دراسة..التفجيرات بالمؤسسات الإيرانية.. الأهداف والتداعيات والمآلات المستقبلية

الأحد الماضي، وقع حريق في مجمع “تندكويان” على ضفاف الخليج جنوب البلاد، بعدما تسرّبت مواد نفطية شديدة الكثافة في وحدة “بي تي إي” في مجمع “تندكويان” للبتروكيماويات، ويعد المجمع الذي وقع فيه الحريق، من أهم مراكز البتروكيماويات في إيران، كما شهدت إيران سلسلة تفجيرات هزّت مواقع عدّة، أبرزها في منشأة نطنز النووية، التي تقع على بعد 250 كيلومتراً جنوب العاصمة طهران، وهي أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم في البلاد.

ونقلت “وكالة الأنباء الإيرانية” يوم الأحد عن بهروز كمالوندي، المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية” قوله إن الحريق الذي اندلع في محطة نطنز النووية، يوم الخميس 2 يوليو، أحدث أضراراً جسيمة في المنشأة، وذلك على الرغم من الطبيعة الأمنية التي تتمتّع بها المنطقة الممتدة من محيط مدينة قم والطريق الدولي الذي يربط بينها ومدينة أصفهان والتي تُعتبر من الأعلى على مستوى إيران، لأنها تشمل محيط أهم وأبرز المنشآت النووية من محطة فردو إلى مفاعل أراك ومنشآت كاشان الموصولة عبر الجبال بمنشأة نطنز، وتخضع هذه المنطقة لمراقبة أمنية وحراسة مشدّدة لا تسمح لأي طرف بالتحرك في هذا المحيط ما لم يكن من أبناء المنطقة، ما يعني أن إمكانية حصول تسلّل لمجموعة تخريبية من خارج المنطقة والوصول إلى داخل هذه المنشأة يكاد يكون صعباً وشبه مستحيل، ما يسمح باستبعاد احتمالية حصول اختراق من الخارج.

وتحدثت وكالة هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية يوم الجمعة 10 يوليو، عن دوي انفجار سُمع في غرب العاصمة طهران، ولم تقدم الهيئة أي معلومات إضافية عن سبب الحادث الذي وقع في “كرمدره” وبلدة “قدس”، لكنها ذكرت أن الكهرباء انقطعت في منطقة الانفجار بالضواحي الواقعة غرب طهران، كما أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” قد أفادت، يوم الثلاثاء 7 يوليو، بأن انفجاراً وقع في مصنع للأكسجين في مدينة باقر شهر، ما أدى إلى مقتل شخصين، في حين قالت السلطات إن الانفجار ناجم عن خطأ بشري، وفي 30 يونيو قُتل 19 شخصاً على الأقلّ جرّاء انفجار قوي هزّ مركزاً طبياً في شمال طهران، ونفى قائد شرطة العاصمة حسين رحيمي أن يكون الحادث ناجماً عن عمل “تخريبي وفي 26 يونيو، وقع انفجار في شرق طهران بالقرب من قاعدة بارشين العسكرية وقالت السلطات حينها إنه ناجم عن تسرّب في منشأة لتخزين الغاز في منطقة خارج القاعدة.

 

مخاطر جمة

تلك الانفجارات المتكررة، والتي تتعدد بشأنها الروايات الإيرانية، والأخرى الغربية، تكشف أن هناك خطرا محدقا بإيران ومشروعها النووي، سواء أكان التهديد من الداخل أو الخارج، حيث تتطال الانفجارات والحوادث الخطيرة، مواقع حيوية واستراتيجية شديدة الحراسة، بدءاً من منشأة نطنز النووية ومواقع تابعة لـ”الحرس الثوري”، وانتهاء بمناطق صناعية وبتروكيماوية، وخطوط أنابيب غاز من دون أن تعتقل السلطات أي شخص، وعلى الرغم مما يُشاع عن تدبير الاستخبارات الإسرائيلية، أو الأميركية لهذه الضربات، إلا أن ما يثير التساؤل هو كيف تمكن طرف معادِ لإيران من شن كل هذه الهجمات المتتالية خلال أسبوعين فقط، وكيف فشلت أجهزة الاستخبارات الإيرانية مراراً في وقف الهجمات، أوالإمساك بمرتكبيها، وما إذا كانت طهران تعتزم الرد؟

وبغض النظر عن أي تفسيرات وتحليلات، فإن مجرد حصول تفجير داخل هذه المنشآت، يُعدُّ حدثاً أو حادثاً غير طبيعي ويحمل الكثير من الدلالات، حتى إن لم يكن بفعل فاعل من الخارج – خارج البلاد، أو من خارج الحزام الأمني الذي يحيط بهذه المنشأة وأخواتها الأخرى.

ولعل ما يثير الكثير من التكهنات أن الرواية الإيرانية حول ما حدث، تجعل الباب مفتوحا على جميع الاحتمالات، بين الخطأ البشري الذي يبدو أن طهران تميل إلى تكريسه كتفسير رسمي لما حصل، وبين تفجير مفتعل، وهو ما عزّزته وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” التي أشارت إلى ضرورة حصول أو إحداث تغيير في الاستراتيجيات الإيرانية في التعامل مع الحادث، إذا ما كانت واشنطن تقف وراءه أو تل أبيب، لأنه يمسّ بالخط الأحمر الإيراني، والتي إذا ما تم التغاضي عن المساس بها، فإن إمكانية تكرارها تصبح أكثر وقعاً وخطراً على منظومة الردع الوطنية.

 

تفسيرات ما يحدث!

ولعل التفسيرات العديدة للحوادث الانفجارية، ومحاولة تفكيكها، يذهب بعضها إلى أن إيران قد تكون تعاني من ضعف بنيوي وهشاشة أمنية، سمحت بوقوع الحوادث، سواء بسبب الاهمال أو التراخي الأمني، ومن جانب آخر، تذهب بعض التحليلات نحو مخطط امريكي اسرائيلي، قد استهدف إيران.

 

ضعف إيراني

ولعل  صعود تفسير الضعف والترهل الإيراني، الذي قد يكون عاملا مساعدا في تسهيل تنفيذ تلك الحوادث من الداخل او الخارج، مرتبط بالعديد من الشواهد او الفاعلين المحتملين، ومنها:

نمور الوطن: وإذا ما تم تبنّي الرواية التي تتحدّث عن وجود اختراق عبر مجموعة “منشقين موجودين في الأجهزة الأمنية الإيرانية” ينتمون إلى جهة أطلقت على نفسها اسم “نمور الوطن”، وهو ما يمكن التأسيس عليه في حال كان التفجير بفعل أطراف معارضة للنظام استطاعت اختراق المنظومة الأمنية البشرية التي تقوم على حراسة هذا المرفق الحيوي، ما سمح لها بإدخال المواد التفجيرية وتركيبها، من دون التركيز على استهداف المباني الرئيسة، إنّما الاكتفاء بتوجيه رسالة مباشرة تكشف عن ضعف الأجهزة الإيرانية في توفير الحماية لأكثر المواقع أهمية للنظام.

ولعل إعلان هذه المجموعة مسؤوليتها عن التفجير، والسياق الذي أتى به من خلال ما سرّبته هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن تلقّيها معلومات عن حصوله قبل ساعتين من وقوعه، لا يلغي أو ينفي احتمالية أن يكون التفجير “مفتعلاً”، وأن جهات داخلية استغلّت هذه الجماعة المعارضة على ما فيها من خطورة وسلبيات وسهّلت عملية الوصول والتفجير، من أجل استخدام هذا الحادث في عملية الضغط على مراكز القرار في النظام لإجباره على تليين مواقفها الرافضة لأي حوار مع المجتمع الدولي.

-أزمة أمنية: وعلى الرغم من أن أجهزة مكافحة التجسس الإيرانية تتمتع خلال السنوات الماضية بمستوى جيد وفقاً لتقارير غربية. فقد نجحت عملياً في الإيقاع بجواسيس بطريقة مهنية أقرب إلى مستوى القوى الكبرى في العالم، وعلى سبيل المثال، نجح النظام الإيراني بين أعوام 2010 و2013 في اختراق خلية تجسس تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وتمكن من القضاء على عناصرها. كما اضطرت الولايات المتحدة، وإسرائيل إلى استخدام الاستخبارات الهولندية كي تتمكنا من اختراق النظام الأمني لبرنامج إيران النووي عبر استخدام فيروس “ستوكسنت” خلال عامي 2009، و2010.

وتُعتبر هذه المنشآت بمثابة حصن دفاعي متطوّر ومجهّز بكل المنظومات الصاروخية المضادة للأهداف الجوية من طائرات وصواريخ من نوع “تور ام 1 وS300  وS200  ” التي طوّرتها إيران تحت اسم “سوم خرداد، واستخدمت طهران المنظومة الأخيرة في إسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة فوق مضيق هرمز قبل نحو عام من نوع BAMS-373D أو غلوبال هوك MQ-4 الأحدث في العالم والأكثر تطوّراً، علماً أن القيادات العسكرية في الجيش وحرس الثورة الإيرانيين أكدوا في الأيام الأخيرة أن قدرات إيران الصاروخية تسمح لها بإسقاط أي جسم طائر، إن كان صاروخاً أو طائرة مسيّرة أو مقاتلة حربية تتجرأ وتخترق أجواء البلاد.

إلا أن الساحة الايرانية شهدت عددا من الانكسارات الأمنية والاستخبارية، فقبل نحو عامين ونصف، حين كان يُعتقد أن اختراق الأراضي الإيرانية أصعب بكثير من اختراق سوريا التي أجرت إسرائيل العديد من الغارات الجوية، وعمليات الاستخبارات على أراضيها، إذ تمكنت تل أبيب في يناير 2018 من الاستحواذ على وثائق خطيرة تكشف الأسرار النووية لإيران، ما اعتبر وقتها ضربة موجعة لسمعة الاستخبارات الإيرانية، وقبل أكثر من عشر سنوات، اتهمت طهران جهاز الموساد الإسرائيلي بشن هجمات على العلماء النوويين الإيرانيين، الذين قُتل كثير منهم حينما كانوا بمفردهم، أو خارج المنشآت النووية الإيرانية، أي أنهم كانوا أهدافاً أسهل بكثير مما يبدو حالياً من اختراق، أو تفجير مرافق ومنشآت كاملة بشكل متتابع في أنحاء متفرقة من إيران مثل قطع الدومينو.

ومن ضمن الاطروحات، التي قد تثبت الحقائق الكامنة وراء هوية المنفذ لتلك التفجيرات، أنه قد يكون المشهد الحاصل حالياً في إيران من تدبير طرف خارجي، بمساعدة منشقين إيرانيين لاستهداف منشآت نووية وتقليدية إيرانية، ومرافق “الحرس الثوري” بطريقة لم تشهدها إيران من قبل، لكن أن يجري ذلك على مدى أسبوعين من دون أن يتمكن “الحرس الثوري” وأجهزة الاستخبارات الإيرانية من كشف الخلايا التي تقوم بهذه الهجمات، أو وقف عملية الاختراق عبر أجهزة الكومبيوتر أو شبكة الإنترنت، يؤكد إلى حد بعيد حجم الوهن الذي أصاب الاستخبارات الإيرانية، وخصوصاً أجهزة مكافحة التجسس.

 

مخطط امريكي اسرائيلي

وكشفت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، أن (إسرائيل)، وأمريكا وراء التفجيرات الغامضة التي شهدتها إيران خلال الفترة الأخيرة، وذلك بحسب ما نقلته عن محللين متخصصين، ووفقا للخبراء، فإن إيقاع التفجيرات الأخيرة في إيران كان غير عادي، كما أن هناك أدلة على حملة متضافرة جارية لإحباط برنامج إيران النووي، خاصة مع تشتت انتباه طهران بسبب فيروس “كورونا” والمشكلات الاقتصادية، ووجه المحللون أصابع الاتهام للولايات المتحدة و(إسرائيل) منذ الانفجار الأول، مع الإشارة إلى أن واشنطن وتل أبيب تعملان بشكل مترادف، حيث إن لكل منهما وحدات حربية إلكترونية معقدة للغاية وقدرات كبيرة.

وأكد “ديفيد كينيدي”، رئيس شركة “تراست سيكورتي” الأمنية، أن مثل هذه الهجمات بهذا الحجم تتطلب قدراً كبيراً من التخطيط والإعداد لا تملكه سوى (إسرائيل) والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الأمر معقد لأنه يتعلق ايضاً بأنظمة التحكم الصناعية والأجهزة ذات فجوات الهواء، من جانبه، أوضح الخبير “جيف باردين” سبب عدم قدرة إيران على الشكوى علناً من أن الخصوم يحاولون تدمير البرنامج، حيث قال إن الوكالة الدولية للطاقة ترغب بالفعل في التفتيش، وإذا تم اكتشاف أن هذه المواقع بالفعل تعمل ضمن برنامج لتطوير برنامج نووي، فإنه تخاطر بمزيد من الهجمات، وأشار محللون إلى أن طهران تشعر بالفعل بالإحراج الشديد بسبب الانتكاسة الكبيرة للبرنامج بسبب هذه التفجيرات والأمن الداخلي، خاصة أنهم لا يعلمون ما هو القادم، كما أكدوا أن إيران ستتعرض لمزيد من التفجيرات المتعمدة.

وبحسب تقرير للمجلس الأطلسي، وهو مركز بحث وتفكير بواشنطن، الوهلة الأولى قد تشير إلى أن الاستخبارات الأميركية ربما كانت هي الفاعل، ذلك أن دليل الاستخبارات الأميركية يتحدث عن أن التفجيرات ربما تستخدم بشكل سري لتقويض الأنظمة المُعادية بهدف إبطاء الإنتاجية وزرع الارتباك والخوف، إذ يقول دليل الولايات المتحدة عن التخريب “حاولوا ارتكاب أعمال يمكن أن تكون أعداد كبيرة من الأطراف مسؤولة عنها، وعلى سبيل المثال، فإن تفجير الأسلاك في مصنع لإشعال حريق مركزي، يمكن لأي شخص القيام به، وفي إطار الاحتمالات الواسعة، فقد تسمح الولايات المتحدة بعمليات سرية لبث الفوضى في إيران، بعدما عززت خلال الأشهر الأخيرة من جهودها للتجسس على طموحات طهران، ومكافحتها ضمن سياسة الضغوط القصوى التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترمب، بهدف إخراج إيران مرة واحدة وإلى الأبد من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 المعروفة باسم “اتفاق إيران النووي”، أو إجبار النظام في طهران على التفاوض من جديد مع واشنطن حول الاتفاق النووي.

ومن الممكن أيضاً أن تقوم إسرائيل بمثل هذه الهجمات حيث يعتبر برنامج “ستوكسنت”، وهو حصان طروادة الخبيث الذي يضر بشدة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، من بنات أفكار تل أبيب، وواشنطن، كما لا يستبعد مختصون في الاستخبارات السيبرانية، أن تكون هجمات إلكترونية هي السبب وراء هذه التفجيرات، بالنظر إلى أن طهران لم تُلق القبض على أي شخص ولم تُمسك بخيط حتى الآن، وأنه من المرجح أن تكون هذه الهجمات الإلكترونية تم الترتيب والتحضير لها منذ أشهر، أو حتى سنوات قبل تفعيلها الآن.

وعلى الرغم من أن إيران أدخلت كثيراً من التحسينات على شبكاتها ونظمها الإلكترونية بعد هجمات فيروس “ستوكسنت” عليها عام 2010، مما جعلهاا تبدو قوة سيبرانية يُحسب حسابُها، إلا أن ما نشاهده حالياً يشير بوضوح إلى أن قوة النظام الإيراني واستخباراته في هذا المجال، لا تعدو عن كونها قوة من الدرجة الثانية في مواجهة قوة استخباراتية، وسيبرانية متفوقة كشفت حقيقة أن إيران مكشوفة، ولا تتمتع بحماية.

 

الاهداف والرسائل

العودة للتفاوض الدولي حول الملف النووي

وتمثل العودة إلى الحوار والتفاوض، بما يتيح فتح باب التعاون مع المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتطوير وتحديث المنشآت النووية الإيرانية التي تضمّنتها معاهدة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل وينص عليها الاتفاق النووي الموقع بين طهران ومجموعة دول 5+1 ويؤكدها قرار مجلس الأمن رقم 2231، بخاصة أن هذا التعاون تعرّض إلى انتكاسة كبيرة بعد قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق وإدراج أي تعاون دولي مع إيران في المجال النووي على لائحة العقوبات الجديدة.

بالتالي فإن الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة يصبح ملحّاً من أجل الاستمرار في تحديث المنشآت النووية وتعزيز سلامتها وأمنها، ما يسمح للاعتقاد بوجود صراعات وتصفية حسابات داخلية بين أجنحة داخل النظام على خلفية الحاجة إلى تخفيف التوتر والذهاب إلى التفاوض مع واشنطن، وإلّا كيف يُفسّر وقوع الانفجار أو الاعتداء في قسم يُعتبر قيد الإنشاء غير مكتمل ولا يوجد فيه أي نشاط يتعلّق بعملية التخصيب وغير موصول بالشبكة الداخلية الإلكترونية التي تسمح بحصول هجوم “سايبيري” من الخارج، الأمر الذي يسقط هذه الفرضية، فضلاً عن أن المكان المستهدف أو مكان الاستهداف لا يقع في محيط “خزانات وحاويات للغاز” لتكون الرواية مشابهة للرواية التي قُدّمت رسمياً حول التفجير الذي وقع بمحاذاة موقع بارتشين، شرق طهران قبل أيام.

 

التداعيات المستقبلية

ومع استمرار تصاعد التفجيرات في المواقع الإيرانية، يتوقع خبراء أن  تضطر إيران في النهاية إلى إجراء نوع من الاتصالات السرية لإبرام صفقة بهدف وقف التفجيرات، لأن رسالة مَن يقف خلف هذه الهجمات واضحة، وهي أن الضربات والتفجيرات ستتواصل على المواقع النووية، والصناعية، وغيرها ما يهدد بتداعيات ربما لم يتخيلها قادة النظام في طهران، وبينما تشير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤول استخبارات شرق أوسطي قوله، إن إسرائيل كانت وراء التفجيرات، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس نفى ذلك، مشيراً إلى أنه ليس كل حادث يقع في إيران يجب أن تكون له علاقة بإسرائيل.

وما يثير الدهشة، أنه بالإضافة إلى التفجيرات والحرائق الأخيرة، فقد سجلت إيران مئات من حرائق الغابات هذا العام، وهو عدد كبير دفع البعض إلى استنتاج أن جزءاً على الأقل من تلك الحوادث نتج عن الحرق العمد، حسبما أشارت صحف محلية في إيران نقلاً عن مسؤولين بارزين، وفي حين تبدو البنية التحتية الإيرانية في حالة سيئة ما يؤدي إلى حوادث بين حين وآخر، كان أشهرها انفجار قطار محمل بالمواد الكيمياوية في شمال شرقي البلاد عام 2004، ما أسفر عن مقتل 200 شخص على الأقل، إلا أنه من غير المألوف للغاية أن تقع العديد من الانفجارات والحرائق بشكل متتابع في فترة زمنية قصيرة، كما حدث في الفترة الأخيرة.

 

الردود الايرانية

ولعل لجوء النظام الإيراني إلى عدم اعتماد أي من الروايات أو السيناريوهات السابقة، لا يمكن أن يلغي وجود عمل تخريبي قامت به مجموعة استطاعت اختراق المنظومة الأمنية، ولن تتردّد إيران في ربطها بأجهزة استخباراتية أميركية أو إسرائيلية، بخاصة إذا ما وجّهت الاتهام إلى جماعة مجاهدي خلق أو إمكانية أن يكون عملاً من الخارج قامت به إما تل أبيب أو واشنطن.

وفي الحالتين، فإن الحادث يشكّل تحدّياً للنظام ويضعه أمام سيناريوهات الردّ أو السكوت، وهو لن يكون بمنأى عن تداعيات أي من الخيارين، ولعلّ الدلالات التي صدرت في الموقف الذي عبّرت عنه وكالة “إرنا” مؤشر إلى حراجة الموقف الإيراني عندما أكدت أن طهران حاولت “منع التصعيد والأوضاع التي لا يمكن التنبؤ بها أثناء الدفاع عن موقفها ومصالحها الوطنية وحول مستقبل الرد الإيراني، تشير تجارب سابقة إلى أن إيران امتصت من دون رد فعل مبالغ فيه، هجمات مماثلة من مجموعات مدعومة من الخارج، لكن الحادث الذي وقع في نطنز، دمر جزءاً كبيراً من البنية التحتية للبحوث النووية الإيرانية، بما يضع النظام في موقف صعب.

ويشير مسؤول استخباراتي أميركي سابق في تصريحات صحافية، إلى أن طرفاً ما يحاول دفع إيران إلى سوء التقدير، خصوصاً أن طهران لا تزال تشعر بالأسى بسبب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير الماضي. ولو كانت هذه الهجمات قد وقعت قبل ستة أشهر، لكانت إيران سترد على الأرجح، كما فعلت رداً على مقتل سليماني، وفقاً لسياستها في مواجهة التصعيد بالتصعيد. لكن الوضع الآن أصبح مختلفاً، فقد تعززت علاقات الصين مع طهران في الأشهر الأخيرة، ومن المرجح أن الصينيين سوف ينصحون بالصبر والحذر على أمل منع اندلاع صراع مُزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، وتفجير أزمة عالمية تسهم إلى حد بعيد في فوز الرئيس ترمب بولاية ثانية.

ومن المتوقع أن يفضل الإيرانيون الآن شراء الوقت، ليس فقط انتظاراً للانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر،  أملاً في رحيل ترمب عن البيت الأبيض، ولكن أيضاً لأنها تنتظر بقلق وتوتر رفع حظر الأسلحة المفروض عليها من الأمم المتحدة منذ عشر سنوات، الذي سينظر فيه مجلس الأمن الدولي في شهر أكتوبر  المقبل، حيث تحاول واشنطن بكل قوتها حَمل بقية أعضاء مجلس الأمن على تمديد الحظر، بينما تسعى إيران لأن تعتمد السلوك الأفضل في هذه الفترة.

ولهذا فإن الهدف المحوري الذي يدور في أذهان الإيرانيين الآن، هو رفع حظر حصولها على السلاح، ورؤية ترمب يختفي من الساحة السياسية ومن مواجهتهم، ذلك أن المشكلة الرئيسة بالنسبة لهم هي حملة الضغط القصوى الأميركية التي تسبب لهم أكبر المشكلات، أما منشأة نطنز فسوف يتعين عليهم العمل على معالجة الأضرار التي لحقت بها لاحقاً.

ولعل هذا ما ينطبق على الاستراتيجية الايرانية، حيث حاول النظام الإيراني تقديم نفسه منذ وقت مبكر من قيامه، بانتهاجه ما يسميه سياسة “الصبر الاستراتيجي” أو النفس الطويل، في العمل على أهدافه المتوسطة والبعيدة الأمد، تعيد أطراف عربية هذا النهج إلى الشخصية الفارسية بشكل أعم، وهي التي اشتهرت بكيدها السياسي، الذي تتجسد إيحاءاته في لعبة “الشطرنج” التي يحاول الكثيرون محاكاتها في الإيقاع بالخصوم، عبر مكر الكبار ونصب الفخ وراء الآخر، وألمح رجل الدبلوماسية الإيراني الأول محمد جواد ظريف، ذات مرة إلى هذا المسار في سياسة بلاده، على سبيل الفخر وهو يقول للأميركيين، إنه لا جدوى من العقوبات والحصار الذي تفرضه واشنطن على طهران، لأن صبر الجمهورية في تحقيق أهدافها صار سمة معروفة لها، قائلاً، إنها “أخذت الدكتوراه في الالتفاف على العقوبات هذا النهج قد يدفع النظام إلى المراهنة على عامل الوقت في التعاطي مع الشأن الداخلي الإيراني والإقليمي، وهو يُقدّر أن تحركاً أميركياً أو دولياً من النوع الذي تخشى طهران، يصعب في توقيت حرج على أبواب الانتخابات الأميركية، وأثناء أزمة كورونا المرهقة.

 

الذهاب نحو القنبلة النووية

ومن ضمن السيناريوهات والردود الايرانية المتوقعة، ما يرجحه موقع “إيران إنترناشيونال”، إعلان انتاج قنبلة نووية في ظرف خمسة أشهر، مشيرا إلى أنه بعد عامين على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني؛ ونظراً لتوقف عائدات النقد الأجنبي بسبب الانخفاض الحاد في صادرات النفط الخام وتقييد التبادلات التجارية والمصرفية، قد يظهر سلوك النظام الديني الإيراني متسرعاً، وغير متوقع، وأكثر تهديداً من الماضي، رداً على حالة الطوارئ الحالية.

واستناداً إلى العديد من النماذج التي صممتها جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة، وتقرير وزارة الخارجية الأميركية الرسمي لشهر فبراير  الماضي، واستنتاج المعهد الدولي للعلوم والسلامة (ISIS)، في أبريل الماضي، بواشنطن، والتقارير الفصلية والرسمية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول التزام إيران بتعهداتها النووية، فإنها “یمكنها إنتاج قنبلة نووية في أقرب وقت ممكن، وإذا كان لديها برنامج غير معلن وتستخدم 3 آلاف جهاز طرد مركزي IR2، يمكنها امتلاك 25 كيلو غراماً من اليورانيوم مع التركيز العسكري المطلوب لصنع قنبلة ذرية، في ثلاثة أشهر وأسبوع، من خلال زيادة تركيز اليورانيوم منخفض التركيز (LEU) الذي تمتلكه“.

ووفقاً لهذه الدراسات، فإن أطول وقت مطلوب للهروب النووي لإيران هو 4.8 شهر، بينما كان الهدف من الاتفاق النووي لعام 2015 هو خلق فجوة لمدة عام واحد بين إيران والقنبلة الذرية، ولعل سلسلة التفجيرات قد تكون رسالة امريكية اسرائيلية، لعرقلة  “دخول إيران إلى المرحلة النهائية من صنع القنبلة النووية” ولعل ذلك ما يتوافق مع ما نقلته وكالة أنباء إيران عن بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بن الحريق الذي اندلع في محطة نطنز النووية الخميس الماضي أحدث أضراراً جسيمة بالمنشأةمضيفا أن “أن الحريق قد يؤدي إلى إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة على المدى المتوسط”، مضيفاً أن طهران ستشيّد مبنى أكبر بمعدات أكثر تقدماً بدلاً من المبنى المتضرّر في نطنز.

 

مآلآت حرجة تنتظر إيران

ولعل قراءة رسالة التفجيرات، تؤكد أن الأيام المقبلة، ستشهد مصاعب أكبر على ايران، التي تأتيها التحديات من حيث لا تحتسب ؛ من العراق وسوريا ولبنان، وربما اليمن، حيث تستهدفها واشنطن في كل من العراق وسوريا عسكرياً، وفي لبنان سياسياً، ويرجح تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، أن التلاقي الدولي ضد النهج الإيراني خصوصاً في سوريا يقود إلى التوقع بأن النظام ستزداد عُزلته ومصاعبه وافتراقه عن روسيا التي قال تقرير المعهد، إنها “أجادت إدارة الأزمة واختيار الأطراف التي تثق فيها لمشاركتها صناعة قرارات المستقبل السوري. وستزداد الضغوط ضد الوجود الإيراني في سوريا عسكرياً من خلال استهداف ميليشياتها العارية من غطاء دفاعي جوي من قِبل الطيران الإسرائيلي، أو سياسياً، كون طهران لا تمتلك شرعية أو قبولاً دولياً لإبقاء الميليشيات الموالية لها في سوريا، أو اقتصادياً في ظل استمرار العقوبات الأميركية ضدها، في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات الداخلية التي تطالب بوقف التبذير على مشروعات خارجية لا تعود بالنفع على الشعب الإيراني“.

وبحسب مراقبين، فإن الموقف الايراني المتعلق بالانتخابات الأميركية، وتأجيل استحقاقات التفاوض النووي الذي يطالب به الامريكان والغرب، ويطالب به اكراف اقليمية من الانسحاب من سوريا واليمن،  قد يدفع الولايات إلى تكرار سيناريو صدام مع طهران، فبعد أن لم تُجد العقوبات في ذلك الحين على حزب البعث، ذهب الأميركيون إلى خيار إسقاطه عسكرياً، فـ”الحظر الذي عاشه نظام صدام حسين في العراق، بين أعوام 1990 إلى الغزو وإسقاط النظام 2003، يماثل كثيراً العقوبات القاسية على طهران اليوم. فالعقوبات لم تفلح في تغيير صدام ولا إجباره على تغيير سياساته.

 

توتير الشرق الأوسط

ومن ضمن المآت الخطرة، التي تنتظر المنطقة، في ضوء التصعيدات والتفجيرات الأخيرة، ما حذّر منه  المعلق سايمون تيسدال بأنه يزيد من التوتر في الشرق الأوسط، وقال في مقال نشرته صحيفة “أوبزيرفر”: ” يبدو من المؤكد الآن أن إسرائيل أو عملاءها قاموا بتدمير قسم لتخصيب الوقود في مفاعل نطنز يوم 2 يوليو ويقول الكاتب إن إسرائيل لو كانت المسؤولة عن الهجوم فلن تكون نفذته بدون معرفة أولية وتشجيع من إدارة دونالد ترامب. وتشترك الحكومتان بسجل معروف في الهجمات الإلكترونية على المنشآت النووية الإيرانية.

ويضيف الكاتب أن حملة “أقصى ضغط” دخلت مرحلة جديدة من خلال عمليات التخريب المتزايدة، وكان بعض هذه التفجيرات مجرد حوادث، إلا أن التفجير الشهر الماضي بمصنع للصواريخ الباليستية “خوجير” كان عملا مقصودا. فالولايات المتحدة وإسرائيل تعتبران البرامج الباليستية الإيرانية تهديدا عليهما، وكتب المعلق يونا جيرمي بوب في صحيفة “جيروزاليم بوست”: “ما يشهده العالم الآن (أنه بمساعدة إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية وربما المعارضة الإيرانية) هو ضرب المفاعلات النووية والأسلحة التقليدية ومؤسسات الحرس الثوري بشكل عملي وبدون مقاومة

ويقول تيسدال إن الضغط على إيران لا يرحم، فقد قام ترامب وفي وقت واحد بتشديد العقوبات التي تبناها بعد خروجه من الاتفاقية النووية عام 2018. وتريد الولايات المتحدة من الأمم المتحدة تمديد الحظر المفروض على تصدير السلاح إلى إيران، والذي سينتهي في أكتوبر، وتعارض بريطانيا وفرنسا وألمانيا الخطوات الأمريكية، لكنها مجرد متفرج. وتأمل أمريكا وإسرائيل وأصدقاؤهما من دول الخليج العربية، أن تضعف العقوبات الاقتصادية ووباء كورونا الذي قتل من الإيرانيين 12 ألف شخص، النظام الإيراني، وأدى تراجع موارد النفط بسبب انخفاض الطلب العالمي وزيادة البطالة وانهيار قيمة العملة الإيرانية إلى اندلاع تظاهرات لم تدم طويلا العام الماضي.

ويضيف الكاتب أن عمليات التخريب والعقوبات والوباء هي كوكتيل قاسٍ. والمشكلة بالنسبة لترامب وشلة البلطجية من أصدقائه، بنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان، هي أن الوصفة المسمومة ليست ناجحة. وفي الحقيقة، على عكس ما يريدون يحدث، فيما تم تضييع فرصة نزع فتيل الأزمة، ربما للأبد، وفي الوقت الذي أكدت فيه إيران أنها لا تريد اكتساب الأسلحة النووية، إلا أنها تقترب أكثر من أي وقت مضى نحو بناء قدرات لتصنيعها، كل هذا بسبب النوايا الأمريكية السيئة، وحذرت بريطانيا وغيرها، ترامب عندما مزق الاتفاقية النووية أن هذا بالضبط ما سيحدث. وحقيقة تأكيد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما قالته لا يدعو للراحة، ولم تمنع الضغوط الخارجية إيران من مواصلة بناء الصواريخ، ولم تحدّ من تدخلها الضار في سوريا والعراق واليمن، أو أدت إلى تغيير ديمقراطي داخل البلد.

وكان ترامب وليس ملالي طهران البادئ بالحرب، عندما اغتال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري والذي قالت الأمم المتحدة في تحقيق لها إنه لم يكن قانونيا، ويعتقد تيسدال أن ترامب اليائس والباحث عن طرق لاجتذاب الناخبين الأمريكيين قبل نوفمبر المقبل لجأ إلى ألعاب بهلوانية مثل عمليات التخريب شبه السرية، ويعتقد الكاتب أن التفكير الفج وراء سياسة الضغط الأقصى والتي ترى أن جعل الحياة في إيران لا تطاق ستدفع قادة إيران للسلام أو لتغيير النظام، مفلس. وسيضع الإيرانيون بلدهم أولا حالة تعرضه للضرب، مع أن القيادة الفاسدة والعقيمة ضللتهم وخانتهم وقمعتهم. ومع أن تغيير النظام أمر مطلوب في إيران، لأن نظام ما بعد الثورة عام 1979 بات مهلهلا، ولكن الأمر في النهاية يعود إلى الإيرانيين أنفسهم.

ويرى الكاتب أن مأساة إيران هي أنها لو كانت تتمتع بقيادة جيدة ومحترمة، للعبت دور الحاجز ضد روسيا والمتشددين السنة في أفغانستان والدول العربية وتركيا، وهذا هو رأي المؤسسة البريطانية منذ القرن التاسع عشر، وبدلا من ذلك، فلا تزال النزعة الانتقامية لليمين الإيراني المتطرف التي تعود إلى حصار السفارة الأمريكية في طهران عام 1980، تضعف أي عملية إصلاح مؤيدة للغرب والمعسكر الإصلاحي بقيادة الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

وساعدت المعاملة المزدوجة الأمريكية مع إيران على انتخاب المتشددين في البرلمان هذا العام. ويتهم المعسكر المتشدد أي شخص يدعو للتعاون مع الغرب بالخيانة، وتعزز قوتهم بسبب تحالفهم مع قوات الأمن وتحكمهم بالقضاء. وتم استبدال حليف مهم لروحاني في رئاسة البرلمان بعمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف، والذي يهدف لانتصار الرافضين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والشخص المفضل للفوز هو سعيد جليلي، المقرب من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. ويعمل المتشددون على ترشيح قاضي الإعدامات ورئيس القضاء إبراهيم رئيسي ليحل محل المرشد آية الله علي خامنئي، ففوز المتشددين هو إشارة لنظرائهم في أمريكا وإسرائيل الذين يحبون المواجهة. ولو زاد الضغط الخارجي على إيران بطريقة لم تعد تحتمله، فستقوم بالضرب كما فعلت في الماضي.

ويختم الكاتب بالتساؤل: “هل الشرق الأوسط أمام مصيبة محتومة في الأشهر الست المقبلة؟ فلو خرج ترامب فقد تم تجنب مواجهة قاتلة. وإن لم يذهب فابحث عن ملجأ، فستكون هناك تفجيرات جديدة وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه الواشنطن بوست، سابقا، بأن “قرارات ترامب المتهورة قادت إلى أزمة غير ضرورية في الشرق الأوسط”، مستشهدة بأن إيران والجماعات الوكيلة لها في العراق لم ترتدع بمقتل الجنرال قاسم سليماني في بغداد، بداية هذا العام. إذ أن الحملة الإيرانية ضد القوات الأمريكية في العراق من الصعب مواجهتها. لأن هناك صعوبة للدفاع عن القوات الأمريكية في القواعد العسكرية من وابل مفاجئ من الصواريخ متوسطة المدى، مثل التي استخدمت في الهجوم على قاعدة التاجي بالعراق.

ولعل ما يؤكد أن المنطقة تسير نحو تصعيد عسكري غير مسبوق، ما كشفت عنه، في 10 يوليو الجاري، صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بأن هناك استراتيجية أمريكية إسرائيلية لاستهداف برنامج إيران النووي وقادة الحرس الثوري الإيراني.\ونقلت الصحيفة عن بعض المسؤولين إن هذه الاستراتيجية المشتركة آخذة في التطور وهو ما يمكن تفسيره في سلسلة الضربات السرية التي حدثت مؤخرا في إيران، وأشارت الصحيفة إلى الأضرار البالغة التي أصابت المركز الإيراني لأجهزة الطرد المركزي النووية المتقدمة بعد الانفجار، الذي على ما يبدو من تصميم إسرائيل، وذلك في إطار الصراع المستمر منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وطهران، ويتصاعد الآن إلى مرحلة خطرة يحتمل أن تحدث خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ أن ضرب الموقع النووي الإيراني يأتي في إطار الصراع المستمر منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وطهران، ويتصاعد الآن إلى مرحلة خطرة يحتمل أن تحدث خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية

وقال مسؤولان في المخابرات، تمت إحاطتهما بالأضرار التي لحقت بالموقع النووي، إن الأمر قد يستغرق من الإيرانيين ما يصل إلى عامين لإعادة برنامجهم النووي إلى المكان الذي كان عليه قبل الانفجار مباشرة. وتقدر دراسة عامة موثوقة أنه سيكون عاما أو أكثر حتى تتعافى قدرة إنتاج أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، وتتابع “نيويورك تايمز” أنه وعلى الرغم من أن إيران قالت القليل حول الانفجارات، إلا أن المسؤولين الغربيين يتوقعون نوعا من الانتقام، ربما ضد القوات الأمريكية أو القوات الحليفة في العراق، وربما تجديدا للهجمات الإلكترونية. في الماضي، كانت تلك موجهة ضد المؤسسات المالية الأمريكية، وكازينو لاس فيغاس الرئيسي، وسدا في ضواحي نيويورك، أو، مؤخرا، نظام إمدادات المياه في إسرائيل، والذي تعتبره حكومة تل أبيب “البنية التحتية الحيوية وتضيف أن أقرب ما توصلت إليه الإدارة لوصف استراتيجيتها للمقاومة الأكثر عدوانية جاءت في تعليقات المبعوث الأمريكي لملف إيران بريان هـوك، الشهر الماضي، والذي قال “لقد رأينا تاريخياً أن الخجل والضعف يسمحان للمزيد من العدوان الإيراني”.

وتقول الصحيفة الأمريكية إن الخطوة المقبلة قد تكون مواجهة حول أربع ناقلات، وهي الآن في طريقها إلى فنزويلا، التي تعهدت الولايات المتحدة بعدم السماح لها بنقل حمولتها من النفط الإيراني في انتهاك لعقوبات الولايات المتحدة، ويحذر المحللون من أن هذا النهج الحديث محفوف بالمخاطر، وهو نهج قد يعمل على المدى الطويل إلى حد كبير على دفع البرنامج النووي الإيراني إلى مزيد من السرية، وبالتالي يجعل من الصعب اكتشافه، ولكن على المدى القصير، يراهن المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون على أن إيران ستحد من انتقامها، كما فعلت بعد أن قتلت طائرة بدون طيار أمريكية في يناير اللواء قاسم سليماني، أحد أهم القادة الإيرانيين، وبينما عبر بعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم من أن مقتل الجنرال سليماني سيقود إيران إلى شن حرب ضد الولايات المتحدة. طمأنتهم جينا هاسبيل بأن الإيرانيين سوف يكتفون في هجمات صاروخية محدودة ضد أهداف أمريكية في العراق، والتي اتضح أنها صحيحة حتى الآن. قد يكون رد إيران المحدود حافزا لمزيد من العمليات ضدها.

بالإضافة إلى ذلك، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين ومحللي الأمن الدولي إن إيران قد تعتقد أن الرئيس دونالد ترامب سيخسر انتخابات نوفمبر وإن منافسه الديمقراطي المفترض جو بايدن سيرغب في إحياء شكل ما من أشكال التفاوض، إلا ن الهجوم الجديد وضع إيران تحت “ضغوط داخلية وخارجية شديدة”، مع استمرار الضغط على صادراتها النفطية وجهودها لإحياء البرنامج النووي، انتقاما لقرار ترامب في مايو 2018 الانسحاب من اتفاق 2015، وعلى أية حال، يبقى القادم هو الأسوأ  في إيران ومنطقة الشرق الأوسط، التي قد تشهد تصعيا عسكريا بالأيام المقبلة، قد تتناثر انعكاساته على الملاحة الدولية بالمجاري المائية أو قد تطال دول الخليح، بجانب المعتاد من الضربات الانتقامية في سوريا والعراق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022