مستقبل النظام في مصر الفرص والتحديات

حلت الذكرى السابعة لأحداث الثالث من يوليو 2013، والتي تمخضت عن عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، تلا ذلك مرحلة انتقالية لم تتجاوز العام، أسفرت عن تولي السلطة عسكري سابق ووزير للدفاع هو عبد الفتاح السيسي. جدالات لا زالت تثار حول تسمية ما حدث: هل كان ثورة شعبية؛ حيث تدعي السلطة التي تأسست على مشهد الثالث من يوليو، أن ملايين المواطنين شاركوا في الخروج على النظام القائم، وعلى رأسه الرئيس الراحل محمد مرسي؟، أم أن ما حدث انقلاب عسكري، أسفر عن تولي العسكريين السلطة مجددًا؟، خاصة أن كل التطورات اللاحقة جاءت في صالح المؤسسة العسكرية المصرية، وفي صالح دولة مبارك العميقة التي ظلت كامنة، وتعمل في الظل طوال السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة يناير، تعمل على إعادة عقارب الساعة للوراء، واستعادة زمام السيطرة، وإجهاض محاولة التغيير، ووأد الثورة الفتية الناشئة، وهو ما تحقق فعليًّا على الأقل في المدى المنظور.

تحل الذكرى السابعة لمشهد الثالث من يوليو 2013، ولا يزال السؤال الذي تطرحه المعارضة -خاصة الإسلامية- لم يتغير، وهو: هل النظام العسكري الحاكم تحت قيادة الجنرال السيسي لا يزال قادرًا على البقاء؟، أم أنه موشك على الانهيار تحت وطأة الاستبداد والعنف الشديدين والفساد الكبير الذي اتسم به هذا النظام منذ بزوغه؟ سنحاول تقديم إجابة أولية على هذا السؤال من خلال محورين:

 

المحور الأول: على مستوى بنية النظام وتحالفاته:

على مستوى بنية النظام ذاته نشير إلى ملاحظتين كاشفتين؛ الأولى: أن النظام السياسي الحاكم في مصر في اللحظة الراهنة يبدو شديد الهشاشة، وقدرته على مقاومة الانهيار تحت ضغط أي تحدٍّ حقيقي تبدو ضعيفة للغاية. خاصة مع صعوبة التحديات التي يواجهها؛ داخليًّا: حيث زيادة كبيرة وغير مسبوقة في مستويات الفقر والبطالة، وارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، وتردٍّ واضح في جميع الخدمات التي تقدمها الدولة، وعلى رأسها الخدمات الصحية والتعليمية، وهو تراجع لا يحتاج للتأكيد؛ فقد بات واضحًا للجميع. يترافق ذلك مع العنف الشديد الذي تتعامل به الأجهزة الأمنية مع المجتمع، ومع أية محاولات جادة للتعبير عن سخط المجتمع ضد الواقع المتردي الذي يحياه الناس. ومع خطاب إعلامي يحتفي بإنجازات قليلة الجدوى وغير مؤثرة على احتياجات المجتمع الحقيقية. خارجيًّا: هناك أزمة سد النهضة، وهي أزمة مصيرية متعلقة بمياه النيل شريان الحياة في مصر، ويبدو النظام عاجزًا بشكل تام عن تحقيق أية نجاحات في هذا الملف. الملاحظة الثانية: أن هناك صراعات داخل النظام ذاته، تظهر كل فترة، على السلطة والثروة، سلطة غير شرعية تأسست بقوة السلاح، وثروة قائمة على التربح من الوظيفة العامة، وعلى الفساد والتجارة المحرمة. ويبدو أن النظام قادر على الاستمرار رغم كل هذه الصعوبات، لكن هل النظام قادر على مواصلة البقاء رغم هذه التحديات؟

المحور الثاني: القوى المناهضة وقدرتها على تحريك عجلة التغيير:

على مستوى القوى المناهضة للنظام، نرى أن هناك ثلاثة متغيرات حاكمة؛ المتغير الأول: مرتبط بالمجتمع المصري، وقدرته في الوقت الراهن على التغيير، ورغبته في المشاركة في محاولات تغيير ثورية. يبدو أن المجتمع غير مستعد وغير جاهز للمشاركة في جهود للتغيير في الوقت الراهن؛ خاصة مع تعرضه طوال سنوات منذ 2013 إلى موجات متتالية من سياسات التقشف والإفقار، يوازي ذلك موجات مستمرة من القمع والإرهاب والتخويف الرسمي، يوازيه خطاب إعلامي يخوف من الترديات السلبية للثورة، ويذكر بما يحدث في سوريا والعراق واليمن، ويشدد على فكرة غياب البديل الجاهز، مع تشكيكه في قدرة المعارضة على تولي زمام السلطة بعد رحيل النظام القائم، مع تشويهه صورة المعارضة وتضخيمه لمشكلات قوى المعارضة -مع الأخذ في الاعتبار أن مشكلات المعارضة لا تحتاج أي تضخيم لتنفير الناس والمجتمع من قوى المعارضة القائمة- ومع سياسة القمع والإغلاق، يصبح من الصعوبة بمكان احتمالية بروز قوى ثورية جديدة، تكسب ثقة الناس، وتكون أكثر قدرة على مناجزة النظام القائم.

المتغير الثاني: متعلق بجاهزية قوى المعارضة على قيادة حركة تغيير على غرار ما فعلت نهاية 2010 وبداية 2011 سنة الثورة. يبدو أن النظام نجح في استنزاف قوة المعارضة بمختلف ألوانها، خاصة في استنزاف القوى الإسلامية، والتي تمثل العمود الفقري لأية عملية تغيير جادة في مصر. وقوى المعارضة المدنية رغم ارتفاع صوتها، إلا أنها عاجزة عن قيادة تغيير سياسي حقيقي في مصر بدون مشاركة الإسلاميين. نضيف إلى ذلك أن الاستقطاب يجهض أية محاولة للتقريب بين قوى المعارضة المصرية، يضاف إلى ذلك انشغال المعارضة بخلافاتها ومشكلاتها الداخلية، وانكباب قادة المعارضة ورموزها على تحقيق مصالحهم الذاتية ومجدهم الشخصي، ولو على حساب قضاياهم النضالية. ولا يبدو أن هذا الوضع مرشح للتغير، على الأقل في المستقبل المنظور.

المتغير الأخير: متعلق بحالة الغلق والتوقف والعزل التي فرضتها جائحة كورونا، حتى لو ظهرت احتجاجات خلال هذه الفترة، فستظل هامشية مع خوف الناس من المشاركة.

ختامًا: في النهاية، رغم هشاشة النظام؛ نتيجة التناقضات الداخلية التي يعاني منها، ونتيجة التحديات التي يواجهها على الصعيد الوطني، وعلى الصعيد الخارجي، خاصة في ملف سد النهضة، إلا أن النظام مرشح للبقاء، على الأقل في المدى المنظور؛ بسبب عدم جاهزية المجتمع لخوض أية تجربة ثورية جديدة، وبسبب انشغال المعارضة بخلافاتها الداخلية، وبالاستقطاب الذي يحول دون أية محاولة للتقريب بين أطيافها، ونتيجة نجاح النظام في استنزاف المجتمع وقوى المعارضة معًا، ونجاحه في تأميم المجال العام وعسكرته، وهو ما يحول دون ظهور أية قوى جديدة فاعلة وقادرة على كسب ثقة الناس، وعلى مناكفة النظام ومناهضته. يبقى هناك احتمال بوقوع تغيير؛ لكنه تغيير من الداخل، تقوده مجموعة جديدة محسوبة على المؤسسة العسكرية أو الدولة العميقة ضد المجموعة الحاكمة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022