انتخابات الشيوخ انقسامات داخل القوى المدنية وقائمة موحدة برعاية المخابرات

 

ألغى دستور 2014 -الذي كتب في ظل نظام 3 يوليو 2013- مجلس الشورى، واكتفى بغرفة تشريعية واحدة، هي مجلس النواب، إلا أن التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها في استفتاء عام 2019، أعادت من جديد مجلس الشورى، لكن تحت مسمى “مجلس الشيوخ”، وقد صدق السيسي على القانون المنظم لعمل المجلس الجديد في 2 يوليو 2020، بعد موافقة مجلس النواب عليه.

وقد تضمن القانون: أن يكون مجلس مؤلفًا من 300 عضو، يُنتخب ثلثا أعضائه، نصفهم بنظام القائمة ونصفهم بنظام الفردي، ويُعيّن رئيس الجمهورية ثلثه الباقي، مع تخصيص ما لا يقل عن 10% من مقاعده للمرأة[1]، أما اختصاصات المجلس الجديد بحسب التعديلات الدستورية، فهي: “دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، ويُؤخذ رأي مجلس الشيوخ في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة”[2]، وهذه الطبيعة غير الملزمة لما يصدر عن “الشيوخ” يرى كثيرون أن المجلس لمكافأة من يرضى عنه النظام، ولخلق مشهد يبدو ديمقراطيًّا من الناحية الشكلية.

وقسّم القانون مصر إلى 27 دائرة، تخصص للانتخاب بالنظام الفردي (كل محافظة دائرة واحدة)، و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يُخصص لدائرتين منها عدد 15 مقعدًا لكل منهما، ويُخصص للدائرتين الأخريين عدد 35 مقعدًا لكل منهما، على أن يُنتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء الذي يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات[3].

وقد أغلق باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ المصري في الثامن عشر من يوليو 2020، بعد ثمانية أيام من فتح باب الترشح، وبعد تقدم 912 مرشحًا، يتنافسون على 200 مقعد، مقسّمين بين الفردي والقائمة بالتساوي[4]، وقالت الهيئة الوطنية للانتخابات إن الانتخابات ستجرى على مرحلة واحدة؛ حيث سيتم فتح جميع اللجان على مستوى الجمهورية أمام الناخبين يومي 11 و12 أغسطس بالتزامن، من التاسعة صباحًا وحتى التاسعة مساءً، وفي وقت لاحق أعلنت الهيئة العليا للانتخابات قبول 762 مرشحًا لانتخابات مجلس الشيوخ المقبلة، بنظامَي الفردي والقائمة، فيما استبعدت الهيئة 150 مرشحًا؛ لعدم استيفائهم الأوراق المطلوبة وشروط الترشح[5].

 

ارتباك القوى المدنية في تعاملها مع المشهد:

بينما أعلنت أحزاب وشخصيات مصرية معارضة، محسوبة على الحركة المدنية الديمقراطية[6]، أنها ستقاطع انتخابات مجلس الشيوخ، في بيان مشترك وقع عليه من الأحزاب: حزب التحالف الشعبي، وحزب الدستور، وحزب الكرامة، وحزب العيش والحرية -تحت التأسيس-، ومن الشخصيات العامة: حمدين صباحي، وجورج إسحاق، وعبد الجليل مصطفى، ومصطفى كامل السيد[7].

في ذات السياق، أعلن حزب تيار الكرامة عدم مشاركته في انتخابات مجلس الشورى، واستمرار التشاور مع شركائه من أحزاب سياسية أخرى لاتخاذ قرار بخصوص انتخابات مجلس النواب. واصفًا مجلس الشيوخ المزمع تشكيله، بأنه «ديكور لتجميل المشهد السياسي، وإرضاء للمقربين من السلطة»، و«يعكس صورة مزيفة عن الديمقراطية في البلاد»؛ حيث إنه بلا دور رقابي أو تشريعي حقيقي[8]، كما أعلن حزب المحافظين برئاسة أكمل قرطام،  تراجعه عن المشاركة في الانتخابات المقبلة؛ بسبب ما وصفه بـ «التعنت والمضايقات والعرقلة» التي تعرض لها بعض مرشحيه أثناء تقدمهم بأوراق ترشحهم؛ مما جعل الحزب يستشعر أن «ضمانات إجراء انتخابات نزيهة وعادلة غير متوفرة»[9].

وفي المقابل أعلنت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والعدل، والإصلاح والتنمية، خوضها انتخابات مجلس الشيوخ من خلال القائمة الانتخابية الموحدة التي يقودها حزب مستقبل وطن بمقعدين لكل حزب، وهي أيضًا من أحزاب الحركة المدنية، التي أعلن عدد من أحزابها ورموزها مقاطعة انتخابات الشيوخ[10]. وقد دفع هذا التضارب والارتباك بين مواقف أحزاب الحركة المدنية، رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، إلى تجميد عضويته بالحركة المدنية الديمقراطية؛ بسبب «قرار الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية، الذي يترأسه، بالمشاركة في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب على خلاف ما ترتئيه الحركة»[11].

انقسام مواقف أحزاب الحركة المدنية من انتخابات مجلس الشيوخ في مصر يعكس مسألتين؛ الأولى: أن الأحزاب الرافضة رأت بالفعل أن الانتخابات في الأجواء الراهنة لا تتضمن أية ضمانات بنزاهتها، وأن الضمانة الوحيدة لنجاح المرشحين هو كونهم ممثلين للمؤسسات الأمنية والمخابراتية في مصر، المسألة الثانية: أن هذه القناعة دفعت هذه الأحزاب لمقاطعة الانتخابات؛ استجابة لقناعتهم بأن الأجواء الراهنة لا تقدم أية ضمانات، وفي الوقت نفسه لأنها من الناحية الواقعية تعلم أنها لن تحقق أي نجاحات، ما دامت الأجهزة السيادية الراعية للانتخابات قد تجاهلتهم، والنتيجة أن الأحزاب المقاطعة هي من جهة أعلنت موقفًا مبدئيًّا، ومن جهة أخرى قدمت للجهات السيادية المسؤولة عن الانتخابات رسالة غضب على تجاهلهم من جانب هذه المؤسسات السيادية، ويرى مراقبون أن الانقسامات داخل الحركة المدنية الديمقراطية، والتي تضم أحزابًا قومية ويسارية وليبرالية، هي خلافات قديمة، موجودة بالأساس داخل الحركة، حول طبيعة الأداء والمواقف السياسية المتباينة، بين الأحزاب القومية المنضوية والقوى اليسارية داخل الحركة، وهي أحزاب: تيار الكرامة الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والتحالف الشعبي الاشتراكي والعيش والحرية تحت التأسيس، الذي يشغل المرشح الرئاسي السابق خالد علي منصب وكيل مؤسسيه، وحزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، من جهة، وأحزاب ليبرالية هي المحافظين والإصلاح والتنمية والعدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي، من جهة أخرى[12].

 

قائمة «من أجل مصر» وسيلة النظام للتحكم في مخرجات المشهد:

تحت اسم «من أجل مصر»، شكل حزب مستقبل وطن قائمة انتخابية، شارك فيها 11 حزبًا؛ لخوض انتخابات مجلس الشيوخ، ويضم التحالف أحزاب: «مستقبل وطن» الذي يقود التحالف، و«الشعب الجمهوري»، و«مصر الحديثة»، و«الحركة الوطنية» و«الحرية المصري»، و«حماة وطن»، و«التجمع»، و«المؤتمر»، و«الإصلاح والتنمية»، و«المصري الديمقراطي الاجتماعي»، و«الوفد»[13].

وكما أن تحالف «من أجل مصر» ضمن الحصول على جميع المقاعد بنظام القائمة، بموجب القانون المنظم لانتخابات “الشيوخ”، والذي ينص على أن “تحظى القائمة التي تحصل على ٥١٪ من الأصوات بكل مقاعد الدائرة”، وبموجب رعاية المخابرات العامة للحزب ولتحالف «من أجل مصر» الذي أسسه الحزب برعاية المخابرات العامة، وكنتيجة طبيعية لكون قوائم تحالف «من أجل مصر» بقيادة الحزب هي الوحيدة التي تنافس على القوائم بشكل حصري؛ فإن عدد المرشحين على مقاعد القوائم المغلقة 100 مرشح كلهم ممثلون لتحالف «من أجل مصر»، على إجمالي 100 مقعد؛ الأمر الذي يعني حتمية فوز هؤلاء المرشحين بجميع مقاعد القوائم، شرط حصولهم على نسبة 5% من إجمالي أصوات الناخبين، ما يعادل ثلاثة ملايين صوت تقريبًا[14].

فمن المرجح أيضًا -بحسب مراقبين- أن تستحوذ أحزاب تحالف «من أجل مصر» على المقاعد الفردية، والتي تبلغ 100 مقعد، من خلال التنسيق بين هذه الأحزاب على تقاسم المقاعد الفردية برعاية المخابرات أيضًا، وقد بلغت أعداد المرشحين عن المقاعد الفردية لمجلس الشيوخ 762 مرشحًا، مقسمين على 27 دائرة انتخابية (كل محافظة دائرة) للتنافس على 100 مقعد[15].

 

الخاتمة:

أبرز ملامح مشهد انتخابات مجلس الشيوخ المصري: أولًا: أن المجلس لا يتمتع بـأية أدوار حقيقية؛ في ظل دوره الاستشاري، الذي يتوقف عند حدود تقديم المقترحات، والتعليق على القضايا والموضوعات المحالة إليه. الثاني: أن المجلس محاولة لمكافأة واسترضاء الشخصيات الداعمة للنظام والمقربة منه، والرعاية لسياساته، ومحاولة لتوسيع التحالف الداعم للنظام القائم. الثالث: أن الأحزاب المشاركة في مشهد انتخابات الشيوخ؛ إما محسوبة بشكل مباشر على المؤسسات الأمنية والمخابراتية، وإما قررت تحقيق مكاسب خاصة، وحرصت على الوجود الصوري، ما دامت عاجزة عن تغيير وضعها الراهن.

[1] العربي الجديد، بدلات القضاة والأمن ترفع تكلفة انتخابات مجلس الشيوخ المصري، 10 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/NOqRtl

[2] الجزيرة نت، ما سر عودة مجلس الشيوخ بمصر؟، 15 يوليو 2019، الرابط: https://is.gd/q6C75M

[3] أخبار اليوم، كيف تُجرى انتخابات مجلس الشيوخ للقوائم والفردي؟ .. تعرف على التفاصيل، 14 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/VK7RXG

[4] مصراوي، رئيس الوطنية للانتخابات يعلن غلق باب الترشح لمجلس الشيوخ و٩١٢ مرشحًا تقدم للعضوية، 18 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3gcUTbT

[5] مصراوي، انتخابات مجلس الشيوخ .. الهيئة الوطنية تقبل 762 مرشحًا وتستبعد 150 آخرين، 19 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3gd1VNP

[6] وهي حركة سياسية علمانية مصرية، وتضم أحزابًا قومية ويسارية وليبرالية، تأسست في 2017، بعضوية: حزب الدستور، وحزب الكرامة، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب العيش والحرية. الرابط: الدستور، مرشحو «من أجل مصر» لانتخابات الشيوخ يجتمعون في مقر «دعم مصر» (صور)، 16 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3f14hxM

[7] الجزيرة نت، أحزاب وشخصيات مصرية تعلن مقاطعة انتخابات مجلس الشيوخ، 23 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/E150eH

[8] حزب تيار الكرامة (فيس بوك)، تيار الكرامة يرفض المشاركة في انتخابات “الشيوخ”، ويواصل حواراته للبت في شأن “النواب”، 18 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3g0bRd3

[9] المصري اليوم، «المحافظين» يعلن مقاطعة انتخابات مجلس الشيوخ: نتعرض لمضايقات، 18 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3g3bkaC

[10] الوطن، أحزاب الحركة المدنية تفشل في قائمة الشيوخ وتترك لأعضائها حرية المشاركة، 11 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/AOKntD

[11] مدى مصر، مصادر: السيسي ورامافوسا ينهيان أزمة تصريحات إثيوبيا بشأن ملء «خزان النهضة»، 16 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/2WX4k7v

[12] القدس العربي، انتخابات مجلس الشيوخ في مصر تكشف الخلافات داخل «الحركة المدنية الديمقراطية» المعارضة، 9 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/rbwSUW

[13] الدستور، مرشحو «من أجل مصر» لانتخابات الشيوخ يجتمعون في مقر «دعم مصر» (صور)، 16 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3f14hxM

[14] العربي الجديد، صراع بين رموز مبارك و”مستقبل وطن” في انتخابات الشيوخ المصري، 25 يوليو 2020، الرابط: https://is.gd/LQ4Ce0

[15] المرجع السابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022