مصر بين مرسي والسيسي..حسابات الربح والخسارة

في 17 يونيو 2019، فقدت مصر الدولة والمجتمع والتاريخ والحضارة والإنسانية،  أول رئيس منتخب في تاريخها القديم والحديث، في أسوأ ظروف إنسانية وسياسية وقضائية.

فكشف مقتل الرئيس محمد مرسي أنه لا أخلاق ولا شرف في الخصومة السياسية، ولا عدالة تضمن للسجين أبسط حقوقه الإنسانية، إلا أن خاتمته التي استحقها عن جدارة، جاءت دفاعا عن الحق والعدل بداخل محكمة أرضية، يغلب عليها الهوى ويشوبها الطغيان والظلم، ويغلب عليها منطق تزوير الحقائق وتزييفها .

ثم تلاحق العار على النظام العسكري، الذي ظل لست سنوات مرعوبا من خروج صوت مرسي إلى العلن، فارضا حاجزا زجاجيا عليه وسجنا اتفراديا لا يقابل أحدا، حتى لا يفضح المنقلبين، فلم يجرؤ على خروج جنازة رسمية أو غير رسمية للرئيس الشهيد، رعبا من الحشود الشعبية، غير المدجنة أو المتعاطفة مع الرجل، تكشف عوارات ادعاءاته وحملات اذرعه الاعلامية للتشوية. وفرض السيسي جنازة عائلية لا يزيد عدد المشاركين عن اصابع اليدين، من ابناء الرئيس وزوجته وشقيقه، وهو ما يؤكد حقيقة الهزيمة النفسية للسيسي ونظامه أمام ثبات وقوة حجة الرئيس الشهيد، وفق قواعد التحليل النفسي.

ووفق تتلك الحالة الانهزامية للسيسي أمام الرئيس الشهيد، جاء تعامل الأجهزة المخابراتية والإعلامية، مع نبأ رحيله، حيث تم تعميم خبر الوفاة بنص موحد، حتى أن مذيعة قناة إكسترا نيوز، قرأت الخبر الذي جاء إليها عبر جهاز سامسونج من المخابرات، مذيلة الخبر بقولها “الرسالة جاءت من جهاز سامسونج” وهو ما يعد أكبر فضيحة إعلامية، ناجمة عن رعب النظام .

وعلى أية حال، فقد شاءت إرادة الله أن ينصف محمد مرسي وأن يضع حدا لمعاناته في سجون السيسي الذي منع عنه العلاج وحرمه من أدنى الحقوق، التي يتمتع بها السجناء والأسرى في سجون المحتل الصهيوني، فقد أصدرت أسرة مرسي عدة بيانات في السابق تشتكي عدم السماح لها بزيارته في محبسه، ومن عدم السماح له بتلقي العلاج اللازم.

وصرح عبد الله، نجل مرسي الراحل، في مقابلة أجراها مع وكالة “أسوشيتد برس للأنباء” في نوفمبر 2018، أن والده يُمنع من تلقي الرعاية الصحية في محبسه الانفرادي، رغم إصابته بأمراض خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، وتوالت بيانات الأسرة حول مخاطر الحبس الانفرادي الذي يواجهه مرسي تعسفيا بمحسبه..

وظل الرئيس مرسي، الرئيس الشرعي لمصر إلى حين استشهاده رسميا، فقد تولى سدة الرئاسة عام 2012 بعد أول انتخابات نزيهة وحرة وشفافة، شهدتها مصر عقب الإطاحة بنظام حسني مبارك، ليكون الرئيس الأول بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ولم يستمر في الحكم إلا نحو عام،  لتتم الإطاحة به بانقلاب عسكري، قاده وزير الدفاع أنذاك عبد الفتاح السيسي، بمباركة وتأييد من  الكيان الصهيوني أول المستفدين عمليا من إسقاط مرسي- وأي حكم ديمقراطي يعبر عن إرادة عموم الشعب المصري- ومباركة من  الغرب و بعض حكام الخليج.

 

بين المنتخب والمنقلب

ومن ثم تأتي المقارنة بين الرئيس مرسي ومن يحكم مصر بعد 2013، لتكشف مدى الفرق في الكفاءة العلمية والسياسية، فالمؤهلات العلمية للرئيس مرسي تعبر عن خلفية علمية وأكاديمية نادرة بين صفوف حكام مصر الحاليين والسابقين، فتخرج مرسي من كلية هندسة القاهرة 1975، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعين معيدا بها وسافر في العام 1978 إلى الولايات المتحدة  للعمل وإكمال الدراسة ، وحصل على الماجستير في الطاقة الشمسية عام 1978، ثم حصل على الدكتوراة عام 1982، في حماية محركات مركبات الفضاء.

أما سياسيا فهو خطيب مفوه ومحلل جيد للواقع المصري ومداخلاته بمجلس الشعب المصري في عهد مبارك تؤكد كفاءته وأحقيته لحكم مصر، ومثل مرسي حالة إستثنائية في تاريخ مصر الحديث، فقد حقق نتائج لم يستطع “السيسي” تحقيقها طيلة  6 سنوات، بالرغم مما توفر له من معونات مالية من الخارج ودعم من قبل فلول النظام السابق، وبالرغم من سياسة الحديد والنار وقمع المعارضين و إغلاق الميادين و رمي المعارضين في السجون، إلا أن حكم مرسي نجح بالمؤشرات، ورغم كل العوائق الداخلية والخارجية، في تحقيق نتائج إيجابية، لا ينكرها إلا جاحد، و لو استمر في حكم مصر لكان وضع مصر السياسي و الاقتصادي والاجتماعي مغاير تماما لما هو سائد اليوم

 

مؤشرات مرسي

فعلى المستوى الاقتصادي مثلا ارتفع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي خلال الأشهر التسعة الأولى من حكم مرسي  من 1.8% إلى 2.4%، وارتفع إجمالي الاستثمارات التي تم تنفيذها خلال المدة نفسها من 170.4 إلى 181.4 مليار جنيه، وزاد الناتج المحلي بسعر السوق من 1175.1 إلى 1307.7 مليارات جنيه.

أما إجتماعيا، فقد استفاد نحو 1.9 مليون موظف من رفع الحد الأدنى للأجور، كما استفاد 1.2 مليون معلم من الكادر الخاص بالمعلمين، كما استفاد 750 ألف إداري من تحسين أوضاع العاملين الإداريين بالتربية والتعليم، و استفاد نحو 150 ألف عضو هيئة تدريس و58 ألف خطيب وإمام من تحسين أوضاعهم.

وبالنسبة لمحدودي الدخل استفاد 1.2 مليون مواطن من العلاج على نفقة الدولة، واستفادت نحو 90 ألف أسرة من مشروع “ابنِ بيتك”، واستفادت 1.5 مليون أسرة من معاش الضمان الاجتماعي، كما استفادت أكثر من 489 ألف امرأة من التأمين الصحي على المرأة المعيلة، كما استفاد 13.2 مليون طفل دون السن المدرسي من التأمين الصحي.

كما تم إعفاء 52.5 ألفا من صغار المزارعين المتعثرين من المديونيات واستفاد 2793 من صغار المزارعين من مشروع تنمية الصعيد. وأيضا استفاد محدودي الدخل من دعم المواد الغذائية، وبلغ عدد المستفيدين 67 مليون مواطن، وتم توفير 74 مليار و400 مليون جنيه لدعم وتوفير المواد البترولية..

وقد تمت هذه الانجازات في ظل احتجاجات شعبية واسعة وتضييق مالي من قبل الداخل والخارج، ومع ذلك، تم تحقيق خطوات سريعة في اتجاه إرساء التحول الديمقراطي، إذ تم إصدار الدستور بموافقة ثلثي الشعب في استفتاء تمت إدارته بنزاهة وشفافية، وتم نقل سلطة التشريع إلى مجلس الشورى المنتخب، إلى جانب حرص الرئيس على تنفيذ أحكام القضاء فيما يتعلق بسلطاته، مثل سحب قرار عودة مجلس الشعب ووقف الدعوة للانتخابات البرلمانية، والتزم الرئيس بكل ما توصل إليه الحوار الوطني والمشاركة المجتمعية، مثل تعديل الإعلان الدستوري وتعيين 90 من الأسماء المقترحة في مجلس الشورى، وإطلاق سراح المدنيين المحكوم عليهم عسكريا بعد تشكيل لجنة حماية الحرية الشخصية، وإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا النشر.

 

مؤشرات السيسي

أما في عهد السيسي،  فعلى الرغم من أن الاقتصاد المصري بدأ يشهد حركة انتعاش شكلية، إلا أن الوقائع على الأرض توحي بأنه تحسن شكلي على الشاشات، فالإصلاحات التي أطلقها نظام السيسي بدءا من 2014، والتي تمت في  إطار اتفاق لنيل قرض من صندوق النقد الدولي عام 2016 ، شملت تعويم الجنيه ورفع الدعم تدريجيا عن أسعار الوقود والطاقة، و زاد حجم الفقر في مصر، وغرقت مصر في المديونية للخارج والداخل، وأصبحت مصر قاب قوسين من الإفلاس، لولا تدفق الإعانات السخية من بلدان الخليج، وهي إعانات مشروطة ومضارها أكثر من نفعها على المدى المتوسط.

وفي 3 يونيو 2014 تسلّم عبد الفتاح السيسي مقاليد الرئاسة في مصر رسميا، ومرت على السيسي حتى الآن ستة أعوام شهدت جميعها تكرار الوعود منه ومن إعلامه، فبعد أن كان عام 2015 هو عام الرخاء الموعود، تأخر الوعد إلى 2016 مع مطالبات بالصبر، ثم تأجل إلى 2017، وبعده إلى 2018 ثم 2019، حتى جاء الوعد الأخير قبل شهور بأن تصبح مصر بنهاية يونيو 2020 “حاجة تانية خالص، ويعتبر مراقبون سنوات حكم السيسي الست ” سنوات تضليل وفساد ولعب بالأرقام ومشروعات من دون جدوى اقتصادية”.

وتظهر الأرقام الرسمية أن السيسي بنى، خلال السنوات الست، ساتراً منيعاً من الديون التي تعاني منها أجيال من المصريين، وأطاح بدور القطاع الخاص لصالح المؤسسة العسكرية في مختلف المجالات، ما أفرز حالات صارخة من الفساد والفقر.

ويرى خبراء اقتصاد أن السنوات الست الأخيرة، كأنها أعوام النكسة، التي شهدتها مصر بعد هزيمة 1967 أمام الاحتلال الإسرائيلي وضياع سيناء، قبل أن ينتفض المصريون ويزيلوا مرارة الهزيمة بعبور الخط المنيع الذي أقامه الاحتلال في أكتوبر 1973.

كذلك تفاقم الفقر، ليطاول نحو ثلثي سكان البلاد، الذين يتجاوز إجمالي عددهم 100 مليون نسمة، ووصول الديون إلى مستويات غير مسبوقة، حيث جلب السيسي في ست سنوات فقط ديوناً تتجاوز قروض 5 رؤساء تولّوا رئاسة مصر في 60 عاماً.

وأضحى شبح الإفلاس يلاحق البلاد، في ظل المخاوف المتصاعدة من عدم القدرة على سداد أقساط الديون والفوائد المترتبة عليها، بينما أقدم النظام على طباعة مئات مليارات الجنيهات لتوفير السيولة المالية في حالة غير مسبوقة بهذا الحجم.

وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي، في وقت سابق من سبتمبر2019، أن الدين المحلي (الداخلي) قفز على أساس سنوي، في مارس 2019، بنسبة 18.8 % ، وذلك بعد أيام قليلة من إعلانه عن ارتفاع الدين الخارجي بنحو 20 % في الفترة ذاتها، في تصاعد غير مسبوق للديون من دون توقف منذ وصول السيسي للحكم.

وأشار البنك المركزي، إلى أن إجمالي الدين العام المحلي وصل إلى نحو 4.204 تريليونات جنيه (256.2 مليار دولار)، في مارس2019، مقابل 3.538 تريليونات جنيه (215 مليار دولار) في نفس الشهر من 2018.

وقفز الدين المحلي، منذ وصول السيسي للحكم بنسبة 147% ، حيث استدان من البنوك المحلية أكثر من ضعف ما استدانه خمسة رؤساء سابقين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عاماً. وكان الدين المحلي 1.7 تريليون جنيه منتصف 2014، بينما بلغ في يونيو 2011 نحو تريليون جنيه.

أما  حجم الدين الخارجي، فقفز هو الآخر إلى 106.2 مليارات دولار في نهاية مارس 2019 2019، مقابل 88.16 مليار دولار في نفس الفترة من 2018، ما يجعل إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي يتقرب من 6 تريليونات جنيه.

ويتعين على مصر سداد نحو 28 مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2019/2020، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري، منها 17.5 مليار دولار عبارة عن أقساط وفوائد الدين الخارجي، ونحو 10 مليارات دولار ودائع مستحقة.

ومن أقساط الودائع المستحقة 6 مليارات دولار للسعودية، من إجمالي ودائع للمملكة تبلغ 7.5 مليارات دولار، بخلاف الفوائد، ونحو 2.7 مليار دولار أقساط ودائع مستحقة للكويت، من إجمالي ودائع بقيمة 4 مليارات دولار، بخلاف الفوائد، ونحو 1.2 مليار دولار أقساط ودائع للإمارات، من إجمالي ودائع بقيمة 5.9 مليارات دولار، بخلاف الفوائد.

وأمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعب للعامين القادمين أيضا، وهي تحاول البحث عن مقرضين جدد، وتمديد آجال استحقاق ديونها. وتأتي الزيادة غير المسبوقة في الديون رغم تنفيذ نظام السيسي برنامجاً اقتصادياً بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي منذ نوفمبر 2018، تضمّن إجراءات مؤلمة للفقراء، منها رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والكثير من السلع والخدمات، ضمن خطط لإلغاء الدعم.

كذلك حرّرت الحكومة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى تهاوي العملة المحلية لتصل حالياً إلى 16.5 جنيهاً للدولار الواحد مقابل 8.8 جنيهات قبل هذه الخطوة، ما أدى إلى موجات غلاء غير مسبوقة منذ عشرات السنوات، فاقمت الأعباء المعيشية لأغلب المصريين.

ورغم الديون غير المسبوقة التي جلبها السيسي لمصر، لجأ السيسي إلى طباعة النقود بشكل غير مسبوق خلال السنوات الست الأخيرة. فقد بلغت قيمة النقد المصدَّر في يونيو من العام الجاري، وفق نشرة البنك المركزي الصادرة في أغسطس الماضي، نحو 539.2 مليار جنيه، بينما كانت قيمة النقد المصدر في نفس الشهر من عام 2014 نحو 289.8 مليار جنيه، ما يشير إلى أن هذه الفترة شهدت طباعة حوالي 249.4 مليار جنيه (15.1 مليار دولار)، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البنك المركزي.

بجانب ذلك، هناك أزمة حقيقية ناجمة عن تراجع موارد الدولة وتباطؤ مختلف أنشطة القطاع الخاص، وهو ما يتنافى مع الصورة التي يصدّرها الإعلام المحلي، ويرى محللون أن طباعة النقود تمثل نوعاً من التحايل؛ إذ يغطي النظام على مشاكل نقص الموارد بطرق ملتوية، مثل الكثير من حالات الفساد التي انتشرت في الآونة الأخيرة.

وفجّرت التسجيلات المصورة التي أطلقها المقاول المصري محمد علي الذي كانت له تعاملات واسعة مع الجيش ومؤسسة الرئاسة أن السيسي وزوجته أهدرا مئات الملايين في بناء قصور جديدة وتأثيثها على نفقة الدولة.

وبالرغم من الحديث المستمر عن مكافحة الفساد والإعلان عن عمليات مختلفة لمكافحته إعلاميا، تتراجع مصر على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية منذ عام 2014 وحتى اليوم، إذ تراجع الترتيب المصري على المؤشر بمقدار خمس درجات منذ تولي السيسي الحكم، لتسجل 32 نقطة في تقرير عام 2017 والذي صدر في فبراير2019، في مقابل 37 نقطة في تقرير عام 2014، ولعل الحديث عن حجم الفساد في الدولة هو ما دفع نظام السيسي إلى شن حرب على رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، هشام جنينة، وفي يوليو 2017، أصدرت محكمة جنح القاهرة الجديدة حكما بحبس جنينة عاما وتغريمه 20 ألف جنيه (1119 دولارا) بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ.

وجاء الحكم على خلفية اتهامات جنينة بترويج إشاعات تضر بسمعة مصر، بعد إعلانه عن نتائج دراسة عن “تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات في مصر”، إذ كشفت الدراسة أن تكلفة الفساد قد تجاوزت خلال الفترة من عام 2012 وحتى عام 2015 الـ600 مليار جنيه، وهو التصريح الذي أثار غضب مؤسسات الدولة.

وبعد صدور الحكم، استخدم السيسي قانون إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وأعفي جنينة من منصبه، ليدخل الجهاز المركزي للمحاسبات في سبات عميق منذ ذلك الحين.

وفي مقامرة خطيرة، أقحم السيسي الجيش في مئات بل آلاف المشروعات الضخمة كلّفت مئات مليارات الجنيهات، بينما لا يعلم أحد شيئا عن كيفية إدارة الأموال التي تم ضخها في هذه المشروعات والرقابة عليها، بل لم يجرؤ أحد أن يسأل عن جدوى هذه المشروعات اقتصادياً، فالجيش كما قال السيسي مؤسسة مغلقة.”

وبحسب خبراء، فالسيسي لم يقصد إطالة الأذرع الاقتصادية للجيش لتطاول مختلف المناحي الاقتصادية في الدولة لتحقيق منافع، بل ورّطه وجعله في فوهة المدفع، إذ إن الحديث عن فساد داخل هذه المؤسسة يهز ثقة المصريين كثيراً فيها، وهذا خطأ فادح.

كما أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يُعد أكبر علامات الاستفهام لدى الكثير من المصريين بعد شق تفريعة قناة السويس التي استنزف حفرها نحو 60 مليار جنيه من دون جدوى اقتصادية حقيقية.وتستنزف العاصمة الإدارية مئات مليارات الجنيهات.

وفي مقابل مئات مليارات الجنيهات التي يجري إنفاقها في العاصمة الجديدة، تظهر بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في يوليو 2019 زيادة الفقراء إلى ما يقرب من ثلث السكان، بينما يشكك خبراء اقتصاد في شفافية هذه البيانات، مؤكدين أن نسبة الفقر تطاول نحو ثلثي المصريين، في مؤشر على تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وسط غلاء متفاقم وتآكل في قيمة الأجور ونقص في الخدمات.

ووفق بيانات جهاز الإحصاء، فإن معدل الفقر خلال العام المالي 2017/2018 ارتفع إلى 32.5 في المائة، مقابل 27.8 في المائة خلال العام المالي 2015/2016. وألغى السيسي الدعم الموجه للفقراء في الكثير من السلع والخدمات على مدار السنوات الست، وفرض المزيد من الضرائب، ما أنهك ملايين الأسر.

ووفقًا لمشروع موازنة العام المالي الجاري 2019/2020، تمثل الضرائب بمختلف أنواعها نحو 75.5 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة.

وتستهدف الحكومة تحقيق إيرادات ضريبية بقيمة 856.6 مليار جنيه، بزيادة 96 مليار جنيه عن العام المالي الماضي، ويأتي ما يقرب من نصف هذه الزيادة من الضرائب على الاستهلاك (ضريبة القيمة المضافة)، بينما يتوزع النصف الآخر على باقي البنود، وقد أدت سياسات السيسي الاقتصادية إلى هروب نحو 21 ملير دولار من الاستثمارات الاجنبية في مصر مؤخرا.

وحقوقيا، شهد حكم السيسي أسوأ حملة قمع للحريات في تاريخ مصر الحديث، فقد تم سجن آلاف النشطاء، أغلبهم إسلاميون ومن بينهم أيضا عشرات الليبراليين واليساريين، بموجب قوانين صارمة تم سنها منذ نهاية 2013، وشكلت تهمة ”الانتماء لجماعة إرهابية“ ذريعة لاعتقال العديد من المعارضين، وتردي الوضع الحقوقي في مصر ، دفع أحد حلفاء “السيسي” و داعميه و أعني الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إلى التصريح صراحة في 2017،  إلى أن حقوق الإنسان في مصر ينظر إليها بشكل متزايد على أنها في وضع أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق “حسني مبارك.

فغياب الديمقراطية و الحرية التي تم الحجر عليها بعد الانقلاب على الحكم الشرعي و اعتقال الرئيس مرسي المنتخب ديمقراطيا، مثل السبب الرئيس في انحدار مصر و تدهورها بالرغم من كل عمليات التسويق و الدعاية السياسة التي يروجها نظام “السيسي”، إلا أن المؤشرات الفعلية تؤكد أن مصر يستحيل أن تتعافى دون العودة إلى ذات المسار الذي رسخه حكم الراحل مرسي .

 

 

وبين تلك المؤشرات المقارنة بين مرسي والسيسي، يتضح مدى الانهيار الحاد الذي يضرب مصر، ويؤشر على انهيار مجتمعي شامل، قد يعصف بكيان الدولة ككل، وهو ما يؤكد أن سقوط نظام السيسي ليس إلا مسألة وقت، و استمراره في السلطة هو نتاج للقبضة الأمنية وتكبيل الحريات و دعم القوى الأجنبية الرافضة لتقدم مصر و نهضتها ، لكن هذا النظام لن يستطيع الاستمرار طويلا فمساحات الدعم الشعبي و الفئوي له تتقلص بالتدريج و الوضع الاقتصادي والاجتماعي ينهار بشكل متسارع، والمحيط الإقليمي هش وغير مستقر، والحراك العربي لم تنطفئ شعلته بعد، فقد رأينا كيف تم الإطاحة بحكم البشير في السودان وبوتفليقة في الجزائر،  بجانب التمسك الكبير من قبل التونسيين لاستكمال ثورتهم، وانتصارات الشرعية في ليبيا، كلها وقائع تؤكد انهيار الديكتاتوريات بالمنطثة، طال الزمن أو قصر.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022