السيسي ومخططات توريث الحكم.. قراءة في أبعاد حملة ترميم صورة السيسي الابن

يراهن رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي على أولاده الثلاثة محمود ومصطفى وحسن الذين يتولون مناصب رفيعة بجهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية، على امتلاك الأدوات التي يرى أنها تمكنه من تحقيق ثلاثة أهداف يسعى إليها: الأول: تدعيم ركائز الحكم؛ أملا في البقاء على رأس السلطة مدى حياته. الثاني: التمهيد لتوريث الحكم داخل الأسرة كما كان يخطط الرئيس السابق محمد حسني مبارك لنجله جمال ولكنه فشل. الثالث: الحيلولة دون سقوط نظامه ومنع محاكمته على جرائمه الوحشية بحق المصريين بكل فئاتهم وأطيافهم؛ ومنع محاكمته بتهمة إهدار ثروات البلاد على مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية مثل تفريعة القناة والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة وغيرها عبر التوسع في القروض حتى بلغت ديون مصر مستويات مخيفة تكبل البلاد والأجيال المقبلة لعقود مقبلة.

في هذا السياق، شهدت ذكرى الانقلاب السابعة حملة دعاية استهدفت تبييض صورة الضابط محمود نجل الطاغية عبدالفتاح السيسي ومحاولة تقديمه في صورة جديدة في أعقاب العاصفة السياسية التي شهدتها مصر أواخر 2019م، والتي دفعت النظام إلى تهدئة الأجواء بتسريب شائعة استبعاد نجل السيسي من جهاز المخابرات، لكن حملة الدعاية الجديدة التي تستهدف تبييض صورة نجل السيسي برهنت على أن ملف توريث الحكم داخل الأسرة ليس ثرثرة على ضفاف النيل المهدد بالجفاف بقدر ما تدلل على أن مخططات التوريث يجري ترتبيها وفقا لخطة طويلة المدى ويتم طبخها على نار هادئة؛ بعدما تسببت عاصفة مظاهرات سبتمبر 2019م والاتهامات العنيفة بالفساد والموثقة من جانب المقاول محمد علي للسيسي وأسرته والهيئة الهندسية التابعة للجيش، وهي العاصفة التي تسببت في تعطيل مخططات التوريث بشكل مؤقت، وأجبرت السيسي على تنحية نجله شكليا وإبعاده (مؤقتا) عن الأضواء في إطار مساومة مع بعض الأجهزة السيادية الغاضبة بسبب توسُّع نفوذ السيسي الابن وبسْط سطوته على الحياة السياسية وقطاع الإعلام، وهي الصفقة التي تضمنت أيضا خروج الفريق سامي عنان من السجن في إطار تهدئة الأجواء واليقين بأن  ظهور المقاول إنما يرتبط بشكل أو بآخر بقيادات نافذة بالمؤسسات السيادية غير راضية عن مسار الحكم الحالي.

وبعد نجاح السيسي في الخروج من أزمة التظاهرات التي دعا لها المقاول، وهدوء الشارع في أعقاب اعتقال الآلاف من النشطاء، عاد الحلم مجدداً ليراود السيسي ونجله، فالابن لم ينفذ قرار انتدابه للسفارة المصرية في موسكو،  وظل في الجهاز يتابع كثيرا من الملفات الحساسة بعيدا عن الأضواء، ومؤخرا ظهر في أدوار جديدة داخل الجهاز السيادي العتيق، في محاولة لاستعادة أدواره السابقة، من خلال توليه أخيراً قيادة ملف تنسيق العملية العسكرية المشتركة بين قوات الجيش وأبناء القبائل المصرية ضدّ عناصر تنظيم “ولاية سيناء” الموالي لتنظيم “داعش” في شمال سيناء، وهو ما تسبب في حالة من الغضب المتجددة داخل الجهاز، حيث كان نجل السيسي سبباً في وقت سابق في الإطاحة بنحو 44 من وكلائه وقياداته البارزين، لإفساح المجال أمامه وتصعيده ليكون أحد أهم قيادات الجهاز.

هذه المعطيات دفعت دوائر السيسي المقربة نحو التعجيل بحملة إعادة إنتاج السيسي الابن وتبييص صورته ، عبْر حملة إعلامية بدأت أولى حلقاتها بتقرير دعائي نشره موقع «القاهرة 24»،أحد المواقع الإخبارية المحسوبة على الأجهزة الأمنية، استهدفوا به بحسب نص التقرير “نفض الغبار عن سيرة النجل”، وتبرير إسناد ملفات سيناء إلى “الابن” بدعوى معرفته بالتقاليد والعادات ووجدان القبائل عن قرب، ما انعكس بحسب التقرير “على الرؤية العامة التي طوّرت من خلالها الدولة المصرية استراتيجيات المواجهة في سيناء على المستويات الاجتماعية والإنسانية قبل السياسية والعسكرية”.

وما يؤكد الأهداف الدعائية أن العقيد أحمد شعبان، أحد مساعدي عباس كامل رئيس الجهاز، أعاد نشره على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك” وأرفق معه عبارات الثناء والمدح على السيسي الابن، الذي قرر العودة للأضواء ،وكتب شعبان عن محمود السيسي: “عمِل في صمت حين كان الضجيج لا يُسمن ولا يغني من جوع… اختار الصمت حين تحدثوا عنه بالإفك”.

 

قراءة في مضامين الحملة

ركزت حملة تبييض صورة السيسي الابن على نفي حصوله على ترقيات استثنائية وأنه مقدم وليس عميدا دون نفي نفوذه الواسع بالجهاز وكونه يمثل الرجل الثاني بعد عباس كامل، كما أشار إلى أدوار نجل السيسي في العمليات العسكرية بسيناء والتي تشهد إخفاقا متواصلا للجيش أمام حفنة مسلحين يقدرون بالمئات، ولكن المثير أن التقرير كشف عن ارتباط نجل السيسي بأحداث خطيرة، مشيرا إلى أنه كان وسط ميدان التحرير إبان ثورة يناير 2011، وتعامل مع الثوار بشخصية وهمية وقدم لهم الخدمات، وشارك في ضبط جاسوس بالميدان، ما رفع من تقديره بالمخابرات حينها، والواقعة الأكثر إثارة وهي ذكر التقرير الصحفي أن نجل السيسي، له علاقات واسعة بقبائل شمال سيناء وأنه محبوب بشكل كبير لديهم، ومن ثم تحدث التقرير عن تواجد محمود السيسي، ودوره بسيناء بفترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، أثناء حادثة رفح الأولى في آب/ أغسطس 2012، والتي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا وأحيل على إثرها قائد الجيش ورئيس الأركان المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان للتقاعد، وتولى بعدها السيسي قيادة الجيش.

ويمكن رصد الملاحظات الآتية في فهم وتفسير أبعاد حملة تبييض صورة نجل السيسي في هذا التوقيت.

أول وأهم الملاحظات على مضامين وتوقيت هذه الحملة أنها تبرهن على صحة وجود مخططات توريث الحكم لنجل السيسي، هذه المخططات ليس هدفها أن يتولى الابن مناصب قيادية شديدة الحساسية والأهمية ولكنها خطة بعيدة المدى تستهدف تقديمه للرأي العام من خلال مجموعة من الأدوار البطولية، وكذا جمْع خيوط المشهد السياسي والإعلامي بين يديه بشكل تدريجي، خصوصاً في ظلّ تآكل جدار الثقة بين السيسي وكثير من الدوائر المحيطة به”، وما يعزز من فرص نجاح مخططات السيسي لتوريث الحكم لنجله أنه ــ بعكس جمال مبارك ــ  ابن المؤسسة العسكرية ما يعني أن الأجنحة التي رفضت جمال مبارك كونه مدنيا لا حجة لها أمام السيسي الابن الذي يترقى ويتولى مناصب حسابة بالجيش والمخابرات، وقبل شائعة الاستبعاد، أشرف نجل السيسي على ملفات حساسة منها التعديلات الدستورية التي جرى تمريرها في إبريل 2019م، ومهدت لبقاء السيسي في السلطة حتى 2030م، بخلاف منحه صلاحيات فرعونية مطلقة على كافة مؤسسات الدولة، كما كان يشرف على ملف سد النهضة وهندسة المشهد السياسي عبْر الإشراف على خطط تشكيل التحالفات الحزبية، وتشكيل البرلمان، قبل أن تهدأ تلك الزوبعة بشائعة إبعاد السيسي الابن، والعقيد أحمد شعبان، الذي كان يشرف على برنامج الشباب الرئاسي، ومؤتمر الشباب، عن الأضواء وتحجيم نفوذهما، بعدما تردد في وقت سابق أن شعبان انتقل إلى سفارة مصر في اليونان، فيما انتقل نجل السيسي للعمل كملحق عسكري في سفارة مصر في روسيا، وهي الأنباء التي ثبت أنها لم تكن صحيحة.

من ناحية ثانية، تزامنت حملة تبييض صورة  السيسي الابن، مع عودته للأضواء مجددا وتكليفه بمهام حساسة وأنه عاد أخيراً ليتردد اسمه بقوة داخل دوائر رئيس جهاز المخابرات، اللواء عباس كامل، الذي كلّف السيسي الابن بإدارة ملفات من الباطن، كما تتزامن حملة تبيض صورة نجل السيسي بعودة بدأت خجولة للعقيد أحمد شعبان الذي يعدّ بمثابة الذراع اليمنى لكامل، والذي أجرى مؤخرا اتصالات بعدد من القيادات الشبابية ببرنامج الشباب الرئاسي، تسببت في غضب لدى ضابط مخابرات يدعى حازم، والذي انتقل إليه ملف الإشراف على البرنامج، بعدما نما إلى علمه تنسيق شعبان مع هؤلاء الشباب، على الرغم من أنّ ذلك لم يعد من اختصاصه، وتوليه ملفات أخرى داخل جهاز المخابرات العامة، أقرب إلى العمل الإداري.

من جهة ثالثة، تسببت خديعة السيسي للرأي العام وأجهزة الدولة بشأن نجله في تنامي حالة من الغضب داخل جهاز المخابرات العامة؛ فقد ثبت للجميع أن عملية الإبعاد كانت مجرد شائعة لتهدئة الموقف أثناء العاصفة السياسية التي أشعلتها اتهامات المقاول محمد علي للسيسي وأسرته وهيئة الجيش الهندسية بالفساد، والذي توارى هو الآخر عن  المشهد في يناير2020م؛ فيما اعتبره البعض مرتبطا بالصفقة التي أجراها السيسي مع قيادات نافذة بالجيش والمخابرات والتي جرى العفو بمقتضاها عن الفريق سامي عنان والتخفيف عن الضغوط التي مورست عليه  وعلى الفريق أسامة عسكر وعدد من القيادات السابقة بالجيش والمخابرات، وتفسير حملة الدعاية لتبييض صورة السيسي الابن أن هناك من يرى داخل دوائر السيسي القريبة أنّ الأمور قد هدأت، والرأي العام انشغل بقضايا كبرى أخيراً، ولم يعد أحد يلتفت إلى دور نجل السيسي في الحياة السياسية، وأنّ الظروف باتت مواتية لإعادته تدريجياً لبعض الملفات التي كان يعمل عليها، مع إرجاء تدخله مجدداً في ملفات السياسة الداخلية في الفترة القريبة المقبلة، خصوصاً وأنه ليس هناك ما يستدعي ذلك”.

البعد الرابع،  في فهم أبعاد حملة تبييض صورة السيسي الابن أن الحملة أكدت فعلا إسناد ملف سيناء له، وأنه لعب دورا كبيرا لدى بعض قبائل سيناء، عبْر اتصالات ولقاءات أجراها، في إطار تنسيق الحملة الأمنية المشتركة بين الجيش وأبناء القبائل، ضدّ عناصر تنظيم “ولاية سيناء” الموالي لـ”داعش”، إسناد هذا الملف لنجل السيسي يعود إلى سببين: الأول يعود لخبرته في هذا الملف بحكم عمله عليه لفترة ليست بالقليلة، الثاني أن هذا الملف لا يفضّل كثيرٌ من قيادات جهاز المخابرات العامة العمل عليه، نتيجة فرضه احتكاكا مباشرا مع قيادات الجيش، وهو ما يمثل حساسية لدى ضباط المخابرات؛ لذلك هو يتطلب أشخاصاً بمواصفات محددة، وهو ما يمكن لنجل السيسي أن يتجاوزه عبر تدخّل والده لدى قيادات المؤسسة العسكرية”،  ويرتبط نجل السيسي بعلاقات وثيقة برجل الأعمال السيناوي المشبوه والمثير للجدل إبراهيم العرجاني، الذي يعود مصدر أعماله إلى عمله في تهريب المخدرات عبر الحدود المصرية والأراضي المحتلة، وكذلك من خلال عمله في تهريب البشرخصوصا الأفارقة من سيناء لإسرائيل، بالإضافة إلى عمله في التهريب من سيناء لقطاع غزة عبر الأنفاق خلال السنوات العشر الماضية”، واليوم وعبر علاقة العرجاني بنجل السيسي وكبار الجنرالات بات  يحتكر إدخال البضائع إلى غزة، مقابل إتاوة كبيرة لقاء كل شاحنة، حتى إن بقية الشركات المصرية والفلسطينية تضطر إلى التعامل مع العرجاني لإدخال بضائعها، ويتردد أن العرجاني يحصل على إتاوة قدرها 200 ألف جنيه مقابل كل شاحنة وتزداد الإتاوة إذا كانت الشاحنة تحمل سجائر أو معسل، ويدخل يومياً ما لا يقل عن 100 شاحنة إلى غزة، وبالتالي يكون العائد اليومي أكثر من 110 آلاف دولار، أي ما يعادل مليوني جنيه، هذه الإتاواة الضخمة وهذه الامتيازات الكبيرة حصرية لشركة “مصر سيناء للاستثمار” التي يرأس العرجاني مجلس إدارتها؛ ولم يكن ليحصل العرجاني على هذه الامتيازات الهائلة لولا علاقته بنجل السسي ولولا ارتباطه الوثيق بشبكة المافيا التي تحتكر مفاصل السياسية والاقتصاد في مصر وعلى رأسها جنرالات كبيرة بالجيش وقيادات نافذة بجهازي المخابرات العامة والحربية، ليس ذلك فقط، بل تتحكم شركة العرجاني في عمليات التنسيق لإدخال المحروقات والغاز المنزلي عبر تأمين الشاحنات المارة من سيناء بشكل شبه يومي، فيما تتخوف الدولة من إيصال المحروقات إلى مدن محافظة شمال سيناء منذ أشهر طويلة، بحجة عدم وجود تأمين لشاحنات المحروقات على الطريق، بالإضافة إلى التخوف من وصول كميات منها إلى العناصر المسلحة التي ما زالت نشطة في سيناء، ويستغل العرجاني كل ذلك لفرض إتاوات باهظة على البضائع التي تدخل إلى غزة دون مراعاة للحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من 12 سنة في ظل التشديد الإسرائيلي المفروض على معبر كرم أبو سالم المخصص لإدخال البضائع إلى غزة.

من ناحية خامسة،  فإن مسألة عودة نجل السيسي إلى الأضواء مجددا ترتبط أيضا بزاوية أخرى تتعلق بنزاع على النفوذ بين الدائرة المحيطة بالسيسي؛ إذا يشعر اللواء محسن عبدالنبي، مدير مكتب السيسي” بالأسف على التهميش الذي جرى له مؤخرا ونزع كثير من صلاحياته ضمن خطة إعادة الهدوء التي تمّ فرضها في أعقاب إبعاد كل من الضابط أحمد شعبان ونجل السيسي عن المشهد نهاية العام الماضي، وفي ظلّ توتر العلاقات بينه وبين جناح اللواء عباس كامل، إذ سعى عبد النبي فور وصوله لموقع مدير مكتب الرئيس وراثة وخلافة كامل في الملفات كافة التي كان يسيطر عليها الأخير، قبل تركه موقعه وتوليه منصب مدير جهاز المخابرات العامة، قبل أن ينتهي الأمر بتحديد صلاحيات عبد النبي كنوع من الترضية للأطراف كافة، لكن الخلاف الذي جرى مؤخرا بين جهاز المخابرات العامة ووزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، من بين أسبابه أنّ الأخير استقوى بمؤسسة الرئاسة وتحديداً باللواء عبد النبي، في مواجهة جناح المخابرات العامة الذي يفرض هيمنته على الإعلام منذ عدة سنوات.

 

هل ينجح السيسي في التوريث؟

كانت صحيفة “التايمز” البريطانية، قد سلطت في إبريل 2019م، الضوء على مخططات التوريث التي يتبناها الطاغية عبد الفتاح السيسي، وقالت إن الجنرال وظف أبناءه الثلاثة بمناصب عسكرية ومدنية مرموقة لمساعدته في البقاء بمنصبه حتى 2030، في الوقت الذي يواصل فيه تعزيز قبضته على السلطة، وأشارت الصحيفة إلى أن الثورة المصرية عام 2011 كان من بين أهدافها منع الرئيس الأسبق حسني مبارك (90 عاما) من توريث نجله جمال (55 عاما) ومع ذلك، يُقال إن محمود نجل السيسي، وهو عميد في جهاز المخابرات العامة، كان يشرف على لجنة غير رسمية ترصد التقدم المحرز في “االتعديل الدستوري” الذي يمهد لتمديد فترة رئاسة السيسي إلى 2030 على الأقل، أما مصطفى وهو الابن الأكبر للسيسي -وفقا للصحيفة- مسئول كبير في هيئة الرقابة الإدارية التي اكتسبت مكانة عالية في عهد السيسي، وهو يحاول تأكيد سلطته وسلطة الجيش على الأجهزة الإدارية في الدولة، بالإضافة إلى انضمام الابن الثالث، حسن وهو مسئول تنفيذي سابق في مجال النفط، إلى جهاز المخابرات، وألمح التقرير إلى دور نجل السيسي في تمرير”التعديلات الدستورية” التي تفضي إلى بقاء السيسي على رأس السلطة حتى 2030 على أقل تقدير، وأن ترقيات أبناء السيسي تثير القلق حتى بين الموالين له.

هذه المخاوف عبر عنها أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة  إبان أزمة تمرير التعديلات الدستورية محذرا في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر”: “إذا سمح الشعب المصري بتمرير التعديلات الدستورية المقترحة حاليًا فليس من المستبعد نجاح السيسي ليس فقط في البقاء رئيسًا لمصر حتى عام 2034 وإنما أيضا في نقل السلطة من بعده لأحد أبنائه من العسكريين وبذلك يحقق ما عجز مبارك عن تحقيقه، فمتى ندرك أن هذه التعديلات تدخل مصر في نفق مظلم جديد؟”.

وكان مركز “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” وهو مركز إسرائيلي بحثي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد أصدر تقدير موقف في 31 يناير/كانون الثاني 2017، يؤكد فيه أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا.

التوريث إذا يمضي وفق المخطط المرسوم يتولاه أنجال السيسي الثلاثة مباشرة؛ تحت الإشراف المؤقت لرئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ومغزى تعيين “الأنجال” الثلاثة في مناصبهم التنفيذية والعسكرية العليا، وهو تيسير التوريث، وإبقاء السيسي رئيسا لأطول فترة ممكنة، وهو الذي تمكن في فترة الرئاسة الأولى من إحكام قبضته على سلطات الدولة، وأمسك بمفاتيح الحكم المدني والأمني والعسكري والاستراتيجي، وقضى على كل المنافسين وعلى الاستقلال الحقيقي أو النسبي للأجهزة الرقابية والعليا والسلطة القضائية، وغير المواد الدستورية المانعة لعزل مسئوليها، وأعطى لنفسه الحق في تعيين مجلس القضاء الأعلى وعزل رئيسه وأعضاءه، وألغى ما جاء في دستور 2014 من مغاليق مُحكمة تمنع تعديل الدستور، وفَضَّ هذه المغاليق لتأبيد الحكم، وفتح باب الاستمرار المطلق في رئاسة الدولة.

من جهة ثانية فإن السيسي الأب يدرك اليوم أسباب فشل الرئيس السابق محمد حسني مبارك في إتمام مشروع توريث الحكم لنجله جمال وأهمها أن مبارك الابن لم يكن جنرالا بالمؤسسة العسكرية التي ترى عرش مصر حقا لها تتوارثه عبر الأجيال منذ انقلاب 23 يوليو 1952م، لكن نجل السيسي وأبناؤه جميعا باتوا قيادات رفيعة بالجيش والمخابرات وهيئة الرقابة الإدارية وبذلك لا حجة مطلقا داخل الجيش ولا مخاوف من تولي مدني حكم البلاد فأبناء السيسي جميعا كلهم أبناء المؤسسة العسكرية.

السبب الثاني: فيتعلق بحاشية رجال الأعمال التي أحاط مبارك الابن بهم نفسه، وجعلهم أهل مشورته وأصحاب الرأي والنفوذ في مجلس السياسات الذي أسسه تمهيدا لوراثة العرش؛  فقد رأى قادة الجيش في هؤلاء خطرا يهدد النفوذ الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وتهديدا للامبراطورية الاقتصادية للجيش التي ما كان ليتسامح مطلقا في التنازل عنها والتفريط في المكتسبات التي حققها الجنرالات منذ انقلاب يوليو1952 واتفاقية كامب ديفيد1979م، حيث تحول الجيش بسببهما من مقاتلين إلى (بيزنس مان)، يقاتلون الشعب بكل قواه من أجل (التكويش) على السلطة والثروة وبسط النفوذ، لكن شلة محمود وباقي أبناء السيسي هي المؤسسة العسكرية والأمنية.

السبب الثالث: هو هامش الحرية الذي تمتع به الشعب في عهد مبارك قياسا إلى الغلق التام في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو2013م، لكن السيسي نجح خلال السنوات السبع الماضية في القضاء تماما على جميع أشكال الحياة السياسية وحرية الرأي والتعبير وتحولت مصر إلى سجن كبير وسط هيمنة أمنية مطلقة على جميع مفاصل المشهد السياسي حتى ماتت مظاهر السياسة وطفت وهيمنت مظاهر السلطة الشمولية المطلقة على جميع مناحي الحياة.

مخططات محبوكة

السيسي يدرك كل هذه الأبعاد؛  من خلال خبراته كمدير لجهاز المخابرات الحربية من جهة، وتجربته كقائد عسكري قاد انقلابا وحشيا على نظام ديمقراطي؛  فعرف دهاليز المؤامرات والمكائد والدسائس وأوكار الرذيلة السياسية داخليا وإقليميا والتي تستهدف تقويض أي مسار ديمقراطي في مصر والعالم العربي، لهذه الأسباب والمعطيات فقد أعد السيسي نفسه من أجل امتلاك الأدوات  التي يرى أنها تمكنه من تحقيق أهدافه؛ فهل يمكن أن ينجح السيسي في توريث الحكم لأحد أبنائه؟

الإجابة على ذلك تتعلق بتحقيق أمرين مهمين:

الأول نجاح البرنامج الاقتصادي الذي يقوده السيسي منذ نوفمبر 2016م، وذلك بتوفير الملايين من فرص العمل، ورفع الأجور والمرتبات بما يتناسب مع حجم التضخم الذي جرى، وتخفيض أسعار السلع والخدمات وتراجع اعتماد النظام على الاقتراض والحد من تزايد معدلات الفقر و الديون التي تلتهم  نسبة كبيرة من ميزانية الدولة.

الثاني، هو قدرة السيسي على عبور السنوات القادمة بسلام وصولا إلى 2024 وهو توقيت الاستحقاق الرئاسي مع ضرورة فتح أبواب العمل السياسي أمام القوى والأحزاب.

ويبدو من المؤشرات القائمة أن ذلك أمر بعيد المنال خصوصا بعد التداعيات الاقتصادية العنيفة لتفشي جائحة كورونا في النصف الاول من سنة 2020م؛ إذا كيف يتم التوريث أصلا إذا كان نظام السيسي نفسه مهدد بعدم القدرة على البقاء لأسباب تتعلق بالفشل الاقتصادي والقمع السياسي واحتكار الجيش للسلطة والثروة؟!

على الأرجح فإن الصراع الدائر الآن بين السيسي والقوى المناهضة له داخل المخابرات وغيرها من أجهزة الدولة مدعومين بدعم من المعارضة ورافضي الانقلاب سوف تتواصل وسوف تستنزف النظام وتدفعه نحو مزيد من القمع والفشل وهو ما يمكن أن يفضي إلى سقوط النظام إما بفعل انفجار شعبي أو بفعل انقلاب مفاجئ يتم ترتيبه في دهاليز الأجهزة السيادية إذا رأت في بقاء السيسي تهديدا لوجودها ذاته أو تهديدا لنفوذها ومكاسبها الضخمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

  • الذكرى السابعة لانقلاب يوليو: حملة لترميم صورة محمود السيسي/العربي الجديد 03 يوليو 2020
  • محمد مغاور/تقرير مثير للجدل بموقع مصري عن نجل السيسي.. لماذا الآن؟/ “عربي 21” الخميس، 02 يوليو 2020
  • جدل في مصر حول تقرير صحافي يلمّع نجل السيسي/ القدس العربي 2 – يوليو – 2020
  • عبد الرحمن محمد/ وصفه البعض بولي العهد.. نجل السيسي خط النظام الأحمر/ الجزيرة نت 26 نوفمبر 2019
  • عودة نجل السيسي تجدد الغضب داخل الأجهزة السيادية/العربي الجديد 25 يونيو 2020
  • “مقدم أم عميد.. ضابط أم وكيل؟ محمود السيسي وأوجه الحقيقة الغائبة (انفراد بالتفاصيل)/ موقع القاهرة 24 يوليو 2020

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022