صورة قمر صناعي تم التقاطها للقاعدة في 19 مايو طائرة من طراز “ميج -29” على ممر المنشأة، مما يشير إلى أن الطائرات السبع الأخرى كانت هناك أيضًا، وقال مسؤول أمني في حكومة الوفاق إن عددًا من طائرات “ميج 29” و “سوخوي 24” وصلوا إلى “حفتر” من قاعدة سورية روسية.

 

التطورات الإستراتيجية الميدانية

وتسارع روسيا الزمن، بتدخلاتها العسكرية الملتوية بليبيا، لوقف تقدم قوات الوفاق على الأرض بعد تحريرهم قاعدة الوطية وتحرير طرابلس وجنوبها من فلول حفتر وأيضا مطار طرابلس، وحسم التدخل التركي الداعم للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في ليبيا.

فبعد الاندحار السريع الذي شهدته الميليشيات الموالية لخليفة حفتر والذي كان متوقعا بحكم عدم التجانس داخلها بسبب توزعها بين كثير من المرتزقة المستجلبة إما بالمال الخليجي أو بقهر حكومات الاستبداد في كل من مصر والسودان، علاوة على محترفي القتال وسفاكي الدماء من المرتزقة الروس التابعين لشركة فاغنر القريبة من الرئيس الروسي بوتين ، والتي أفادت عدة تقارير مختصة بأنها لا تعدو أن تكون فريقا تابعا للمخابرات الروسية تحت مسميات مستعارة.

وكان عدد من المراقبين توقعوا أن تستجمع هذه الميليشيات قواها وتنظم صفوفها وتعود في المعركة بعد تمكينها من تحديث تجهيزاتها وتوفير الغطاء الجوي الروسي بعد أن تم إرسال 14 طائرة من الجيل الرابع لمقاتلات سوخوي24 وميغ 29 إلى قاعدة الجفرة، وفق بيانات القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”.

وكما أشارت القيادة الأمريكية، إلى أن أفرادا من الجيش الروسي يرافقهم مقاتلون روس يتمركزون في ليبيا، هم من نقلوا الطائرات إلى ليبيا، وأنهم هبطوا قرب مدينة طبرق شرقي البلاد للتزود بالوقود، ورجحت القيادة أن يكون إرسال تلك المقاتلات بهدف تقديم الدعم الجوي للهجمات البرية التي يشنها مرتزقة “فاغنر” الموجودون لمساعدة مليشيا حفتر، في نزاعها مع القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا.

غير أن الواقع على الأرض لم يتغير بل على العكس من ذلك ترسخ بشكل ينبئ بعدم الرجوع إلى الوراء، فقد اعترفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن ميزان القوى على الأرض في ليبيا تغير بسبب المساعدة الخارجية لأطراف النزاع دون أن تحدد الجهة المقصودة.

وأضافت”زاخاروفا” أنه ليس مجرد وضع صعب في ليبيا بل إن الوضع آخذ في التدهور ويشمل التدهور في الوضع السياسي والعسكري على السواء خاصة أن الهدنة التي تم الاتفاق عليها في شهر يناير معطلة بصورة كاملة بعد أن استؤنفت العمليات العسكرية على أكثر من محور، وتابعت المتحدثة لقد اختلف الوضع الآن على الأرض اختلافا كبيرا وأدى ذلك إلى تغير ميزان القوى بفضل المساعدة الخارجية لأطراف النزاع.

وتشير عدة تقارير إلى أن حسم المعركة على أرض الميدان يعود الى أسباب مختلفة كان على رأسها الدعم التركي عبر الطائرات المسيرة حديثة الصنع التي فاجأت الملاحظين بقدراتها العالية، غير أن ذلك لا يحجب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها خليفة حفتر مما ساهم في هزيمته السريعة وعلى رأسها سوء إدارته للمسألة السياسية بعد أن أعلن نفسه حاكما شرعيا على ليبيا وتنصل من اتفاق الصخيرات المعترف به دوليا وهو ما أحرج العديد من القوى الدولية وجعلها تعجل بالتنصل منه.

لقد تغير الوضع في ليبيا بشكل نهائي وانتهت معه حظوظ خليفة حفتر في أن يكون له دور محوري في مستقبل ليبيا رغم أن مناورات أعداء الثورة والشعب لم تنته بعد وقد تتواصل ولكن بصيغ أخرى بعد أن تحول حفتر الى عبء ثقيل يحاول الجميع التخلص منه.

 

وماذا بعد تعزيز التواجد العسكري الروسي ؟

ويثبت دعم روسيا المتعمق لقوات حفتر في ليبيا، أن الكرملين يرى “حفتر” حاسما لاستراتيجيته الكبرى في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن يمنح موسكو اليد العليا في تشكيل المستقبل السياسي للبلاد التي مزقتها الحرب، وستجعل الطائرات الروسية من الصعب على حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، تحقيق المزيد من المكاسب العسكرية خارج طرابلس.

ولكن ربما الأهم من ذلك، أن مشاركة روسيا المتزايدة في الحرب الأهلية في ليبيا، إلى جانب دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق الوطني، ستترك موسكو وأنقرة على رأس أي مفاوضات محتملة بين شرق وغرب ليبيا، ما يثير فزع الأطراف الأخرى الموجودة في أوروبا والولايات المتحدة.

وخلال الشهرين الماضيين، تكبدت قوات “حفتر” سلسلة من الخسائر الكبيرة أمام قوات الوفاق المدعومة من تركيا في غرب ليبيا، وفي 13 أبريل، سيطرت حكومة الوفاق الوطني على عدة مدن على طول الطريق الساحلي بين طرابلس وتونس، بما في ذلك صبراتة، ثم انتزعت حكومة الوفاق قاعدة “الوطية” الجوية من “حفتر” في 18 مايو، وبدأت منذ ذلك الحين في الاستعداد لهجوم على بلدة ترهونة التي تسيطر عليها قوات “حفتر”، والتي تقع على بعد 65 كيلومترا جنوب شرق طرابلس، وتوجت الانتصارات بطرابلس.

فيما تتوارد تقارير بتجهيزات عسكرية تنسقها القاهرة والإمارات وروسيا لشن حملة جوية واسعة النطاق ضد حكومة الوفاق الوطني، ومن المرجح أن نشر الطائرات المقاتلة الروسية يهدف إلى المساعدة في وقف الزخم الأخير لحكومة الوفاق الوطني، حتى لو لم يساعد بالضرورة “حفتر” على استعادة الأراضي المفقودة.

وربما سيتم استخدامها أيضا، في بعض الحالات، في معركة التفوق الجوي ضد الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي التي توفرها تركيا لحكومة الوفاق، ومع ذلك، يبدو واضحا أن هذا ليس مجرد عرض للقوة لمرة واحدة ردا على خسائر الجيش الليبي الأخيرة.

 

تغيير حسابات تركيا

ويمكن للوجود الروسي الأكثر ديمومة في وسط وشرق ليبيا أن يساعد في تغيير حسابات تركيا في طرابلس، وكذلك مدينة مصراتة الشمالية الغربية، وتقوم مصراتة والقوات الموالية لحكومة الوفاق بعمليات تستهدف خطوط إمداد قوات “حفتر” بين طرابلس وترهونة.

ويمكن لزيادة التدخل الروسي المباشر أن يكون قوة ردع لإبقاء حكومة الوفاق الوطني ومصراتة على مسافة بعيدة من قاعدة الجفرة الجوية، وكذلك قوات “حفتر” في وسط ليبيا، ويبقى أن نرى ما إذا كانت روسيا تنوي أن يكون لها انتشار شبه مستمر في ليبيا كما هو الحال في سوريا.

 

تكرار النموذج الروسي بسوريا في ليبيا

ويشير هذا الانتشار إلى أن نية روسيا في ليبيا ستكون السماح لقوات “حفتر” بالتقدم تدريجيا في غرب ليبيا، أثناء إجراء عمليات دقيقة تهدف إلى تحطيم دفاعات حكومة الوفاق الوطني، وسيكون هذا مشابها لإستراتيجية موسكو في سوريا، حيث سببت القوات الروسية استنزافا مستمرا للمعارضة، ما منح نظام “بشار الأسد” تقدما تدريجيا، وسوف يترتب على ذلك زيادة في عمليات نقل ناقلات الجنود المدرعة وغيرها من المعدات.

لكن هناك اختلافات ملحوظة بين انخراط روسيا بشكل مباشر في ليبيا مقارنة بسوريا، وعلى عكس المعارضة السوريين، تتمتع قوات حكومة الوفاق الوطني بقدرات دفاع جوي كبيرة وقوة جوية عاملة أثبتت فعاليتها بالفعل ضد أنظمة الدفاع الجوي التي بنتها روسيا.

 

ثمن سياسي باهظ

ومن خلال زيادة اعتماد “حفتر” على الدعم الروسي، فإن مشاركة موسكو المباشرة والعلنية في ليبيا يمكن أن تمنحها كلمة أكبر في محادثات السلام المحتملة، ورسميا ما زالت وزارة الخارجية الروسية تطالب بوقف إطلاق النار في ليبيا.

وفي ينايرالماضي، توسطت موسكو وتركيا أيضا في وقف إطلاق النار المؤقت الفاشل بين قوات “حفتر” وحكومة الوفاق الوطني، وسوف يثير دعم روسيا لزعيم ليبي يمكن أن يصبح حليفا لها في نهاية المطاف مخاوف الغرب بشأن نوايا موسكو في شمال أفريقيا.

 

الغرب يدفع ثمن ضبابية مواقفه بليبيا

وفي الواقع، كجزء من جهود موسكو لبناء وجود بحري خارج البحر الأسود، يذهب الاستراتيجيون العسكريون إلى أن الروس منذ فترة طويلة يخططون لموانئ ليبيا في طبرق ودرنة باعتبارها بدائل محتملة مثالية أو تكميلية للمنشآت البحرية الروسية في سوريا، ومع ذلك هيمنت الدول الغربية على النفوذ الخارجي في شمال أفريقيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي، ولا سيما فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة.

وبالتالي، فإن بعض المسؤولين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي ينظرون إلى جهود روسيا المتعمقة لإقامة وجود شبه دائم في ليبيا، باعتبارها تهديد، ومع ذلك لا يزال من غير المحتمل أن يتحدى الغرب تدخل روسيا المتزايد في ليبيا فيما يتجاوز التصريحات الخطابية.

وفي أوروبا، دعمت فرنسا “حفتر” لأعوام، وربما كانت تعمل جنبا إلى جنب مع روسيا في ليبيا، وتذبذبت الحكومة الإيطالية بين التفاوض وعدم التفاوض مع “حفتر”، ولكن من غير المحتمل أن تتورط عسكريا في الحرب الأهلية في ليبيا إلى حد كبير، وفي حين أن الوجود الروسي في ليبيا أثار مخاوف قيادة الجيش الأمريكي في أفريقيا، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة الرئيس “دونالد ترامب” تشاركها نفس المخاوف، ودعم البيت الأبيض في البداية هجوم حفتر في طرابلس، ولم يبد اهتماما كبيرا بالتورط في صراع يجلب له انتقادات المشرعين الأمريكيين، على أقل تقدير، فإن المشاركة الروسية ستجعل المسرح الليبي تحت هيمنة روسيا وتركيا عبر دعمهما للأطراف المتنافسة داخل البلاد، ويعني هذا أن أي مسار نحو المفاوضات السياسية في البلاد سوف يتطلب الدعم الروسي والتركي ليتحقق.

ولن تكون الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية سعيدة بهذا التطور، ولكن طرد روسيا وتركيا من ليبيا يعج بالعقبات السياسية والعسكرية، وفق تقدير استراتيجي لمركز ستراتفور، فأن الوجود الروسي في ليبيا لم يعد يهتم بانتصار “حفتر” ولكن بتأسيس معقل لموسكو هناك، وهو ما يبدو انه قد يكون احد بنود الحوار الذي يجريه وفد من حكومة الوفاق يوم الخميس 4 يونيو بموسكو، والتي قد تكون نتيجة لتغير موقف روسي بسحب نحو 2000 من الخبراء الروس العاملين في مطار وجنوب طرابلس.

 

سيناريوهات التصعيد العسكري بين تركيا وروسيا

ورصد الباحث أرنود ديلالاندي، في الميدل إيست آي، سيناريوهات عدة للتصعيد بين روسيا وتركيا، بعد التدخل العسكري المباشر، فوفقًا للمتخصص في شؤون الدفاع “أكرم خريف” يمكن أن يكون أصل “ميج 29” بيلاروسيا بموجب أمر من الإمارات، ولن يكون هذا النوع من المعاملات بين البلدين مفاجئًا لأن 3 طائرات هليكوبتر Mi-24PS على الأقل سلمتها الإمارات إلى “حفتر” في أبريل 2015 جاءت من بيلاروسيا.

ولكن لا تمتلك بيلاروسيا ولا الإمارات القدرة على نشر طائرات “ميج 29” في ليبيا دون مساعدة لوجيستية واسعة النطاق وموافقة سياسية من روسيا. علاوة على ذلك، فإن هذا النقل السري، بمثابة تكرار لعملية انتشار سلاح الجو الروسي في أغسطس2015 إلى سوريا، وهو ما يؤكد أنه من الواضح أن روسيا تحاول قلب الموازين لصالحها في ليبيا، مثلما فعلت في سوريا، فهم يوسعون بصمتهم العسكرية في أفريقيا باستخدام مجموعات المرتزقة المدعومة من الحكومة مثل فاغنر.

ويأتي هذا رغم أنه لفترة طويلة، نفت روسيا تورطها في الصراع الليبي المستمر، وبحسب عسكريين، فإنه لا يمكن للجيش الوطني الليبي ولا الشركات العسكرية الخاصة تسليح وتشغيل وإدامة هؤلاء المقاتلين دون دعم من الدولة – الدعم الذي يتلقونه من روسيا، فالقوات الجوية لـ”حفتر”، ليس لديها الطيارين والأفراد الذين لديهم مهارات للطيران والقدرة على صيانة هذا الأسطول الصغير. في الواقع إن إتقان التعامل مع طائرة مقاتلة مثل “ميج 29” يتطلب سنوات من التدريب وجيش “حفتر” يفتقر إلى الطيارين الجيدين.

حيث قتل معظم أفضل الطيارين العاملين في القوات الجوية السابقة لـ”القذافي” خلال سنوات الحرب الأهلية في البلاد، لذلك يمكن للمرء أن يكون على يقين تقريبًا من أن الليبيين لن يشغلوا هذه الطائرات التي تم إدخالها حديثًا، من غير المرجح أيضًا أن يكون الطيارون سوريين، وفقًا لتقديرات عسكرية، إلا أنهم عديمي الفائدة، نظرا لغياب الرقابة والدعم الأرضي في ليبيا، ويرجح البعض أن يكون الطيارون، هم طيارون روس و/ أو بيلاروسيون سابقون تم توظيفهم عبر شركات المرتزقة الخاصة، كما أن تدمير حوالي 9 أنظمة صواريخ “بانتسير” المملوكة للإماراتيين من قبل الطائرات بدون طيار التركية خلال الأيام القليلة الماضية يقدم مثالاً صارخًا على الفشل الروسي المتحالف مع حفتر.

ويرى خبراء ألا يؤدي نشر الطائرات الجديدة إلى أي تغيير في حظوظ “حفتر”. ويمكن القول إن الاستيلاء على العاصمة الليبية بالقوة وحدها أمر مستحيل، فلا يمكن لأي طائرة من طراز ميج 29 أن تحقق أي شيء أفضل من طائرات الميراج الإماراتية وطائرات بدون طيار الصينية النشطة بالفعل في المسرح الليبي، وهذا لا يعني أن الطائرات الحربية الجديدة لن تستطع إلقاء قنابل على مناطق مدنية في طرابلس. لكن الفرقاطات التركية المتمركزة حاليًا قبالة المدينة الساحلية أثبتت قدرتها على اسقاط الطائرات بدون طيار الإماراتية عندما غامرت الأخيرة بالقرب من شاطئ البحر، سوف تتعرض طائرات “الميج” و”السوخوي” لنفس المخاطر.

وهو ما يطرح تساؤلا محوريا حول: لماذا إذن يتم إرسال أسطول من المقاتلات “عديمة الفائدة” عسكريا إلى ليبيا لدعم “حفتر”؟

فلم يكن من الممكن نشر الطائرات الجديدة دون دعم موسكو وتأييدها. مهما كان أصل وملكية هذه الطائرات، وبغض النظر عمن يشغلها نيابة عن قوات “حفتر”، فهي لا يمكن فصلها عن روسيا ولهذا السبب لن يخاطر أحد بإطلاق النار عليها، لذلك، فإن مجرد وجود الطائرات يكفي لردع تركيا عن محاولة الهجوم على قاعدة “الجفرة”. ومن خلال توفير الحماية لهذه القاعدة الجوية الحاسمة، تزيد روسيا من نفوذها في شرق ليبيا كمفاوض حاسم في جانب “حفتر“.

وكان رد فعل تركيا على نشر الطائرات الحربية الروسية فوريًا، حيث تحركت العديد من رحلات الشحن الجوي من إسطنبول إلى مصراتة، بما في ذلك طائرات النقل الجوي التركية “هرقل C-130″ وطائرات إيرباص “A400”، بالإضافة إلى طائرة نقل عسكرية أخرى مقدمة من قطر، يعمل هذا الجسر الجوي على تعزيز الدفاعات التركية، وخاصة الأنظمة المضادة للطائرات التي تهدف إلى بناء جدار حماية حول طرابلس ومصراتة، وقاعدة “الوطية” التي سيطرت عليها قوات حكومة الوفاق الأسبوع الماضي، ومن شبه المؤكد أنه سيتم إرسال دفعة جديدة من الطائرات المسيرة من طراز “بيرقتار” منخفضة التكلفة بدلا من تلك التي تم إسقاطها خلال العام الجاري.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تنشر أنقرة المزيد من الأصول الجوية حتى في “الوطية”. بغض النظر عن عدد المرات التي توقع فيها بعض المعلقين دخول مقاتلات “F-16” التركية في الصراع الليبي، فإن هذا الاحتمال غير وارد. وكذلك أي قتال جوي تركي روسي، لطالما كان هدف “أردوغان” في ليبيا إعادة موازنة القوات في حرب بالوكالة، وليس مواجهة مباشرة بين قوات نظامية كما رأينا في سوريا.

ومع أخذ كل ما سبق في الاعتبار، ومع عدم استعداد أنقرة أو موسكو للمخاطرة بالتصعيد، يبدو أن السيناريو المحتمل هو العودة إلى الجمود وخط الجبهة بين حكومة الوفاق وقوات “حفتر” الذي كان موجودًا قبل شن “حفتر” هجومه في أبريل 2019، ولعل أثر نشر الطائرات الروسية على جانب “حفتر” هو تكريس الوضع الراهن، وبحسب مراقبين، يتسق هذا السيناريو مع بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الروسية في 21 مايو عقب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” ووزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وكذلك استئناف العملية السياسية المدعومة من الأمم المتحدة.

مع ذلك يجب الحذر، وكان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتين” قادا محادثات بالفعل في يناير مع الأطراف المتحاربة في ليبيا لإعلان وقف إطلاق النار، وقبلت حكومة الوفاق شروط وقف إطلاق النار، ولكن “حفتر” رفض وغادر موسكو دون أن يوقع على الوثيقة التي اقترحتها روسيا وتركيا، ويبقى إن “أسوأ سيناريو هو أن تبدأ طائرات ميج 29 هذه في استهداف المستشفيات والمنشآت الأساسية الأخرى للحياة المدنية في منطقة طرابلس” وهو ما ينذر بموجة هجرة جماعية لملايين المدنيين كما هو الحال في سوريا...ما يفاقم التحديات أمام أوروبا، ويقلص من التوازنات التي تراهن عليها أوروبا وأمريكا في ليبيا.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022